
الذكاء الاصطناعي والهجمات السيبرانية: كيف نواجه الخطر؟
هنا، يظهر الذكاء الاصطناعي (AI) كجندي مجهول خارق في ساحة المعركة السيبرانية. فمن خلال الذكاء الاصطناعي، أصبح بالإمكان صنع خوارزميات هجومية ذكية ذاتية تتعلم وتستكشف وتُهاجم بكفاءة غير مسبوقة ودون توقف. تتحرك بصمت تخترق أو تعيد تشكيل نفسها وتحاول مرة أخرى.
ولذلك لم يعد من المنطق الاعتماد على أدوات الحماية التقليدية. بل يجب أن يتم ترقيتها ودعمها بالذكاء الاصطناعي. فهذا خيار لا يعد ترفيها تقنيا أو حتى يمكن تأجيله، بل أصبح ضرورة ملحة لا غنى عنها. فالاعتماد على أنظمة أمن سيبراني تقليدية كمن يخوض معركة بأسلحة قديمة ضد عدو شديد الذكاء يتعلم ويطور أسلحته بشكل مذهل وبسرعة فائقة.
إن المنظمات التي لا تُسرّع تبنّي الذكاء الاصطناعي بإستراتيجياتها الأمنية، لا تضع نفسها عرضة للخطر فقط، بل في مرمى الاستهداف مباشرة.
كيف يتم استخدام الذكاء الاصطناعي في الهجمات السيبرانية؟
من خلال تطبيقات الذكاء الاصطناعي، يمكن إعادة صياغة الهجمات السيبرانية، وجعلها تعمل بشكل آلي. فيما يلي أبرز الأساليب التي يعتمدها المهاجمون لتسخير الذكاء الاصطناعي في تنفيذ عمليات اختراق عالية الكفاءة:
تحليل ثغرات الأنظمة بشكل أسرع: أصبح بالإمكان ومن خلال الذكاء الاصطناعي، مسح الأنظمة لبيئة العمل المستهدفة وتحديد نقاط الضعف والعثور على الثغرات في ثوانٍ، ومن ثم اقتراح الطريقة المثلى للهجوم، مما يقلّص وقت الاكتشاف وتنفيذ الاختراق.
أتمتة الهجمات: وهي تنفيذ هجمات ضخمة ومعقدة (مثل هجمات DDoS أو زرع برامج Ransomware) من خلال أنظمة ذكية تدير العملية بشكل آلي وبأوامر معينة معدة مسبقا. وكذلك باستمرار وعلى مدار الساعة.
خداع رقمي أكثر ذكاء: لم يعد التصيّد مجرد رسالة عامة مريبة، بل تحول إلى هجوم ذكي يصلك بلُغتك، باهتماماتك، وحتى بصوت يبدو لك مألوفا.
خوارزميات الذكاء الاصطناعي تستطيع الآن أن تجمع وتحلل البيانات الشخصية من مواقع التواصل، وتصوغ رسائل تصيّد كُتبت خاصة للضحية وبأدق التفاصيل.
التزييف لأغراض احتيالية: باستخدام الذكاء الاصطناعي أصبح بالإمكان عمل مقطع فيديو أو تسجيل صوتي مزيف وبشكل مقنع جدا.
على سبيل المثال، يمكن أن يتم تقليد صوت مدير تنفيذي، وهو يطلب تحويل مبلغ مالي عاجل، أو حضور اجتماع افتراضي لخداع الموظفين.
أصبح استخدام التزييف أمرا واقعيا، ويستخدم فعليا في عمليات الاحتيال على موظفي الشركات والبنوك.
لماذا يعتبر هذا التهديد أكثر تعقيدا وخطورة من أي وقت مضى؟
لأننا لم نعد نتعامل مع شفرات برمجية جامدة أو أدوات هجومية تقليدية، بل مع منظومة هجومية تتعلم وتتطور وتفكر. الذكاء الاصطناعي لا ينفّذ الهجوم فحسب، بل يراقب نتائجه ثم يعدل تكتيكاته في وقت قياسي لتحقيق أقصى تأثير ممكن.
ومما يعزز قدرة هذه الأنظمة، أنها تستفيد من الكم الهائل من البيانات المستخرجة من وسائل التواصل الاجتماعي، والبريد الإلكتروني، وسجلات التصفح، والمواقع الإخبارية، وغيرها.
