logo
لم يظهر فيها المُذيع، كيف كانت أول نشرة أخبار تلفزيونية لبي بي سي؟

لم يظهر فيها المُذيع، كيف كانت أول نشرة أخبار تلفزيونية لبي بي سي؟

BBC عربية٠٥-٠٧-٢٠٢٥
من الصعب تخيّل العالم اليوم بدون تغطية إخبارية تلفزيونية على مدار الساعة، في وقت يبدو فيه العديد من المذيعين البارزين مرهقين بعد ليلة كاملة من التغطية المتواصلة لحرب أو انتخابات في مكان ما على سبيل المثال.
وعلى الرغم من أن خدمة التلفزيون كانت تعمل منذ فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية، إلا أن بي بي سي كانت مترددة في السماح للتلفزيون بمنافسة الإذاعة كمصدر لنقل الأخبار.
وبعد نقاش طويل، تقرر تقديم نشرة إخبارية تلفزيونية مسائية، لكن دون أن يظهر مذيعو الأخبار أمام الكاميرات.
بدأت نشرة بي بي سي الإخبارية التلفزيونية في 5 يوليو/ تموز من عام 1954، من خلال برنامج "الأخبار والنشرة المصورة"، وقد بدأت النشرة بملخص للأخبار، مرفق بخرائط وصور ثابتة. وجاءت هذه الخطوة بعد سنوات من الاعتماد على الإذاعة المسموعة كوسيلة رئيسية لنقل الأخبار، وتزامنت مع تطورات تقنية ومجتمعية فرضت نفسها على صناعة الإعلام البريطاني والعالمي.
ولم تكن تلك الخطوة معزولة عن السياق العام الذي عاشته بريطانيا بعد الحرب، فقد كانت البلاد تشهد تحولات اقتصادية وسياسية عميقة، وبدأ التلفزيون يأخذ مكاناً متزايداً في الحياة اليومية للناس، خاصة بعد أن قررت الحكومة دعم التوسع في البث التلفزيوني ليصل إلى مختلف الأقاليم.
وقد أدركت بي بي سي أن عليها أن تتماشى مع هذه التحولات، لكنها في الوقت نفسه كانت حريصة على الحفاظ على طابعها الرسمي الرصين، الذي عُرفت به منذ نشأتها في عشرينيات القرن الماضي.
وفي أول نشرة تلفزيونية، قدّم قارئا الأخبار، ريتشارد بيكر وجون سناغ، النشرة دون أن يظهرا على الشاشة، حيث كان يُعتقد أن ظهورهما قد يشكل مصدر تشتيت للمشاهد، كما كان المسؤولون في بي بي سي يخشون من أن يؤدي ظهور المذيعين إلى تشخيص الأخبار وربطها بشخصيات محددة، مما قد يضعف الحيادية التي لطالما حرصت عليها بي بي سي.
وقال المذيع في بي بي سي حينها ريتشارد بيكر: "كل ما فعلته في ذلك البرنامج الأول، في الساعة 7:30 مساءً يوم 5 يوليو/تموز 1954، هو أنني قلت: ها هو موجزمصور للأخبار، سيتبعه أحدث فيلم عن الأحداث في الداخل والخارج. لم يكن من المفترض أن نُرى ونحن نقرأ الأخبار لأنهم كانوا يخشون أن نلوث تيار الحقيقة النقي بتعابير وجه غير مناسبة".
وأضاف: "تراجعت الإدارة عن هذا القرار في عام 1955 وسمحت لمذيعي الأخبار التلفزيونية بالظهور على الشاشة، وتمت تجربتي أنا وكينيث كيندال في موجز منتصف الليل، حيث كان يُأمل ألا يشاهدها الكثير من الناس".
وفي الواقع، ارتبط تغير موقف بي بي سي من ظهور مذيعي نشرة الأخبار على الشاشة مع انطلاق قناة "آي تي في" التجارية في عام 1955، التي كسرت احتكار بي بي سي للبث التلفزيوني، وبدأت في تقديم نشرات إخبارية تتضمن مذيعين يظهرون على الشاشة ويتحدثون مباشرة إلى الجمهور، مما زاد من الضغوط على بي بي سي لتحديث نهجها.
وكانت القصة الرئيسية في أول نشرة أخبار في تلفزيون بي بي سي تدور حول محادثات هدنة تُعقد في هانوي في فيتنام، بعد انتهاء حرب الهند الصينية الأولى، التي استمرت لعقد كامل بين عامي 1946 و1956.
أما ثاني أبرز أخبار النشرة، فكان حول تحركات القوات الفرنسية في تونس قبيل موافقة رئيس الوزراء الفرنسي بيير منديس فرانس على منح البلاد الاستقلال.
أما الفقرة الأخيرة من برنامج "الأخبار والنشرة المصورة"، فقد خُصصت لأفلام النشرة المصورة، في حين اختُتمت النشرة القصيرة بتقرير عن نهاية نظام تقنين المواد التموينية بعد الحرب العالمية الثانية.
مشكلات وصعوبات
وفي بدايته، تعرض البرنامج الذي استغرق 20 دقيقة لانتقادات شديدة.
وفي ذلك الوقت، لم يكن إنتاج نشرة أخبار تلفزيونية مهمة سهلة، فقد كانت التقنية المستخدمة بدائية نسبياً، والمونتاج يتم يدوياً باستخدام شرائط الأفلام السينمائية، مما كان يستغرق وقتاً طويلاً، كما أن نقل المواد من مراسلي الهيئة في الخارج كان يتطلب إرسال الأشرطة بالبريد الجوي، مما تسبب في تأخير نقل الأخبار الدولية، ومع ذلك، كانت النشرة الأولى علامة فارقة، إذ مثّلت أول محاولة منظمة لتقديم الأخبار بصورة مرئية منتظمة للجمهور البريطاني.
