
نجيب أقصبي... اقتصادي مغربي حالم بالعدالة الاجتماعية
رأيه مطلوب في القضايا الاقتصادية التي تهمّ المغاربة. حتى من لا يشاطرون
الاقتصادي المغربي
نجيب أقصبي، مواقفه وآراءه يهتمون بما يصدح به من آراء ومواقف لمعرفتهم بخبرته، وإدراكهم لنزاهته الفكرية وصراحته عندما يتناول الشأن الاقتصادي والمالي من الزراعة إلى سياسة
الموازنة
.
استعاد كثيرون، مساء الجمعة الماضي، مواقف ومسار نجيب أقصبي. فقد عُقد حفل تكريم لهذا الاقتصادي من مجلة العلوم السياسية والاجتماعية بشراكة مع الجمعية المغربية للعلوم الاقتصادية. ذلك تكريم حظي بإشادة العديد من العارفين بمساره، فهو لم يتخلف يوماً عن إبداء آرائه التي يُسبغ عليها نفحة إنسانية تستبعدها من المقاربات الفنية الباردة التي يميل إليها اقتصاديون آخرون.
نموذج للمثقف الجاد
يرى فيه كثيرون نموذجاً للمثقف العضوي. لم يكتفِ بالتدريس والتأليف، فهو حاضر بقوة في النقاش العمومي، ولا يتردد في التعبير عن مواقفه من السياسات الاقتصادية والمالية والدعوة إلى العدالة الاجتماعية، عبر كتبه العديدة، ومساهماته في المجلات المتخصّصة، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي وتصريحاته المطلوبة من وسائل الإعلام.
اقتصاد عربي
التحديثات الحية
المغرب: مباحثات لضخ السيولة في الشركات الصغيرة
يستند أقصبي الذي رأى النور في مدينة فاس عامَ 1952، في ما يعبر عنه من مواقف إلى تكوين متين؛ فقد حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة باريس دوفين، وتخرج من معهد الدراسات السياسية بالعاصمة الفرنسية باريس.
يتولى منذ عقود التدريس بمعهد الزراعة والبيطرة الحسن الثاني بالرباط، كما عمل منسقاً لتخصّص الاقتصاد والتدبير، وعُرف وسط المهتمين والرأي العام بتدريس السياسات الزراعية والمالية العامة والشراكة المغربية الأوروبية.
يوصف ممن لا يشاطرونه آراءه بأنه "متشائم"، غير أنه يحيل على الواقع الذي يراه باعثاً على التشاؤم، مؤكداً أن المهم هو مناقشة الأفكار والوقائع. وأوضح أقصبي مع ذلك أن الاقتصاد المغربي يتضمن نقاط ضعف، لكنه لا يعدم نقاط قوة ومؤهلات، مثل الموقع الجغرافي والقرب من السوق الأوروبية والموارد الطبيعية وتنوع الأنظمة البيئية والموارد البشرية المؤهلة في المدن والأرياف والرصيد التاريخي والثقافي.
معالجة الصعوبات المعيشية
يتصوّر أقصبي أنّ تلك المؤهلات كفيلة بالمساهمة في التطوّر الاقتصادي ومعالجة الصعوبات المعيشية التي يعاني منها المغاربة، وهو ما يُعتبر هدفاً أساسياً لكل عملية اقتصادية. هذا ما يدفعه إلى التأكيد أن التعويل على اقتصاد السوق الذي يسنده القطاع الخاص، والصادرات، والاستثمارات الخارجية المباشرة يفضي إلى اقتصاد الريع.
ينتقد مفهومَ الدولة الاجتماعية، ويراه محصوراً في خطاب للاستهلاك الإعلامي؛ فهو يتصوّر أن الدولة تقترض بهدف تمويل برامج اجتماعية لا تندرج ضمن سياسات مستدامة ترمي إلى تحسين معيشة المغاربة، مشدداً على عدم الانخراط في إصلاح جبائي حقيقي يرنو إلى الإنصاف، سيُفضي إلى عدم توفير الموارد لتمويل الخدمات الاجتماعية.
استحضار أقصبي لهدف العدالة الاجتماعية في السياسات الاقتصادية، يأتي من قناعاته الإنسانية التي سعى إلى تكريسها والدفاع عنها عبر انتمائه إلى اليسار الذي دعا دائماً إلى توحيده.
