logo
هوية البابا الجديد لا تُبدّل التزامات الفاتيكان اللبنانية

هوية البابا الجديد لا تُبدّل التزامات الفاتيكان اللبنانية

تيار اورغ٢٩-٠٤-٢٠٢٥

جوزف القصيفي نقيب محرري الصحافة -
كانت مراسم وداع البابا فرنسيس التي تمثلت بالجنازة الضخمة والحاشدة رسمياً وشعبياً - على بساطتها - إنفاذاً لوصية الحبر الراحل، دلالةً مضافة إلى المكانة التي يحتلها الفاتيكان على مستوى الإنسانية. مكانة عابرة للحدود، والزمن، لم تتمكن الدول العظمى الممسكة بمصائر الشعوب والأوطان أن تنتزعها من هذه الحاضرة التي ترفع راية السلام والإخاء بين بني البشر على اختلاف أجناسهم، وأعراقهم، ودياناتهم.
وإذا كان فرنسيس بابا الفقراء والمهمّشين الذي ابتعد في حياته عن كل ما يخدش تواضعه ويُقيم فاصلاً بينه وبين العاديِّين من الناس، فإنّ هذا المسلك الروحي - الإجتماعي، لم يصرفه عن إطلاق مواقف واضحة وصريحة من الحرب والعنف، والظلم، وانتفاء العدالة، والوقوف في وجه الشر والأشرار. وإنّ عمق إيمانه بأنّ الإنسان قيمة مطلقة، وإنّ الحياة هي هبة الله، وحق كل فرد فيها، تكرّسه الشرائع السماوية، رفع الصوت ضدّ الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في لبنان وغزة، وندّد بها بوتيرة مكثفة، ما سبّب غضباً كبيراً في تل أبيب التي «شمتت» برحيله، وسلّطت إعلامها ومواقع التواصل فيها لمهاجمة دوره في هاتَين الحربَين التي ذاق اللبنانيّون والفلسطينيّون من أهوالها ما يفوق التصوّر، وسط صمت دولي وعربي لا سبيل إلى إنكاره. كما كان تمثيل الدولة العبرية المنخفض في مراسم الجنازة علامة واضحة على ما تكنّه له من مشاعر عداء. وحده البابا فرنسيس كان صَوت الضمير الإنساني المعذب، والمسحوق تحت مطرقة الاستراتيجيات الدولية والإقليمية المتدافعة، التي تأخذ في طريقها كل ما تعتبره تفصيلاً يمكن أن يكون مصدر «إزعاج» لها، أو «إعاقة» إلى حين.
يغيب البابا فرنسيس، لكنّ ظل الكرسي الرسولي سيبقى وارفاً، ودوره لن يعرف الانكفاء، فهو ممتد في الزمن منذ ولادة المسيحية. إنّ الفاتيكان أظهر في غير مناسبة واستحقاق أنّه مع الحوار بين الأديان، ولاقى المبادرات التي قامت لهذه الغاية بإيجابية، فكانت مشاركة البابا فرنسيس في توقيع وثيقة «الأخوة الإنسانية» في دولة الإمارات العربية المتحدة، واللقاء مع شيخ الأزهر الذي اتسم بالحيَوية والرغبة في تقديم المشتركات بين المسيحية والإسلام تعزيزاً لروح الإخاء والشراكة الإيمانية بالله الواحد، آب جميع الديانات السماوية ومرجعها. على أنّ لقاءه مع المرجع الشيعي آية الله السيستاني لدى زيارته العراق، كان غنياً في دلالاته وعميقاً في مضمونه، وهذا ما عكسه البيان الصادر عن هذا اللقاء.
بابا الحوار أكمل ما بدأه أسلافه من حوار مسكوني مع الكنيسة الأرثوذكسية والكنيسة الإنغليكانية والكنيسة الإنجيلية من أجل وحدة الكنائس المسيحية. في أي حال ما كان لبنان يوماً غائباً عن الكرسي الرسولي، فهو في صلب اهتماماته اليومية، يسكن معه، وليس من قبيل المغالاة القول إنّه كان ولا يزال همّه الدائم. ويضيق المجال بإيراد تفاصيل المبادرات والمساعي التي اضطلع بها من أجل الدفاع عنه، وإنهاء محنته، ووقف الحروب فيه وعليه وآخرها الحرب الإسرائيلية. إنّ المجمع الإنتخابي سيختار خلفاً للبابا فرنسيس بالاقتراع السرّي ليتابع المسيرة التي بدأها أسلافه، والبابا المُنتظر أن يُنبئ الدخان الأبيض انتخابه، سيعكس اتجاهات الكنيسة الكاثوليكية في زمن التحدّيات التي تواجهها: زمن الذكاء الاصطناعي، الثورة الرقمية، تبدّل سلّم القِيَم الإنسانية واختلاف النظرة إليه. كذلك، زمن ازدياد مخاوف الكنيسة من تغيير هوية أوروبا بفعل الهجرات غير الشرعية ونمو مَوجة «الإسلاموفوبيا». ومن مؤشرات تردّدات هذه المخاوف والتحدّيات، ما يحمله المشهد السياسي في عدد من بلدان هذه القارة من تبدّلات لمصلحة اليمين المتطرّف.
إنّ أمام مجمع الكرادلة ثلاثة خيارات خلال عملية الاقتراع:
1- انتخاب بابا يستكمل نهج البابا فرنسيس وخطّه وخطته في الانفتاح، والتفاعل مع الآخر المختلف إيجاباً، ويمضي قدماً في توسيع دائرة انفتاحه بمعزل عن خصوصيات وهواجس الكنائس في كل بلد.
2- إنتخاب بابا متشدّد ومحافظ لا يواجه أو يدخل في نزاع مع الاتجاهات القومية في البلدان ذات الغالبية الكاثوليكية، خصوصاً في أوروبا التي تراجع فيها دور الكنيسة كثيراً، مقابل حضور إسلامي ناشط من شأن تمدّده بالحيَوية البادية أن يؤدّي إلى تغيير في هويّتها. بل يُقدّم لها الدعم والمسوّغات.
3- إنتخاب بابا يكون على مسافة واحدة من التيارَين اللذَين برزا بقوة داخل الكنيسة الرومانية، مع التذكير أنّ مثل هذا التجاذب لازم الكنيسة منذ عصورها الأولى.
أياً تكن هوية البابا الذي سيخلف سلفه فرنسيس، فإنّ التزام الفاتيكان بلبنان والدفاع عنه، بلداً موحّداً أرضاً وشعباً، تعدّدياً، وموئلاً للحوار الميداني من خلال العيش الواحد، لا النظري فحسب، هو التزام ثابت لا جدال فيه، وقد دلّت الأحداث والاستحقاقات إلى ذلك، حتى قبل أن أعطى البابا يوحنا بولس الثاني لبنان توصيف «وطن الرسالة».