وقد اعترف المدير العام لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي في ذلك الوقت، السير إيان جاكوب، بأن هناك مشكلات مبدئية صاحبت إطلاق برنامج "الأخبار والنشرة المصورة".
وقال جاكوب إن "تقديم الأخبار على التلفزيون ليس أمراً سهلاً على الإطلاق، فالكثير من الأخبار الرئيسية يصعب تقديمها بصرياً، ولذلك نواجه تحدياً في تقديم الأخبار بنفس المعايير التي أرستها الهيئة في بثها الإذاعي".
ومع ذلك، راهن جاكوب على أن "هذه بداية لشيء نعتبره بالغ الأهمية للمستقبل".
وقد كتب مدير الأخبار، تاهو هول، في مجلة راديو تايمز عن الصعوبات المتعلقة بالحصول على أفلام إخبارية، حيث كانت تعتمد غالباً على الطائرات وتخضع لقيود الجمارك، وأعرب عن أمله في أن يأتي يوم تتوفر فيه المواد المصورة بشكل شبه فوري.
انتشار كبير
ورغم البداية المتعثرة، شهدت الأخبار التلفزيونية نمواً ملحوظاً وانتشاراً كبيراً، فبحلول عام 1955، تضاعف وقت بثها، وأدى إدخال ظهور المذيعين على الشاشة إلى زيادة شعبيتها تدريجياً.
وقد أثبتت الأخبار التلفزيونية قيمتها الحقيقية عام 1956، حين أدخلت مشاهد لأزمتَي السويس والمجر إلى منازل الناس.
وهكذا، وعلى الرغم من التذمر الأولي من البرنامج، بدأ عدد متزايد من الناس في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين يُقبلون على مشاهدة التلفزيون، مما دفع الهيئة إلى زيادة محتواها الإخباري، ولم تتراجع منذ ذلك الحين.
ومع استقرار التلفزيون وبدء جذب جمهور واسع، توسعت التغطية الإخبارية لتصبح جزءًا لا يتجزأ من الجدول اليومي، وأصبح بيكر وزملاؤه وجوهاً مألوفة على الشاشة.
وبالإضافة إلى تقديمهم للأخبار الوطنية، تناوبوا على استضافة برنامج الشؤون الإقليمية في لندن "تاون آند أراوند" بينما كان بيكر يقدم نشرة خاصة مساء الأحد موجهة للصم وضعاف السمع.
وفي ستينيات القرن الماضي مع أزمة الصواريخ الكوبية وحرب فيتنام، أصبحت نشرة بي بي سي أكثر نضجاً من حيث الشكل والمضمون حيث بدأت بي بي سي في استخدام اللقطات المصورة بشكل أكثر فاعلية، وأدخلت الخرائط التوضيحية ، كما بدأت في اعتماد ترتيب أكثر وضوحاً للأخبار من حيث الأهمية.
وفي عام 1964، أُطلق أول برنامج إخباري متكامل بعنوان "نيوز روم"، وكان يقدم الأخبار من استوديو مخصص مع مذيعين محترفين، وأصبح بمثابة النموذج الذي تبنته بي بي سي على مدى العقود اللاحقة.
تغيير النهج
وفي عام 1981، قررت بي بي سي إعادة التفكير في نهجها تجاه نشرات الأخبار التلفزيونية. فحتى ذلك الحين، كان العديد من مذيعي الأخبار، مثل بيكر، يُختارون من صفوف الممثلين الطموحين.
وكانت الفكرة الجديدة هي منح الدور للصحفيين ذوي الشهرة الكبيرة، الذين سيكونون أكثر انخراطاً وتفاعلاً من خلال إجراء بعض المقابلات بأنفسهم.
وتولى جون همفريس وجون سيمبسون تقديم النشرة الرئيسية في الساعة التاسعة مساءً، بينما قدّم بيكر فقرة قصيرة في الساعة السادسة مساءً، وبعد بضعة أشهر، قرر التخلي عن هذا الدور تماماً.
وحول رؤيته للصفات المطلوبة في مذيع الأخبار التلفزيوني، وصف ريتشارد بيكر نهجه الشخصي في مذكراته الصادرة عام 1966 بعنوان "ها هي الأخبار"، وقال: "أحاول أن أتخيل شخصين أو ثلاثة جالسين حول المدفأة في المنزل، ما سيصل إليهم هو نقل هادئ للحقائق، مع إظهار ثقة هادئة، ثقة دون غرور، تحفظ دون جمود، وودّ دون مبالغة في الألفة، وهناك، في مكان ما، يكمن ذلك التوازن المراوغ".
وأضاف:"نحن ننتمي إلى ذلك النوع الغريب من رجال التلفزيون الذين يُدفع لهم فقط ليتحدثوا إلى الآخرين، من المفترض أن الأمر ليس صعباً، لكن كلما مارسته، أدركت كم هو صعب فعلًا، إنها حرفة مليئة بالتناقضات".
واليوم، أصبحت النشرات الرئيسية على قناة بي بي سي 1 مدعومة بقناة الأخبار المستمرة، التي تقدم تغطية حية وآنية على مدار الساعة، إلى جانب خدمات إخبارية متاحة عبر الإنترنت والهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية.
وتحتل أخبار بي بي سي مكانة خاصة في قلوب المشاهدين، لا سيما بسبب بعض الهفوات الطريفة التي تُعرض أحياناً على الهواء.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

