
غرائبيات غينيا كوناكري
لا تزال غينيا كوناكري تكشف عن غرائبياتها كل يوم، ومنها العفو عن الانقلابي السابق النقيب موسى داديس كامارا، الذي وصل أخيراً إلى المغرب لتلقي العلاج.
في خلفية قرار العفو، الذي صدر في آذار/ مارس الماضي، تتكشف ديناميات أعمق من مجرد خطوة قضائية أو سياسية. فالمسألة لم تعد تتعلق برجل متهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية فحسب، بل تتداخل معها حسابات إثنية وتوازنات حساسة تسعى السلطة الانتقالية في غينيا إلى إدارتها بما يخدم بقاءها في مشهد معقّد تتزايد فيه الضغوط الداخلية والإقليمية.
في هذا السياق، لا يمكن تجاهل التزامن اللافت بين الإفراج عن كامارا وعودة محمد توري، نجل الرئيس الأسبق أحمد سيكو توري، من منفاه الطويل، وبدء محاولات النظام الحالي لاستقطابه سياسياً وشعبياً.
توري الابن، الذي لطالما حمل على عاتقه إرث والده الثقيل، أعيد تقديمه في الخطاب الرسمي كأحد وجوه 'الوحدة الوطنية'، فيما ينظر إليه قطاع واسع من المالينكيين (كبرى المجموعات الإثنية في البلاد) بوصفه رمزاً تاريخياً مهمّشاً منذ عقود.
تولى كامارا السلطة بعد انقلاب عسكري في كانون الأول/ ديسمبر 2008، وذلك مباشرة بعد إعلان وفاة الرئيس الأسبق الجنرال لانسانا كونتي إثر معاناة طويلة مع المرض.
ارتبط اسم كامارا بأحداث العنف التي أدّت إلى مقتل أكثر من 150 مواطناً في نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2009. عُرف بشخصيّته المثيرة للجدل، وبتصرّفاته غير التقليدية، وخطاباته العلنية التي جذبت انتباه الجمهور والإعلام.
أُطلق على ظهوره الإعلامي المتكرر اسم 'داديس شو'، حيث كان يستخدم وسائل الإعلام لكشف قضايا الفساد ومخاطبة المسؤولين علناً.
في إحدى المرات، استجوب مسؤولين حكوميين على الهواء مباشرة، متهماً إيّاهم بالفساد وسوء الإدارة، ما أدّى إلى إقالة بعضهم فوراً خلال البث.
هذا النهج غير التقليدي في الحكم أثار استحسان البعض لشفافيته، بينما انتقده آخرون معتبرين إيّاه استعراضاً فجّاً للسلطة.
انتهت فترة حكم كامارا بعد محاولة اغتيال في كانون الأول/ ديسمبر 2009، أُصيب خلالها بجروح خطرة نُقل على أثرها إلى المغرب لتلقي العلاج، قبل أن يُنفى إلى بوركينا فاسو، ثم يعود إلى بلاده في عام 2021. وفي عام 2022، مثل النقيب كامارا أمام القضاء الذي أصدر بحقه حكماً بالسجن لمدة 20 سنة بتهمة ارتكاب 'جرائم ضد الإنسانية'، قبل أن يعفو عنه الرئيس الحالي مامادي دومبويا، الذي تولى السلطة هو الآخر إثر انقلاب عسكري على الرئيس الأسبق ألفا كوندي.
تبدو السلطة الانتقالية الحالية بقيادة دومبويا كأنها تقرأ جيداً خريطة القوى الإثنية والسياسية، وتسعى إلى استمالة الكتلة المالينكية، التي طالما شعرت بالإقصاء في ظل التوازنات الجديدة التي فرضها الصعود السياسي لنخب من إثنيات أخرى، وعلى رأسها الفولاني، التي تُعدّ المجموعة الأكثر حضوراً في المعارضة المدنية وفي صفوف النخب الاقتصادية والتعليمية.
ولئن كان الإفراج عن داديس كامارا، الذي ينتمي هو الآخر إلى إثنية قريبة من المالينكي، غير معزول عن هذا السياق، فإنه يأتي كجزء من استراتيجية لتمتين العلاقة مع هذه الكتلة، وتقديم 'بوادر تصالح' معها، خصوصاً أن النقيب كامارا لا يزال يحتفظ بشعبية معتبرة في بعض مناطق غينيا، رغم التهم الثقيلة التي أدين بها.
ويبدو أن السلطات تحاول الاستفادة من عودة نجل سيكو توري، وتاريخ والده، ومن مكانة داديس كامارا في الذاكرة الشعبية المالينكية، لبناء جبهة داخلية متماسكة تدعم المجلس العسكري في مواجهة ما تعتبره 'ضغوط الفولاني' في الساحة السياسية.
