
حول انكفاء المشروع القومي
بدعوة كريمة من مؤسسة شومان، ألقيت محاضرة بالعاصمة الأردنية عمان، حملت عنوان: «انكفاء المشروع القومي».
في يقيني أن موضوع تراجع الحركة القومية، ينبغي أن تتم قراءته وفق سياقات تاريخية وموضوعية. الحركة القومية، في جذورها حركة تعبوية، تأسست لمواجهة الاستبداد العثماني. وحمل قادتها شعارات طرحها عصر الأنوار الأوروبي. وكان التماهي بين مبادئها المعلنة، والمبادئ التي ارتبطت بالحداثة الأوروبية، يكاد يكون متماهياً.
فعلى سبيل المثال، ركزت كتابات أمين الريحاني، في مطالع القرن العشرين، على أهمية النضال من أجل تحقيق المبادئ التي سادت في الغرب. اعتقد زعماء النهضة العربية، أن الغرب سيساعدهم، على تحقيق أهدافهم في الحرية والاستقلال. لكن نتائج الحرب العالمية الأولى، وما تمخض عنها من اتفاقية سايكس- بيكو ووعد بلفور، قد لجم تلك التطلعات، ووسم قادة النهضة بالهشاشة الاجتماعية، وعدم قراءة المتغيرات الدولية التي تجري من حولهم.
فات قادة حركة النهضة، أن الحداثة، ارتبطت بمرحلة نشأة الحركات القومية في أوروبا، حيث تم كسر الحدود، وإلغاء الحواجز الجمركية. إن ما بعد الحداثة، هو شيء آخر، مختلف تماماً عن المرحلة التي سبقتها... إنها مرحلة التوسع، الاستعماري في القارات الثلاث: آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.
كان ينبغي للحركة القومية العربية، أن تعي أنها على نقيض الحركة القومية الأوروبية، فقد ولدت الأخيرة في السوق، بينما ولدت القومية العربية، مناضلة ضد السوق، وذلك أول افتراق حقيقي، بين الحركتين.
وإذا سلمنا بالمنطق الجدلي، فإن السلبي يفترض أن يولد نقيضه. ولذلك فإن من المفترض، على حركة اليقظة العربية، أن تدرك الفارق الكبير، بين الرؤيتين السياسيتين: الأوروبية والعربية، لكن ذلك لم يحدث للأسف. ولم يتم التمييز، بين ترحيب الغرب لمقارعة العرب للاستبداد العثماني، وما جرى بعده، من تغيرات دراماتيكية في المشهد العربي.
كانت تلك أول معضلة واجهها العرب، بعد نهاية الحرب العالمية الأولى. المعضلة الأخرى، أن مواجهة الهيمنة العثمانية، كانت ضد الرجل المريض في الأستانة، والتي كانت جل المؤشرات تشي، بقرب رحيله. وقد تمت بمواجهته بأرضية مشتركة، وسقف واحد. أما بعد الحرب العالمية الأولى، وأثناء مقارعة الاستعمار التقليدي الأوربي، فإن المواجهة تمت بسقوف عدة، وافتقرت إلى الأرضية المشتركة.
إن الأمم التي تعاني التجزئة، بحاجة إلى إعلاء الفكرة القومية، كأيديولوجيا جامعة. ومن الطبيعي، أن يكون حضورها قوياً، بخلاف الأمم التي حققت وحدتها. فالأخيرة، ليست بحاجة للتأكيد باستمرار، على أهمية حدث تحقق وبات من الماضي. لا نتوقع من الفرنسي أو الألماني أو الإنجليزي، ولا من الصيني أو الهندي أن يتحدثوا عن أهمية الانتماء القومي، لأن ذلك تم إنجازه، وليس من حاجة لاستمرار الحديث عنه. خلافاً لذلك، فإن وحدة العرب، بأي شكل من الأشكال، تقتضي أن يكون هذا الهدف حاضراً في شعاراتهم وأدبياتهم.
الانتقال، من النظرة الرومانسية الحالمة، إلى رؤية واقعية، يفرض مراجعة علمية للفكر القومي العربي، ترفض النظرة العدمية للوحدة، التي تضع كل المشاكل على التجزئة، وتعتبرها أم الأمراض، وترى أن طريق الإنقاذ الوحيد هو تحقيق الوحدة. إن نتيجة ذلك، لو تحقق وهو ما لا تسنده كل المؤشرات، أن تتحقق الوحدة بين أجزاء مريضة، فينتج عنها جسد سقيم.