حماية الهوية الشخصية من التزييف: قوانين تتسابق مع الذكاء الاصطناعي
حماية الهوية الشخصية من التزييف: قوانين تتسابق مع الذكاء الاصطناعي

BBC عربية

timeمنذ 7 أيام

  • BBC عربية

حماية الهوية الشخصية من التزييف: قوانين تتسابق مع الذكاء الاصطناعي

قبل أسابيع فقط، اكتشف بول ديفيس، البريطاني البالغ 43 عاماً، أنه تعرّض للخداع بعدما اعتقد لأشهر أنه في علاقة رومانسية مع الممثلة الأمريكية جينيفر أنيستون. خلال خمسة أشهر، استخدم المخادع المجهول مقاطع فيديو مصنوعة عبر تقنية "الديب فايك" (التزييف العميق) التي تعمل بواسطة الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى صور مزيفة لما زعم أنه رخصة قيادة أنيستون وتسجيلات صوتية لما يبدو أنه صوت الممثلة، لكي يجعل الضحية يصدّق بأنه يتواصل فعلاً مع الممثلة. مقتنعاً تماماً بالخدعة، أرسل ديفيس نحو 200 جنيه إسترليني من بطاقة هدايا "آبل" غير القابلة للاسترداد، بحجة تغطية اشتراكات "آبل" الخاصة بأنيستون. لكن هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها. ففي يناير/ كانون الثاني الماضي، ضجّ الإعلام الفرنسي بقضيّة تعرّض مصممة ديكور فرنسية تُدعى آن (53 عاماً) لعملية احتيال كبيرة خسرت فيها 830 ألف يورو، بعدما أقنعها محتالون عبر الإنترنت بأنها تتواصل مع الممثل الأمريكي براد بيت. وعلى مدى عام ونصف، اعتقدت آن أنها في علاقة عاطفية مع بيت، ليتبيّن لاحقاً أنها كانت ضحية لتلاعب ممنهج بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي. هاتان القصّتان، وغيرهما من الجرائم المشابهة التي ازداد الحديث عنها في الآونة الأخيرة، أظهرتا كيف يمكن لتقنيات التزييف بواسطة الذكاء الاصطناعي، فائقة التطور، أن تؤذي الأشخاص على المستوى المادي والنفسي. ما هي تقنية "الديب فايك"؟ "الديب فايك" أو التزييف العميق هو إنتاج صور بواسطة الذكاء الاصطناعي تحاكي الواقع بدرجة عالية من الدقّة، إلى حدّ أن العين البشرية تعجز عن التمييز بين الصور المصنّعة وبين الصور الحقيقية. منذ أن ظهر مصطلح "الديب فايك" عام 2017، انتشرت هذه التقنية بوتيرة متسارعة، وبلغت في عام 2025 مرحلة مفصلية جديدة. فلم يعد إنتاج محتوى زائف فائق الواقعية يتطلّب كميات ضخمة من البيانات كما في السابق، بل أصبح من الممكن توليد مقاطع تحاكي صوت وصورة شخص ما بالاعتماد على عيّنة حقيقية محدودة. تزامناً مع ذلك، أعلنت غوغل خلال مؤتمرها السنوي الأخير عن نموذجها الجديد Google Veo، وهو نظام ذكاء اصطناعي متقدّم قادر على توليد فيديوهات واقعية للغاية انطلاقاً من أوامر نصّية بسيطة. تعدّ تقنية غوغل من بين أكثر الأدوات تطوراً في هذا المجال حتى الآن، إذ يمكّنه فهم السياق البصري والزماني بدقّة، ما يجعل الفرق بين الحقيقي والمزيّف أكثر ضبابية من أي وقت مضى. وبينما تتعاظم المخاوف، تزداد أيضاً الجهود المبذولة لتطوير أدوات لكشف هذا النوع من المحتوى. لكن المفارقة تكمن في أن كل خطوة نحو تطوير أدوات الكشف تُقابل بتقنيات جديدة تزيد من صعوبة الأمر. في ظلّ هذا الواقع، يطرح سؤال كبير عن إمكانية حماية الأشخاص في عالمنا اليوم من التعرّض للاستغلال والتلاعب بواسطة هذه التكنولوجيا. "حقّ امتلاك الملامح" الحكومة الدنماركية حاولت الإجابة مؤخراً على هذا السؤال. في خطوةٍ متقدمة في هذا المجال، اقترحت الحكومة الدنماركية مشروع قانون يهدف إلى حماية المواطنين من "إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي"، تحديداً تكنولوجيا "الديب فايك" أو الفيديوهات المزيّفة التي تظهر أشخاصاً حقيقيين، كما يعرّفها القانون. ويهدف القانون إلى منع نشر مواد الذكاء الاصطناعي التي تصوّر شخصاً ما من دون موافقته. المميز في القانون هو أنه بدلاً من لجوئه فقط إلى عقوبات جنائية في حال الاستخدام الضار لهذه التكنولوجيا، هو يقترح منح الأفراد الحق القانوني في "امتلاك ملامحهم الشخصية"، أي السيطرة على استخدامها الرقمي، بما في ذلك أصواتهم ووجوههم، ومنع أي استخدام وتوظيف لها من دون موافقتهم، باعتبار ذلك انتهاكاً لحقوق النشر. بموجب المشروع، سيكون من حق أي فرد أن يطلب من منصات التواصل الاجتماعي إزالة المحتوى الضارّ، وستُحمَّل هذه المنصّات مسؤولية التنفيذ، حيث تُفرض عليها غرامات في حال لم تستجب. كما أن ريادة هذا القانون تكمن أيضاً في كونه لا يعاقب المستخدمين الذين ينشرون هذا النوع من المحتوى، بل يستهدف المنصّات نفسها. وزير الثقافة الدنماركي، ياكوب إنغل-شميدت، قال في حديثٍ إلى صحيفة الغارديان البريطانية: "في نص القانون المقترح، نتفق جميعاً ونوجّه رسالة لا لبس فيها مفادها أن لكل فرد الحق في جسده، وصوته، وملامح وجهه الخاصة ــ وهو ما لا يبدو أن القانون الحالي يضمنه بشكل كافٍ في مواجهة تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي". وأشار إلى أن "التكنولوجيا تجاوزت قوانيننا الحالية"، مؤكداً أن المشروع يهدف إلى حماية الخصوصية كحقّ أساسي في العصر الرقمي. ويشمل القانون، بحسب إنغل-شميدت، استثناءات للأعمال الساخرة والنقد الاجتماعي حفاظاً على حرية التعبير، لكن بعض الخبراء أشاروا إلى "غموض" في هذه المفاهيم، إذ لا يوجد تعريف رسمي لما يُعدّ "ديب فايك"، ولا معيار موضوعي لتحديد ما إذا كان المحتوى ساخراً، ما قد يُدخل النزاعات إلى ساحات القضاء. وقد يصبح هذا التوجّه الجديد نموذجاً يُحتذى به داخل الاتحاد الأوروبي، إذ ترى الحكومة أن القانون الأوروبي الحالي لم يعد كافياً لمواكبة تطوّر التكنولوجيا. ما هي فعالية القانون في فضاء عابر للحدود؟ وقد أشاد عدد من الخبراء بالمشروع باعتباره خطوة سبّاقة، لكونه لا يركّز على نوع الضرر "بل على مبدأ حماية الهوية الشخصية في العصر الصناعي الرقمي". ومع ذلك، أعرب هؤلاء عن مخاوف تتعلق بآليات التطبيق، محذّرين من أن غياب أدوات تنفيذ فعالة قد يجعل الأثر الواقعي للقانون محدوداً، خصوصاً أن معظم الجهات التي تستخدم هذه التكنولوجيا تعمل على مستوى عالمي، بعيداً عن نطاق السلطات المحلية في الدنمارك. فمعظم الجهات التي تستخدم تقنية "الديب فايك" لأغراض احتيالية أو إباحية أو سياسية لا تعمل داخل الدنمارك، ولا تخضع لقوانينها، ما يجعل من الصعب محاسبتها أو حتى تعقّبها. من هذا المنطلق، يواجه القانون الدنماركي، كما غيره من المبادرات الدولية، تحدياً جذرياً، وهو الطبيعة العابرة للحدود التي تسم الفضاء الرقمي. كما أن منصات التواصل الكبرى التي تحتضن هذا النوع من المحتوى لا تتخذ دائماً إجراءات فعالة، خصوصاً حين تكون قوانين البلدان غير ملزمة لها أو حين تكتفي هذه الشركات بالالتزام بمبدأ "حرية النشر". وبالتالي، فإن غياب آليات تنفيذ دولية أو تعاون قضائي وتقني عابر للحدود قد يجعل من هذه القوانين مجرّد أدوات رمزية، لا تغيّر كثيراً في الواقع الذي تفرضه التكنولوجيا على الناس. في هذا السياق، يقول المدير التنفيذي لمنظمة الحقوق الرقمية "سمكس"، محمد نجم، إن القانون على الرغم من أهميته من الصعب أن يضع حدّاً نهائياً للاعتداءات التي قد تحصل بواسطة الذكاء الاصطناعي. وهو أمر مشابه لوضع القانون الخاص بالذكاء الاصطناعي الصادر عن الاتحاد الأوروبي عام 2023، إذ أنه غير كافٍ لتغطية كل التعقيدات الناتجة عن الذكاء الاصطناعي وانتشاره الحالي، وهو ما تبحثه بروكسل لتطوير القانون بشكل أكبر وأشمل. سباق تشريعي لاحتواء الضرر وكانت دول أخرى قد اعتمدت بعض التدابير الحمائية التي حاولت مواكبة الانتشار الجماهيري لأدوات الذكاء الاصطناعي في السنوات القليلة الماضية. في مايو/ أيار الماضي، أقرّت الولايات المتحدة قانون "Take It Down" (أزِلها)، والذي يُجرّم الصور المُزيفة المنتَجة عبر الذكاء الاصطناعي من دون موافقة أصحابها، ويُلزم منصّات التواصل الاجتماعي بإزالة هذا النوع من المحتوى خلال 48 ساعة من تلقيها إشعاراً بوجوده. كما تبنّت ولايات أمريكية عدة قوانين ترمي إلى حماية الأصوات والوجوه من الاستنساخ عبر الذكاء الاصطناعي، مثل قانون "إلفيس" في ولاية تينيسي. وفي الاتحاد الأوروبي، دخل "قانون الذكاء الاصطناعي" حيّز التنفيذ في أغسطس/ آب 2024، وهو يعد أول إطار شامل ينظم استخدام الذكاء الاصطناعي "وفقاً لمستويات الخطورة". أما في المملكة المتحدة، فإنّ "قانون الأمان على الإنترنت" يهدف إلى "السيطرة على المحتوى الضار الناتج عن الذكاء الاصطناعي"، كما تدرس الحكومة قوانين إضافية تخصّ المحتوى الإباحي المُزيّف. ومن جهتها، شددت كوريا الجنوبية في عام 2024 عقوبات التزييف العميق غير التوافقي، بخاصة حين يتعلق الأمر بالأشخاص القُصّر. كذلك، تعمل حالياً دول أخرى مثل كندا، البرازيل، والفلبين وغيرها على مشاريع قوانين لضبط استخدام الذكاء الاصطناعي. أسئلة حول أفق هذه القوانين برغم أهمية القوانين المقترحة حول العالم لمواجهة ضرر التزييف العميق وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بشكل عام، هناك تساؤلات شائكة تتعلق ليس فقط بفعالية هذه القوانين بل بحدودها الأخلاقية والإبداعية أيضاً. ففي حين يمنح القانون الدنماركي استثناءات محدودة للأعمال الساخرة والنقد الاجتماعي، في محاولة للموازنة بين حماية الأفراد وحرية التعبير، تبقى المفاهيم التي يستند إليها القانون غامضة وغير محددة. فلا يوجد تعريف قانوني واضح لما يُعدّ "ديب فايك"، ولا معيار دقيق يميّز بين ما يُعتبر فناً نقدياً مشروعاً، وما يُصنَّف كتشويه متعمّد لسمعة الآخر. ماذا لو نشر ناشط سياسي فيديو مزيّفاً لشخصية عامة في سياق تهكمي أو احتجاجي؟ من يملك سلطة الحُكم على هذا المحتوى؟ وأي معايير ستُستخدم للفصل بين الإبداع والتضليل؟ هذه المنطقة الرمادية قد تفتح الباب أمام صراعات قضائية طويلة، لا سيما في البلدان التي تعاني أنظمتها القضائية من البطء أو التسييس، ما يهدد بتقويض حرية التعبير بدل حمايتها. وفي الولايات المتحدة، يشير خبراء إلى أن هذه الإشكالية تزداد تعقيداً بسبب التعديل الأول للدستور الأميركي، الذي يحمي حرية التعبير، حتى حين تكون هذه الحرية على حساب صورة الآخر. لذلك إنّ استخدام فيديو مزيّف في سياق ساخر أو تعليقي قد يظل قانونياً بغضّ النظر عن أي ضرر معنوي ناجم عنه. وفي سياق موازٍ، تبرز أيضاً أسئلة بشأن "الذات الرقمية" وإمكانية ملكيتها فعلاً في وقتٍ تنتشر فيه بيانات الأفراد في الفضاء الرقمي بشكلٍ واسع جداً قد يتخطّى في أحيانٍ كثيرة حدود إرادتهم ومعرفتهم. ففي حين تجمع الحكومات والشركات الخاصة البيانات البيومترية – من تقنية التعرف على الوجه في المطارات إلى تحليل الصور الشخصية على منصات التواصل – هل لا يزال ممكناً حماية المعلومات والبيانات الخاصة والسيطرة على تداولها؟