يشكّل الفولاني واحدة من أكبر المجموعات الإثنية في البلاد، ويُنظر إليهم تقليدياً على أنهم أكثر قرباً من مراكز التعليم، والتجارة، والإعلام، وظلوا على الدوام في مرمى الاتهامات الضمنية بالهيمنة أو 'الطموح الزائد'، وهو ما غذّى توترات مزمنة مع بعض الكتل الأخرى.
لقد حاولت السلطة الانتقالية أكثر من مرة الحد من نفوذهم السياسي، ومن هنا يحمل العفو عن كامارا وعودة نجل سيكو توري رسالة واضحة مفادها إعادة تشكيل التحالفات الإثنية ضمن توازن جديد يضع المالينكي وبعض الأقليات في صفّ السلطة.
هذه القراءة ليست مبالغاً فيها في ظل تحولات تشهدها منطقة غرب أفريقيا، حيث تتجه الأنظمة العسكرية في مالي، وبوركينا فاسو، وغينيا نحو ما يشبه إعادة تعريف الشرعية السياسية، عبر التحالف مع قوى اجتماعية تقليدية أو مهمّشة، والتلويح بخطاب سيادي يعارض 'النفوذ الغربي'، وفي الوقت نفسه يعيد فرز الداخل الإثني والجهوي بما يضمن البقاء.
في بلد مثل غينيا، حيث الجراح التاريخية لم تندمل بعد، والذاكرة لا تُمحى بسهولة، فإن أي خطوة سياسية لا تمر عبر العدالة والإنصاف المتكافئ، قد تتحوّل إلى وقود لانفجار آتٍ، بدل أن تكون طريقاً نحو الاستقرار.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

مصرس
منذ 25 دقائق
- مصرس
إصابة 16 شخصًا في سقوط أسانسير ب مستشفى جامعة المنوفية
ارتفع عدد المصابين في حادث سقوط أسانسير بمستشفى جامعة المنوفية بمدينة شبين الكوم بمحافظة المنوفية إلى 16 شخصًا، وذلك بعد أن أعلنت الجهات المعنية تحديث أعداد المصابين عقب الفحص الطبي المبدئي. وكان المصعد قد سقط من الطابق الرابع، أثناء استخدامه لنقل عدد من العاملين والمرضى، داخل المبنى الرئيسي للمستشفى، ما أسفر عن حالة من الذعر، وسارعت الفرق الطبية إلى موقع الحادث لتقديم الإسعافات الأولية.وأكدت مصادر طبية أن الإصابات جميعها طفيفة، وتتراوح بين كدمات وجروح سطحية، مضيفة أن الحالات مستقرة وتم التعامل معها داخل أقسام الطوارئ بالمستشفى.وتلقت مديرية أمن المنوفية إخطارًا من قسم شرطة شبين الكوم بالواقعة، وانتقلت قوة من المباحث لمعاينة موقع الحادث والتحفظ على كاميرات المراقبة لمراجعة التفاصيل.وأمرت النيابة العامة بفتح تحقيق عاجل للوقوف على أسباب الحادث، مع تشكيل لجنة فنية لفحص المصعد والتأكد من التزامه بإجراءات السلامة.

مصرس
منذ 25 دقائق
- مصرس
"قد لا نرى رونالدو".. تتويج أهلي جدة بالآسيوي يضع النصر والهلال في موقف صعب
توّج فريق أهلي جدة بلقب دوري أبطال آسيا للنخبة للمرة الأولى في تاريخه بعد الفوز على كاواساكي الياباني 2-0 في المباراة النهائية التي أقيمت على ملعب "الإنماء" في جدة. هذا التتويج التاريخي للراقي ضمن له مكانًا في دوري أبطال آسيا للنخبة للموسم المقبل، مما يترك مقعدين شاغرين للمشاركة، حيث يتنافس عدة فرق على حجز هذين المقعدين، بدءًا من الاتحاد المتصدر، يليه الهلال والنصر والقادسية.ووفقًا لآلية التأهل، من المقرر أن يتأهل أول فريقين من دوري روشن السعودي إلى دوري أبطال آسيا للنخبة. حاليًا، يتصدر الاتحاد ترتيب الدوري برصيد 68 نقطة، يليه الهلال في المركز الثاني برصيد 62 نقطة، ثم النصر في المركز الثالث برصيد 60 نقطة، بينما يأتي القادسية رابعًا برصيد 59 نقطة.وقد خاض الاتحاد والهلال والنصر 29 مباراة لكل منهم، ويبقى خمس جولات على نهاية المسابقة، مما يعني أن السباق نحو اللقب وبطاقتي التأهل سيكون مثيرًا للغاية حتى آخر لحظة.