غزة والوداع المستحيل: حين يتحول الفقد إلى مقاومة والصمت إلى صرخة لا تموت
في ظل ما يعيشه أهل غزة اليوم من ألم الفقد والدمار والوداع الذي لا ينتهي، تبدو رواية 'الوداع المستحيل' للكاتبة الكورية هان كانغ وكأنها تحاكي واقعهم القاسي، حيث تتقاطع موضوعاتها مع معاناة الفلسطينيين الذين يودّعون أحبّتهم، بيوتَهم، وذكرياتِهم في مشهد لا تكفي الكلمات لوصفه. الرواية التي تتناول الفقد، الصبر، الهوية، والعزلة، تتلاقى مع واقع أهل غزة الذين يعيشون هذا الوداع يوميًا، وسط صمت العالم وصوت القصف. وفي ظل هذه المأساة، تبرز الرؤية القرآنية كمنارة للصبر والصمود، حيث يعكس القرآن كيف يمكن للإنسان أن يجد القوة في قلب المحنة.
أولًا: الفقدان في غزة.. صبر فوق الاحتمال
رواية الوداع المستحيل تصور البطل وهو يعيش أزمة الفقد، عاجزًا عن تجاوزها، لكن ماذا عن أهل غزة الذين يودعون أحبّتهم كل يوم دون وداع حقيقي؟ الأب الذي يدفن أطفاله، الأم التي تفقد منزلها، الطفل الذي يقف على أنقاض بيته لا يفهم معنى الخراب، جميعهم في معركة مع فقدٍ لا يمكن احتماله.
يقول الله تعالى في القرآن الكريم:
'وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ' (البقرة: 155-156).
بين سطور الرواية، يتردد سؤال كيف نواجه الفقد؟، ولكن في غزة، الصبر ليس خيارًا بل مصيرًا، والصمود ليس مجرد مفهوم فلسفي، بل حياة تُعاش وسط الدمار. يودّعون بلا وداع، لكنهم لا ينكسرون، لأنهم يحملون إيمانًا بأن ما يحدث ليس النهاية.
ثانيًا: الهوية الفلسطينية.. ذاكرة لا تموت
في الرواية، يُحاصر البطل في ذكرياته، يتساءل إن كان التمسك بالماضي قوة أم ضعفًا. في غزة، الذاكرة هي الوطن حين يصبح الوطن أنقاضًا. المنازل التي تُهدم، المساجد التي تُقصف، الشوارع التي كانت يومًا مزدحمة بالحياة، كلها تعيش في ذاكرة الفلسطينيين كحقيقة لا يمكن لآلة الحرب محوها.
يقول الله تعالى:
'وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ' (آل عمران: 139).
الهوية ليست مجرد أوراق رسمية، بل حكايات الأجداد، صور الشهداء، أسماء الشوارع التي تحولت إلى رماد. غزة تعلم العالم أن الهوية ليست شيئًا يمكن قصفه أو محوه، بل شيء يُنقش في القلب والذاكرة، يستمر رغم الألم.
ثالثًا: العزلة المفروضة.. غزة تحت الحصار
في الرواية، يختار البطل العزلة، ولكن في غزة، العزلة مفروضة، حصار خانق يحبس أكثر من مليوني إنسان، يمنع الدواء والطعام، يقطع الكهرباء، ويحرمهم حتى من ضوء الشمس. كيف يكون للحياة معنى في ظل الحصار والحرمان؟
في القرآن، كانت العزلة أحيانًا فرصة للعودة إلى الله والتأمل، كما في قصة مريم عليها السلام، التي لجأت إلى الصمت حين واجهت اتهامات الظلم:
'فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ۖ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا' (مريم: 29).
لكن في غزة، العزلة ليست اختيارًا، بل سياسة ممنهجة لإخماد الصوت، لكنهم لا يصمتون. رغم العزلة، يرفعون أصواتهم، يوثقون جرائم الاحتلال، يكتبون، يرسمون، يقاتلون بكل الوسائل المتاحة لئلا تُمحى قصتهم.