وهو من الذين انكبّوا على دراسة السياسات الزراعية للمغرب، إذ يحيل على سنوات التقويم الهيكلي تحت إشراف صندوق النقد الدولي. في تلك الفترة برز كبار المزارعين المنشغلين بالزراعات التصديرية على حساب المعيشية، ما أدى إلى الإمعان في استغلال الموارد المائية، ويشدّد على ضرورة إعادة النظر في الاختيارات الزراعية، عبر استحضار مشكلة الموارد المائية والسيادة الزراعية.
الاقتصاد تحت سقف من زجاج
في آخر كتاب له، الذي حمل عنوان "الاقتصاد المغربي تحت سقف من زجاج من البدايات إلى أزمة كوفيد - 19"، يتحدث عن العوامل التي تَحول دون انتقال الاقتصاد المغربي إلى مرحلة الصعود والانبثاق، إذ يؤكد أنّ العائق الذي يتمثل في نظام الحوكمة هو ما يُعيق هذا الإقلاع.
اقتصاد عربي
التحديثات الحية
المغرب: خط الغاز مع نيجيريا سيتم على مراحل بميزانية 25 مليار دولار
ويذهب إلى أن أزمة كوفيد كشفت العيوب التي تخترق الاقتصاد المغربي، خاصّة في ظل تهافت المقولات التي تتغنّى بالعولمة، فقد تجلّى خطأ تراجع الدولة في تولي أمر الخدمات العمومية مثل تلك ذات الصلة بالصحة.
وقد كان أقصبي من أبرز الاقتصاديين الذين يدعون إلى تغليب مفهوم السيادة في السياسة الاقتصادية، خاصة في ما يتصل بالزراعة، فقد تجلت في ظل كوفيد أهمية مسألة السيادة الغذائية، وهو مفهوم يرى أقصبي أن المدافعين عنه كانوا يوصفون بالمناوئين للعولمة واليساريين قبل الأزمة الصحية.
يُذكر أن الاقتصاد المغربي سجل تباطؤاً في وتيرة نموه خلال الربع الرابع من عام 2024، إذ بلغ معدل النمو 3.7% مقارنة بـ4.2% في نفس الفترة من عام 2023، وفق بيانات رسمية. وأوضحت المندوبية السامية للتخطيط المغربية الحكومية، في تقرير سابق لها، أن هذا التراجع يعكس تباطؤاً في عدد من الأنشطة الاقتصادية، رغم استمرار الطلب الداخلي محركاً رئيسياً للنمو، في ظل جهود الحكومة للتحكم في التضخم، وزيادة الحاجة إلى تمويل الاقتصاد المغربي.
أقصبي من القلة القليلة الباقية من الاقتصاديين المغاربة الذين مازالوا يفكّرون في قضايا التنمية باستحضار العوامل الاقتصادية والعوامل غير الاقتصادية.
فاقتصاد التنمية، كما أسَّس له الاقتصادي المغربي الراحل عزيز بلال، لا يقتصر على العوامل المادية فحسب، بل يمتد، كما يقول الاقتصادي المغربي نور الدين العوفي، إلى العوامل المؤسّساتية، والاجتماعية، والثقافية، والرمزية، والسلوكية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


BBC عربية
منذ ساعة واحدة
- BBC عربية
عاجل: أنباء عن تنفيذ قوات إسرائيلية عملية عسكرية خاصة في وسط خان يونس
تعرضت مدينة خان يونس، جنوب قطاع غزة، صباح الإثنين، لقصف إسرائيلي "مُركز وعنيف"، وفق ما وصفه شهود عيان، بالإضافة إلى ما أظهرته مقاطع مصورة انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي. وتنتشر في الإعلام الإسرائيلي معلومات عن "عملية خاصة" نفذتها قوة إسرائيلية دخلت وسط خان يونس لتنفيذ مهمة إخراج رهائن إسرائيليين. ونقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن مصاد أن "العملية هدفت لإخراج رهائن واختطاف قيادي في كتائب القسام"، الجناح المسلح لحركة حماس. ورد الآن هذا الخبر العاجل. التفاصيل بعد قليل.


