
لماذا يغيب الأدب السعودي عن الجوائز العالمية؟
بقي حضور الأدب السعودي على منصّات الجوائز العالمية محدوداً، على الرغم من التحوّلات التي شهدها في الفترة الأخيرة، وخصوصاً في مجال الرواية.
وينحصر حضور الرواية في جوائز عدّة، منها الجائزة العالمية للرواية العربية، التي مُنحت لثلاثة كُتّاب سعوديين هم: عبده خال عن رواية "ترمي بشرر" عام 2010، رجاء عالم - مناصفة مع المغربي محمد الأشعري- عن "طوق الحمام" عام 2011، ومحمد حسن علوان عن رواية "موت صغير" عام 2017، إضافة إلى شيماء الشريف الحائزة على جائزة الأدب العربي المترجم للإسبانية، عن روايتها "أنصاف مجانين".
وإذا أردنا توسيع الدائرة لتشمل ترشيحات القوائم الطويلة والقصيرة، سنجد عناوين أيضاً محدودة وهي: "الأفق الأعلى" للكاتبة فاطمة عبد الحميد، و"شارع العطايف" للروائي عبد الله بن بخيت، ورواية "الوارفة" لكاتبتها أميمة الخميس، و"فتنة جدّة" لمقبول العلوي، و"غراميات شارع الأعشى" للكاتبة بدرية البشر، و"حفرة إلى السماء" لعبد الله عياف، وأخيراً رواية "عين الحدأة" للكاتب صالح الحمد.
يقابل ذلك الحضور الخجول زخم في الإنتاج، ويمثّل عام 2024 أعلى معدل في تاريخ النشر الروائي بالمملكة، حيث صدرت 317 رواية سعودية، ما يمثّل نمواً بنسبة 74% مقارنة بالعام 2023، وفقاً للتقرير الأخير لمنصّة "أدب ماب"، المتخصّصة بمتابعة وتوثيق الأدب السعودي.
فما الذي يحول دون حضور الرواية السعودية في منصّات الجوائز الأدبية العالمية بشكل أكبر، هل يكفي الزخم المحلي لتأمين موطئ قدم للرواية السعودية في المشهد الأدبي العالمي، وما دور المؤسسات الثقافية والناشرين والمترجمين، والكُتّاب أيضاً في هذا الحراك؟
"الشرق" تستعرض آراء عدد من الكتّاب والنقّاد حول أسباب هذا الغياب، ودور الترجمة والنشر والجوائز المحلية في تشكيل المشهد الأدبي.
أهداف سياسية
الروائي عبد الله بن بخيت يعتبر أن الأدب السعودي لم يحضر بعد بشكل كاف في ساحة الجوائز الأدبية العالمية، والمقصود بها الجوائز التي تمنحها الدول غير العربية، وخصوصاً الغربية، مثل "نوبل" و"بوكر".
واستشهد بحالات عربية نادرة فازت بهذه الجوائز، معتبراً أن "بعضها ارتبط بسياقات سياسية، ما يضع علامات استفهام حول دوافع منح الجائزة"، مشيراً إلى أن بعض الفائزين كتبوا أعمالهم بلغات غير عربية.
وأكد بخيت أن الرواية السعودية امتداد للرواية العربية، مع ملاحظة أن الرواية السعودية حديثة العهد، وما زالت في طور النمو، وتدور في أوساط المهتمين بالأدب، ولم تتغلغل بعد في الوجدان العربي فضلاً عن العالمي.
وبحسب بخيت، فإن القارئ السعودي لا يملك القدرة بعد على التمييز بين الرواية والحكاية والقصّة، وأن معظم الروايات تخضع للمؤشّر الأخلاقي، والبعد الوعظي، وهذا يجعلها بعيدة عن المعايير الفنية التي تجذب الجوائز العالمية.
وأكد أن أبرز التحديات التي يواجهها الأدب السعودي، أن من يُسند إليه أمر الرواية لا علاقة له بالرواية، بل إنه لم يقرأ رواية واحدة على الورق، أو في محاضرة من محاضراته في حياته النقدية كلها.