رابعًا: الفن والمقاومة.. الكتابة سلاح لا يُهزم
في الرواية، الفن والكتابة وسيلتان للتعبير عن الألم، تمامًا كما هي الحال في غزة، حيث تحولت القصائد، الأغاني، والرسومات إلى مقاومة. في القرآن، نجد كيف عبّر النبي يعقوب عن فقدانه ليوسف بحزن صادق لكنه لم ينهزم:
'وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَٰٓأَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ ٱلْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ' (يوسف: 84).
الحزن الفلسطيني ليس استسلامًا، بل إبداعٌ يولد من المعاناة. الأغاني التي تخرج من غزة ليست مجرد موسيقى، بل نبض حياة يرفض الانطفاء، واللوحات التي يرسمها الفنانون على الجدران المحطمة هي صرخات لا تموت. الرواية تصور الألم كمساحة للإبداع، وغزة تحول الألم إلى مقاومة.
ختامًا: غزة.. حيث الوداع المستحيل يتحول إلى أمل
في نهاية الرواية، يدرك البطل أن الوداع ليس نهايةً مطلقة، بل بداية جديدة لفهم الذات والحياة. وفي غزة، لا شيء ينتهي، لأن كل وداع هو وعد بالعودة، كل بيت يُهدم يُعاد بناؤه، كل شهيد يُسقط يولد من دمه ألف مقاوم، وكل ألم هو طريق إلى حياة لا تنتهي في ذاكرة الوطن.
يقول الله تعالى:
'وَلَا تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَٰتًۭا ۚ بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ' (آل عمران: 169).
رواية الوداع المستحيل تحكي قصة فقدان وألم، ولكن غزة تحكي قصة أكبر: قصة الصمود في وجه الفقدان، والإيمان بأن النصر يأتي رغم الجراح. إنها ليست مجرد مدينة، بل رمزٌ للعالم بأن الإنسان قادر على الوقوف من جديد، حتى حين يحاول الجميع إسقاطه.
في غزة، الوداع مستحيل، لأن الأرض لا تنسى، والشهداء لا يُنسون، والحرية وإن تأخرت، قادمة لا محالة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

الدستور
منذ 34 دقائق
- الدستور
العجلوني يرعى احتفال الجامعة بيوم الاستقلال ومعرضا للجاليات الطلابية العربية
السلط - ابتسام العطيات رعى الأستاذ الدكتور أحمد فخري العجلوني، رئيس جامعة البلقاء التطبيقية، فعاليات الاحتفال الوطني بعيد الاستقلال ومعرض الجاليات، الذي نظمته عمادة شؤون الطلبة ضمن احتفالات الجامعة السنوية، وبمشاركة فاعلة من طلبة الجامعة، خاصةً الطلبة الوافدين من مختلف الجنسيات العربية . ويأتي هذا الحدث تأكيدًا على التزام الجامعة بتعزيز مفاهيم الانتماء والولاء الوطني لدى الطلبة، وفتح المجال أمام الجاليات الطلابية لعرض ثقافاتها وتقاليدها، بما يسهم في ترسيخ ثقافة التنوّع والتفاعل الحضاري داخل الحرم الجامعي. وأكد الأستاذ الدكتور العجلوني أن الجامعة تولي اهتمامًا كبيرًا بالطلبة الوافدين، وتحرص على توفير بيئة تعليمية وثقافية جاذبة تعزز من فرص اندماجهم، مشيرًا إلى أن الانتشار الجغرافي للجامعة في مختلف محافظات المملكة يشكّل عنصرًا داعمًا في جهود استقطاب الطلبة الوافدين من الدول الشقيقة والصديقة، في إطار رؤية الجامعة نحو التميّز والانفتاح. ومن جهته،اكد الدكتور خلف الختاتنة عميد شؤون الطلبة ، أن في هذا اليوم الأغر، نحتفل باستقلال أردننا العزيز، رمز الحرية والكرامة، ونستذكر بفخر تضحيات الآباء المؤسسين، ومسيرة العطاء التي يقودها جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، حفظه الله. ونؤكد اعتزازنا الكبير بأشقائنا من الطلبة الوافدين، فهم جزء أصيل من نسيج الجامعة، وشركاء في مسيرة الحلم والعلم، ويجمعنا بهم تاريخ مشترك وقيم إنسانية راسخة، قوامها المحبة والانتماء والتنوّع. وشهد المعرض عروضًا فنية وتراثية قدّمها الطلبة الوافدون، عكست التنوع الثقافي والحضاري للدول التي يمثلونها، وسط حضور واسع من الطلبة وأعضاء الهيئتين الأكاديمية والإدارية، في مشهدٍ عبّر عن وحدة الأسرة الجامعية واعتزازها بالتعدّدية الثقافية التي تزخر بها الجامعة.