بمعنى آخر: نحن لا نواجه برنامجا ضارا، بل خصما يتعلّم ويعيد تطوير نفسه ويغير تكتيكاته، ومن ثم يهاجم من جديد. والأخطر من ذلك، أنه يتعلّم بأسرع ما يمكن، مما لا تستطيع أنظمة الأمن السيبرانية التقليدية مواكبته.
كيف يجب أن تكون الاستجابة؟ ولماذا لا تكفي الحلول التقليدية؟
من أهم الخطوات التي يجب اتخاذها هي عمل تقييم شامل للبنية التحتية الرقمية ومستوى الأمن السيبراني الحالي للمنظمة، والانتقال من أسلوب "رد الفعل" إلى نهج "التوقّع والتحليل والوقاية"، وذلك باتباع عدة خطوات أبرزها ما يلي:
اعتماد أدوات دفاع مدعومة بالذكاء الاصطناعي: يجب تحديث منظومة الأمن السيبراني بأدوات أمنية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، تمتلك القدرة على تحليل سلوك بيئة العمل، والتعرف على أي نمط غير طبيعي مفاجئ فور حدوثه، وحتى توقعه.
يجب ألا نعتمد فقط على قواعد بيانات معدة مسبقا من قبل الشركات المطورة لأنظمة الحماية التقليدية، بل نتعلم من بيئة العمل نفسها، ونطور قدرتها بذاتها ونتخذ قرارات استباقية.
يجب أن تعمل هذه الأدوات بسرعة مشابهة أو أسرع من تلك التي يستخدمها القراصنة والمهاجمون.
ببساطة، لا يمكن مقاومة هجوم ذكي إلا بدفاع ذكي.
بناء فرق أمنية متعددة التخصصات: فرق الأمن السيبراني الحديثة يجب ألا تقتصر على متخصصي الأمن السيبراني فقط، بل يجب أن تضم علماء بيانات ومختصي ذكاء اصطناعي قادرين على بناء منظومة دفاع متطورة ذاتية التكيف، تكتشف وتتعامل مع التهديدات مباشرة.
هذا التنوّع هو الذي يصنع الفارق بين كشف الهجوم بعد الواقعة أو أن يتم اكتشافه قبل أن يبدأ.
يجب تشكيل فريق مؤهل لبناء منظومة أمنية ذكية قادرة على التنبؤ بالتهديدات قبل وقوعها، واتخاذ إجراءات وقائية تقلل من المخاطر المحتملة، بدلا من الاكتفاء بردّ الفعل بعد الهجوم، وهو ما يكون غالبا أعلى تكلفة وأكثر ضررا.
رفع وعي الموظفين، الحماية تبدأ من الداخل: باستخدام الذكاء الاصطناعي، أصبحت وسائل التصيد تصاغ بإسلوب مقنع ومألوف للضحية وبلغته المحلية. لذلك يجب توعية الموظف نفسه من خلال عمل تدريبات بشكل مختلف. الدورات التعليمية يجب أن تكون أكثر تفاعلية وتتضمن محاكاة لهجمات ذكية.
حيث يتم إشراك الموظفين فيها بهجمات وهمية لاستيعاب مدى واقعيتها، وتعلم كيفية التعامل مع مثل تلك الهجمات.
التصدي للتزييف العميق (Deepfake): وذلك من خلال الاستعانة بأدوات وبرامج معدة خاصة لاكتشاف التزييف العميق في الوسائط المتعددة من خلال التحليل الرقمي وفحص بيانات الملفات البيومترية.
بالإضافة إلى الاعتماد على بروتوكولات تحقق صارمة، وذلك باستخدام عدة وسائل تحقق، حتى لو كان الطلب من مصدر بدا مألوفا وموثوقا.
التهديدات السيبرانية اليوم باتت أكثر خطورة من أي وقت مضى. فلقد أصبحت أكثر تعقيدا، وأكثر دهاء وسرعة، مدفوعة بخوارزميات تتطور بصمت وفي كل دقيقة.