"الملكة العذراء": أسرار الحب والسلطة في حياة إليزابيث الأولى التي "تزوجت إنجلترا"
"الملكة العذراء": أسرار الحب والسلطة في حياة إليزابيث الأولى التي "تزوجت إنجلترا"

BBC عربية

time١٦-٠٧-٢٠٢٥

  • BBC عربية

"الملكة العذراء": أسرار الحب والسلطة في حياة إليزابيث الأولى التي "تزوجت إنجلترا"

تعد الملكة إليزابيث الأولى، ابنة الملك هنري الثامن، الوحيدة في تاريخ إنجلترا التي لم تتزوج على الإطلاق، وربما تكشف زيارتها الأخيرة لقلعة كينيلورث قبل 450 عاماً عن بعض الخيوط التي تفسر هذا العهد الذي اتخذته على نفسها، وهو ما يسلط عليه الضوء معرض فني جديد يقام داخل القلعة، ويجسد مشاهد فنية من الخيانة وقطع الرؤوس، فضلاً عن إعلان حب متعدد التفاصيل. في مساء أحد أيام شهر يوليو/تموز عام 1575، وصلت الملكة إليزابيث الأولى، والتي كانت تبلغ من العمر آنذاك 41 عاماً، إلى قلعة كينيلورث الواقعة في مقاطعة وركشاير البريطانية، في زيارة كانت الأطول والأخيرة. كانت الملكة قد أهدت القلعة لروبرت دادلي عام 1563، ومنحته في العام التالي لقب "إيرل ليستر"، ويُعد دادلي من أبرز المقرّبين إلى الملكة، ويُعتقد أنه كان صديقاً لها منذ الطفولة، وقد أثارت طبيعة علاقتهما الوثيقة الكثير من الأقاويل والجدل. وأجرى روبرت دادلي تجديدات كبرى في القلعة الفخمة، استعداداً لوصول الملكة غير المتزوجة، كما شيّد أبنية جديدة، واستحدث حديقة أنيقة، فضلاً عن تنسيق الأراضي المحيطة على نحو متقن، ولم يدّخر جهداً في تقديم عروض ترفيهية استثنائية، شملت الموسيقى، والرقص، والحركات البهلوانية، والألعاب النارية الجذابة، بالإضافة إلى فقرات فنية أدّاها ممثلون كانوا يرتدون أزياء مسرحية. لم يبخل دادلي بالجهد أو المال، فقد بلغت تكلفة المناسبة ألف جنيه إسترليني يومياً (ما يعادل 1400 دولار حينها)، وهو مبلغ يُقدّر حاليا بملايين الجنيهات، وقد فُسّرت هذه الاحتفالات المترفة على أنها عرض زواج فخم ومكلّف، يعادل، بمقاييس الطبقة الحاكمة في القرن السادس عشر، استئجار طائرة لرفع لافتة مكتوب عليها "تزوجيني" في عصرنا الحالي. ويقول جيريمي آشبي، كبير أمناء متحف "التراث الإنجليزي"، لبي بي سي: "كانت احتفالات عام 1575 محاولةً لاستمالة إليزابيث، فالزواج كان أحد الموضوعات الظاهرة في بعض الأنشطة". ووصفت إليزابيث غولدرينغ، التي أجرت دراسة موسعة عن دادلي، لورد ليستر، هذه المناسبة بأنها "آخر رمية نرد له". بدت مغامرة دادلي وكأنها تسير بطريقة جيدة، إلى أن وقع تحول مفاجئ في الأحداث، فقد كان من المقرر أن يبلغ برنامج الإقامة ذروته بعرض مسرحي يُعرف باسم "القناع"، يوم الأربعاء الموافق 20 يوليو/تموز، إلا أن العرض لم يُقدّم على الإطلاق، فهل أعاقته الأحوال الجوية السيئة، كما جاء في الرواية الرسمية؟ أم أن الملكة اطّلعت على مضمون العرض واستشاطت غضباً؟ إذ تضمن العرض الإلهة ديانا، ربة العفة، وهي تبحث عن إحدى حورياتها الطاهرات، واسمها "زابيتا"، وهو إسقاط واضح على اسم إليزابيث. كان من المفترض أن يُختتم العرض المسرحي بظهور رسول من الإلهة جونو، ربة الزواج، يُوجه حديثه إلى الملكة إليزابيث مباشرة، متوسلاً إليها ألا تسلك طريق ديانا، بل أن تختار الزواج بدلاً من العزوف عنه. وعلى الرغم من أن دادلي كان يحظى بهامش من المرونة في علاقته مع الملكة، إلا أن هذه الرسالة ربما تجاوزت الحدود، ومهما يكن الأمر، لم يُقدَّم العرض، وانتهت مظاهر الاحتفال، ومكثت الملكة في جناحها بضعة أيام أخرى قبل أن تغادر القلعة في 27 يوليو/تموز. "مليئة بالكبرياء وحادّة الطبع" أحيت الفنانة ليندسي مندك الذكرى الـ 450 لزيارة الملكة من خلال تصميم عمل نحتي ضخم بعنوان "اللعبة الشريرة" داخل القلعة، يستلهم هذا العمل موضوعه من الميثولوجيا القديمة ومن تفاصيل زيارة الملكة إليزابيث الأولى، ومن الطريقة التي وُظّفت بها صورتها كعذراء في تنفيذ مناورات سياسية ذكية على مدار فترة حكمها