الهلال والنصر في موقف صعبورغم التنافس القوي، قد يكون فريق الهلال في وضع حرج، حيث يمر بمرحلة صعبة بعد الخروج من نصف نهائي دوري أبطال آسيا على يد أهلي جدة بخسارة 3-1. وفي ظل هذه النتائج، قررت إدارة الهلال برئاسة فهد بن نافل إقالة المدرب خورخي جيسوس، وتعيين المدرب الوطني محمد الشلهوب بصورة مؤقتة للإشراف على الفريق.أما النصر، فهو الآخر يمر بفترة عصيبة بعد الخروج من دوري أبطال آسيا من نفس المرحلة بخسارة أمام كاواساكي 3-2. وتأتي هذه الانتكاسات في وقت حساس، حيث قد تؤثر على مستقبل الفريق في الموسم المقبل.رونالدو قد لا نراه في دوري أبطال آسياالنجم البرتغالي كريستيانو رونالدو يعيش ظروفًا صعبة مع فريقه النصر، حيث قد يواجه خطر الغياب عن مسابقة دوري أبطال آسيا في الموسم المقبل. علاوة على ذلك، لم يوقع رونالدو على عقد تجديده مع الفريق، والذي ينتهي بنهاية الموسم الحالي، مما يزيد من الغموض حول مستقبله في "العالمي".يبدو أن النصر والهلال سيخوضان صراعًا شرسًا لحسم بطاقتي التأهل لدوري أبطال آسيا، في وقت يترقب فيه الجميع مستقبل رونالدو، الذي قد يكون خارج المسابقة الآسيوية إذا استمر الوضع الحالي.ومن المقرر أن يستأنف "الزعيم" مشواره المحلي بمواجهة الرائد، في المقابل يلعب النصر ضد الاتحاد في قمة الأسبوع ال30 من دوري روشن السعودي.

مصرس
منذ 25 دقائق
- مصرس
احتفاء كبير بعرض الفيلم المصرى "عائشة لا تستطيع الطيران" بمهرجان كان
شهد عرض الفيلم المصري "عائشة لا تستطيع الطيران" ضمن عروض مسابقة نظرة ما، احتفاء كبيرا من صناع السينما المصرية والعربية والعالمية ممن حضروا عرض الفيلم في مهرجان كان السينمائي، قبل قليل، حيث وقفت الطوابير أمام بوابة عرض الفيلم انتظارا لعرض العمل، فيما ألقى المخرج المصرى مراد مصطفى كلمة قبل العرض الأول لفيلمه عائشة لا تستطيع الطيران فى مسابقة نظرة ما فى الدورة الحالية لمهرجان كان السينمائى. السجادة الحمراء للفيلم المصري عائشة لا تستطيع الطيران جانب من عرض الفيلم المصري عائشة لا تستطيع الطيران في مهرجان كان بطلة الفيلم المصري عائشة لا تستطيع الطيران صناع الفيلم المصري عائشة لا تستطيع الطيران مراد مصطفى مخرج الفيلم المصري عائشة لا تستطيع الطيران الطوابير أمام قاعة عرض الفيلم المصري عائشة لا تستطيع الطيرانوقال مراد مصطفى: "أنا فخور جدا أننى أنتمنى لصناعة السينما فى مصر، أنا لم أتعلم سينما، أنا عملت ك مساعد مخرج، وطوال الوقت الاكتساب اللى اكتسبته فى المهنة كان من صناعة السينما المصرية، ولهذا السبب أنا مدين للصناعة دى طول حياتى".وتابع مصطفى قائلا: "ثانيا أوجه الشكر لكل فريق عمل فيلم عائشة لا تستطيع الطيران، وأنا فخور بجودى وفخور بوجود فيلم مصرى فى الاختيارات الرسمية".فيلم "عائشة لا تستطيع الطيران" تدور أحداثه حول قصة عائشة، وهى مهاجرة أفريقية فى العشرينات من عمرها تعيش فى القاهرة، ويتناول الفيلم رحلتها ضمن المهاجرين الأفارقة، والتوترات التى تواجهها فى مجال عملها بالرعاية الصحية.ويشارك فى بطولة الفيلم كل من بوليانا سيمون، زياد ظاظا، عماد غنيم، وممدوح صالح، وهو من إنتاج سوسن يوسف.سبق وشارك مراد مصطفى بفيلمه "عيسى" الذى عرض عالمياً فى مهرجان كان السينمائى الدولى فى مسابقة أسبوع النقاد فى دورة 2023، كما حصل على جائزتين ضمن 30 جائزة فاز بها بعد ذلك خلال مسيرته بالمشاركة فى 90 مهرجانا دوليا حتى الآن، بالإضافة إلى أن الفيلم شارك فى مهرجانات سينمائية كبرى أخرى مثل (مهرجان لوكارنو ومهرجان ميلبورن وشيكاغو وستوكهولم).