العربي الجديد
منذ 2 ساعات
- العربي الجديد
المواجهات بين الهند وباكستان... خلفيات الأزمة وآفاقها
تسبّب هجوم مسلح وقع في منطقة باهالجام في القسم الذي تسيطر عليه الهند من كشمير، في نيسان/ أبريل 2025، في مقتل 26 زائراً هندوسيّاً. واتهمت الهند جماعات انفصالية مسلحة مدعومة من باكستان بالوقوف وراء الهجوم، لكن باكستان أنكرت صلتها به. مع ذلك، أغلقت السلطات الهندية المعابر الحدودية، وطردت دبلوماسيين باكستانيين، وعلّقت العمل باتفاقية مياه نهر السند، التي وُقّعت عام 1960؛ ما اعتبرته باكستان "عملاً عدائيّاً يصل إلى إعلان الحرب". في المقابل، أغلقت باكستان مجالها الجوي أمام الطائرات الهندية، وهدّدت بتجميد العمل باتفاقية سيملا لعام 1971، التي حدّدت "خط السيطرة" الفاصل في إقليم كشمير. وتجاوز التصعيد بين البلدين الحسابات التقليدية بعد تنفيذ الهند ضربات جوية استهدفت معسكرات داخل الأراضي الباكستانية، فردّت باكستان بإطلاق صواريخ تكتيكية على مناطق حدودية هندية؛ ما هدّد بتوسيع نطاق الحرب بين القوتين النوويتين، فجرى تطويقها بوساطة أميركية. مع ذلك، يبقى خطر عودة التصعيد محتملاً مع تصاعد الخطاب القومي في البلدين، وتنامي الضغوط الداخلية التي تتعرّض لها الحكومتان، مترافقة مع تحدّيات اقتصادية وتوترات اجتماعية قد تدفع نحو مواجهة عسكرية كبيرة. شكل إلغاء الهند (2019) المادة 370 من الدستور، التي منحت كشمير حكماً ذاتيّاً تصعيداً سياسيّاً وأمنيّاً خطيراً خلفية الصراع تعود جذور النزاع الهندي - الباكستاني إلى حقبة الاستعمار البريطاني الذي حكم شبه القارة الهندية عدة قرون، عزّز خلالها النعرات الطائفية. وحينما قرّرت بريطانيا الانسحاب عام 1947، تم تقسيم الهند البريطانية إلى دولتين: الهند ذات الغالبية الهندوسية، وباكستان ذات الغالبية المسلمة، انطلاقاً من فكرة أن التعايش بين الهندوس والمسلمين غير ممكن. وقد أسفر هذا التقسيم عن موجات نزوحٍ جماعي، وعنفٍ طائفي واسع النطاق أودى بحياة مئات الآلاف من الطرفين. وقد خيّرت بريطانيا إمارات جامو وكشمير بين الانضمام إلى الهند والانضمام إلى باكستان، رافضة استقلال أي إمارة. لكن حاكم ولاية جامو وكشمير، ذات الأغلبية المسلمة، الهندوسي المهراجا هاري سينغ، حاول الاستقلال بإقليمه. تخوفت باكستان من أن تكون هذه المحاولة مقدّمة لضم الإقليم إلى الهند لاحقاً، فشنت قبائل باكستانية مدعومة من الجيش الباكستاني، حديث النشأة، هجومًا ضد الإقليم في 17 تشرين الأول/ أكتوبر 1947 محاولة ضمّه بالقوة إلى باكستان؛ ما أدّى إلى نشوب أول نزاع مسلح مع الهند حول إقليم جامو وكشمير. أرسلت حكومة رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو قوات عسكرية إلى الإقليم جوّاً، بعد موافقة المهراجا سينغ، والتوقيع على "وثيقة الانضمام" إلى الهند؛ الأمر الذي رفضته باكستان واعتبرته غير شرعي. أسفرت حرب 1947-1948 عن سيطرة الهند على نحو ثلثي الإقليم، وفي كانون الثاني/ يناير 1948 تقدمت الهند بشكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي أصدر قراره رقم (47) في 21 نيسان/ أبريل 1948، وتضمن عدة بنود رئيسة، أبرزها: الدعوة إلى وقف إطلاق النار بين الجانبين، وانسحاب القوات الباكستانية (بما فيها العناصر القبلية المسلحة) من الإقليم، يلي ذلك تقليص عدد القوات الهندية إلى الحد الأدنى اللازم لحفظ الأمن، تمهيداً لإجراء استفتاء حرّ ونزيه تحت إشراف الأمم المتحدة يتيح لشعب كشمير تقرير مصيره وحق اختيار الانضمام إلى الهند أو الانضمام إلى