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

لبنان يودّع البابا فرنسيس: صلاة مرافقة في حاريصا الجمعة وإضاءة شموع على شرفات المنازل
لبنان يودّع البابا فرنسيس: صلاة مرافقة في حاريصا الجمعة وإضاءة شموع على شرفات المنازل

القناة الثالثة والعشرون

time١٥-٠٥-٢٠٢٥

  • القناة الثالثة والعشرون

لبنان يودّع البابا فرنسيس: صلاة مرافقة في حاريصا الجمعة وإضاءة شموع على شرفات المنازل

وزّع المركز الكاثوليكي للاعلام ما يلي: "ينظم مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان صلاة المرافقة لراحة نفس الحبر الأعظم البابا فرنسيس، في حضور السفير البابوي في لبنان المونسنيور باولو بورجيا، وذلك يوم الجمعة الواقع فيه ٢٥ نيسان 2025، عند الساعة السادسة والنصف مساءً، في باحة مزار سيدة لبنان – حريصا". ودعا الى "اعتبار هذه الدعوة عامة، وإرسالها الى كلّ الابرشيات والرعايا والرهبانيات، وأيضاً الى لجان المجلس الأسقفية والهيئات التابعة له، والتمنّي على المكرّسين والمكرسات، والمؤمنين والمؤمنات، والشبيبة كافة الملتزمة بتلك الهيئات، الحضور والمشاركة بهذه الصلاة". وطلب من "جميع المؤمنين إضاءة الشموع على شرفات منازلهم في هذه الليلة، تعبيرًا عن المشاركة في الحداد". انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

ترامب يتوجه إلى الخليج وعينه على عقد الصفقات
ترامب يتوجه إلى الخليج وعينه على عقد الصفقات

