احتضان عدم اليقين كفرصة
في لحظات التحولات الكبرى، لا يكون البقاء للأقوى، بل للأكثر قدرة على التكيف. حين ضربت الأزمة المالية العالمية عام 2008، انهارت مؤسسات عريقة، لكن في الوقت ذاته، ظهرت شركات مثل «أوبر» و«إير بي إن بي»، تلك المشاريع التي لم تر في الفوضى انهيارا، بل وجدت فيها فرصة لإعادة تعريف الاقتصاد. وعندما اجتاح العالم وباء كورونا، واجهت الدول خيارين: إما أن تستسلم للفوضى أو أن تجعل من الأزمة محركا للتحول. المملكة العربية السعودية لم تتردد، بل مدت يدها إلى المستقبل وأمسكت به بكل قوة، رافضة أن تكون مجرد ضحية لعدم اليقين، بل صانعةً له وموجهةً لدفته.
في غضون أسابيع، تحولت الحكومة إلى منظومة رقمية متكاملة، لم يعد المواطن بحاجة إلى الطوابير الطويلة لإنجاز معاملاته، ولم يعد الطبيب ينتظر ازدحام المرضى في عيادته، ولم يعد التعليم محصورا في أربعة جدران. كانت هذه الثورة الرقمية، التي ربما استغرقت سنوات في دول أخرى، تنبض في شرايين السعودية بسرعة الضوء. تطبيق «توكلنا» لم يكن مجرد أداة للتحكم بالحركة أثناء الحظر، بل كان إعلانا صريحا أن البيانات والذكاء الاصطناعي هما حراس المستقبل. منصات مثل «مدرستي» و«صحتي» لم تكن استجابات مؤقتة، بل تحولات دائمة تعيد صياغة العلاقة بين المواطن والدولة.
ما فعلته السعودية في لحظة عدم يقين عالمي يذكّرنا بتجارب أخرى عبر التاريخ، حيث كان الغموض هو البوابة إلى التغيير. اليابان ، بعد أن خرجت مدمرة من الحرب العالمية الثانية، لم تتشبث بأنقاض الماضي، بل أعادت بناء اقتصادها من الصفر، متخذة من الجودة والابتكار عقيدة لا تحيد عنها. سنغافورة ، التي لم تكن سوى نقطة صغيرة على الخارطة، واجهت غموض استقلالها بخطة محكمة جعلتها اليوم من أكثر الدول تطورا. وحتى الولايات المتحدة ، حينما واجهت الركود العظيم في الثلاثينيات، لم تبك على اقتصادها المنهار، بل أطلقت «الصفقة الجديدة»، مشروعا أعاد تشكيل بنيتها التحتية والاجتماعية.
عدم اليقين، إذا، ليس نذير شؤم، بل هو ولادة جديدة لمن يملك الجرأة على احتضانه. الأزمات ليست مجرد محطات انتظار، بل هي دعوات للحركة، اختبارات تكشف من يستسلم ومن يصنع من الخوف سلمًا للصعود. وحين ننظر إلى العالم اليوم، نجد أن الفرق بين الدول والشركات والأفراد ليس فيمن يملك الموارد الأكبر، بل فيمن يملك القدرة على رؤية الفرصة حيث يرى الآخرون النهاية.
السعودية لم تنظر إلى الجائحة على أنها فراغ مخيف، بل تعاملت معها كمساحة للخلق والابتكار. لم يكن التحول الرقمي مجرد استجابة لأزمة، بل كان تسارعا في رحلة بدأت منذ سنوات، رحلة تؤمن أن التكنولوجيا ليست ترفا بل ضرورة، وأن المستقبل لن ينتظر من يتردد. وبينما كان البعض يبحث عن كيفية النجاة من الأزمة، كانت السعودية تبني نموذجا جديدا يجعل من الأزمات محفزًا للانطلاق.