لكن هذا لا يعني أنها غير قابلة للتعامل معها والتصدي لها، بل هذا يعتمد على مدى سرعة تجاوبنا قبل أن نقع ضحية هجوم سيبراني آخر. فهل سنبقى نعتمد على أدوات أمنية قديمة في معركة تغيّرت فيها كل القواعد؟ القرار عائد لنا… لكن من المؤكد أن الهجوم قد لا ينتظرنا.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 23 دقائق
- الجزيرة
15 عامًا ستغيّر كل شيء.. تحذير صادم من مسؤول عربي سابق في غوغل
تتحقق المخاوف من تقنيات الذكاء الاصطناعي والمستقبل المظلم الذي يتسبب فيه قريبا، بحسب اعتقاد مسؤول سابق في غوغل وفق ما جاء في تقرير نشرته صحيفة "ديلي ميل". وحسب تصريحات مسؤول سابق في غوغل، فإن هذا الواقع المظلم لا مفر منه وسيصل إلينا خلال عامين وسيستمر 15 عاما قبل أن نتمكن من كسره والهروب منه. ووضح محمد "مو" جودت رائد الأعمال والتقني والكاتب من أصول مصرية والذي عمل 11 عاما في غوغل، أن هذا المستقبل القاتم قادم لا محالة، وذلك ضمن حديثه مع بودكاست مذكرات الرئيس التنفيذي. البشر هم السبب تنص رؤية جودت على أن البشر هم السبب في حدوث هذا المستقبل القاتم، لأن هؤلاء البشر سيستخدمون الذكاء الاصطناعي لخداع البشر الآخرين والاحتيال عليهم وسرقة أموالهم. ويستمر جودت في الحديث عن رؤيته القاتمة مشيرا إلى أن هذه الفترة تستمر من 12 إلى 15 عاما حتى أواخر ثلاثينات القرن الحالي، وبعد ذلك تعود الأمور إلى نصابها الطبيعي. كما تغير هذه الفترة القاتمة العديد من المعايير التي تؤثر في حياة الإنسان مباشرة، إذ تشهد تغيرات اقتصادية واسعة فضلا عن تغيرات في مفاهيم الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية. سطوة كاملة على الوظائف ويشير جودت في مقابلته إلى أن الاعتقاد بفائدة الذكاء الاصطناعي على الوظائف المختلفة هو خاطئ تماما، لأن الذكاء الاصطناعي يستولي على جميع الوظائف من أعلى المستويات وحتى أدناها. إذ يرى أنه أفضل من البشر في أداء كافة الوظائف بما فيها وظائف المديرين التنفيذيين، ويتابع: "هناك فترة سيُستبدَل فيها كافة المديرين التنفيذيين غير الأكفاء". كما أن تطور الذكاء الاصطناعي يبلغ مستوى يجعله قريبا للغاية من مستوى البشر المحترفين ذوي المهارات الخاصة، ولكن الفارق الرئيسي سيكون التكلفة النهائية للوظيفة، إذ يؤكد جودت أن مهام بناء المنازل وتصميمها باحترافية ستتم على يد أدوات ذكاء اصطناعي مثل "شات جي بي تي". من محمد "مو" جودت؟ انضم محمد جودت إلى غوغل في عام 2007 لبدء نشاطه التجاري في الأسواق الناشئة ثم انتقل إلى غوغل إكس في عام 2013، حيث قاد إستراتيجية الأعمال والتخطيط والمبيعات وتطوير الأعمال والشراكات، صمم فريق العمل بقيادة جودت نماذج أعمال مبتكرة مماثلة للتقنيات التخريبية، أنشأ صفقات عالمية مكنت غوغل إكس من الازدهار وإنشاء منتجات مناسبة للعالم. إلى جانب حياته المهنية، شارك جودت في تأسيس أكثر من 20 شركة في مجالات مثل الصحة واللياقة البدنية والأغذية والمشروبات والعقارات. شغل منصب عضو مجلس إدارة في العديد من مجالات التكنولوجيا والصحة واللياقة والمستهلك وشركات السلع، إضافة إلى العديد من مجالس التكنولوجيا والابتكار الحكومية في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية، كما ألف كتاب الحل للسعادة: هندسة طريقك للفرح (Solve for Happy: Engineering Your Path to Joy (2017)).


