
أخبار العالم : صُنع الله إبراهيم أديب المقاومة «2»
نافذة على العالم - تحدثت أمس عن ثلاثية الرفض والهزيمة للأديب العظيم الراحل صُنع الله إبراهيم، التى شكّلت وجدانه وفكره فى إطار المقاومة للقهر والاستبداد؛ لذلك عندما ترحل قامة أدبية بحجم صُنع الله إبراهيم، لا يقتصر الحزن على محيطه الشخصى، بل يمتد ليشمل الوسط الثقافى برمته فى مصر والعالم العربى. فوفاة الكاتب الكبير الذى رحل عن عالمنا مؤخرًا، بعد صراع مع المرض، لم تكن مجرد نهاية لحياة أديب، بل كانت بمثابة خسارة لضمير أدبى ووطنى ظل ينبض بالحقيقة والتمرد لعقود طويلة. لقد كان صُنع الله إبراهيم أكثر من مجرد روائى، فقد كان مؤرخًا للحظة الإنسانية والسياسية فى مصر، ومرآة تعكس تحولات المجتمع بصدق.
ولم يكن صُنع الله إبراهيم كاتبًا تقليديًا يتبع القواعد المتعارف عليها. فمنذ بداياته فى ستينيات القرن الماضى كان يصر على أن تكون كلماته شهادة على الواقع، حتى لو كانت هذه الشهادة مؤلمة وغير مرغوب فيها. وأعماله مثل «ذات»، و«اللجنة»، و«شرف» لم تكن مجرد روايات، بل كانت وثائق اجتماعية وسياسية تفكك بنية المجتمع المصرى وتكشف عيوبه وتناقضاته.
فى «ذات»، على سبيل المثال، يتابع القارئ حياة فتاة مصرية عادية، ويرصد من خلالها التحولات السياسية والاقتصادية التى مرت بها مصر منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر حتى الانفتاح الاقتصادى. هذه الرواية كانت رحلة فى الذاكرة الجمعية للمصريين.
ولعل أبرز ما يميز أدب صنع الله إبراهيم أسلوبه السردى الفريد الذى يعتمد على التوثيق، وتداخل السرد الروائى مع الوثائق الصحفية، ما يمنح أعماله طابعًا خاصًا يمزج بين الخيال والواقع. كان يكتب بجرأة لا تلين ويواجه السلطة بكلماته، وهو ما تجسد فى مواقفه الشخصية، مثل رفضه تسلم جائزة الرواية العربية من المجلس الأعلى للثقافة فى عام ٢٠٠٣، احتجاجًا على الأوضاع السياسية والثقافية فى مصر. ولم يكن الحزن فى الوسط الثقافى على رحيل الكاتب فقط، بل على رحيل الموقف أيضًا. فصُنع الله إبراهيم كان يمثل نموذجًا للأديب المستقل، الذى لا يساوم على مبادئه ولا يبيع ضميره من أجل الجوائز أو المناصب. وقد عبّر العديد من الأدباء والنقاد عن هذا المعنى. فالبعض وصفه بأنه «ضمير الثقافة المصرية»، والبعض الآخر قال إنه «شاهد عنيد على زمن القهر». وهذا الإجماع على أهمية صُنع الله إبراهيم، ليس فقط ككاتب، بل كموقف أخلاقى، يعكس مدى الفراغ الذى تركه فى الساحة الثقافية. ففى زمن كثر فيه التطبيل والمساومة، كان يمثل صوتًا شريفًا لا يخشى أن يقول الحقيقة. لقد كان قدوة للأجيال الجديدة من الكُتّاب، التى تعلمت منه أن الأدب ليس مجرد حكايات مُسلية، بل هو سلاح للتغيير والمقاومة.
وعلى الرغم من رحيله فإن إرث صنع الله إبراهيم سيبقى خالدًا، وأعماله ستظل تُدرس، وتلهم الأجيال القادمة من الكُتّاب والمثقفين. فقد ترك وراءه مكتبة أدبية غنية ومتنوعة، تضم أكثر من عشرين رواية ومجموعة قصصية، بالإضافة إلى العديد من المقالات والكتب الفكرية.