لا شيء أكثر خطورة من عقل يرفض التغيير، ولا شيء أكثر قوة من فكر يحتضن المجهول ويعيد تشكيله. الذين يخشون عدم اليقين يفقدون فرصتهم في صنع التاريخ، أما الذين يعانقونه، فهم الذين يكتبون فصول المستقبل بأيديهم.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الاقتصادية
منذ يوم واحد
- الاقتصادية
"التاكسي" الأخضر يجري وراء لقمة العيش .. المترو وتطبيقات النقل يسحبان البساط
عند الساعة الـ 12 إلا ربعا من ظهر كل خميس، يضبط «رسول غلام» سائق الأجرة ساعته للوقوف أمام البوابة الشمالية لكلية الملك فهد الأمنية في الرياض، في انتظار خروج الطلاب، حيث يجوب بسيارته شوارع الرياض أكثر من 12 ساعة في اليوم لتأمين "الكروة" المفروضة عليه من الشركة التي ينتمي إليها، ومنها يستخلص قوت يومه ومرتبه. في المقابل، تتسابق خطوات المتدربين نحو بوابة الخروج بعد أن مكثوا بين جنبات السور الذي يلتف حول الكلية الأمنية نحو 5 أيام، والأيدي تتخاطف الجوالات بحثا عن تطبيقات النقل التي بدأت تسحب البساط من الأجرة الخضراء، وأصبح الناس يعتمدون عليها كثيرا في تنقلاتهم داخل المدن الكبرى، إلا أن وقت خروجهم يتزامن مع ساعات الذروة التي تزداد فيها أجرة التوصيل. المترو منافس جديد للأجرة الخضراء وتطبيقات النقل مع الاقتراب من البوابة، تتعالى الأصوات من رسول غلام ورفاقه حيث اكتظ الرصيف المقابل بسيارات الأجرة على أمل قطع خطوط الاتصال قبل أن تلقى الطلبات "من أوبر و كريم وغيرهم من تطبيقات النقل" موافقة عليها ومن خلفهم هاجس آخر يتمثل في المترو، الذي تبعد محطته قرابة 300 مترا شمالا، وأصبح وسيلة مفضلة لسكان الرياض منذ انطلاقته والتوسع في افتتاح محطاته. من هنا، بدأت المفاوضات حول أجرة النقل، وهموم متباينة بين الفريقين والجدول مزدحم عند المغادرين من "مصنع الرجال" في الإجازة الأسبوعية، ولا سيما أن الوقت قصير بل قصير جدا قد لا يتجاوز 55 ساعة، ونادرا ما يدير "التاكسي الأخضر" عجلاته براكب أو راكبين، حيث يزدحم بـ5 أو 6 أفراد بعد أن وضعوا حقائبهم في المقعد الخلفي. الأصوات تعلو فيما بينهم عند "دفع الأجرة"، يقسم أحدهم بأن "بأنهم لن يدفعوا ريالا واحدا"، وآخر يقترح بأن يكون "الحساب بالقطة" كي لا يتحملها شخص واحد، وثالث يفتش عن بقايا النقود داخل جيب بدلته الرياضية، ومرسول غلام ينتظر دون أن يحمل هم من يدفعها وإن كان يفضلها نقدا أو عبر محفظة STC Pay على حسابه البنكي. ضمان الراكب دون وسيط والأجرة تختلف من مشوار لآخر غلام يؤكد الأجرة تختلف من مشوار إلى آخر، ويزداد إذا كان إلى خارج الرياض، حيث المحافظات القريبة من العاصمة، مشيرا إلى أنه يشترك في تطبيقات النقل إلا أنه يفضل الحصول على الراكب المباشر دون أن يكون هناك وسيط يقتطع جزء من أجرته. وأبان السائق الذي يعمل في السعودية منذ 10 أعوام، وتنقل بين مدن عدة، بأنه يحضر إلى هذا المكان أسبوعيا، حيث يضمن الحصول على الزبائن نظرا للعدد الكبير من الطلاب مقارنة بسيارات الأجرة، رغم دخول المترو مسار النقل في مدينة الرياض. في هذه الأثناء، تدخل صاحبه أمجد زاده الذي كان يقف بجانبه، وقال "المترو، وتطبيقات النقل بدأت تنافس سيارات الأجرة، ولا سيما أنه اشترك فيها عدد كبير من أصحاب سيارات النقل الخاصة سواء رجال أو نساء لتحقيق داخل إضافي". السيارة التي مرت بألوان عدة "الأصفر، ثم الأبيض، فالأخضر" كانت تعد وسيلة النقل الأولى داخل المدن، وليس لها منافس سوى حافلة "خط البلدة"، قل وهجها بعدما كانت تغزو شوراع العاصمة الرياض بكثافة، إثر دخول منافسين جدد في السوق، استحوذوا على حصة الأسد من الركاب، وحققوا أرقاما مليونية. 