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
حين يضيق الفضاء الرقمي.. هل تمهد "بلوسكاي" لنهاية الهيمنة؟
في زمن تتقاطع فيه الخوارزميات مع السلطة، لم يعد فضاء التواصل الاجتماعي امتدادا حرّا للتعبير والتلاقي، بل تحول إلى ساحة تخضع لعدد محدود من شركات التقنية الكبرى، وعلى رأسها شركة "ميتا". لم تعد هذه الشركات تكتفي بإدارة البنية التحتية الرقمية للتواصل، بل باتت تمارس سلطة ناعمة تحدّد من خلالها ما يجوز قوله وما ينبغي إسكاته، حتى حين يتعلق الأمر بقضايا إنسانية وعدالة تاريخية. ويظهر ذلك جليّا في تعاملها المنهجي مع المحتوى المؤيد للقضية الفلسطينية، حيث يُقيّد ويُحذف تحت ذرائع مثل "المعايير المجتمعية" أو "مكافحة خطاب الكراهية"، بينما يُسمح في المقابل بنشر روايات مُنحازة ومضللة تخدم سرديّات معيّنة. في هذا المناخ الرقمي الخاضع للرقابة والاحتكار، تبرز مبادرات بديلة تسعى إلى كسر هذا النموذج المركزي واستعادة التوازن. من بين هذه المبادرات، تبرز منصة "بلوسكاي" (Bluesky) كمشروع طموح يعيد تصور بنية شبكات التواصل، عبر إرساء نموذج لامركزي يمنح الأفراد القدرة على صياغة قواعدهم الخاصة والتحكم في تجاربهم الرقمية باستقلالية، بعيدا عن سطوة الخوارزميات الخفية والمصالح التجارية الكبرى. هذا التحول لا يقتصر على الجانب التقني، بل يفتح الباب أمام سؤال أعمق: من يملك الحق في تنظيم الخطاب العام؟ ومن يقرر ما يسمع وما يُسكت؟ "بلوسكاي"، وإن كانت تجربة في طور التبلور، تحاول إعادة طرح هذه الأسئلة ومنح المستخدمين أنفسهم فرصة للإجابة عنها. عالم بلا قياصرة.. كيف أصبح القميص بيانا رقميا؟ في مارس/آذار الماضي، اعتلت الرئيسة التنفيذية لشركة "بلوسكاي"، جاي غريبر، منصة مهرجان "إس إكس إس دبليو" (SXSW) لإلقاء كلمتها الرئيسية، وهي ترتدي قميصا أسود فضفاضا بدا وكأنه يحمل انتقادا مبطّنا لمارك زوكربيرغ، حيث طُبعت على القميص حروف لاتينية مشابهة لتلك التي استخدمها زوكربيرغ في قميصه خلال العام السابق، والذي كُتب عليه: "زوك أو لا شيء" (Aut Zuck aut nihil)، في اقتباس مستوحى من مقولة شهيرة ليوليوس قيصر تعبّر عن شغفه بالسلطة المطلقة. في المقابل، حمل قميص غريبر عبارة: "عالم بلا قياصرة" (Mundus sine Caesaribus)، في تعبير رمزي عن رؤيتها المضادة للنموذج السلطوي. بهذا القميص، وجهت غريبر رسالة نقدية مباشرة إلى زوكربيرغ ومن يمثلهم من "أباطرة" التكنولوجيا. فهي تسعى، كما أوضحت في حوار مع مجلة تايم (Time)، إلى بناء وإدارة تطبيق "بلوسكاي"، الذي أُطلق لعامة الجمهور في مطلع عام 2024، وفق نهج مغاير تماما للطريقة المركزية التي تقوم عليها شركة "ميتا". تقول إن "شركات التقنية هذه بنت ممالك رقمية، حيث يتصرف الرؤساء التنفيذيون كأنهم ملوك صنعوا أنفسهم.. لقد جعلناهم كذلك بمنحهم وقتنا وانتباهنا.. أريد من الناس أن يتذكروا أنهم قادرون على استعادة ذلك". "بلوسكاي" وصعود ما بعد الهيمنة تكتسب رسالة جاي غريبر صدى متزايدا في عصر تتفاقم فيه مركزية وسائل التواصل الاجتماعي، إذ يحتكر عمالقة التكنولوجيا، مثل مارك زوكربيرغ وإيلون ماسك، اتخاذ قرارات أحادية تتعلق بالرقابة والخصوصية واستغلال البيانات لأغراض الذكاء