التي امتدت 45 عاما. يتألف العمل من 13 مشهداً متنوعاً، بعضها يغلب عليه طابع شرير، وبعضها الآخر يغلب عليه طابع الكوميديا السوداء، وتُصوّر المنحوتات الملكة ومن حولها في هيئة حيوانات، ويجسّد العمل الرئيسي، إليزابيث كلَبؤة، ودادلي كدب، ورُتبت هذه المشاهد على قطع من رقعة شطرنج ضخمة. وقالت مندك لبي بي سي: "لعب الشطرنج أمثل تشبيه لما اضطرت إليزابيث إلى فعله كي تضمن بقاءها". وأضافت: "أراها شخصية شديدة الأهمية، وتمثّل مدخلاً مهماً لفهم كيفية تعاملنا مع النساء اليوم. لقد كان الحدث الذي نظّمه دادلي في كينيلورث يُفترض أن يكون احتفالاً ضخماً لإليزابيث، مليئاً بالترف والمتعة، إلا أنه، في ذات الوقت، كان مشحوناً بدلالات خفية، فالعزوف عن الزواج أو الإنجاب، بالنسبة لنساء قويات كإليزابيث، كان يُعدّ فعلاً متطرفاً يهدف إلى حماية الذات والحفاظ على السيادة الشخصية". تُعدّ الملكة إليزابيث الأولى، ابنة هنري الثامن، الملكة الإنجليزية الوحيدة التي لم تتزوج إطلاقاً، واعتلت العرش عام 1558 وهي في الخامسة والعشرين من عمرها، وورثت عن سلفيها، أخيها غير الشقيق إدوارد السادس (1537–1553)، وأختها غير الشقيقة ماري الأولى (1516–1558)، أزمات دينية وسياسية واقتصادية معقدة. ودأب المستشارون وأعضاء البرلمان على مطالبتها بالزواج حفاظاً على أمن البلاد، فقد كانت فكرة تولي امرأة الحكم منفردة تعد أمراً خارج التصور في ذلك الوقت، وكان الاعتقاد السائد أن الملكة يجب أن تتزوج، ليس لتأمين وريث ذكر وتفادي النزاعات على العرش فحسب، بل أيضاً ليتولّى رجل إدارة الشؤون السياسية والعسكرية. ولم تهدأ المطالبات بالزواج، وتوالت المقترحات من شخصيات عدة، سواء عبر وسطاء أو بأنفسهم، وعلى الرغم من ذلك، ظلّت إليزابيث ترفض هذه العروض وتُراوغها مراراً، فما هو السبب؟ "لا سيد عليها" كانت إليزابيث تدرك تماماً أن المرأة تستطيع أن تمارس الحكم بكفاءة، دون الحاجة إلى إشراف رجل أو توجيه منه، ففي صيف عام 1544، شاهدت الملكة، في قصر هامبتون، كاثرين بار - زوجة هنري الثامن - وهي تتولى السلطة بكل حزم أثناء غياب الملك في حملته العسكرية بفرنسا. وأثبتت كاثرين جدارتها كوصية على العرش، ويبدو أن إليزابيث تأثرت تأثراً بالغاً بمشهد زوجة أبيها وهي تمارس السلطة، وتفرض احترامها على الوزراء والنبلاء رغم نفوذهم ومكانتهم. علاوة على ذلك، لم تُقدّم أسرة إليزابيث القريبة نموذجاً يُحتذى به في الزواج أو يُبرز محاسنه، فقد أمر والدها باعتقال والدتها، آن بولين، بتهمة زور تتعلق بالزنا والتآمر، ثم اتخذ قراراً صادماً بإعدامها بقطع الرأس، ولم تكن إليزابيث آنذاك قد بلغت الثالثة من عمرها. ومن بين المنحوتات التي أبدعتها مندك، عمل فني يُمثّل هذا الإعدام، حيث تظهر آن في هيئة ثعلب راكعة في صلاة، أمام الجلاد المتجسّد في صورة كلب شرير. وذهب بعض المحللين إلى أن إليزابيث ربما كانت تعاني من خوفٍ عميق من العلاقة الجنسية، فعلى سبيل المثال، تتأمل أليسون وير في كتابها بعنوان " إليزابيث، الملكة" في احتمال أن تكون الملكة "قد ربطت بشكلٍ معقد بين العلاقة الجنسية والموت". وصوّرها مسلسل أنتجته بي بي سي عام 2005، بعنوان "الملكة العذراء"، في شكل ملكة مذعورة من الجنس، بحسب ما أوردته صحيفة التليغراف، وقالت كاتبة السيناريو، بولا ميلن، للصحيفة حينها: "لو طُلب مني كتابة عمل عن امرأة معاصرة قُتلت والدتها على يد والدها، لكان من البديهي أن أتناول الآثار النفسية لذلك". كانت إليزابيث، في حقيقة الأمر، تميل إلى مرافقة الرجال الجذّابين، وكانت لا تخلو أحياناً من ملامح الغَزَل والملاطفة في تعاملها معهم، بيد أن أنها كانت تمتلك دوافع وجيهة للخوف من الحمل ومخاطر الولادة، إذ وصفت عملية الإنجاب في عهد آل تيودور بأنها محفوفة بالمخاطر، فجين سيمور، الزوجة الثالثة للملك هنري الثامن، توفيت أثناء الولادة، وكاثرين بار توفيت إثر مرض أعقب ولادتها لطفل، كما أن جدة