جفرا نيوز
منذ 4 ساعات
- جفرا نيوز
هنا الزاهد تردّ على تامر حسني
جفرا نيوز - ردت الفنانة هنا الزاهد على إشادة الفنان تامر حسني بموهبتها خلال تصريحاته على هامش العرض الخاص لفيلمهما الجديد "ريستارت"، والذي يجمع بينهما على الشاشة من جديد بعد عدة أعمال سابقة. وكان تامر قد تحدث عن تعاونه للمرة الثانية مع هنا قائلاً: "كل الناس عارفة إن هنا غالية عندي، وقدمتها من وهي صغيرة، ودلوقتي ما شاء الله نجمة كبيرة قدامي في "ريستارت"، وكمان في الفيلم التاني اللي جاي معايا"، في إشارة منه الى استمرار تعاونه الفني معها خلال الفترة المقبلة. ونشرت هنا الزاهد عبر خاصية القصص القصيرة الملحقة على حسابها الرسمي بمنصة "إنستغرام"، مقطع فيديو من تصريحات تامر وعلقت عليه قائلة: "أنت اللي غالي والله.. شكراً على الكلام الحلو ده، أنت اللي نجم كبير، واتشرفت بشغلي معاك، وربنا يوفقنا في الفيلم وإن شاء الله يعجب الناس". وكانت هنا قد غابت عن العرض الخاص للفيلم في القاهرة بسبب ارتباطها بالتصوير خارج مصر في ذلك الوقت مع الفنان أمير كرارة في فيلمه الجديد "الشاطر".


جفرا نيوز
منذ 4 ساعات
- جفرا نيوز
أحمد السقا يتحدث عن علاقته بطليقته وزواجه مجدّداً
جفرا نيوز - خلال حضوره جلسة نقاشية أدارها الإعلامي اللبناني نيشان ديرهرتونيان، خلال منتدى "قمة الإعلام العربي"، تحدث الفنان أحمد السقا عن علاقته بطليقته الإعلامية مها الصغير، مشيراً الى أن هناك علاقة احترام وصداقة متبادَلة بينهما رغم الانفصال، كما أشاد بدورها في مساندة أبنائهما وحرصها الدائم على الاهتمام بهم. وقال السقا: "أنا سينغل وهذا لا ينفي احترامي وتقديري لأم أولادي، بيننا عِشرة وهي سيدة فاضلة ربّت أولادي أحسن تربية، وإحنا ما زلنا أصدقاء وعلى تواصل ومفيش مشاكل بينا، وفي كلام على السوشيال ميديا طلع لم يصدر على لساني". كما أشار السقا الى أنه يُفضّل أن يتصدّر "الترند" من خلال أعمال الفنية، وليس من طريق نشر أخبار ومعلومات عن حياته الشخصية، كاشفاً حقيقة ما تردّد عن زواجه مجدداً، بالقول: "الزواج والطلاق قسمة ونصيب، والحمد لله قدّر الله وما شاء فعل، أنا عايش لأولادي، وأفضل أكون ترند بفيلم ليا يكسّر الدنيا".