لقد كان صُنع الله مؤمنًا بأن الأدب لا يموت، وأن الكلمة الصادقة تبقى حية حتى بعد رحيل صاحبها. وقد أثبتت أعماله هذه الحقيقة، فهى ما زالت قادرة على إثارة النقاشات، وتحدى الأفكار السائدة، وإيقاظ الوعى لدى القراء. إن وفاة صُنع الله إبراهيم ليست نهاية لقصة، بل هى بداية لحكاية جديدة، بشأن تراثه الأدبى الخالد الذى سيبقى شاهدًا على زمنه، ومرجعًا لمن يريد أن يفهم تاريخ مصر الحديث من زاوية مختلفة، تمثلت فى الأديب المتمرد الذى جعل من قلمه صوتًا لمن لا صوت لهم. إن الحزن فى الوسط الثقافى المصرى لوفاة صُنع الله إبراهيم هو حزن على فقدان أديب عظيم، لكنه أيضًا حزن على فقدان نموذج نادر من الشجاعة الأدبية والموقف الأخلاقى. لقد رحل الجسد، ولكن الروح الأدبية المتمردة التى زرعها فى أعماله ستبقى حية، لتواصل رحلتها فى قلوب وعقول القراء، وتلهمهم لمواجهة الواقع بجرأة وشرف

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


اليوم السابع
منذ ساعة واحدة
- اليوم السابع
استمرار تصفيات مسابقة "دولة التلاوة" بالتعاون بين الأوقاف والشركة المتحدة
تواصل اليوم الإثنين 18 من أغسطس 2025، فعاليات اليوم الثالث من تصفيات مسابقة " دولة التلاوة" بمشاركة أكثر من 14 ألف متسابق من مختلف محافظات الجمهورية، لاختيار أفضل الأصوات في تلاوة كتاب الله عز وجل، وسط تغطية إعلامية موسعة. يأتي ذلك في إطار حرص وزارة الأوقاف على اكتشاف المواهب الصوتية في فنون التلاوة والترتيل، وترسيخ الريادة المصرية في هذا المجال الذي ما زال يفتن القلوب والأسماع في شتى بقاع العالم. وتفقد الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف، فعاليات المسابقة من مسجد عمرو بن العاص بالقاهرة في أول أيامها ، مؤكدًا أن المسابقة ليست مجرد اختبار لحسن الحفظ، بل هي منصة لاكتشاف "الجواهر والكنوز" التي أودعها الله في حناجر ذهبية تفيض جمالًا وتبدع في تلاوة القرآن الكريم. وأضاف: "إننا نريد لهذه المسابقة أن تكون أداة لاكتشاف خامات صوتية جديدة تليق بكتاب الله، وأن نرى نماذج متألقة من أبناء مصر يجمعون بين جمال الصوت وروح الأداء ليكونوا قدوة في ميدان التلاوة وفن خدمة القرآن." وشدد وزير الأوقاف على أن المقامات الصوتية ليست غاية في ذاتها، وإنما هي علوم خادمة للنص القرآني تساعد القارئ على إبراز المعنى الذي أراده الله عز وجل، موضحًا أن جمال الصوت إذا اقترن بفهم صحيح للمقامات أضفى على التلاوة أثرًا بالغًا في النفوس، حيث يعبر القارئ بالمقام المناسب عن روح الآية؛ فإذا تلا آيات النعيم أدخل على النفس البهجة والسرور، وإذا تلا آيات الوعيد استشعرت القلوب رهبتها وجلالها. واختتم الوزير تصريحه مؤكدًا أن الغرض