القناة الثالثة والعشرون

time١٥-٠٥-٢٠٢٥

  • القناة الثالثة والعشرون

ترامب يتوجه إلى الخليج وعينه على عقد الصفقات

انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب... انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب... يتوجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب هذا الأسبوع إلى السعودية وقطر والإمارات، في خضم نشاط دبلوماسي مكثف، ساعيا إلى إبرام صفقات تجارية، مع إدراكه صعوبة التوصل إلى اتفاقيات بشأن أبرز النزاعات في الشرق الأوسط. وستكون جولة ترامب بين 13 و16 أيار، الأولى له خارج الولايات المتحدة في ولايته الرئاسية الثانية، علما بأنه قام بزيارة مقتضبة لروما لحضور جنازة البابا فرنسيس. وأكّد البيت الأبيض بأنه يتطلع إلى 'عودة تاريخية' إلى المنطقة. قبل ثماني سنوات، اختار ترامب أيضا السعودية كوجهة لرحلته الخارجية الأولى كرئيس، حيث التقط صورة تذكارية مع بلورة مضيئة وشارك في رقصة بالسيف. يؤكد قراره مرة أخرى بتجاوز حلفائه الغربيين التقليديين والسفر إلى دول الخليج الغنية بالنفط أهمية دورهم الجيوسياسي المتزايد، بالإضافة إلى علاقاته التجارية المتميزة في المنطقة. انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

هل يكون لاوون الرابع عشر البابا الذي تمنّته أوكرانيا؟
هل يكون لاوون الرابع عشر البابا الذي تمنّته أوكرانيا؟