باكستان. وقد أُبرم وقفٌ لإطلاق النار بوساطة الأمم المتحدة عام 1949، أسفر عن إنشاء خطٍ للهدنة يهدف إلى وقف الأعمال العدائية في كشمير. وعلى الرغم من صدور قرارات لاحقة أكدت المبادئ نفسها، في الأعوام 1949، و1950، و1951، و1957، فإن الاستفتاء لم يُنفّذ بسبب تباين مواقف الطرفين، فقد اشترطت الهند انسحاباً كاملاً للقوات الباكستانية أولاً، بينما رأت باكستان أن الهند تعرقل تنفيذ الاستفتاء وتسعى إلى تكريس ضم الإقليم. وهكذا بقيت قرارات الأمم المتحدة غير مفعلة، وتحوّل الإقليم إلى بؤرة توتر مزمنة في العلاقات الهندية – الباكستانية، وسط تجدد الاشتباكات والتدخلات الإقليمية والدولية المتباينة المواقف والمصالح. وقد أدّى ذلك إلى وقوع ثلاث حروب مباشرة، خلال عامي 1947–1948، وعام 1965، ثم عام 1971، إضافة إلى حرب كارجيل التي استمرت شهرين في عام 1999. وقد شهدت ثمانينيات القرن العشرين مواجهات مسلحة بين القوات الهندية الموجودة في الإقليم والحركات الكشميرية الانفصالية، مثل "جبهة تحرير جامو وكشمير" التي قادت تمرّداً مسلّحاً؛ ما دفع الهند إلى نشر قوات عسكرية في الإقليم، واتهام باكستان بدعم المتمرّدين. ومنذ 1947 لقي ما لا يقل عن 70000 كشميري مصرعهم من جرّاء المواجهات المسلحة مع القوات الهندية المرابطة في الإقليم. وبعد إعلان كل من الهند وباكستان امتلاكهما السلاح النووي في أواخر التسعينيات، دخل النزاع في طوْر ردع متبادل هشّ يهدّد الأمن والاستقرار في جنوب آسيا. وزاد الوضعَ تعقيداً دخولُ الصراع الهندي - الباكستاني في إطار حسابات التنافس بين القوى العظمى، والصراع على النفوذ والممرات الاقتصادية. تجاوز التصعيد بين البلدين الحسابات التقليدية بعد تنفيذ الهند ضربات جوية استهدفت معسكرات داخل الأراضي الباكستانية أسباب التوتر الراهن أدّت جملة من الأسباب إلى تصاعد التوتر بين الهند وباكستان بدءًا من عام 2014، أهمها: 1. صعود القومية الهندوسية مع تولي حزب بهاراتيا جاناتا، القومي الهندوسي، الحكم في الهند عام 2014، بزعامة رئيس الوزراء الحالي، ناريندا مودي، برز خطاب قومي هندوسي متشدّد يهدف إلى تعزيز الهوية الهندوسية للدولة. أدّى هذا الأمر إلى المسّ بعلمانيتها التي تشكّل أساس التعايش بين الديانات والمذاهب العديدة وتقليص مساحة التسامح الديني والتنوّع الذي تتميز به الهند؛ ما أثار حفيظة الأقليات، لا سيما المسلمين، البالغ عددهم أكثر من مائتي مليون نسمة. وقد انعكس هذا التوجّه بوضوح في السياسات المتبعة في إقليم جامو وكشمير، حيث تفاقمت التوترات نتيجة تشديد الحكومة المركزية من إجراءاتها الأمنية واعتقال قادة انفصاليين ومناهضين للوجود العسكري الهندي في الإقليم؛ ما زاد من النقمة الشعبية ضد الحكومة المركزية، وتنامي نسبة الشباب الملتحق بالجماعات الإسلامية الساعية إلى طرد القوات الهندية من الإقليم. وقد أدّى ذلك أيضاً إلى تنامي الهجمات ضد تلك القوات، كان أبرزها هجوم أوري في عام 2016 وأسفر عن مقتل 19 جنديّاً هندياً وجرح قرابة 30 آخرين. حمّلت الهند جماعة "جيش محمد"، التي تتهم باكستان بدعمها، بالتورّط في الهجوم، ومنذ ذلك الحين، صارت العلاقات رهينة للأحداث الأمنية بينهما؛ إذ وقعت مناوشاتٌ وهجماتٌ متبادلة بين الطرفين، مع تعثّر الحوار السياسي الشامل لحل جميع الخلافات العالقة بينهما بالطرائق السلمية بما فيها إقليم جامو وكشمير. 