من المسابقة هو الإسهام في رفد مدرسة التلاوة المصرية بأصوات جديدة نادرة ومدهشة، تواصل مسيرة العطاء القرآني، وتعيد للأذهان عظمة الأداء المصري الذي طالما أمتع الدنيا بأصواته الخاشعة العذبة. انطلقت تصفيات أضخم مسابقة قرآنية تلفزيونية فى تاريخ مصر بالتعاون بين وزارة الأوقاف المصرية والشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، يوم السبت 16 أغسطس بمسجد عمرو بن العاص ، حيث تعقد ثلاث لجان تحكيم ، وتضم تصفيات مسابقة "دولة التلاوة" بمشاركة أكثر من 14 ألف متقدم للمسابقة من مختلف محافظات الجمهورية، وذلك لاختيار أفضل الأصوات في تلاوة كتاب الله عز وجل. يأتي ذلك في إطار حرص الوزارة على اكتشاف المواهب في فنون التلاوة والترتيل، واستدامة الريادة المصرية في تلك الفنون التي جعلت الآذان والعقول والقلوب تهفو إلى مدرسة التلاوة المصرية من كل أنحاء الدنيا. ومن المقرر أن تُبث عبر أثير قنوات الحياة، وCBC، والناس، ومصر قرآن كريم؛ بما يتيح للجمهور في مصر والعالم متابعة المنافسات والاستمتاع بروائع التلاوة.


بوابة ماسبيرو
منذ ساعة واحدة
- بوابة ماسبيرو
بهاء حسب الله: نعمات أحمد فؤاد رمز للعلم والمعرفة والثبات
قال الدكتور بهاء حسب الله أستاذ الأدب العربي بكلية الآداب جامعة حلوان إن الكاتبة الراحلة نعمات أحمد فؤاد استمرت في التفوق الدراسي والكتابي حتى المرحلة الجامعية بكلية الآداب جامعة القاهرة، حيث بدأت تنشر مقالاتها في الصحف المصرية، وأصبحت شجاعة في الدفاع عن التراث والثقافة الوطنية وقضايا المرأة والتعليم، مستلهمة من كتابات جمال حمدان وأعمال أحمد حسن الزيات والعقاد. وأكد أستاذ النقد العربي خلال حديثه ل برنامج "علامات" امتداد مساهماتها الأدبية والفكرية لتشمل كتبًا ومؤلفات عدة، أبرزها "الجمال والحرية والشخصية في أدب العقاد"، و"القاهرة في حياتي"، و"صناعة الجهل"، و"إلى ابنتي"، و"النيل في التراث الشعبي"، و"رحلة الشرق والغرب" الذي جمع بين النقد الأدبي ودراسة الإنسان والمكان والزمن. وأشاد حسب الله بالدكتورة نعمات أحمد فؤاد التي تميزت بالشجاعة الفائقة والقوة الفكرية والقدرة على رؤية المستقبل، وجعلت من قلمها أداة للكشف عن شخصية مصر والإنسان المصري في مختلف الأزمنة، حتى أصبح إرثها الثقافي مصدر إلهام للباحثين والطلاب في الجامعات المصرية والعربية، مشيرًا إلى أن الدكتورة نعمات كانت رمزًا للعلم والمعرفة وحافظت على ثباتها في مواجهة التحديات الفكرية والثقافية طوال حياتها. يذاع برنامج "علامات" على شبكة البرنامج العام، من تقديم الإذاعية شيرين ممدوح.


بوابة الفجر
منذ ساعة واحدة
- بوابة الفجر
د.حماد عبدالله يكتب: بكْرّة" النكَدْ "بكْرَّة" !!