النظرة الواقعية لوحدة الأمة، ينبغي أن تنطلق من بناء الأوطان أولاً، وأن تفرض الوحدة من خلال الحاجة التاريخية. ولذلك بات التركيز على إنجاز التكامل الاقتصادي بين الأقطار العربية.
في هذا السياق، تواجهنا مشكلتان رئيسيتان، هما القضايا الصعبة، التي تواجهها، عدة أقطار عربية، من ضمنها بلدان كانت مركزاً لحركة اليقظة، كما هو الحال في سوريا ولبنان والعراق. والواقع هذا ينسحب على بلدان عربية أخرى، أبرزها ما يحدث في السودان الشقيق، منذ أكثر من عامين، من احتراب داخلي، لا توجد أي مؤشرات على وضع نهاية له، حتى هذه اللحظة.
كان من المفترض، أن يكون لجامعة الدول العربية، دور كبير، في معالجة تلك المشكلات، لكن يبدو أن الأمراض التي يعانيها الجسد العربي، في عدد من الأقطار العربية، قد تسللت للجامعة ذاتها، وباتت عاجزة عن تطبيق ميثاقها، بما في ذلك معاهدة الدفاع العربي المشتركة، وميثاق الأمن القومي الجماعي. وربما كان ذلك من أحد أسباب نشوء مجالس التعاون العربية، التي عجز غالبتها عن تلبية الأهداف المعلنة لتأسيسها.
ولعل هذه مناسبة لتذكير القادة والشعوب العربية، بأن ما نمر به من أزمات حادة، ومن تغطرس في سياسة الكيان الإسرائيلي، واعتداءاته المستمرة على الأقطار العربية، ودول الجوار، يستدعي وقفة تاريخية، من الجميع، وممارسة مختلف أشكال الضغوط للتصدي لنزعات الهيمنة، وغطرسة القوة.
هناك قضية عربية أخرى، ينبغي معالجتها، هي اتساع الفروقات بين الغنى والفقر، ليس في القطر الواحد، بل على مستوى الوطن العربي، حيث باتت بلدان عربية، لا ينال مواطنيها حتى النزر اليسير، للعيش الكريم. إن معالجة هذه الظاهرة، تقتضي أن تسهم البلدان العربية الغنية، في تنشيط حركة الاستثمار بالبلدان التي هي بمسيس الحاجة لذلك. وما لم يتحقق ذلك فإن الوضع العربي سيتجه إلى المزيد من التداعي والانهيار.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة الخليج
منذ ساعة واحدة
- صحيفة الخليج
ألمانيا تواصل إجلاء مواطنيها من إسرائيل
أعلنت ألمانيا الثلاثاء، أن جيشها نقل 179 ألمانياً آخرين من إسرائيل على متن طائرتين عسكريتين. وأكدت وزارة الخارجية الألمانية، أن طائرتي إيرباص من طراز «إيه 400 إم»، تنقلان الرعايا الألمان الذين تم إجلاؤهم، هبطتا في مدينة فرانكفورت عقب منتصف الليلة الماضي. وأقلعت الطائرتان من قاعدة فونشتورف الجوية الألمانية لتنفيذ ما يسمى بالإعادة الدبلوماسية، والتي تواصل الحكومة الألمانية من خلالها تقديم مساعداتها للمواطنين الألمان. وبحسب البيانات، يستهدف هذا العرض مجدداً الأشخاص الأكثر ضعفاً الذين أعربوا عن رغبتهم في مغادرة إسرائيل، من بينهم العديد من العائلات. وفي الأيام الأخيرة أتاحت وزارة الخارجية الألمانية لأكثر من 460 شخصاً العودة عبر العاصمة الأردنية عمان، على متن ثلاث رحلات خاصة، ونقل الجيش الألماني يوم الجمعة الماضي، وللمرة الأولى، 64 ألمانياً جواً مباشرة من إسرائيل.


سكاي نيوز عربية
منذ 2 ساعات
- سكاي نيوز عربية
علي شمخاني: مخزون البلاد من اليورانيوم المخصب لم يتم تدميره
قال مستشار المرشد الإيراني علي شمخاني إن بلاده مازالت تحتفظ بكمية اليورانيوم المخصب. وتتزامن تصريحات المسؤول الإيراني مع تأكيد إسرائيلي بأن الضربات الأميركية أسفرت عن تدمير كميات كبيرة من المواد المخصبة.