2. إلغاء المادة 370 وتغيير الوضع القانوني لكشمير ألغت الحكومة الهندية في آب/ أغسطس 2019 المادة 370 من الدستور، التي كانت تمنح إقليم كشمير حكماً ذاتيّاً خاصّاً. وقد شكّل هذا القرار تصعيداً سياسيّاً وأمنيّاً خطيراً، اعتبرته باكستان خرقاً للشرعية الدولية، ورفضته بوصفه "ضمّاً بالقوة" للإقليم. وعاد التوتر في فترة لاحقة من العام نفسه، حينما شُنّ هجوم في منطقة بولواما على رتل من القوات الهندية؛ فأدى إلى مصرع 40 عنصراً من قوات حرس الحدود الهندية. على الأثر، ضربت الهند مواقع عسكرية داخل الجانب الباكستاني من إقليم كشمير، وردّت باكستان بهجماتٍ جوية ضد الهند. 3. الحرب الاستخباراتية ودعم الجماعات الانفصالية تتهم الهند باكستان بدعم "الجماعات الجهادية" النشطة في كشمير، لا سيما "جيش محمد"، و"عسكر طيبة"، بينما تتهم باكستان الهند بدعم الجماعات الانفصالية في إقليم بلوشستان، أكبر أقاليم باكستان، في جنوب غرب البلاد. وتتهم باكستان جهاز الاستخبارات الهندي RAW بالتدخل في شؤونها الداخلية، وتنفيذ عمليات اغتيال منظمة ضد قادة متهمين بمعاداة الهند. وتتسبب هذه النشاطات في زيادة مستوى التوتر بين البلدين. ردّت باكستان على الهجمات الهندية بحزمٍ لافت، بإطلاق صواريخ تكتيكية نحو أهداف حدودية، وأسقطت عدة طائرات هندية في اشتباك جوي تحوّلات الصراع وتغيّر قواعد الاشتباك يتجه عام 2025 إلى أن يكون مفصليّاً في مسار العلاقة بين القوتين النوويتين الجارتين، الهند وباكستان، في أثناء تصاعد واضح للمؤشرات التي تُنبئ بكسر قواعد الاشتباك التقليدية، والانفتاح على نمط جديد من الصراع بينهما. ولا يقتصر هذا الصراع على البُعد العسكري المباشر أو الخلاف الحدودي، بل ينزع إلى أن يكون أكثر تعقيداً بفعل التداخل بين الحسابات الداخلية، والتوتّرات العرقية، والمشاريع السياسية العابرة للحدود، وزيادة حدّة التنافس بين القوى الكبرى المتأثرة بالصراع. ويعكس هذا الوضع تحوّلاً بنيويّاً في طبيعة المواجهة بين الطرفين، يصعب احتواؤه بالأدوات الدبلوماسية التقليدية. في المقابل، لا يبدو الانجراف نحو مواجهة عسكرية مباشرة بين القوتين النوويتين خياراً عقلانيّاً محتملاً لأي من الطرفين؛ نظراً إلى التكلفة البشرية والسياسية والاقتصادية الباهظة التي ستلحق ليس الهند وباكستان فقط، بل مجمل إقليم جنوب آسيا الذي يُعدّ من أكثر مناطق العالم هشاشة من حيث ركائز الأمن الجماعي. وهذا ما يُعزّز دور القوى الكبرى، وفي مقدمها الولايات المتحدة والصين وروسيا، لطرح آليات ومبادرات لاحتواء الصراع، ومنع تحوّله إلى مواجهة نووية محتملة. وقد برز هذا التحوّل، خصوصاً عندما ردّت باكستان على الهجمات الهندية بحزمٍ لافت، بإطلاق صواريخ تكتيكية نحو أهداف حدودية، وأسقطت عدة طائرات هندية في اشتباك جوي. ووسط مخاوف من انزلاق الموقف نحو مواجهة شاملة، تدخّل الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وسط غضبٍ شعبيٍّ هنديٍّ واضح، ليُفضي إلى وقف لإطلاق النار برعاية أميركية، في سابقة نادرة لتدخل دولي مباشر في النزاع. وعلى الأثر، اتفق قائدا العمليات الحربية الهندي والباكستاني على وقف العمليات العسكرية والعودة إلى الحوار. البُعد الدولي في الصراع لا يمكن فهم ديناميات الصراع الهندي – الباكستاني بمعزل عن السياق الدولي المتغيّر؛ حيث أصبح هذا النزاع أحد مرتكزات التنافس بين القوى الكبرى، وفي مقدمها الولايات المتحدة والصين. ذلك أن شبه القارّة الهندية مسرح تتقاطع فيه المصالح الاستراتيجية والاقتصادية والجيو- أمنية للدول العظمى؛ ما يجعل كل تصعيد بين نيودلهي وإسلام آباد اختباراً مهمّاً لمدى قدرة النظام الدولي على إدارة الأزمات، من دون الانزلاق نحو مواجهات إقليمية