واعتبر أن الرواية السعودية أصبحت ملكاً لمن يملك القدرة والخبرة في خوض الضجيج، كما أن مشكلة الترجمة لدينا، أنها ارتبطت لا شعورياً باللغة الإنجليزية، فأصبح هدفنا أن يمنحنا الغرب الأنجلوسكسوني اعترافه، لا أن يصل النص إلى قارئ آخر.
الحرب من الداخل
من جهته يرى الدكتور عادل خميس، أستاذ النقد الحديث في جامعة الملك عبد العزيز، أن الأدب السعودي لم يحضر بعد بما يليق بمستواه، رغم التطوّر الكمي والنوعي في الإنتاج، معتبراً أن ذلك سببه الانكفاء المحلي السابق، وضعف الترويج العالمي، وغياب الخطط الاستراتيجية لدعم الأدب كمشروع وطني.
كما أشار إلى أن الأديب السعودي، ظل لزمن محارباً في وطنه؛ لافتاً إلى حظر أعمال بعض الأدباء السعوديين داخل المملكة، كأعمال غازي القصيبي، وعبده خال وتركي الحمد.
ولفت إلى أن الأدباء السعوديين كافحوا لزمن طويل ليجدوا قبولاً في مجتمعهم، فمن الطبيعي أن يكون حضورهم خارجياً أصعب.
وأوضح خميس أن التسويق للأدب -بوصفه خطاباً جمعياً- بحاجة لمؤسسات تؤمن به وتدعمه وتضع له الاستراتيجيات والخطط، التي تضمن حضوره بلغات العالم، إضافة إلى الترجمة التي تعتبر عاملاً حاسم في الحضور العالمي.
غياب الاستراتيجية
الروائي عبد الرحمن سفر، الفائز بجائزة القلم الذهبي، يرى أن الأدب السعودي يعيش عصراً ذهبياً، وأن الأديب السعودي يمتلك مقوّمات فنية وفكرية تؤهله للمنافسة على جوائز عالمية، مؤكداً أن الكُتّاب السعوديين الذين حازوا جوائز عالمية، يشكلون دليلاً على صحة هذه الفكرة، ومؤشراً على بقية الروائيين السعوديين، وقدرتهم على المنافسة العالمية.
واعتبر أن التحدي لا يكمن في غياب الجودة، بل في محدودية الترويج والترجمة، فضلاً عن غياب برامج التبادل الثقافي، داعياً إلى إنشاء جسد مؤسسي يربط الأدب المحلي بالساحة العالمية.
كما شدد على أهمية تكامل الأدوار بين الكاتب ودور النشر والإعلام. وسأل هل على الكاتب أن يترجم ويبحث عن ناشرين، ويسوّق، ويتواصل مع الإعلام؟
كما أشار سفر إلى أن الوصول إلى القرّاء العالميين يتطلب استراتيجية شاملة، تبدأ بكتابة نصوص رصينة قادرة على إثارة الاهتمام، مروراً بتفعيل دور النشر في التسويق والترجمة، وانتهاء بإشراك الروائيين السعوديين في المؤتمرات والملتقيات الدولية.
وأكد على أهمية الجوائز المحلية، لكنها غير كافية إن لم تتبعها جهود مؤسسية للفت الانتباه وتعزيز الحضور العالمي.
زخم سردي وتجربة مميزة
من جهتها ترى الروائية غادة عبود، المرشّحة للقائمة القصيرة لجائزة القلم الذهبي، أن الأدب السعودي غارق في تفاصيله المحلية الغنية، لكن اهتمامه بالزخم السردي أكثر من اهتمامه بالحبكة، وهذا على الأحرى يخلق تجربة أدبية مميّزة للأدب السعودي، مثلما يتميّز الأدب الروسي مثلاً بالتحليل النفسي، ولهذا أرى أن الأدب السعودي يقدم رؤية وتجربة مختلفة للقارئ العالمي؛ ولهذا أثق أنه قادر على المنافسة عالمياً إذا منحناه الفرصة.
ورأت عبود أنه من أكبر التحديات التي تواجه الأدب السعودي، عدم وجود دور نشر محلية تهتم بترجمة الرواية السعودية إلى لغات أخرى، كذلك في التوزيع والنشر الرقمي ما بعد الترجمة، إذ لا يكفي أن يكون العمل مترجماً فقط، بل يجب أن تهتم دور النشر بتوزيع الكتاب المترجم، وإدراجه ضمن المواقع أو التطبيقات المهتمة بالنسخة الإلكترونية لينال حقه من الظهور.