النهار

time١٥-٠٥-٢٠٢٥

  • النهار

هل يكون لاوون الرابع عشر البابا الذي تمنّته أوكرانيا؟

"عليها التحلّي بشجاعة رفع العلم الأبيض". قد تكون عبارةً منسيّةً الآن، لكنّها أثارت جدلاً واسعاً حين أُطلقت حينها. كانت تلك عبارة البابا فرنسيس الراحل في آذار/مارس 2024 خلال حديث إلى هيئة "آر تي إس" السويسريّة. "أنتَ ترى أنّك مهزوم، والأمور لا تسير على ما يرام، تَحلَّ بالشجاعة للتفاوض"، أضاف البابا الراحل. "علمُنا أصفر وأزرق. هذا هو العلم الذي نعيش نموت وننتصر به"، ردّ وزير الخارجيّة الأوكرانيّ السّابق دميترو كوليبا. "لن نرفع أبداً أيّ أعلام أخرى". "نحتاج إلى الاهتمام" بعد الجدل والاحتجاجات، ردّ الفاتيكان عبر إظهار أنّ عبارة "العلم الأبيض" اقترحها الإعلاميّ الذي كان يجري المقابلة واستخدمها البابا فرنسيس في إجابته. على أيّ حال، لم يكن هذا الموقفَ البابويّ الوحيد الذي أزعج أوكرانيا بعد الحرب. فالبابا السّابق لم يصف روسيا بالمعتدي حتى أنّه لام "نباح النّاتو على باب روسيا" لأنّه "ربّما سهّل" الحرب. وفي المقابلة نفسها مع صحيفة إيطاليّة، أصرّ البابا الراحل على مقابلة الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين قبل التّوجّه إلى أوكرانيا. أثارت هذه المواقف وغيرها حفيظة الأوكرانيّين إلى حد كبير. كذلك، زار البابا السفارة الروسيّة بالقرب من الفاتيكان بعد 24 ساعة على الغزو. بعد رحيل البابا فرنسيس عن هذا العالم، قال المحلل الأوكراني فولوديمير فيسينكو لوكالة "فرانس برس" إنّ على البابا المقبل "أن يعير أوكرانيا اهتماماً أكبر". يبدو أنّ أمنيته تحققت سريعاً. "حرب إمبرياليّة" بحسب المؤشّرات المتوفّرة القليلة، لكن المهمّة، قد يملك البابا لاوون الرّابع عشر نظرة مختلفة تماماً إلى الصّراع. سنة 2022، وحين كان لا يزال أسقفاً في البيرو، انتقد البابا (الكاردينال روبرت بريفسوت آنذاك) غزو روسيا لأوكرانيا معتبراً إيّاه حرباً "إمبريالية". وفي مقابلة مع صحيفة "سيماناريو إكسبرسيون"، شجب بريفوست الحرب بصفتها "غزواً حقيقياً، إمبريالية بطبيعتها، حيث تسعى روسيا إلى احتلال أرض لأسباب تتعلق بالقوة". وأضاف أنّ من أهداف احتلال أوكرانيا "موقعها الاستراتيجيّ" و"القيمة العظيمة" التي تمثّلها أوكرانيا على مستوى التاريخ والثقافة والإنتاج. وتابع: "أعتقد أنّه علينا أن نكون أوضح. حتى بعض السياسيّين في بلدنا لا يريدون الاعتراف بفظائع هذه الحرب وسوء روسيا" بسبب قرار خوضها. ويبدو أنّ ذلك التصريح لم يكن نابعاً فقط من أجواء تعاطفيّة مع أوكرانيا سادت على وجه الخصوص خلال الأشهر الأولى التي تلت انطلاق الغزو. ففي خطوة لافتة، وعلى الرّغم من أنّها لم تلقَ الكثير من الأضواء، كانت المكالمة مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي هي أوّل اتّصال معلوم يجريه البابا لاوون الرابع عشر برئيس أجنبي. هو أغسطينيّ في حديث إعلاميّ إلى "فوربس"، توقّع أستاذ اللاهوت في جامعة فيلانوفا الأميركيّة الكاثوليكيّة ماسيمو فاجيولي أن يكون البابا قادراً أكثر على التأثير في الصراع، لأنّه أوّلاً، وكبابا أغسطينيّ، (نسبة إلى القديس أغسطينوس 350-430) يؤمن بمفهوم "الحرب العادلة"، على عكس البابا الراحل الذي كان يسوعيّاً. أما السّبب الثاني بحسب رأيه فهو أنّ أميركيّة البابا تجعله محطّ أنظار الدول الكبيرة من بينها الصين وروسيا والهند. ويضيف أنّ البابا لاوون الرابع عشر هو الأكثر نشاطاً منذ 40 عاماً بالنظر إلى سنّه. عاملٌ آخر ثمّة سبب إضافيّ محتمل لتفسير التأثير المتوقّع لدى البابا الحاليّ في ملفّ أوكرانيا. بعد وفاة البابا فرنسيس، قال مسؤول أوكرانيّ رفض الكشف عن هويته في حديث إلى "فرانس برس"، إنّ البابا الراحل أمكنه أن يفعل المزيد لتفسير مظالم أوكرانيا في دول الجنوب العالميّ. صحيحٌ أنّ البابا لاوون الرابع عشر أميركيّ لكنّه أيضاً بيروفيّ بفعل قضاء فترة طويلة من خدمته الكهنوتيّة في البيرو التي منحته جنسيّتها. وهذا يعني أنّ البابا الحاليّ، من الناحية الثقافيّة، هو جزء أيضاً من "الجنوب العالميّ"، حيث عانت أوكرانيا بشكل متفاوت في الترويج لقضيّتها. كان انتماء البابا الأرجنتينيّ الراحل إلى دول "الجنوب العالمي" أحد الأسباب التي ذكرها مراقبون لتفسير عدم وقوف فرنسيس الصريح إلى جانب أوكرانيا. نظر قسم من حكومات وشعوب هذا الجزء من العالم إلى أوكرانيا كتابعة لدولة أميركيّة "إمبرياليّة". وصف زيلينسكي المكالمة الهاتفيّة بـ "الدافئة جداً والجوهريّة جداً" داعياً البابا إلى زيارة أوكرانيا لأنّها "ستجلب الأمل الحقيقيّ لجميع المؤمنين". هي فكرة كرّرها كبير أساقفة الكنيسة اليونانيّة الكاثوليكيّة في أوكرانيا سفياتوسلاف شيفشوك: "نشعر فعلاً بأنّ البابا ليو الرابع عشر سيكون بابا السلام لأوكرانيا التي عانت طويلاً من الحرب". سنة 2023، كتب جون ألان جونيور في مجلّة "ذي أتلانتيك" أنّ مواقف البابا فرنسيس كانت تعكس تزايد عدد الكاثوليك خارج أوروبا. لكن بحسب المؤشّرات المتوفّرة حتى الآن، وبدلاً من مجاراة الثقل الكاثوليكيّ المتمدد خارج الغرب كما فعل فرنسيس بشكل افتراضيّ، يبدو أنّ البابا الحاليّ يقوم بمصالحة هذا الواقع الجيوسياسيّ مع ما يعتبره ضرورة أخلاقيّة شاملة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store