إليزابيث، إليزابيث يورك، توفيت أيضاً بعد ولادة طفلها. "كيف قُدمت صورة إليزابيث؟" إلى جانب دوافعها الشخصية، كانت هناك اعتبارات سياسية دفعت إليزابيث إلى العزوف عن الزواج، فمن بين هذه الاعتبارات، على الأرجح، رغبتها في إبقاء البلاد بمنأى عن تأثير القوى الأجنبية، كما أن احتمال ارتباطها بالزواج كانت بمثابة "ورقة ضغط" تُعزّز موقفها الدبلوماسي في تعاملاتها مع فرنسا وإسبانيا وسواهما من الدول. في المقابل، لو أنها اقترنت بأحد نبلاء إنجلترا، وكان روبرت دادلي مرشحاً محتملاً لولا وفاة زوجته إيمي روبسارت في ظروف غامضة عام 1560، لأثار ذلك استياء نبلاء آخرين وأحدث خللاً في ميزان القوى الداخلية في البلاد. وهكذا، أبقت إليزابيث الجميع في حالة ترقّب وانتظار، ويبدو أنها كانت تمتلك فهماً غريزياً لما يُعرف اليوم بإدارة العلاقات العامة، إذ كانت حريصة على أن تُظهر نفسها كملكة متفانية تماماً في خدمة شعبها، فمنذ بداية فترة حكمها، بدأت ترسخ صورتها بوصفها "الملكة العذراء"، وفي عام 1559، قالت رداً على أعضاء البرلمان الذين ألحّوا عليها بالزواج: "سيشهد حجر من الرخام ذات يوم أن ملكةً، حكمت لفترة من الزمن، عاشت وماتت عذراء". ففي المشهد الختامي من فيلم " إليزابيث" الذي أخرجه شيخار كابور عام 1998، أدت الممثلة كيت بلانشيت دور الملكة الشابة، وأعادت تجسيدها مرة أخرى في الجزء الثاني عام 2007 بعنوان" إليزابيث: العصر الذهبي"، ففي الفيلم الأول، نراها وهي تتعمد التحول إلى شخصية "الملكة العذراء"، وتظهر بثوب أبيض أمام بلاطها المذهول وتعلن: "أنا متزوجة من إنجلترا". وعلى الرغم من أن فيلم كابور لا يلتزم بدقة السرد التاريخي، فإن الحوار فيه يعكس قولاً حقيقياً للملكة عام 1559، حين أعلنت بأنها لن تتزوج لأنها "مرتبطة بالفعل بزوج، ألا وهو مملكة إنجلترا"، واللافت أن شقيقتها ماري الأولى، المعروفة بلقب "ماري الدموية"، كانت قد أعلنت تصريحاً مماثلاً، لكنها تزوجت بعد ذلك فيليب الثاني ملك إسبانيا. شكّل قرار عدم زواج الملكة إليزابيث عنصراً محورياً في تجسيد شخصيتها في الثقافة الشعبية، وقد عُرض هذا الربط بين الجنس والموت بوضوح في مسلسل لبي بي سي حائز على عدة جوائز إيمي بعنوان "إليزابيث آر" عام 1971. ففي الحلقة الافتتاحية، تقول إليزابيث، التي أدّت دورها الممثلة غليندا جاكسون: "لم أثق في أي رجل منذ أن كنت في الثامنة من عمري، حين رأيت الملكة كاثرين هوارد (الزوجة الخامسة لهنري الثامن – التي أُعدمت) تجري وهي تصرخ في أروقة القصر تتوسل للملك هنري العظيم، لقد خانها الرجال من كل جانب، تبدأ الحكاية بالثقة، ثم الشغف، وتنتهي بالموت". قدّمت ميراندا ريتشاردسون شخصية إليزابيث بشكل ساخر في الموسم الثاني من المسلسل الكوميدي المعروف "بلاك آدر"، وتقول في الحلقة الأولى: "الجميع يبدو وكأنهم يتزوجون، باستثنائي أنا"، غير أن الملكة، في سياق الأحداث، تستخدم وعد الزواج كوسيلة لإخضاع بلاك آدر وغيرِه لرغباتها. والسؤال هل تركت إليزابيث الحقيقية المجال أمام دادلي ليظن أن فرصته معها قائمة؟ وما دلالة زيارة كينيلورث في إطار علاقتهما؟ يقول آشبي: "لا أعتقد أنه (دادلي) شعر بإهانة جراء رفضها لطلبه الزواج، بل كان مسروراً بأن يُنشر سرد رسمي عن الاحتفالات بعد فترة قصيرة، كما أوصى في وصيته بالإبقاء على القلعة كما كانت تماماً. أظن أنه اعتبر عام 1575 بمثابة (أروع لحظاته)، ومن المؤكد أنه لم يبتعد عن الساحة العامة بعد تلك السنة". واستشاطت الملكة إليزابيث غضباً من دادلي حين تزوج من ليتيس نوليز في عام 1578، غير أنها سامحته لاحقاً، وعندما توفي عام 1588، أغلقت على نفسها غرفتها لفترة طويلة حتى اضطر كبير مستشاريها إلى إصدار أمر بفتح الأبواب بالقوة. وعُثر بعد وفاة إليزابيث في عام 1603، على رسالة من دادلي، كان قد بعث بها إليها قبل وفاته بوقت قصير، محفوظة في صندوق صغير إلى جوار سريرها، كتبت عليها بخط يدها: "رسالته الأخيرة".