وعن الجوائز المحلية، أكدت أن الجوائز المحلية تمنح الكاتب شعوراً بالحضور والثقة، لكنها تبقى من دون فاعلية، إذا لم تتبعها خطوات عملية لترجمة الأعمال وتقديمها للمسابقات الدولية.
مسؤولية دور النشر
أما صالح الحمّاد، صاحب "الناشر" وهي دار نشر سعودية، أن الأدب السعودي يمتلك جميع المقومات الفنية والموضوعية للمنافسة عالمياً. لكنه يشير إلى تحديات عدة، أبرزها غياب المحرر الأدبي المحترف، واستعجال بعض الكتّاب في النشر دون نضج كاف، وضعف حضور الوكيل الأدبي في السوق المحلي.
كما حذّر من الترجمات الضعيفة أو السطحية، مؤكداً أنها قد تسيء للنص الأدبي بدلاً من أن تعرّف به، معتبراً مبادرة "ترجم" التابعة لهيئة الأدب والنشر والترجمة، خطوة مهمة نحو القارئ العالمي.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
أفلام مصرية على «أمازون»
> أبرم الزميل سامح فتحي اتفاقاً يستحق التقدير. في الشهر المقبل، ستَعرض منصَّة «أمازون» مجموعة كبيرة من الأفلام المصرية التي كان الزميل قد حاز على حقوقها ورمَّمها. > ليس هناك من بين المعنيين من يحرص على ترويج أفلام السينما المصرية القديمة كما يفعل سامح فتحي، وذلك منذ سنوات عدّة. لكن الاتفاق الحالي بينه وبين «أمازون» هو بمثابة قمَّة نشاطاته في هذا المجال حتى الآن. > من بين المجموعة التي ستعرضها المنصة المذكورة: «أيامنا الحلوة» لحلمي حليم (1955)، و«أمير الدهاء» لهنري بركات (1964)، و«الحاقد» لريمون منصور (1962)، و«كلهم أولادي» لأحمد ضياء الدين (1962). > لا تستدعي المناسبة عملية تقييم نقدية. معظم هذه الأفلام، وسواها من إنتاج الخمسينات والستينات، كانت جماهيرية بمستويات دون المقبول، لكنها كانت أيضاً السبب في ولادة الموجة المصرية الجديدة في السبعينات والثمانينات بوصفها ردَّ فعل رافضٍ لها. الواقع أن كل الموجات السينمائية في العالم، من بريطانيا إلى فرنسا والبرازيل والولايات المتحدة والعالم العربي، تزامنت في نهضة واحدة خلال تلك الفترة بصفتها حركة رفضٍ ورغبة في تجاوزِ السينمات السابقة. > من ناحية أخرى، كثيرٌ من الأفلام القديمة (كما نسميها) يبدو اليوم أفضل من الجديد السائد. المسألة ليست تحديث تقنيات وبلورةً «أسلوبية» ترقص فيها الكاميرا، ويُمنح كل ممثل 15 ثانية لإلقاء قنبلة حوارية خاطفة. أفلام الأمس استندت إلى تفعيلِ مناهجَ عملٍ، بصرف النظر عن قيمتها الفنية. > عبارة «الزمن الجميل» المنتشرة منذ سنوات هي رمزية أكثر منها وصفاً حقيقياً. في ذلك الحين، نظرَ نُقاد الفترة إلى أفلام حلمي رفلة، وحلمي حليم، ونيازي مصطفى، وحسام الدين مصطفى، وأحمد ضياء الدين، وسواهم نظرة نقدية حادَّة. هذه هي النظرة نفسها التي يُوجِّهها نُقاد اليوم صوب أي فيلم يخفق فنياً.