صحيفة الخليج
منذ 2 ساعات
- صحيفة الخليج
ترامب: وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل دخل حيز التنفيذ.. الرجاء عدم انتهاكه
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن صراع إسرائيل وإيران أن وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل دخل حيز التنفيذ. ودعا الرئيس الأمريكي الطرفين إلى عدم انتهاكه. ودوّن الرئيس الأمريكي عبر منصته الخاصة "تروث سوشيال": "وقف إطلاق النار دخل حيز التنفيذ.. الرجاء عدم انتهاكه". ودخل اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، الثلاثاء حيز التنفيذ، بعد 12 يوماً من العمليات العسكرية بين البلدين. وأعلنت قناة برس تي في الإيرانية عن بدء وقف إطلاق النار بعد أربع موجات من الهجمات الإيرانية على إسرائيل. موجات من الصواريخ وقبل فترة وجيزة من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، أعلن الجيش الإسرائيلي أن الجانب الإيراني شن 6 موجات من الصواريخ باتجاه مناطق إسرائيلية عدة. وقال الجيش في بيان "قبل قليل، انطلقت صفارات الإنذار في مناطق عدة في أنحاء إسرائيل عقب رصد إطلاق صواريخ من إيران". وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن أمس الاثنين أن وقف إطلاق نار "كاملاً وشاملاً" بين إسرائيل وإيران سيدخل حيز التنفيذ بهدف إنهاء الصراع بين الجانبين، مما قد ينهي حربا استمرت 12 يوما وأثارت مخاوف من المزيد من التصعيد في المنطقة التي مزقتها الحروب. وشنت إسرائيل، التي انضمت لها الولايات المتحدة، هجمات على منشآت نووية إيرانية، بعدما اتهمت طهران بأنها تقترب من الحصول على سلاح نووي. وكتب ترامب على منصته تروث سوشيال "على اعتبار أن كل شيء سيمضي كما هو مفترض، وهو ما سيحدث، أود أن أهنئ البلدين، إسرائيل وإيران، على امتلاكهما القدرة والشجاعة والذكاء لإنهاء ما ينبغي أن تسمى حرب الاثني عشر يوما". وبينما أكد مسؤول إيراني في وقت سابق موافقة طهران على وقف إطلاق النار، قال وزير خارجية البلاد إنه لن يكون هناك وقف للأعمال العدائية ما لم توقف إسرائيل هجماتها. وذكر وزير خارجية إيران عباس عراقجي في ساعة مبكرة من صباح اليوم الثلاثاء أنه إذا أوقفت إسرائيل "عدوانها غير القانوني" على الشعب الإيراني في موعد أقصاه الساعة الرابعة صباحا بتوقيت طهران (0030 بتوقيت جرينتش) من اليوم الثلاثاء فإن إيران لا تنوي مواصلة ردها بعد ذلك. وقال عراقجي في منشور على موقع إكس "القرار النهائي بشأن وقف عملياتنا العسكرية سيُتخذ لاحقا". وقال مسؤول كبير في البيت الأبيض إن إسرائيل وافقت على وقف إطلاق النار بشرط ألا تشن إيران هجمات أخرى، وذكر أن ترامب توسط في الاتفاق في اتصال مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وأشار ترامب على ما يبدو إلى أنه سيكون لدى إسرائيل وإيران بعض الوقت لاستكمال أي مهام جارية، وبعدها سيبدأ وقف إطلاق النار على مراحل. وأبلغ مسؤول مطلع على المفاوضات رويترز بأن رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني تمكن من الحصول على موافقة طهران خلال اتصال هاتفي مع مسؤولين إيرانيين. وأضاف المسؤول أن ترامب أبلغ أمير قطر بموافقة إسرائيل على وقف إطلاق النار. وقال مسؤول البيت الأبيض إن نائب الرئيس الأمريكي جيه.دي فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو والمبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف كانوا على اتصال مباشر وغير مباشر مع الإيرانيين. وقبل هذا بساعات، أشار ثلاثة مسؤولين إسرائيليين إلى أن إسرائيل تتطلع إلى إنهاء حملتها على إيران قريبا ونقلت هذه الرسالة إلى الولايات المتحدة. في غضون ذلك، أفادت القناة 12 التلفزيونية الإسرائيلية بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو طلب من وزراء الحكومة عدم الإدلاء بأي تصريحات علنية.