هذه المقولة المتممة لإحدى نكات المصريين عن الحياة الزوجية – إتخذته عنوانًا لمقالى اليوم بمناسبة نتائج أحد البحوث الأمريكية التى أجريت بجامعة "كانساس" بناءًا على إستطلاعات رأى أجريت على قطاعات شملت أكثر من مائة وعشرون دولة بمعدل مائة وخمسون ألف شخص من كل تلك الدول وأجرى هذا الإستطلاع معهد شهير لقياس الرأى العام فى الولايات المتحدة الأمريكية وهو "جالوب إنستيتيوت" وقد تم نشر نتائج هذا البحث لكى تُظْهِرْ هذه الدراسة بأن أكثر الشعوب تشاؤمًا فى العالم – أى شعوب "نكدية " بالمعنى المصرى الفصيح هم سكان "مصر وهايتى وبلغاريا" وأكثر الدول تفاؤلًا فى العالم سكان "أيرلندا والبرازيل والدانمرك"!! -كما أن تلك الدراسة النفسية التى قدمتها جامعة "كانساس"– أعلنت بأن الولايات المتحدة الأمريكية جاء ترتيبها العاشر بين " دول البحث " المائة والعشرون !! وهناك من تعليقات عالمية ومحلية عن تلك الدراسة كلها تدور حول الظروف الإجتماعية ومستوى الدخل وسن الشرائح التى تم إختيارها فى العينة الدولية، ولكن مصر التى جاء ترتيبها فى العشر الأواخر فى المائة والعشرون دولة – كشعوب متشائمة أو "نكدية" هى نتيجة أشك فيها شكًا عميقًا – لعدة أسباب:- أولًا:- أن الأدب الشعبى المصرى ( الفولكلور ) – يقول عكس ذلك – فنحن شعب نطمأن جدًا للمستقبل لأن الإيمان بالله – وبالدين سواء الإسلام أو المسيحية – منح شعب مصر أحساس بأن كل شئ مقدر بيد الله – وهناك من الأمثلة الشعبية ما تسجل ذلك ( إجرى يابنى أدم جرى الوحوش – غير رزقك لن تحوش )، ورغم أنه مثل تواكلى جدًا وكنت أكره سماعه من صديق عمري د. سعيد الوتيرى – حينما يحاول أن يِفَّرمِلْ – سرعتي في الحركة ونحن في حقبات زمنية سابقة ( طلاب وأعضاء هيئة تدريس صغار السن )وكنت أرفض هذا المثل إلا أنه له وجاهته. ثانيًا – أن الشعب المصري صاحب أكبر شهرة في إبداع( النكات) – ولعل عنوان المقال – يتحدث عن زوج وزوجة – إتفقا علي موعد محدد ( للَنكَدْ ) – فكانت الزوجة تنتظر ذلك الموعد بشغف – وحينما يأتي الموعد المتفق عليه وكانت تغني قبلها بيوم ( بكره النكد بكره )- حتي يستعد الرجل – لتلك الساعات ( الغَمْ ) القادمة. ولكن الشيء اللافت للنظر فعلًا – هو أن الناس أصبحت متجهمة – تجد ذلك في الطرق وفي محطة ( الباسات) أو( الميكروباصات ) – أنظر لوجوه الناس في الشارع المصري – حالة من ( التجهم ) – قلما أن تعثر علي وجوه ضاحكة أو مبتسمة – وذلك عكس طبيعة شعب مصر !!. وذلك يعود ربما – للبيئة التي تتغير إلي الأسوء – البيئة بمعني – ما يحيط بالمصريين من خدمات يومية – مثل الشارع المصري والرصيف المصري والميكروباص ( العابث ) – وإشارات المرور المختفية، والأشجار التي إنعدمت– وإن وجدت نجدها هزيلة – وغير مرعية – هذه الأشياء البسيطة في الشارع المصري – لم تكن بتلك الصورة القبيحة منذ عشرة أو عشرون عامًا، ولعل التنسيق الحضاري – أو ذلك الجهاز العبقري الذي علي عاتقه يرتكن عودة الشارع المصري لسابق عهده – ربما يعيد البسمة إلي وجه المصريين في الشارع – أما التشاؤم والنكد الذى إتصف به شعب مصر فى البحث المعلن– فهي نتيجة خاطئه 100% !! أ.د/حمــاد عبد الله حمـــاد Hammad