بي بي سي أمام أزمتي "والاس" و"وثائقي غزة"... هل  تنجح في تجاوزهما؟
بي بي سي أمام أزمتي "والاس" و"وثائقي غزة"... هل  تنجح في تجاوزهما؟

BBC عربية

time١٥-٠٧-٢٠٢٥

  • BBC عربية

بي بي سي أمام أزمتي "والاس" و"وثائقي غزة"... هل تنجح في تجاوزهما؟

تقريرٌ واحدٌ ينتقد إنتاج بي بي سي البرامجي أمرٌ صعب، لكن أن تواجه المؤسسة تقريرين في اليوم نفسه، فقد يكون ذلك كارثياً، وهذا بالضبط ما وجده مسؤولو الشبكة بانتظارهم صباح الإثنين. كان يوم الإثنين مليئاً بالاعتذارات العلنية، والإعلان عن خطط عمل، ومحاولة تجاوز منعطف حاد، بعد أشهر بالغة الضرر، سواء ما أثير حول سوء سلوك غريغ والاس، والإخفاقات المتعلقة بفيلم غزة الوثائقي. لكن السؤال المطروح الآن: هل ستنجح هذه الإجراءات فعلاً؟ فيما يخص قضية والاس، لا تزال هناك تساؤلات حول ما إذا أنشأت بي بي سي ثقافة داخلية يكون فيها المقدمون ضمن قواعد مختلفة، وهو ما تسعى المراجعة الثقافية الأخيرة لمعالجته. كما يُطرح سؤال حول وجود رقابة نشطة وكافية للمحتوى المنشور على منصاتها. أعتقد أن لدى بي بي سي حجة قوية للقول إنها تمكنت من السيطرة على الوضع في السنوات الأخيرة. فقد حذرت كيت فيليبس، رئيسة قسم المحتوى حالياً، والاس من سلوكه في عام 2019، وبعد ذلك، وفقاً للتقرير، لم تُرفع أي شكاوى إلى بي بي سي. إذا كان ذلك صحيحاً، يُمكن لهيئة الإذاعة البريطانية أن تُجادل بأنها ظنت أن المسألة قد حُلّت. فيما يتعلق بفيلم غزة الوثائقي الذي يسلط الضوء على أطفال في منطقة حرب، فقد فتحت مؤخراً هيئة تنظيم الاتصالات "أوفكوم" تحقيقاً في تضليل بي بي سي للجماهير، لذا فإن الأمر لم ينتهِ بعد. ومع ذلك، منحت المراجعة بي بي سي شيئاً من الهامش لالتقاط الأنفاس، لا سيما أن وزيرة الثقافة -التي كانت قد تساءلت سابقاً عن سبب عدم طرد أي أحد بسبب الوثائقي- بدت وكأنها خففت من لهجتها. وفقاً لما أعرفه، فقد اجتمع المدير العام تيم ديفي ورئيس مجلس الإدارة سمير شاه بالوزيرة ناندي الأسبوع الماضي لطمأنتها، ويبدو أن لهجتها الأكثر تصالحية كانت موضع ترحيب داخل المؤسسة، بعد سلسلة من الانتقادات الحادة التي وجهتها سابقاً للإدارة. لا تزال التساؤلات قائمة حول ما إذا كان أي شخص داخل هيئة الإذاعة البريطانية سيفقد وظيفته. ما نعلمه أن فريق بي بي سي فشل في التحقق من الخلفيات العائلية للصبي في الفيلم، وأن التحقيق يحملهم مسؤولية جزئية عن هذه الإخفاقات، وأن بي بي سي تقول إنها تتخذ "إجراءات عادلة وواضحة ومناسبة" لضمان المساءلة. هناك سؤال يُطرح داخل بي بي سي في مثل هذه الحالات التي تشهد إخفاقات؛ هل سيُقال رؤساء، أو بالأحرى نواب رؤساء؟ في إشارة إلى الشكوك حول مدى جدية المساءلة على أعلى المستويات. وحتى الآن، لا توجد إجابة واضحة. ولكن على نطاق أوسع، عندما يتعلق الأمر بغزة، كانت الأشهر القليلة الماضية صعبة. عندما أدلى تيم ديفي بشهادته أمام أعضاء البرلمان في مارس/آذار الماضي، بعد أسابيع قليلة من سحبه فيلم "غزة: كيف تنجو من منطقة حرب" من منصة iPlayer، أخبرهم أنه "فقد الثقة في ذلك الفيلم" بمجرد أن اتضح أن الراوي الطفل هو ابن مسؤول في حركة حماس. لا يعد من المبالغة القول إن الحرب الدائرة قد دفعت البعض إلى فقدان الثقة في بي بي سي وتغطيتها لما يحدث في غزة، لا سيما مع منع إسرائيل الصحفيين الأجانب من الوصول للقطاع. اتُهمت بي بي سي بمعاداة السامية، وما فتح الباب واسعاً أمام هذه الاتهامات كان بثها للفيلم الوثائقي دون علمها بتلك الروابط مع حماس، ودون إعلام الجمهور بذلك. وكذلك فشل بي بي سي في التعامل بشكل صحيح مع البث المباشر من غلاستونبري، عندما هتف مؤدي الراب في فرقة "بوب فيلان"، باسكال روبنسون فوستر "الموت للجيش الإسرائيلي" وأدلى بتعليقات مسيئة أخرى. هناك أشخاص داخل الهيئة وخارجها يشعرون بالخيانة من تغطية بي بي سي. يقول البعض إنها متحيزة ضد إسرائيل، وإن هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول وقضية الرهائن قد طواها النسيان. ويتهم البعض بي بي سي بتجاهل معاناة سكان غزة وأفعال إسرائيل في تغطيتها للحرب. ومؤخراً، ألغت بي بي سي عرض فيلم وثائقي آخر بعنوان "غزة: أطباء تحت الهجوم"، بدعوى أن بثه قد "يخلق انطباعاً بالتحيز لا يتماشى مع المعايير العالية التي يتوقعها الجمهور من بي بي سي". قبل أقل من أسبوعين، وفي عرض مزدحم في استوديوهات ريفرسايد في لندن، شاهد الفيلم المئات على الشاشة الكبيرة، بعد عرضه على القناة الرابعة. كنتُ هناك، وكانت المرأة الجالسة بجانبي تبكي بينما تتكشف الأهوال على الشاشة، ولم تكن الوحيدة. صرحت بي بي سي أنها أجّلت عرض فيلم "غزة: أطباء تحت الهجوم" في البداية في ضوء التحقيق في الفيلم الوثائقي الآخر. ثم ألغته، وقررت عدم عرضه بعد أن ظهر مُقدم البرنامج في برنامج "توداي" على راديو بي بي سي 4 ووصف إسرائيل بأنها "دولة مارقة ترتكب جرائم حرب وتطهيراً عرقياً وقتلاً جماعياً للفلسطينيين". أمّا صنّاع الفيلم في شركة Basement Films فقد رفضوا تلك التبريرات، وقالوا يوم الإثنين: "بي بي سي لم تكن تنوي بث الفيلم أصلاً، وقد تلقينا تبريرات متعددة وأحياناً متناقضة، لكن ما كان واضحاً أنها مبررات خيمت عليها أجواء من الخوف والشلل حول موضوع غزة". مهما كانت القصة الحقيقية وراء عدم عرض الفيلم على بي بي سي، فإن هذا الادعاء -بأن تغطية بي بي سي لغزة مُعرضة للخطر بسبب الخوف- مُضرٌّ بكل الأحوال. وعلى الرغم من تفنيد بي بي سي هذا الادعاء، لكن يبدو أنه بدأ يترسخ في بعض الأوساط. في قاعة العرض، صعد غاري لينيكر إلى المسرح وقال إن على بي بي سي أن "تشعر بالخزي" لعدم عرض ما وصفه بأنه "أحد أهم الأفلام" في عصرنا. واتهم بي بي سي بالخضوع للضغوط، ووافقه الجمهور على ذلك بصوت عالٍ. لقد شكّلت تغطية حرب غزة اختباراً صعباً لبي بي سي ربما أكثر من أي وقت مضى. قال لي أحد المطلعين إن أياً من الطرفين لا يريد تغطية محايدة، بل يريد تغطية مُتحيزة. وبالفعل، تتعرض بي بي سي لانتقادات لاذعة من جميع الأطراف. بدورها، تقول بي بي سي إنها "ملتزمة تماماً بتغطية الصراع بين إسرائيل وغزة بنزاهة ودقة، ووفقاً لأعلى معايير الصحافة". كما تقول: "نرفض بشدة الفكرة -التي تُطرح من مختلف أطراف هذا الصراع- بأننا مع أو ضد أي موقف". قبل عامين، طغت أزمة هيو إدواردز على التقرير السنوي، وفي العام الماضي، طغت عليها مزاعم "ستريكتلي"، وهذا العام، لم تقتصر على قصة واحدة، بل على ثلاث قصص. أهم مهمة للمدير العام هي ضمان تجديد ميثاق بي بي سي، ولدى الهيئة قصة قوية ترويها وتروج لها. لكن الصعوبة التي يواجهها تيم ديفي تكمن في أنه مهما علا صوته من أجل هيئة الإذاعة البريطانية ومستقبلها، يصعب سماعه وسط ضجيج الأزمات.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store