أوسع. لقد أضحت ساحة المنافسة الجيو- اقتصادية بين الصين والهند تتوسّع من كشمير إلى المحيط الهندي، مروراً بملفات حيوية، كالتكنولوجيا والبنية التحتية وسلاسل الإمداد. وبات جنوب آسيا يشكّل نقطة ارتكاز متزايدة الأهمية في مستقبل الاقتصاد العالمي. في هذا السياق، تعمل الصين على تعزيز شراكاتها مع إسلام آباد، ضمن ما يُعرف بـ "الممر الاقتصادي الصيني - الباكستاني" CPEC أحد أبرز مشروعات مبادرة "الحزام والطريق"، بتكلفة 65 مليار دولار، في حين تميل الولايات المتحدة إلى توثيق علاقاتها الدفاعية والاقتصادية مع الهند، في إطار استراتيجيّتها لاحتواء الصين في المحيطين الهندي والهادئ، وكي تصبح الهند بديلاً من الصين في سلسلة التوريدات العالمية. ويدخل في هذا الإطار أيضاً الحسابات الأميركية حول القدرات النووية الباكستانية التي تُعدّ، منذ لحظة الإعلان عنها رسميّاً في أواخر التسعينيات، حجر الزاوية في معادلة الردع المتبادل بين إسلام آباد ونيودلهي. ومع أنها جاءت في سياق توازن استراتيجي فرضته القدرات العسكرية المتفوقة للهند، فإن التغيرات الداخلية والإقليمية والدولية التي طرأت منذ عام 2001، لا سيما مع تصاعد التهديدات الإرهابية، فرضت تساؤلاتٍ متزايدةً بدأت تطرحها بعض القوى الغربية، وفي مقدمها الولايات المتحدة، عن مدى استقرار التحكم والسيطرة على هذا السلاح في باكستان، وتُلمّح على نحوٍ متزايد إلى ضرورة الرقابة على البرنامج النووي الباكستاني، بذريعة الخشية من وصوله إلى "جهات غير مسؤولة"، أو في حال تصاعد الفوضى الداخلية. وتُقدَّم الجماعات المسلحة، مثل "طالبان باكستان" أو "لشكر جهنكوي"، مثالاً على هذا التهديد الذي قد يستغل أي فراغ أمني في المستقبل. لكن مؤشراتٍ، تبرز خلف هذا الخطاب الأمني، على أجندة استراتيجية أعمق، تسعى إلى تقليص الردع النووي الباكستاني في المدى المتوسط أو تحييده؛ من أجل منح الهند تفوّقاً استراتيجيّاً بصفتها قوة نووية معترفاً بها، وخاصة في سياق الشراكة الهندية – الأميركية المتنامية. وتستفيد هذه الأجندة من عدة عوامل، أهمّها الخطاب الإعلامي الممنهج الذي يُصوّر باكستان دولةً غير مستقرة نوويّاً. ومن هنا، تأتي المطالبة الهندية بحماية دولية للسلاح النووي الباكستاني، بسبب عدم الاستقرار الأمني والأزمات الاقتصادية المتتالية التي تقلّص قدرة الدولة على تحديث منشآتها النووية أو حمايتها، والتحولات داخل الجيش الباكستاني وتراجع تأثيره الإقليمي نسبيّاً مقارنةً بدوره في عقود ماضية. وفي المقابل، لا تُطرح أي مطالب دولية جادّة حول نزع سلاح الهند النووي، بل يُنظر إليها بصفتها جزءاً من "تحالف الديمقراطيات" في مواجهة الصين؛ ما يمنحها غطاءً سياسيّاً واستراتيجيّاً يُبقي ترسانتها النووية خارج نطاق المساءلة. بناءً عليه، يُعدّ النزاع بين الهند وباكستان عاملاً مؤثّراً في إعادة تموضع القوى الكبرى في المنطقة. وفي المقابل، يُعقّد استمرار التوتر الثنائي مساعي الولايات المتحدة لبناء تكتلات إقليمية متماسكة في آسيا، ويقوّض الاستقرار اللازم لترسيخ موازين قوى فعّالة في مواجهة التمدد الصيني المتسارع. من جهة أخرى، تحاول روسيا الحفاظ على توازن علاقاتها مع الطرفين، في ظل رغبتها في الاضطلاع بدور أكبر في الأمن الآسيوي من دون الانحياز المعلن إلى أي طرف. إضافة إلى ذلك، تنشط قوى إقليمية، مثل تركيا وإيران، في استثمار هذه التوترات لتعزيز نفوذها الدبلوماسي، كل وفقاً لحساباته الاستراتيجية الخاصة. تشابك الصراع الهندي - الباكستاني مع حسابات التنافس بين القوى الدولية