الرياض
منذ 2 ساعات
- الرياض
خدم الوطن في القضاء.. وأفاد المجتمع بالوعظ والإرشادسليمان بن جمهور.. الناصح الأمين
لقد حُبب إليّ فن التراجم والسير منذ أن تعلقت بالقراءة وحب الكتاب، هذا فضلًا عن الالتقاء بالعلماء والأعيان الذين يسّر الله الطريق إليهم وسؤالهم عن حياتهم وسيرتهم ومواقفهم وعن كل ما يتعلق بمشوارهم، حتى كبار السن الذين ليسوا علماء ولا من الوجهاء أعشق الجلسة معهم وسماع حديثهم، وكما قال أستاذنا يعقوب الرشيد الدغيثر -رحمه الله-: "جالس من هو أكبر منك بعشرات السنين لتستفيد من تجربته وتتقي الأخطاء التي وقع فيها"، وهو ممن لازمته سنوات وأفدت من معلوماته وتجاربه فهو تاريخ متنقل وكنوز من المعرفة والمعلومات الحية. ومن الذين كنت أبحث عن حياتهم وسيرتهم وأسأل عنهم الفقيه القاضي الرحالة والشاعر الشعبي النحل سليمان بن محمد بن سليمان بن منصور بن جمهور -رحمه الله-، ومن الذين سألتهم عنه الأديب والرواية والقاضي حمد بن إبراهيم الحقيل -رحمه الله-، وحدثني أنه شاهده في المجمعة واعتقد أنه قال إنه زار والده في منزله وأثنى عليه وأنه صاحب نكتة ومرح، وقد ذكره الحقيل في كتابه (كنز الأنساب) وروى عنه بيتين من الشعر الشعبي سوف أرويها عنه؛ لأنني سمعتها منه عدة مرات، وقد كتبت عن سليمان بن جمهور عدة أسطر في مقالة من حلقتين عن القضاة الذين نظموا في الشعر الشعبي في صفحة "خزامى الصحاري"، وفي "سطور المشاهير" سوف نلقي الضوء على حياة ومسيرة ابن جمهور من خلال بعض المراجع التي وثقت سيرته. وأصل أسرة سليمان بن جمهور -رحمه الله- من الطائف، ثم انتقلت إلى نجد وبالتحديد في بلدة جلاجل وهذه البلدة من إقليم سدير. كتاتيب جلاجل وذكر المؤرخ الفقيه عبدالله البسام في (كتابه علماء نجد خلال ثمانية قرون) -المجلد الثاني- سيرة سليمان بن جمهور -رحمه الله-، وأنه من مواليد عام 1265هـ، وكذلك حدد محمد القاضي -رحمه الله- في كتابه (روضة الناظرين) -الجزء الأول- في ترجمة ابن جمهور التاريخ نفسه. ونشأ سليمان بن جمهور في جلاجل وقضى صباه وطفولته فيها ثم تعلم في كتاتيب هذه البلدة وحفظ القرآن الكريم، وهذه البلدة العريقة هي بلدة المؤرخ الشهير عثمان بن بشر -رحمه الله- مؤلف (عنوان المجد في تاريخ نجد) حيث ألّف تاريخه في جلاجل وتوفي 1290هـ فيها، ومن المؤكد أن ابن جمهور قد رأى وشاهد المؤرخ ابن بشر؛ لأنهما في بلد واحد، لكن هل أخذ عنه العلم أو جالسه لا علم لي بذلك، وحينما توفي ابن بشر كان عمر شخصيتنا خمس وعشرون عاماً فهو رجل يدرك جل ما حوله. عمر مديد وعاصر سليمان بن جمهور -رحمه الله- الإمام فيصل بن تركي في مرحلته الثانية الدولة السعودية الثانية، فقد طال عمر ابن جمهور وتوفي وعمره ستًا وتسعين عاماً، عمر مديد وحياة طويلة ومسيرة ذات محطات كثيرة متنوعة وثرية وليست عابرة فقط، وللأسف الشديد إن علماء نجد أو الذين يجيدون الكتابة من أهالي نجد لا يقيدون مشاهداتهم حينما يجوبون الأقطار ويقطعون القفار والوهاد، فهذا شخصيتنا من هؤلاء الذين لم يكتبوا تجربتهم في طلب العلم وعاصر أحداثًا كبيرة في نجد والجزيرة العربية وفي العراق، فهو رحالة ويكفي أنه عاصر