
فك لغز التشكيلات الملحية العملاقة في البحر الميت
وهذا المسطح المائي الذي يقع في أخفض نقطة على سطح الكوكب، ويتميز بملوحة عالية جدا تصل إلى 34%، يشهد عمليات ديناميكية معقدة تحت سطحه تنتج عنها تشكيلات ملحية ضخمة أطلق عليها العلماء اسم 'عمالقة الملح'.
وهذه الترسبات الملحية في القشرة الأرضية يمكن أن تمتد لعدة كيلومترات أفقيا، ويصل سمكها الرأسي إلى أكثر من كيلومتر.
وما يجعل البحر الميت موقعا فريدا للدراسة هو أنه المكان الوحيد في العالم حيث يمكن مراقبة عملية تكوين هذه الترسبات الملحية الضخمة بشكل مباشر.
وبينما نجد تشكيلات ملحية مماثلة في البحر المتوسط والبحر الأحمر، إلا أنها جميعا تشكلت في الماضي البعيد، بينما البحر الميت يقدم لنا فرصة نادرة لرصد هذه العمليات وهي تحدث أمام أعيننا.
وتعتمد الآلية الأساسية وراء تكوين هذه الترسبات العملاقة على التفاعل المعقد بين عدة عوامل ديناميكية:
– الطبيعة المغلقة للبحر الميت بلا تصريف، ما يجعل معدلات التبخر المرتفعة تفوق بكثير مدخلات المياه العذبة.
– تسارع انحسار منسوب المياه بمعدل متر سنويا تقريبا، بسبب تحويل مجرى نهر الأردن
– التغيرات الحرارية في عمود الماء وتأثيرها على تركيز الأملاح
وقد أدى تحويل مجرى نهر الأردن إلى تسارع كبير في انحسار منسوب مياه البحر الميت بمعدل يقارب المتر سنويا، ما زاد من تركيز الأملاح وعجل بالعمليات الجيولوجية.
وفي الماضي، كان البحر الميت يتميز بطبقتين مائيتين منفصلتين: طبقة علوية أقل ملوحة وأدفأ، وطبقة سفلية أكثر ملوحة وأبرد. لكن منذ الثمانينيات، أدت زيادة الملوحة في الطبقة العلوية إلى اختلال هذا التوازن وأصبح البحر يختلط بشكل موسمي.
واكتشف العلماء ظاهرة مثيرة للاهتمام تسمى 'ثلج الملح'، حيث تتشكل بلورات الهاليت (ملح الطعام) وتترسب في قاع البحر.
والأكثر إثارة أن هذه الظاهرة التي كانت تقتصر على الأشهر الباردة، أصبحت تحدث أيضا في الصيف بسبب التغيرات في تركيز الأملاح ودرجات الحرارة.
وتعود هذه الظاهرة إلى عملية فيزيائية معقدة تسمى 'الانتشار المزدوج'، حيث تتبادل الطبقات المائية الحرارة والملوحة بشكل يؤدي إلى تكوين هذه البلورات.
ويشبه العلماء ما يحدث في البحر الميت اليوم بما حدث في البحر المتوسط خلال الأزمة المالحة المسينية قبل حوالي 6 ملايين سنة، عندما انغلق مضيق جبل طارق وتسبب تبخر المياه في تشكيل رواسب ملحية ضخمة. وهذا التشابه التاريخي يمنح العلماء فرصة فريدة لفهم العمليات الجيولوجية التي شكلت سطح الأرض عبر العصور الجيولوجية.
وإلى جانب الكتل الملحية العملاقة، ينتج عن هذه العمليات تشكيلات جيولوجية أخرى مثيرة مثل القباب الملحية والمداخن الملحية، التي تتشكل بسبب التفاعل بين الينابيع تحت المائية وتركيزات الأملاح. وهذه التشكيلات ليست مجرد ظواهر جيولوجية مثيرة للاهتمام، بل قد تحمل مفاتيح لفهم أفضل لتغير المناخ وإدارة الموارد المائية في المناطق الجافة.
وتكتسب هذه الدراسات أهمية متزايدة في ظل التحديات البيئية التي يواجهها البحر الميت، حيث توفر رؤى قيمة حول:
– تأثير التغيرات المناخية على المسطحات المائية المغلقة.
– آليات تكوين الرواسب المعدنية واستخراجها.
– حماية المناطق الساحلية من التآكل.
– فهم أفضل للعمليات الجيولوجية التاريخية.