الكبرى، والقوى الإقليمية الطامحة لا يجعل من حلّ هذا النزاع مسألة ثنائية، بل يحيله إلى ملفٍّ معقّد تتداخل فيه الحسابات الجيوسياسية مع صعود النزعات القومية والمصالح الاقتصادية والاستراتيجيات الدفاعية العابرة للحدود. المواقف المتباينة لكل من الهند وباكستان بشأن مستقبل إقليم جامو وكشمير من أبرز أسباب استمرار هذا الصراع المزمن خاتمة يظلّ الصراع الهندي - الباكستاني أحد أبرز بؤر التوتر الإقليمي في آسيا، ومن الصراعات القليلة التي تنطوي على احتمال استخدام الأسلحة النووية. وعلى الرغم من ذلك، يفرض السياق الحالي على الطرفين حتمية التفكير في حلول سياسية، وخصوصاً في ظرفٍ يتّسم بالتحدّيات الاقتصادية والضغوط الديموغرافية والمخاطر البيئية المشتركة. في الآن نفسه، تُعدّ المواقف المتباينة لكل من الهند وباكستان بشأن مستقبل إقليم جامو وكشمير من أبرز أسباب استمرار هذا الصراع المزمن، فالهند تواصل تأكيد أن الإقليم بأكمله، بما في ذلك الأجزاء التي تديرها باكستان والصين، يُعدّ جزءاً من أراضيها السيادية، في حين تعتبر باكستان أن الإقليم يمثل جوهر النزاع مع الهند، ويجب تسويته بما يحقق تطلعات سكانه. ومع تعقيد المشهد الإقليمي والدولي، يبدو أن الحل الأمثل يكمن في الاعتراف بواقع "خطّ التماس" حدًاً فاصلاً مؤقتاً، والعمل على تهدئة الأوضاع وتجنّب التصعيد، مع التركيز على تحسين الأوضاع المعيشية لشعبَي الدولتين، واتخاذ خطوات عملية لإعادة بناء الثقة المتآكلة بين الطرفين، ريثما يجري التوصل إلى حلٍّ دائم يحقق تطلعات شعب كشمير في تقرير مصيره.


BBC عربية
منذ 2 ساعات
- BBC عربية
فوز رئيس بلدية بوخارست الليبرالي برئاسة رومانيا متوفقاً على منافسه اليميني
فاز نيكوسور دان، رئيس بلدية بوخارست الليبرالي المؤيد للاتحاد الأوروبي، على منافسة اليميني القومي، جورج سيميون في جولة الإعادة الثانية من انتخابات الرئاسة في رومانيا التي شهدتها البلاد، بعد أشهر من الاضطرابات السياسية. وكان جورج سيميون، زعيم حزب "التحالف من أجل وحدة الرومانيين" اليميني المتشدد، قد حقق فوزاً مفاجئاً في الجولة الأولى من الانتخابات هذا الشهر، مستغلاً موجة غضب انتابت الرومانيين الذين شهدوا إلغاء السباق الرئاسي في أواخر العام الماضي بسبب مزاعم تدخل روسي. بيد أن نيكوسور دان، ذو الصوت الهادئ، هو من حقق الفوز بحصوله على 55% من الأصوات في رومانيا، على الرغم من تفوق سيميون الواضح في أوساط الناخبين المغتربين في الخارج. وقال دان بعد ضمان فوزه: "نحن بحاجة إلى بناء رومانيا معاً بصرف النظر عمن صوتم له". وقد أدلى أكثر من 11.6 مليون روماني بأصواتهم في جولة الإعادة يوم الأحد، وحصل دان على دعم أكثر من ستة ملايين منهم. وانتظر نيكوسور دان عالم الرياضيات حتى بعد منتصف ليل الأحد، قبل أن يتأكد بشكل قاطع من أن أرقام فرز الأصوات كانت في صالحه، وحتى يتمكن من الانضمام إلى أنصاره في حديقة مقابل مبنى البلدية في بوخارست. واحتفل مؤيدوه بحماس، يهتفون باسمه ويشجعونه وهم سعداء. في لحظة ما، كاد أن يُحاصر وسط الجماهير المتحمسة، لكن هذه كانت لحظة فارقة للرئيس المنتخب ولمؤيديه بعد شهور من التوتر السياسي. قال دان: "لقد انتصرت مجموعة من الرومانيين الذين يتطلعون إلى تغيير جذري في بلادهم". ولا يشعر الرومانيون بالرضا بشكل عام عن هيمنة الأحزاب التقليدية، وقد ازداد التوتر في هذه الدولة العضوة في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو في وقت سابق من هذا الشهر عندما انهارت الحكومة بعد فشل مرشحها في