بدايات عصر الدولة السعودية الثالثة على يد الملك المؤسس الملك عبدالعزيز منذ عام 1319هـ حتى إطلاق اسم المملكة العربية السعودية عام 1351هـ. رحّالة وجوّال وسليمان بن جمهور -رحمه الله- رحالة وجوال في طلب العلم من وهو من العلماء النجديين الذين طلبوا العلم خارج نجد، وكانت رحلته إلى العراق حيث العلم والعلماء في بغداد، وكانت بغيته آل الألوسي أشهر أسرة علمية في بغداد إن لم يكن في العراق، ولعل مجيء ابن جمهور إلى بغداد أوائل القرن الرابع عشر الهجري يعني ما بعد 1300هـ تقريبًا، يقول محمد بن عثمان القاضي في كتابه (روضة الناظرين) والبسام في (كتابه علماء نجد): إن شخصيتنا درس على العلامة نعمان بن محمود الألوسي، وهذا الأخير توفي 1317هـ، وكان قبل 1300هـ سافر إلى مصر لطبع تفسير والده روح المعاني وسافر إلى الشام وكانت له رحلات حتى استقر عام 1301هـ في بغداد حتى وفاته، وبهذا يكون ابن جمهور درس عليه بعد هذا التاريخ، والألوسي بحر من العلوم وهو رئيس المدرسين في بغداد، ولا أعلم كم المدة التي قضاها فيها، ولازم شخصيتنا كذلك العلامة المؤرخ اللغوي محمود شكري الألوسي مؤلف (النبذة التاريخية النجدية) وغيرها من المؤلفات وتوفي عام 1342هـ. الهند والزبير وبعد بغداد رحل سليمان بن جمهور -رحمه الله- عن طريق البحر إلى الهند، يقول القاضي في كتابه (روضة الناظرين) أنه التقى بعلماء الحديث، أمّا البسام فيذكر أنه سافر لأجل التجارة، ولعل الأمرين قد حصلت لشخصيتنا، وإذا التقى بعلماء الحديث من الممكن أنهم أجازوه بمروياتهم، رجع ابن جمهور إلى العراق مرةً أخرى وسكن إلى الزبير بقصد الدراسة على علمائها في الفقه الحنبلي، وعلماء الزبير حنابلة؛ لأنهم في الأصل نجديون، ونجد أغلبها حنابلة بل جلهم، وشخصيتنا من أهالي نجد من سدير، وكذلك مدينة الزبير فيها أغلبية من أهالي سدير، حطت رحال شخصيتنا في الزبير واعتكف بغرض العلم وتحصيله ولم يشتغل بأي شيء سوى ملازمة الدرس، فكان من العلماء الذين أخذ عنهم العالم محمد بن عوجان -رحمه الله- أخذ عنه الفقه والفرائض، وابن عوجان من فقهاء المذهب الحنبلي، وذكر البسام والقاضي أن شخصيتنا قد انتفع بملازمة هذا العالم انتفاعًا كثيرًا، وبهذا حفظ الفقه الحنبلي واستوعبه، وكذلك المواريث، ولعل هذا من حسن تدريس ابن عوجان لتلاميذه، فليس كل عالم أو طالب يجيد التدريس وإيصال المعلومة بأسلوب سهل وسلس، وقد يكون غزير المعرفة، لكنه لا يتقن الشرح وتفكيك المتون في الفقه والعقيدة والنحو، وبهذا صار شخصيتنا بعد هذه الرحلات العلمية من أهل العلم والمعرفة وكان أهلًا لأن يفتي ويقضي. قابل المؤسس وبعد سنوات كثيرة وعندما كبر سليمان بن جمهور -رحمه الله- في العمر اتجه إلى الرياض وقابل المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، وهنا يقول البسام عند مجيئه للرياض: فلما استقر الحكم للملك عبدالعزيز وزالت تلك الدعايات التي شوهدت العقيدة السلفية التي أحياها الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- عاد ابن جمهور إلى بلاده «نجد»، وحلَّ بالرياض، واجتمع بالعلامة الشيخ عبدالله بن عبداللطيف، فعَّرف الملك عبدالعزيز