25 مليون راكب لمشروع قطار الرياض في الربع الأول بحسب احصائيات هيئة النقل السعودية، بلغ عدد ركاب مشروع قطار الرياض أكثر من 25 مليون راكب في الربع الأول من عام 2025، مؤكدة بأن "المترو" يحتل صدارة قائمة القطارات الأعلى في عدد الركاب داخل المدن". وسجلت إحصاءات هيئة النقل السعودية في سياق القطارات داخل المدن أكثر من 32.3 مليون راكب تنقلوا باستخدام القطارات داخل المدن في الربع الأول. وبعد قطار الرياض، جاء الناقل الآلي بمطار الملك عبدالعزيز الدولي في جدة، إذ بلغ عدد ركابه في الفترة ذاتها - الربع الأول 2025 - أكثر من 6 ملايين راكب، في حين بلغ عدد ركاب الناقل الآلي بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن في الرياض أكثر من 900 ألف راكب. قطاع النقل عبر القطارات في السعودية في الربع الأول من عام 2025 سجل أكثر من 35 مليون راكب. 80 مليون رحلة تدر ملياري ريال على السائقين سنويا تجاوز اجمالي دخل المواطنين العاملين في تطبيقات نقل الركاب "التشاركي"، ملياري ريال العام الماضي في السعودية، وفقا لما ذكره لـ"الاقتصادية" نائب وزير النقل رميح الرميح. الرميح أوضح خلال مشاركته في جلسة إحاطة من شركة "أوبر" حول مستقبل النقل في السعودية، في الرياض اليوم، أن أكثر من 300 ألف مواطن يعمل في تطبيقات نقل الركاب "التشاركي"، منهم 22 ألف سيدة، متوقعا زيادة في النمو. كما أكد بأن النقل التشاركي في السعودية عبر تطبيقات نقل الركاب، حقق نموا بأكثر من 20% خلال 2024 بتسجيله 80 مليون رحلة.


Independent عربية
منذ 3 أيام
- Independent عربية
عصر الذهب: 10 أسئلة
مع الارتفاع الصاروخي في أسعار الذهب خلال الفترة الأخيرة نتيجة عمليات الشراء الكبيرة للمعدن الثمين من قبل الأفراد والمؤسسات والبنوك المركزية، تكثر التحليلات والتعليقات بأننا قد نعود لـ "عصر الذهب" كمخزن للقيمة ومستودع للثروة. لكن ما يحدث هو تغير في توجه المستثمرين يتكرر في أوقات الأزمات الاقتصادية واضطراب الأسواق بتحويل أموالهم إلى أصول تسمى "ملاذاً آمناً"، مثل الذهب والدولار الأميركي وغيرها، أما عصر الذهب كنقود أو سند إصدار النقود فقد انتهى منذ عقود، وفيما يلي 10 أسئلة في شأن الذهب كمقابل للنقود والمال وكأصل استثماري، ومحاولة الاجابة عنها من الوثائق التاريخية لـ "مجلس الذهب العالمي" وبعض الدراسات للمؤسسات المالية العالمية. 1- متى بدأ استخدام الذهب كعملة نقدية ومتى انتهى؟ منذ عرفت البشرية النقد كوسيلة مدفوعات عوضاً عن نظام المقايضة سُكت العملة من المعدن، وهناك عملات برونزية قديمة تكتشف في المواقع الأثرية التاريخية، أما أول من صدرت في عهده عملة ذهبية، أي سُكت من الذهب، فكان الملك كرويسس ملك ليديا، وهي منطقة في تركيا حالياً، عام 550 قبل الميلاد، وحتى حين أُطلقت العملات الورقية ظلت قيمتها تحسب في مقابل صرفها بالذهب، وبحسب ما يعرف تاريخياً كانت الصين أول من أصدر عملات ورقية نهاية القرن الـ 13 الميلادي وقت إمبراطورية مينغ. وحتى مطلع القرن الـ 20 عندما عدلت بريطانيا "قاعدة الذهب"، كانت كل العملات التي تصدرها الدول تستند إلى قيمتها في