الوصول إلى الجولة الثانية. وتعهد نيكوسور دان خلال حملته الانتخابية بمكافحة الفساد والحفاظ على دعم أوكرانيا المجاورة في الشمال، بينما هاجم سيميون الاتحاد الأوروبي ودعا إلى خفض المساعدات المقدمة إلى كييف. وهتف أنصار دان "روسيا، لا تنس أن رومانيا ليست ملكاً لكِ". وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي قد أشارت إلى فوز جورج سيميون، لكنها لم تشمل أصوات المغتربين التي تشكل جميعها أهمية، وظل سيميون متمسكاً بالاعتقاد بأنه لا يزال قادراً على الفوز. وفي بداية الأمر، أصر جورج سيميون ، قائلاً: "لقد فزت.أنا الرئيس الجديد لرومانيا. سأُعيد السلطة للرومانيين". لم يُعلن عن اعترافه بالهزيمة حتى الساعات الأولى من صباح الاثنين، حيث أعلن ذلك عبر منشور على فيسبوك. ونتيجة لذلك، تم إلغاء الاحتجاج الذي كان أنصاره يخططون له على ما يبدو. وخلال الحملة الانتخابية، وقف سيميون جنباً إلى جنب مع كالين جورجيسكو، الشخصية اليمينية المتطرفة التي فاجأت رومانيا بفوزها في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في نهاية العام الماضي، مدعومةً بحملة ضخمة على تيك توك. وقد أُلغي التصويت بسبب مزاعم تزوير الحملة الانتخابية والتدخل الروسي، ومُنع جورجيسكو من الترشح مجدداً. ونفت روسيا أن تكون تدخلت في هذه الانتخابات. ورداً على سؤال لبي بي سي، يوم الأحد، عما إذا كان يتصرف كدمية في يد جورجيسكو، قال جورج سيميون: "الدمى هم أولئك الذين ألغوا الانتخابات...أنا رجل أمثل شعبي وقد صوت شعبي لصالح كالين جورجيسكو". وأضاف:"هل نحب الديمقراطية فقط عندما ينتصر الشخص الصالح؟ لا أعتقد أن هذا خيار وارد". كما قال إنه وطني، واتهم ما وصفه بوسائل الإعلام بتشويه سمعته واتهامه بأنه موالٍ لروسيا أو فاشي. كان مفتاح نجاح سيميون في الجولة الأولى، هو فوزه الاستثنائي بين الناخبين المغتربين بالخارج في أوروبا الغربية، بما في ذلك المملكة المتحدة. وقد تظاهر أنصاره بقوة مجدداً يوم الأحد، حيث أظهرت النتائج الجزئية حصوله على 68.5 في المئة من الأصوات في إسبانيا و 66.8 في المئة في إيطاليا و67 في المئة في ألمانيا. كما أنه حصل على أصوات كثيرة في المملكة المتحدة، حيث قال الناخبون إنهم كانوا يختارون كالين جورجيسكو لو لم تمنعه السلطات من الترشح. وقالت كاتالينا جرانسيا، البالغة من العمر 37 عاماً: "لم نكن نعرف شيئاً عن (جورجيسكو) ولكن بعد ذلك استمعت إلى ما كان يقوله، ويمكنك أن تقول إنه مسيحي صالح". وكانت جرانسيا قد تعهدت بالعودة إلى رومانيا إذا فاز سيميون، وقالت والدتها ماريا إنها صوتت أيضاً لصالح التغيير،وأضافت: "أُجبر أطفالنا على مغادرة رومانيا لأنهم لم يتمكنوا من العثور على أي عمل هناك". ومع ذلك، فقد خرج المُصوتون لدان بأعداد أكبر في رومانيا وخارجها. ففي دولة مولدوفا المجاورة، أيد 87 في المئة من الرومانيين رئيس بلدية بوخارست. وقد هنأه كل من رئيسة مولدوفا ورئيس أوكرانيا على فوزه. وقالت رئيسة مولدوفا مايا ساندو "إن مولدوفا ورومانيا تقفان جنباً إلى جنب، وتدعمان بعضهما البعض وتعملان معاً من أجل مستقبل سلمي وديمقراطي وأوروبي لجميع مواطنينا". وقال الرئيس الأوكراني، فولوديمير، زيلينسكي في كييف: "بالنسبة لأوكرانيا، فإن رومانيا جارة وصديقة ومن المهم أن تكون لنا كشريكة نثق فيها". كما قالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، على وسائل التواصل الاجتماعي إن الرومانيين خرجوا بأعداد كبيرة و"اختاروا أن تكون رومانيا واعدة ومنفتحة ومزدهرة في أوروبا القوية".