ويظل البحر الميت بذلك كنزا علميا لا يقدر بثمن، يوفر للبشرية فرصة نادرة لفهم العمليات الجيولوجية المعقدة التي شكلت – ولا تزال تشكل – وجه كوكبنا.
نشرت الدراسة في مجلة Annual Review of Fluid Mechanics.
المصدر: Earth.com
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

أخبار السياحة
منذ يوم واحد
- أخبار السياحة
«معهد الفلك»: اكتمال بدر صفر السبت المقبل.. والمولد النبوي الشريف 4 سبتمبر القادم
قال أستاذ الفلك بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية الدكتور أشرف تادرس، إن بدر شهر صفر سيكتمل يوم السبت القادم في الساعة العاشرة و57 دقيقة صباحا، وستكون نسبة لمعانه 100%، مؤكدًا أنه بذلك يكون المولد النبوي الشريف يوم الخميس 4 سبتمبر المقبل، الموافق 12 ربيع الأول للعام الهجري الحالي؛ حيث إن عدة شهر صفر الحالي 29 يوما. وأشار تادرس – في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط، اليوم الأحد – إلى أن قرص القمر سيكتمل ويصبح بدرا كامل الاستدارة في ذلك اليوم، حيث يكون القمر في حالة تقابل مع الشمس، فيشرق عند غروب الشمس مباشرة، ويظل بالسماء طوال الليل حتى يغرب مع شروق الشمس في صباح اليوم التالي. وأوضح أن العين المجردة لا تستطيع تمييز الاكتمال الحقيقي لقرص القمر؛ لذلك يبدو لنا القمر كما لو كان بدرًا في الفترة من 9 إلى 11 أغسطس، مشيرًا إلى أن هذا البدر يعرف عند القبائل الأمريكية باسم قمر (الحفش)، حيث يكون من السهل صيد سمك الحفش الكبير في البحيرات في هذا الوقت من العام، كما يعرف بقمر القمح وقمر الذرة الخضراء. وأكد تادرس، أن وقت اكتمال القمر هو أفضل وقت لرؤية التضاريس والفوهات البركانية والحفر النيزكية على سطح القمر باستخدام النظارات المعظمة والتلسكوبات الصغيرة.

أخبار السياحة
منذ 3 أيام
- أخبار السياحة
الضوء يصغي للصوت!.. ابتكار ميكروفون بصري يلتقط الكلام من اهتزازات أشياء يومية
ابتكر باحثون صينيون ميكروفونا بصريا يلتقط الصوت باستخدام الضوء بدلا من الهواء، ما يمهد الطريق لتقنيات استشعار ثورية تتجاوز حدود الميكروفونات التقليدية. وفي إنجاز علمي يجمع بين البصريات والصوتيات، طوّر فريق من معهد بكين للتكنولوجيا نظاما جديدا يستطيع 'الاستماع' إلى الأصوات من خلال تتبّع الاهتزازات الدقيقة التي تحدثها على أسطح مختلفة، مثل الورق أو أوراق الشجر أو الأكواب البلاستيكية، دون أن يعتمد على أي ميكروفون تقليدي. ويعمل النظام عبر تسليط الضوء على الجسم المطلوب، ثم قياس التغيرات الطفيفة في شدة الانعكاس الناتجة عن الاهتزازات الصوتية. وباستخدام خوارزميات ذكية، تُحوّل هذه التغيرات إلى إشارات صوتية يمكن سماعها بوضوح. وعلى عكس الميكروفونات البصرية التقليدية التي تطلبت كاميرات فائقة السرعة أو ليزرات باهظة، يعتمد هذا النموذج الجديد على تقنية تعرف بالتصوير أحادي البكسل، وهي بسيطة وفعالة من حيث التكلفة، ويمكن دمجها بسهولة في أجهزة مثل الهواتف الذكية والطائرات دون طيار وأدوات المراقبة. وقال الباحث الرئيسي شو ري ياو: 'تبسّط طريقتنا بشكل كبير عملية التقاط الصوت باستخدام الضوء، ما يفتح الباب لتطبيقات جديدة في بيئات لا تعمل فيها الميكروفونات التقليدية، مثل الحديث عبر الزجاج أو التقاط الأصوات من خلف الحواجز'. وأضاف ياو أن النظام تمكّن من إعادة بناء الصوت من عدة أسطح، مثل ورقة شجر ترفرف في الهواء، أو بطاقة ورقية تهتز بفعل الموسيقى، حتى في ظروف الإضاءة العادية. ويمتاز