الاصطناعي. وفي اليوم التالي للانتخابات، وبينما كان المستخدمون يبحثون عن ملاذ من التنمر اليميني، والمشاركات المدفوعة، وروبوتات التضليل، خسر تطبيق "إكس" (تويتر سابقا) نحو 115 ألف مستخدم. في المقابل، ارتفع استخدام "بلوسكاي" بنسبة 500% خلال اليوم نفسه، ليبلغ عدد مستخدميه 35 مليونا، من بينهم شخصيات بارزة مثل ستيفن كينغ، وجورج تاكي، وألكسندريا أوكاسيو-كورتيز، مما يجعله أكبر شبكة اجتماعية لامركزية حتى الآن. ومع ذلك، لا يزال عدد المستخدمين النشطين يوميا في الولايات المتحدة على منصة "إكس" أكبر بنحو 10 مرات من مستخدمي "بلوسكاي"، ما يعكس استمرار الفجوة في الانتشار الجماهيري. غير أن "بلوسكاي" لا تسعى إلى أن تكون بديلا عن زوكربيرغ أو ماسك فحسب، بل عن الفكرة ذاتها. فرغم التحديات التي لا تزال تواجهها على صعيد تحقيق الربحية والتوسع خارج قاعدتها الليبرالية الكبيرة، تؤكد غريبر أن طموحها لا يتمثل في اعتلاء قمة الهرم الرقمي بدلا من الآخرين، بل في تفكيك هذا الهرم بالكامل. وتقول: "إننا نرفض السلطة المركزية التي تُملي القواعد على الجميع.. لا نريد إنشاء عالم أكون فيه الإمبراطورة الجديدة بلطف أكبر.. نريد عالما لا نحتاج فيه إلى أباطرة أصلا". شكل مألوف برؤية مختلفة من حيث الشكل، تتشابه واجهة "بلوسكاي" مع واجهة منصة "إكس"، حيث يظهر تدفق لانهائي من المشاركات النصية المحددة بـ300 حرف أو أقل. ويمكن للمستخدمين الجدد الاندماج بسرعة في المحادثات من خلال "حزم البداية" (Starter packs)، وهي قوائم حسابات أعدها المستخدمون بناء على الاهتمامات المشتركة، وتغطي مواضيع متنوعة مثل السياسة، والثقافة الشعبية، والرياضة، والنكات. لكن الفرق الجوهري بين "بلوسكاي" و"إكس" يكمن في أن الأول يعتمد على بروتوكول مفتوح المصدر، مما يتيح للمستخدمين تخصيص الخوارزميات وتغذيات المحتوى حسب تفضيلاتهم. وعلى غرار منصة "ريديت" (Reddit)، نشأت على "بلوسكاي" مجتمعات مترابطة طورت أساليبها الخاصة في التواصل والرقابة. ويمنح هيكل المنصة المستخدمين القدرة على اصطحاب مُتابعيهم ومشاركاتهم إلى منصات أخرى تعتمد على نفس البروتوكول، مما يعزز من حرية التنقل والانفتاح بين الشبكات. تأسيس مختلف في بيئة صعبة.. جائحة كورونا، والقيادة النسائية، وفلسفة الرقابة فكرة "بلوسكاي" لم تكن من ابتكار جاي غريبر، فالمشروع يعود إلى عام 2019 حين أعلنه جاك دورسي، الشريك المؤسس لمنصة "تويتر"، كمبادرة تهدف إلى إنشاء نسخة لامركزية من "تويتر"، وموّل فريقا صغيرا من الباحثين لتطويرها. وفي عام 2021، تولت غريبر قيادة المشروع، مدفوعة بشغفها القديم بالتقنيات اللامركزية، بما فيها مشروع العملات الرقمية. وفي تلك الفترة، كانت سان فرانسيسكو تخضع لإغلاق شامل بسبب جائحة كورونا، وكانت غريبر تقيم في منزل جماعي مع عدد من روّاد الأعمال. وتوضح روز وانغ، زميلتها آنذاك ومديرة العمليات الحالية في "بلوسكاي"، أن الظروف الفريدة للجائحة ساعدت في بلورة رؤية المنصة، قائلة: "واجهنا تحديات مجتمعية كبيرة، مثل: كيف نجعل الناس يشعرون بالأمان معا في هذا الوقت؟ أعتقد أن تجربتنا في بناء المجتمع في العالم الواقعي أثرت كثيرا على طريقتنا في بناء المجتمع الرقمي". ولعلّ ما يميز "بلوسكاي" أيضا هو أن من تقف على رأسه امرأتان، في بيئة قلّما تجد فيها شركات ناشئة بقيادة نسائية، خاصة في وادي السيليكون، إذ تشير بيانات شركة "بيتش بوك" (Pitchbook) إلى أن هذه الشركات لا تحظى إلا بنسبة 6% فقط من إجمالي الصفقات الاستثمارية. وتقول غريبر إن هويتها وهوية وانغ أثرتا بوضوح في النهج الذي اتّبعتاه في بناء الشركة، و"تجربتنا كامرأتين على الإنترنت جعلتنا نضع الاعتدال والمراقبة كأولوية أولى فيما نعتقد أنه ضروري لمنصة اجتماعية صحية". صدام مع ماسك واستقلال في التمويل في عام 2022، استحوذ إيلون ماسك على "تويتر" مقابل 44 مليار دولار. ورغم أنه أشار في البداية إلى رغبته في جعل خوارزمية المنصة مفتوحة المصدر، على غرار ما تقدمه "بلوسكاي"، فإنه سرعان ما قطع التمويل عن المشروع. ونتيجة لهذا، توجهت جاي غريبر وفريقها إلى البحث عن مصادر تمويل بديلة، حيث نجحوا في جمع 8 ملايين دولار، ثم 15 مليونا في جولات لاحقة. وفي خطوة استراتيجية تعكس التزامهم بالمبدأ، قرروا تحويل "بلوسكاي" إلى شركة نفع عام، وهو ما يفرض عليهم السعي لتحقيق منافع اجتماعية إلى جانب الأهداف الربحية. ومع اقتراب إطلاق النظام بالدعوات فقط في عام 2023، ارتفع الطلب بشكل حاد، إلا أن أدوات اللامركزية لم تكن قد اكتملت بعد. وعلى ضوء ذلك، اختارت غريبر الإبقاء على حجم الشبكة محدودا حتى تجهز البنية التحتية بالكامل. وتصف روز وانغ هذا القرار قائلة: "ربما هذا أحد أصعب القرارات التي يمكن أن تتخذها شركة: كبح النمو والبقاء مبدئيّين لبناء الأساس السليم". تشرف غريبر اليوم على فريق يضم 24 موظفا وأكثر من 100 متعاقد لمراقبة المحتوى، حيث يتولى هؤلاء إزالة المنشورات الخطيرة مثل مواد استغلال الأطفال والتهديدات العنيفة. وقد أثارت هذه السياسات استياء جاك دورسي، الذي استقال من مجلس الإدارة في ربيع العام الماضي، معتبرا أن المنصة باتت مركزية بشكل مفرط، وأن أدواتها الرقابية تتجاوز الحدود. لكن غريبر ترد على ذلك بالتأكيد أن المسؤولية يجب أن تنتقل إلى المستخدمين أنفسهم لبناء أنظمتهم الخاصة، وتقول: "لديك الحق المفتوح في المغادرة، إذا لم تعجبك الخدمات أو الرقابة أو التصميم، يمكنك بناء منصتك الخاصة". بناء بطيء لكنه حرّ تضم التغذيات الشعبية على "بلوسكاي" قنوات متنوعة، مثل "ساينس" (Science) و"بلاك سكاي" (Blacksky) المخصصة للمجتمع الأسود، والتي يبلغ عدد مستخدميها النشطين شهريا نحو 370 ألفا، بحسب التقني رودي فريزر الذي أطلقها. وتوضح غريبر: "بعض التغذيات تدور حول أناس يجدون نقاط تقاطع في الهويات والنوع الاجتماعي.. هدفي من بناء شبكة مفتوحة هو تمكين الناس والمجتمعات التي تشعر بالتهميش من بناء مساحاتها الخاصة". رغم هذا التنوع، لا يزال الطيف السياسي لمستخدمي "بلوسكاي" يميل بشدة إلى اليسار، ما يدفع بعض المحافظين إلى الشكوى من الرقابة أو المضايقات. كما تباطأ نمو المستخدمين بشكل ملحوظ بعد الطفرة التي أعقبت الانتخابات، فبرغم أن عدد المستخدمين بلغ 35 مليونا، فإن هذا الرقم لا يزال متواضعا مقارنة بمئات الملايين على "إكس" و"ثريدز"، أو بمليارات المستخدمين على "إنستغرام" و"تيك توك". ومع ذلك، تؤكد غريبر أنها غير قلقة من هذا التباطؤ، مشيرة إلى