به كما عرّف به أهل العلم، فأكرمه الملك كعادته في إكرامم أهل العلم وأمر بإنزاله في بيت وتأثيثه له وإجراء نفقات لائقة به، كما باحثه أهل العلم وصار له معهم اجتماعات عرف من خلالها صحة هذه الدعوة ونقاوتها وبعدها عن الخرافات والبدع، فدخلت الدعوة السلفية في قلبه، وصار هو من أكبر دعاتها، ويضيف البسام قائلاً: وحين أعفي من العمل استقر في مسقط رأسه بلده جلاجل إحدى بلدان مقاطعة سدير، فأقام فيها حتى توفي فيها عام 1361هـ، وقد أفادني الشيخ عبدالعزيز بن سليمان بن سعيد أحد قضاة محكمة التمييز بالمنطقة الغربية بأن لابن جمهور أحفاداً، وأنهم من طلاب العلم، وأنه زامل بعضهم في الدراسة. قاضي رنية وعيّن الملك عبدالعزيز -رحمه الله- سليمان بن جمهور -رحمه الله- قاضيًا لبلدة رنية، وهذا أول عمل قضائي يتولاه، ثم بعد ذلك عينه مرشدًا وواعظًا لهجرة «الصرار» عند قبيلة العجمان، وشخصيتنا من الوعاظ المؤثرين في نصحهم وإرشادهم، ولعل ذلك تأثره بشيخه نعمان الألوسي الذي وصف بأنه ابن الجوزي زمانه، ثم بعد ذلك عين مستشارًا عند نائب الملك صاحب السمو الملكي الأمير فيصل -الملك فيما بعد- فكان نعم المستشار الأمين الصادق، فكان يطرح رأيه بدقة حينما تطلب منه المشورة والمستشار، مؤتمن فيما استشير فيه، كأنه قاضي وأمامه الخصوم لا يميل مع أحد الطرفين وهكذا شخصيتنا، وكانت آخر أعماله في القضاء في أبها، ويروي الفقيه عبدالله البسام في هامش ترجمة شخصيتنا أن الوجيه عبدالله العسكر -أمير المجمعة سابقًا- لما عيّنه الملك عبدالعزيز أميرًا على أبها، طلب ابن عسكر من الملك عبدالعزيز أن يختار مرافقين معه إلى أبها، وأن يرسل معه قاضيًا ويكون في السنتين الأولى إمامًا للصلاة فقط، فاختار شخصيتنا إمامًا ثم بعد ذلك بعد سنتين قاضيًا معه. راعية الأثل وروى الباحث عبدالعزيز العويد -في إحدى مقاطع اليوتيوب- أن سليمان بن جمهور -رحمه الله- لمّا كان صغير السن اتجه هو وأخوه دخيل من سدير إلى القصيم، وكانت هذه السنة قاسية على نجد، فرحلا إلى القصيم طلبًا وسداً للرمق، فلما وصلا هناك مكثا فيه مدة ثم رجعا إلى سدير، وفي أثناء الطريق نفد ما معهما من الزاد والماء وسقطا مغشيًا عليهما، ومرت بهما امرأة وأنقذتهما وسقتهما وأطعمتهما، ووضعت عليهما شجر الأثل حتى يزول عنهما شدة الحر، وبعدما نشطا واستعدا للرحيل زودتهما بالماء والطعام، ولم ينس شخصيتنا هذا الفعل العظيم من هذه المرأة المحسنة، فلما كبر واشتد عوده خصص لهذه المرأة أضحية باسم راعية الأثل، وهذا من أعظم الوفاء وحسن العهد، ولولا عناية الله ثم هذه المرأة لأصبح شخصيتنا وأخاه من عداد الموتى. ليس مُكثراً وسليمان بن جمهور -رحمه الله- من الشعراء المجيدين للشعر الشعبي، والظاهر أنه ليس مكثرًا من الشعر ولم يتفرغ له، ولو بذل نفسه لأبدع كثيرًا، لكن الله اختار له ما هو أفضل، العلم والقضاء والنصح ونفع الأنام، ويروي الأديب القاضي حمد الحقيل -رحمه الله- بيتين فيهما طرافة لشخصيتنا وهما: مع السلامة يا القدوع والعود الأزرق واللحم بشر عيونك بالدموع من كثر تنفيخ الفحم كريم المنطق وقال حمد بن عبدالله بن خنين في مقالة له بمجلة «العدل» عن سليمان بن جمهور -رحمه الله-: كان عف اللسان كريم المنطق، من أبعد الناس عن الغيبة وسوء الظن والخوض في الخصومات، حريصاً على جمع الكلمة ورأب الصدع، كان إماماً في العبادة والتقوى وورعاً في المال والتعفف عن المغريات، كثير الإحسان إلى الناس يسعى في مصالحهم ويقضي ديونهم ويعين فقيرهم ويصلح ذات بينهم ويجيب دعوتهم ويشفع لمحتاجهم، وكان إماماً في العلم والفقه تحصيلاً وفهماً وتكييفاً، ثم صار إماماً في التعليم بذلاً وتوفراً ومداومة وتفهيماً، كما أنه إماماً في الإصلاح والاحتساب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع المداراة واللطف والحكمة وتقدير المصالح والمفاسد، كم جرى بعد وفاته -رحمه الله- من محن وخطوب يتمنى المرء أن لو ظفر منه بجواب مسألة وكشف شبهة وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر، فتح بابه وقلبه للناس، واستوعبهم بحبه وعطفه وحسن تعليمه لهم وحب الخير لكبيرهم وصغيرهم ما كان يستعصي عليه إنكار منكر مهما كان، لأنه كان ينكره بكل الحب واللطف واللين والحرص على هداية العاصي، كان الأهم الأبرز في جيله وعصره، ففي كل ملمة يفزعون إلى رأيه ومشورته، هكذا هم العلماء الربانيون وهكذا يكون أثرهم، وهكذا يكون الفراق والفقد ووجع رحيلهم، رحمة الله على هذا الشيخ الذي بذل حياته في العلم والتعليم والعبادة والنصح.


الرياض
منذ 2 ساعات
- الرياض
بين الثقافة والصحافةالمجتمع والشريك الأدبي
المجتمع هو أنا وأنتم، وهي وهن؛ ممن كنا نتعطش إلى أبنية ثقافية ومجالس أدبية إضافية نتحدث فيها عن رواية أو قصيدة أو معانٍ فلسفية وتاريخ معرفي ثقافي بما يشبه الوجود الدائم قدر الإمكان، والمجتمع أيضاً هو أنت وهم، وهي وهن ممن لا يهتمون بالثقافة ولا بالأدب، ويسعون في مناكب الأرض كل حسب اهتمامه وهمومه وما يُسر له. جاء الشريك الأدبي، وهو البرنامج الذي يحمل الفكرة التي أشغلت المهتم بالثقافة ليجعل حتى من لا يهتم بالثقافة والأدب ينضم إلى قائمة المهتمين، ففي كل بيت هناك من يشغله الأدب وتستهويه الثقافة، فتحولت الأسرة مع هذا الفرد إلى متابع لهذا المشروع العبقري، وأصبحت تتابع هذا المهتم من أفرادها في ندوة منقولة أو مصورة بأي شكل وأي وسيلة، ودخل الشريك كل بيت ليحقق معنى الشريك تنظيراً وتطبيقاً. دعوني أقتطع من مقالي السابق المشار إليه أعلاه هذا الجزء: «كوب قهوة وكتاب؛ هذه أنصع وأجمل صورة ذهنية تجمع الأدب بالمقهى. لكن أن تصبح الصورة كتاباً ومقهى وأمسية أدبية وجمهوراً وتكريماً، فهذه قفزة على كل الصور الذهنية، وطمس لمحدودية الطموح، ونقل من الحلم المستحيل إلى الواقع المحقق، ما القصة؟». (انتهى الاقتباس). الجواب: إنه الشريك الأدبي؛ مشروع أدبي ثقافي سعودي ابتكاري عبقري؛ لا يحتكر فائدته على السعوديين بل يتعدى ليكون لمجتمع كامل يعيش فوق هذه الأرض وتحت سماء المملكة العربية السعودية من أبنائها أو المقيمين على أرضها، وهو جهد إنساني ومنتج بشري لن يصل إلى الكمال، ولكنه يقترب منه عندما يواصل تطوير أدواته، وجني ثمار ما يقال عنه، وما يكتب بحقه، وأن يكون قريباً من نبض المجتمع وصوت الناقد الموضوعي المنصف.