النظام بمرونته الكبيرة وقدرته على العمل دون الحاجة إلى معدات باهظة أو معقدة، ما يفتح المجال لاستخدامه في مجالات متعددة، مثل البحث والإنقاذ أو مراقبة الأجهزة، أو حتى المجالات الطبية التي تتطلب مراقبة دقيقة لحركات الجسم دون لمس. لكن هذا التقدم يثير في الوقت نفسه تساؤلات أخلاقية، إذ يمكن من الناحية التقنية استخدام النظام لالتقاط المحادثات عن بُعد، دون الحاجة إلى أجهزة تنصت أو ميكروفونات ظاهرة. وقد سبق أن أظهر باحثو معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT عام 2014 أن الاهتزازات الطفيفة على كيس رقائق بطاطا يمكن أن تكشف عن كلام واضح، وتبعت ذلك تقنيات اعتمدت على اهتزازات المصابيح أو الانعكاسات، لكنها تطلبت معدات ثقيلة. أما هذا النموذج الجديد، فيُبسط تلك المبادئ باستخدام أدوات بسيطة وقابلة للنشر على نطاق واسع. ويشدّد الفريق على أن هدفهم هو تحسين تقنيات الاستشعار في البيئات المعقدة، وليس استخدامها لأغراض تجسسية. ويخطط الباحثون حاليا لتحسين حساسية النظام وتجريبه في مواقف واقعية، بما في ذلك في المجالات الطبية لمراقبة التنفس أو نبضات القلب دون تلامس مباشر. نشرت نتائج الدراسة في مجلة Optics Express العلمية الصادرة عن مجموعة Optica.

أخبار السياحة
منذ 4 أيام
- أخبار السياحة
رواد فضاء يلتقطون ظاهرة طبيعية تتحول إلى 'تحفة فنية' في سماء سنغافورة
تمكن رواد الفضاء على متن المحطة الفضائية الدولية من توثيق لحظة ساحرة لعاصفة برق هائلة تضيء سماء سنغافورة بلمسات ضوئية سريالية. والتقطت الكاميرات هذا المشهد الخلاب أثناء مرور المحطة على ارتفاع 417 كيلومترا فوق بحر الصين الجنوبي في الساعات الأولى من صباح 15 يونيو، حيث بدت ومضات البرق المتلاحقة كألعاب نارية كونية تخترق سحب المنطقة بكثافة. وتمثل هذه اللقطات الاستثنائية أكثر من مجرد منظر خلاب، إذ تقدم للعلماء رؤية فريدة لسلوك العواصف الاستوائية من منظور فضائي غير مسبوق. وتظهر الصورة الملتقطة ظاهرة البرق السحابي التي تحدث عندما تتصادم التيارات الهوائية داخل السحب الركامية العملاقة، مطلقة شحنات كهربائية هائلة تبدو من الفضاء كبقع ضوئية متوهجة تتناثر فوق الغطاء السحابي. وتكمن الأهمية العلمية لهذه الملاحظات في مساهمتها الفعالة في تحسين نماذج التنبؤ الجوي، خاصة أن منطقة جنوب شرق آسيا تشهد بعضا من أعنف العواصف الرعدية على مستوى العالم. وبينما تقوم الأقمار الاصطناعية المخصصة لرصد الطقس بمهمتها المعتادة، تقدم الملاحظات البشرية المباشرة من المحطة الفضائية زاوية رصد مختلفة تثري فهم العلماء لديناميكيات الغلاف الجوي. وتجدر الإشارة إلى أن موقع المحطة الفضائية الفريد في المدار الأرضي المنخفض يمكنها من مراقبة مجموعة واسعة من الظواهر الجوية والمناخية، بدءا من الأعاصير المدارية ووصولا إلى حرائق الغابات والانبعاثات البركانية. وتعد عواصف البرق من بين أكثر المشاهد إثارة التي يلتقطها الرواد، حيث تظهر كأنها مشهد من فيلم خيال علمي على امتداد السحب المضاءة بشكل متقطع في ظلمة الفضاء. ويستمر العلماء في تحليل هذه البيانات القيمة لفهم أفضل لآلية تشكل العواصف الرعدية في المناطق الاستوائية، والتي تساهم بدورها في توازن الشحنات الكهربائية للغلاف الجوي للأرض. كما تساعد هذه الدراسات في تطوير أنظمة إنذار مبكر أكثر دقة للتنبؤ بالظواهر الجوية العنيفة التي قد تؤثر على حياة الملايين في المناطق المعرضة لهذه العواصف. المصدر: سبيس