أن المنصة تمر بموجات متكررة من النمو والانحسار، وأنها مرتاحة للعمل بوتيرة أبطأ لتجنب أخطاء الشبكات السابقة التي ركزت على التوسع السريع على حساب جودة التجربة. وتضيف: "الشبكات الاجتماعية أصبحت معتادة على فكرة أن المستخدمين عالقون بسبب تأثير الشبكة، لذا يقومون بإضعاف تجربة الخلاصات. هذا النموذج الربحي ربما لا يدوم طويلا، لأنه يصل إلى حدود طبيعية عندما يشعر الناس بالملل". نموذج ربحي بديل عن الإعلانات وفي ظل هذا النهج المختلف، تبحث غريبر وزميلتها وانغ عن نموذج ربحي بديل عن الإعلانات التقليدية أو استخدام بيانات المستخدمين لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي. ومن بين الخيارات المطروحة: نظام اشتراكات، أو تحقيق الدخل من سوق أدوات مخصصة داخل "بلوسكاي"، غير أنه لم تتبلور أي خطة واضحة حتى الآن. وفي الوقت نفسه، تشجع المنصة رواد الأعمال المستقلين على بناء مشاريعهم الخاصة باستخدام بروتوكول "أي تي" (AT) المفتوح، كما هو الحال مع البريد الإلكتروني الذي يستند إلى بُنى موحّدة. ومن هذه المشاريع الناشئة: مشروع "فلاشز" (Flashes)، بديل "إنستغرام" الذي تجاوزت تحميلاته 100 ألف مرة، و"سكاي لايت" (Skylight)، وهي منصة شبيهة بمنصة "تيك توك"، بدعمٍ من المستثمر مارك كوبان. وتجسّد هذه الفلسفة اللامركزية في قول وانغ: "إذا توقف خادم بلوسكاي الليلة، يمكن أن يظهر غرين سكاي (Greensky) في الصباح التالي". وتضيف: "يسألنا الناس دائما: كيف يمكننا الوثوق بكم؟ وإجابتنا: لا تثقوا بنا.. ثقوا بالبنية التحتية". بين حرية التعبير وهندسة الوعي.. هل نملك حق الاستيقاظ؟ في ظل صعود شعارات إعلامية كبرى تروّج لحرية التعبير، والانفتاح، وتمكين الأفراد، تبدو الحقيقة الرقمية ضبابيّة أكثر من أي وقت مضى، وتتضح التناقضات حين تصطدم هذه الشعارات بالواقع: حذف ممنهج للمحتوى، تجميد للحسابات، كتم رقميّ لأصوات تنقل حقيقة أبشع إبادة للإنسان في العالم المعاصر. لقد رأينا ذلك جليا في العدوان الإسرائيلي على غزة، حيث لم تُمسح فقط صور جرائم الحرب، بل مُسحت معها حسابات صحفيين وشهود عيان بالكامل، في عمليّة رقمية مركّبة لكتم الأصوات وتوجيه الإدراك العام. إنها ليست مجرد رقابة، بل إعادة هندسة كاملة للوعي، تُمارس عبر خوارزميات تبدو محايدة، لكنّها مصممة لخدمة مصالح من يمتلك البنية التحتية الرقمية، والسلطة خلف الشاشة. لكن، ماذا لو لم يكن هذا النظام قدريّا؟ مبادرات مثل "بلوسكاي" لا تعِدنا بجنّة رقمية، لكنها تحمل نافذة لاحتمال آخر: أن نستعيد السيطرة، لا من خلال تغيير المنصة فقط، بل من خلال تغيير علاقتنا بها.. أن ننتقل من موقع "المستهلك الرقمي" إلى موقع "المشارك الواعي"، ومن التبعية الهادئة إلى بناء نظم رقمية تعكس أولوياتنا كبشر، لا كبيانات أو أرقام. لربّما آن الأوان أن نستفيق من غفلتنا الرقميّة، ونكفّ عن الوثوق بمن يحتكر الحقيقة ويصوغها وفق مصالحه، وأن نعيد التفكير في أدواتنا، وعلاقتنا بها، وفي من يمتلك مفاتيح الوعي المجتمعي. فهل يمكن أن نبني نحن العالم الرقمي ليخدم إنسانيتنا، أم أننا سنسمحُ له بإعادة تشكيلها في صورة لا تشبهنا شيئا فشيئا، حتى لا نعود نعرف أنفسنا؟


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