مقابل الذهب، ففي عام 1931 عدلت بريطانيا قاعدة الذهب لكن العملات ظلت مستندة إلى قيمة الذهب حتى مع اتفاق "بريتون وودز" عام 1944، فاتفق على اعتماد تعديل بريطانيا لقاعدة الذهب، أي إصدار العملات ليس استناداً لرصيد الذهب في البنك المركزي للدولة ولكن ربط الدولار الأميركي بالذهب كأساس للنظام المالي العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، وفي عام 1971 أنهى الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون ارتباط الدولار بالذهب وأصبحت العملات تصدر استناداً إلى سياسات نقدية ومالية للحكومات تتداول في سوق عملات حر تحدد قيمتها. 2- هل لا يزال رصيد الذهب هو سند إصدار العملات النقدية من قبل الحكومات؟ لم يعد إصدار العملات النقدية مستنداً إلى حجم مخزون الذهب لدى البنك المركزي الذي يصدرها منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، وحتى منذ ثلاثينيات القرن الماضي تغيرت قاعدة الذهب ولم تعد العملة، أية عملة، تحسب قيمتها بما تقابله من الذهب، لكن رصيد الذهب يظل ضمن احتياطات البنوك المركزية وأحد العوامل الأساس لتحديد قيمة العملات، ومع أنه لم تعد هناك عملات مهمة مربوطة بالذهب، وعلى رغم فك ارتباط الدولار بالذهب قبل نحو نصف قرن، لكن ثروات الأمم تحسب ومن ضمنها رصيدها من الذهب المادي الذي تختزنه للطوارئ، أما العملات الذهبية الموجودة في السوق، مثل جنيه الذهب، فهي أحد صور الذهب المادي مثلها مثل السبائك والمصوغات وغيرها. 3- لماذا تلجأ البنوك المركزية لشراء الذهب وتخزينه مجدداً؟ تحتفظ البنوك المركزية بمخزون من الذهب ضمن تنويع الاحتياطات لديها إضافة إلى العملات المهمة مثل الدولار واليورو والين وأصول أخرى، ومنذ حرب أوكرانيا عام 2022 زادت البنوك المركزية حول العالم شراء الذهب باعتباره أكثر أماناً وكأصل احتياط أجنبي لديها خشية العقوبات، وذلك بعدما جمدت الولايات المتحدة والدول الغربية الأصول الأجنبية للبنك المركزي الروسي عقب اندلاع حرب أوكرانيا لأن معظمها أصول دولارية. وبما أن الدولار تتحكم به أميركا ويسهل تجميد ومصادرة الاحتياطات الأجنبية منه، فقد لجأت البنوك المركزية، من الصين إلى دول أميركا اللاتينية، إلى تقليل نصيب الدولار من احتياطاتها وتعويضه بالذهب، سواء تحوطاً لاحتمال العقوبات وتجميد الأصول الدولارية أو لتذبذب سعر العملات، وخصوصاً الدولار، مما يضر بقيمة الاحتياطات. وبحسب تقديرات بنك "غولدمان ساكس" الاستثماري الأميركي فقد اشترت البنوك المركزية حول العالم كميات غير مسبوقة من الذهب خلال عامي 2022 و 2023 وصلت إلى 1060 طناً من الذهب، ويذكر أن مشتريات تلك البنوك كانت في حدود 509 أطنان بين عامي 2016 و 2019. 4- ما هو حجم سوق الذهب العالمية وتوقعات مستقبلها؟ بحسب أحدث بيانات "مجلس الذهب العالمي" فإن إجمال الذهب المنتج في العالم بلغ العام الماضي نحو 216265 طناً، بزيادة تسعة في المئة خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، ومع زيادة الطلب على الذهب خلال العامين الأخيرين تتوسع شركات التعدين الكبرى في استثماراتها لتلبية تلك الزيادة، فزادت ربحية شركات المناجم والتعدين بقوة في الفترة الأخيرة، وخلال الربع الرابع من العام الماضي كان هامش الربح لشركات استخراج الذهب عند 950 دولار للأوقية، وهو أعلى هامش ربح لتلك الشركات منذ عام 2012. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) كما أن هناك دراسات لاستكشاف الذهب في مناطق جديدة حول العالم ودراسات أولية حول احتمالات وجود احتياطات من المعدن الثمين في قاع البحار، ومع استمرار نمو الطلب على الذهب وزيادة هامش ربح شركات الإنتاج فإنه يُتوقع استمرار نمو الإنتاج العالمي منه، وحتى في حالات اضطراب الأسواق وانهيار قيمة الأصول فإن الانخفاض في سعره يكون بمعدل أقل كثيراً من انخفاض سعر الأسهم والسندات والعملات والأصول الأخرى. وطبقاً لبيانات "مجلس الذهب العالمي" فقد وصل الطلب العالمي على الذهب العام الماضي إلى أعلى مستوى له خلال 10 أعوام نتيجة مشتريات البنوك المركزية من الذهب لزيادة احتياطاتها، وارتفع الطلب على الذهب 18 في المئة ليصل إلى 4471 طناً، وهي أكبر كمية مشتراة خلال عام منذ 2011، وذلك نتيجة ارتفاع مشتريات البنوك المركزية من المعدن الأصفر إلى أعلى مستوى لها منذ 55 عاماً. 5- ما الفارق بين الذهب كمعدن وأسهم صناديق الاستثمار في الذهب وشركات تعدينه؟ يشتري الأفراد الذهب في صور مصوغات وحلي أو حتى جنيهات وسبائك ذهبية، وكذلك البنوك المركزية والصناديق والمستثمرين المؤسساتيين في صوره المعدنية المادية، وذلك كمخزن للثروة وتحوط في مواجهة التقلبات مثل التضخم وغيره، وخلال الأعوام الأخيرة أصبحت هناك صناديق مسجلة في البورصات للاستثمار في الذهب، فإذا دخلت على موقع أية شركة تداول أو سمسرة تجد نوعين من الاستثمارات، أسهم الذهب المادي (المعدن) وأسهم صناديق الذهب، وتلك الصناديق تصدر أوراق استثمار، إما سندات وصكوكاً في شركات تعدين الذهب، أو على أساس احتياط الذهب غير المستخرج وقيمته المستقبلية. وخلال عامي 2020 و2021 تزامن ارتفاع سعر الذهب مع زيادة الاستثمار فيه عبر صناديق الذهب المتداولة في البورصة، وذلك مع الزيادة الكبيرة في المستثمرين الأفراد الذين يدخلون الأسواق مستخدمين تطبيقات السمسرة والتداول على هواتفهم الذكية، لكن مع نهاية عام 2022 انتهى تزامن الأسعار مع زيادة رأسمال تلك الصناديق، وعلى مدى عام شهدت صناديق الذهب المتداولة في البورصة خروج رؤوس الأموال منها أكثر من دخولها إليها، ومع أن أسعار الذهب ارتفعت خلال العام الأخير بنسبة هائلة لكن صناديق الذهب المتداولة في البورصة شهدت انخفاض رأس المال بـ 20 في المئة. 6- كيف يتحرك سعر الذهب داخل السوق؟ وهل هو كبقية الأصول ترتفع قيمته وتنخفض في دورات؟ يعد الذهب في صورته المعدنية المادية أو أسهم صناديق تداول الذهب في البورصة أصلاً من الأصول، تتحرك أسعاره بحسب قاعدة العرض والطلب ومستويات البيع والشراء للمعدن أو أوراق الاستثمار فيه، لكن يظل التغير في سعر الذهب أقل تذبذباً من الأصول الأخرى مثل الأسهم والعملات وغيرها، لذا يوصف بأنه ملاذ آمن للثروة وتحوط أمام تقلبات الأسواق وفي ظل الأزمات الاقتصادية، ومع ذلك، ونتيجة المضاربات على الذهب، فقد تشهد أسعاره أحياناً تحركات قوية ارتفاعاً أو انخفاضاً، كما حدث أخيراً حين ارتفعت أسعاره لتتجاوز 3500 دولار للأوقية، قبل أن تفقد أكثر من 200 دولار من سعر الأوقية، ولم يكن هذا التحرك نتيجة دورة سعرية وإنما مضاربات بسبب مخاوف السوق من السياسات التجارية الأميركية وتوقعات متضاربة في شأن السياسة النقدية للبنك المركزي الأميركي، ونتيجة الزيادة الهائلة في أسعار الذهب أخيراً فإن بعض المحللين يتوقع أن تنتهي هذه الدورة بانخفاض الأسعار إلى مستويات قريبة من 200 دولار للأوقية، لكن تلك التوقعات تبدو مبالغة في التشاؤم، بخاصة أن الذهب كأصل يختلف مثلاً عن العقار، وهو أكثر ثباتاً ضمن أصول الاستثمار الذي قد يشهد انهيارات قوية. 7- لماذا هناك مستثمرون يتحمسون للذهب وآخرون يعارضونه؟ على رغم شبه الإجماع على أن الذهب هو أهم الملاذات الآمنة التي ينصح بأن تضع فيها ثروتك أوقات الاضطراب والأزمات، لكن هناك من المستثمرين من لا يعتبرون المعدن الثمين مجالاً جيداً للاستثمار، إذ يرى هؤلاء أن الذهب لا يوفر عائداً مثل أسهم الشركات الراسخة التي توزع أرباحاً دورية على حملتها أو سندات الدين التي تدر عائداً محدداً بنسبة معروفة، وخلال مقابلة قديمة سئل الملياردير الأميركي وارين بافيت، وهو صاحب واحد من أكبر وأشهر صناديق الاستثمار في العالم، لماذا لا يشتري الذهب ولا يستثمر فيه منذ أعوام، فكان رده أنه مجرد معدن "ندفع لمن يستخرجونه من باطن الأرض ثم ندفع لمن يحرسونه لنا عند تخزينه"، ومع ذلك شهدت الآونة الأخيرة زيادة في فتح حسابات ادخار بالذهب، كما أشار تقرير لـ "مصلحة سك العملة" في بريطانيا، على رغم أن تلك الحسابات لا توفر فائدة جيدة. وحتى نهاية عام 2021 كان حساب الادخار بالذهب يعطي فائدة سنوية بـ 0.2 في المئة، وقد ارتفعت الآن إلى 1.85 في المئة، وتظل الفائدة على الادخار بالذهب أقل بكثير من معدلات الفائدة الأساس لبنك إنجلترا عند أربعة في المئة. لكن قيمة الودائع بالذهب تظل مضمونة بالكامل وليس بالحد الذي تضمنه "هيئة الخدمات المالية" وهو 85 ألف جنيه إسترليني (106 آلاف دولار) وحسب مما يوجد في حساب المودع حال إفلاس البنك، إذ يحتفظ بقيمة حسابك في صورة ذهب حقيقي موجود داخل خزانة "مصلحة سك العملة" أو غيرها من شركات حسابات الادخار بالذهب، وحين يحتاج العميل إلى السحب يحول الذهب إلى نقد بسعره في السوق وقتها. 8- هل تنافس العملات المشفرة الذهب؟ وهل هناك "ذهب رقمي"؟ مع انتشار العملات المشفرة مثل "بيتكوين" ودخولها الحثيث في النظام المالي العالمي بعد موافقة "هيئة أسواق المال الأميركية" العام الماضي على إدراج صناديق عدة لتداول المشفرات، ظهر الجدل حول احتمال أن تأخذ العملات المشفرة مكان الذهب كملاذ آمن للثروة أوقات الاضطراب، لكن التذبذب الهائل في أسعار المشفرات والمضاربات القوية عليها حالت دون تحقق ذلك، وهو ما كان يمكن اعتباره مجال التنافس الأهم بين المشفرات والذهب، ليظل الذهب محتفظاً بمكانته كملاذ آمن في أوقات الاضطراب. ومثلما أدى تطوير تكنولوجيا العملات المشفرة عبر شبكات مؤمنة مثل "بلوك تشين" إلى ظهور عملات رقمية، تستند في الغالب إلى عملات نقدية تقليدية مثل الدولار أو غيره، ظهرت أيضاً العملة الذهبية الرقمية، وهي في النهاية سند إلكتروني له مقابل من الذهب يشبه إلى حد كبير المشفرات المستندة لعملة "Stable coin" وتسمى الذهب الرقمي "Digital Gold". وتصدر "مصلحة سك العملة الملكية" في بريطانيا عملة ذهبية رقمية يمكن للمستثمر فيها أن يشتري بدءاً مما قيمته 25 جنيهاً (33 دولاراً)، وتحتفظ الجهة المصدرة للذهب الرقمي بما يقابله من المعدن الحقيقي، لذا تخصم رسوماً من المتعامل إضافة إلى رسوم التداول العادية في مقابل التخزين. 9- متى تشتري ذهباً ومتى تبيعه لتحقق مكاسب؟ هذه النصيحة تأتي من سماسرة السوق ومذكرات المحللين في البنوك الاستثمارية لعملائها بصورة دورية، وتستند إلى وضع السوق وتوقعاته في ضوء عوامل عدة، وبصورة عامة فإن الناس يشترون الذهب في صورته المعدنية من جنيهات أو سبائك أو مصوغات كصور من صور الادخار والاحتفاظ بالثروة لحين الحاجة إليها، ونادراً ما يحدث أن يبيع الناس ذهبهم بأقل مما اشتروه به، ففي الغالب يحققون ربحاً بحسب مدة احتفاظهم بالمعدن الثمين، أما بالنسبة إلى المستثمرين الذين يستهدفون تحقيق الأرباح من البيع والشراء في فترات قصيرة، فتتغير النصيحة لهم باستمرار، وهناك توجه الآن بين خبراء السوق للاستثمار في أسهم صناديق الذهب وأسهم شركات التعدين، مع توقعات باستمرار نمو الطلب على الذهب، لكن ذلك التوجه قد يتغير مع أي تغير في السياسات النقدية والمالية للدول الكبرى. أما الادخار في حسابات الذهب فهو مضمون إلى حد كبير، وحتى شراء الذهب الرقمي، وإن كان أكثر مخاطرة قليلاً، لكنه أيضاً يحقق عائداً جيداً، فهناك بعض مصدري الذهب الرقمي يعدون بنسبة ربح تتجاوز 10 في المئة سنوياً، أي أكثر من ضعف سعر الفائدة الأساس في معظم الاقتصادات الكبرى. 10- لماذا يبقى الذهب مهماً في النظام المالي العالمي؟ هناك عامل تاريخي يتعلق بمكانة الذهب بين المعادن الثمينة، فعلى رغم أن هناك استثمارات في الفضة والبلاتين وغيرها لكن الذهب يظل صاحب النصيب الأكبر من الاستثمار في المعادن الثمينة، ومع أن هناك إصدارات فضة رقمية أيضاً لكن الادخار والاستثمار في الذهب هو الطاغي، على رغم فك ارتباط العملات بالذهب وتداولها الحر بسعر السوق وليس بما يقابلها من مادة المعدن الثمين، فنصيب الذهب من الاحتياطات لدى البنوك المركزية حول العالم يجعله من الأصول المهمة التي تستند إليها الدول في تقييم ثرواتها وقوة عملاتها، وحتى في تفاصيل تعامل جمهور المستهلكين فإن الاحتفاظ بالذهب يمثل سنداً وعاملاً مهماً في حساب الثروة الصافية للفرد والأسرة، وبالتالي قدرتها الاستهلاكية والانفاق على الطلب في الاقتصاد، وبغض النظر عن تقلبات الأسواق فإن الذهب يظل أحد الأصول المادية المهمة للثروة في النظام المالي والاقتصاد العالمي.


المناطق السعودية
منذ 5 أيام
- المناطق السعودية
'الإنماء' يعتزم إصدار صكوك رأسمال إضافي مستدامة بالدولار
أعلن «مصرف الإنماء» السعودي، الاثنين، عزمه إصدار صكوك رأسمال إضافي من الشريحة الأولى، مستدامة ومقوّمة بالدولار الأميركي، وذلك استناداً إلى قرار مجلس الإدارة الصادر بتاريخ 5 مايو (أيار) الجاري، الذي تضمَّن تفويض الرئيس التنفيذي بالسلطة والصلاحيات اللازمة لإصدار هذه الصكوك نيابةً عن المصرف، بموجب برنامج إصدار صكوك رأسمال إضافي من الشريحة الأولى. وأوضح المصرف في بيان نُشر على موقع السوق المالية السعودية «تداول»، أن الإصدار يأتي بهدف تحسين رأس المال من الشريحة الأولى ولأغراض مصرفية عامة. ومن المتوقع أن يتم الإصدار عن طريق شركة ذات غرض خاص، من خلال عرض موجَّه إلى المستثمرين المؤهلين داخل وخارج المملكة. وقام المصرف بتعيين كل من «»، و«شركة الإنماء المالية»، و«بنك الإمارات دبي الوطني بي جي إس سي»، و«غولدمان ساكس إنترناشيونال»، و«جي بي مورغان سكيوريتيز بي إل سي»، و«بنك ستاندرد تشارترد»، مديرين رئيسيين مجتمعين للطرح المحتمل. ويخضع طرح صكوك رأس المال الإضافي من الشريحة الأولى المستدامة لموافقة الجهات التنظيمية المختصة، وسيتم وفقاً للأنظمة واللوائح السارية.