"شات جي بي تي" يتجاوز اختبار التحقق من الروبوتات
استطاع روبوت " شات جي بي تي" اجتياز اختبار الروبوتات عبر محاكاة التصرفات البشرية في التحكم بأجهزة الحواسيب، وذلك باستخدام النسخة الأحدث من الروبوت والاعتماد على "شات جي بي تي إيجنت"، حسب تقرير لموقع "آرس تكنكيا" (Ars Technica) التقني. وتختلف أداة "شات جي بي تي إيجنت" بشكل كبير عن "شات جي بي تي" المعتاد، إذ يحصل على المتصفح الخاص به، ويستطيع من خلاله زيارة مواقع الإنترنت المختلفة والتفاعل معها في بيئة مغلقة تتحكم وسط نظام التشغيل الخاص به. ويستطيع المستخدمون التعامل مع الروبوت والمنظومة الخاصة به من خلال نافذة "شات جي بي تي" المعتادة، وذلك من أجل تزويده بالأوامر اللازمة ومراقبة تصرفاته في هذه البيئة المغلقة. ورغم أن اختبار الروبوتات الخاص بمنصة "كلاود فلير" (Cloudflare) لتأمين الإنترنت مصمم خصيصا لتفادي مثل هذه المواقف فإن "شات جي بي تي إيجنت" تمكن من تخطيه بسهولة منقطعة النظير أدهشت المستخدم الذي كان يراقب ما يحدث من خلال واجهة الأداة. ثم قام المستخدم بمشاركة صورة لقطة شاشة للروبوت بعد أن تمكن من تخطي الاختبار، وتابع عمله بشكل طبيعي دون التوقف عنه، إذ وصف النموذج ما يفعله، موضحا أنه يضغط على زر الاختبار حتى يتأكد الموقع بأنه مستخدم حقيقي وليس روبوتا. كيف تمكن "شات جي بي تي" من تخطي هذا الاختبار؟ تعتمد اختبارات الروبوتات الموجودة في المواقع -والتي تقدمها شركات مثل "كابتشا" أو "كلاود فلير" وغيرهما من شركات تأمين الإنترنت- على آليات مختلفة، ولكن أبرزها هو الصندوق الحواري للتأكد أن المستخدم ليس روبوتا. وبينما يبدو أن هذا الاختبار بسيط في آلية عمله لكنه من الاختبارات التي يصعب على الروبوتات التقليدية اجتيازها، وذلك لأنه يدرس سلوك المستخدم في تحريك مؤشر الحاسوب للضغط على الزر بدل الضغط التلقائي عليه في حالة الروبوتات، فضلا عن مجموعة أخرى من العوامل المختلفة، بما فيها سجل التصفح والعنوان وغيرهما. وبسبب هذه الآلية ذاتها تمكن روبوت "شات جي بي تي إيجنت" من اجتياز الاختبار، لأنه في النهاية حرك مؤشر الفأرة بآلية تشبه الطريقة التي يتحرك بها البشر، فضلا عن أن الروبوت يستخدم المتصفح الخاص به. ويعني ذلك أن الاختبار صدّق فعلا أن "شات جي بي تي إيجنت" هو مستخدم بشري حقيقي تماما يحاول زيارة الموقع والاستفادة منه، لذلك تمكن الروبوت من اجتيازه بشكل آمن. دعوات للتطوير تهدف هذه الاختبارات إلى منع الروبوتات والبرمجيات الخبيثة من الوصول إلى المواقع، ورغم ذلك فقد حدث في السابق أن تمكن الروبوت من تجاوز الاختبار والوصول إلى الموقع، لذا طورت الشركات آلية الاختبار وأضافت بعض المعايير. وتسبب هذا الأمر في سباق بين من يقوم باختبارات التحقق ومن يعمل على تطوير الروبوتات والبرمجيات المختلفة، وبينما لم يكن متصفح "أوبن إيه آي" الاختباري -الذي ظهر في يناير/كانون الثاني الماضي قادرا على تخطي هذه الاختبارات- لكن النسخة الأحدث من "شات جي بي تي إيجنت" كانت قادرة. ويترك هذا الأمر الباب متاحا أمام مطوري اختبارات الروبوتات لتطوير اختبارات أكثر صعوبة لا يمكن لنماذج الذكاء الاصطناعي المتطورة اجتيازها بهذه السهولة.