
هل تندلع حرب بين إسرائيل وتركيا؟
إيطاليا تلغراف
كمال أوزتورك
كاتب وصحفي تركي
عند النظر إلى التصريحات التي أدلى بها المسؤولون الإسرائيليون ووسائل إعلامهم خلال الأسابيع الأخيرة، وإلى الهجمات التي شنّوها داخل الأراضي السورية، يتضح أنهم باتوا يضعون تركيا ضمن دائرة أهدافهم.
فإسرائيل، التي ترى في اتفاقيات التعاون الدفاعي التي قد تُبرم بين تركيا وسوريا تهديدًا مباشرًا، تنظر إلى احتمال قصف مواقع القواعد العسكرية التركية المحتملة في سوريا بوصفه فعلًا عدائيًا صريحًا.
وهذا ما أثار قلقًا كبيرًا في الأوساط السياسية والعسكرية داخل تركيا، وسط تساؤلات عميقة حول طبيعة الرد التركي على هذا التصعيد العدواني.
ماذا تريد إسرائيل؟
منذ اندلاع حرب غزة، أضحى واضحًا للجميع أن إسرائيل لم تعد تتحرك وَفقًا لمقتضيات 'الواقعية السياسية'، بل وفقًا لـ'اللاهوت السياسي' (Theopolitics).
وهذا يعني ببساطة أنها تسعى لتحقيق حُلم إقامة 'إسرائيل الكبرى' وتفعيل خطة 'أرض الميعاد' (أرض إسرائيل الكبرى كما وردت في العقيدة الصهيونية)، وهي في هذا الصدد قد أبرمت تفاهمات مع بعض التيارات المتحالفة معها داخل الولايات المتحدة.
وبناءً على هذا التوجّه اللاهوتي، راحت إسرائيل توسّع حدودها باحتلال أراضي الدول المجاورة. فقد احتلت جزءًا من غزة والضفة الغربية وبعض مناطق جنوب لبنان. ومنذ الثورة السورية، زادت من وجودها الاحتلالي داخل سوريا، ولن تتوقف عند هذا الحد.
لقد هدّدت الأردن ومصر والسعودية، وتحاول فرض مشروع تهجير الفلسطينيين على هذه الدول. ويكمن جوهر هذا المشروع التوسعي في نظرية 'دول الجوار غير المستقرّة'.
فإسرائيل لا تريد أن ترى حولها أي دولة قوية، مستقرة، ذات اقتصاد متين. إنها تدكّ البنية التحتية العسكرية في سوريا عبر قصف متواصل، ولا تسمح ببناء بديل لها.
فهي ترى في أي قاعدة عسكرية تركية داخل سوريا، أو في أي دعم عسكري تركي للجيش السوري، أو حتى في أي جهد تركي لتدريب القوات السورية، تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي. ولهذا فهي الآن مستعدة لأن تفعل كل ما يلزم لمنع أي وجود عسكري تركي داخل سوريا.
الرد التركي عبر الدبلوماسية والضغط على واشنطن
ترى تركيا أن الخطابات والتصرفات العدائية الإسرائيلية تشكّل اعتداءً مباشرًا عليها. وكانت أنقرة تنتظر من إسرائيل بعض الإشارات الدالة على التراجع، لكنها لم تتوقع أن تصل الأمور إلى حد قصف قاعدة 'T4' العسكرية، ولا أن ترتفع نبرة التصريحات بهذا الشكل. وقد أدّى ذلك إلى موجة غضب عارمة في الشارع التركي، وفي دوائر صنع القرار.
وكان الردّ الأول لتركيا عبر وزير خارجيتها، هاكان فيدان، الذي صرّح لوكالة 'رويترز' قائلًا: 'إن سلوك إسرائيل هذا لا يستهدف سوريا فحسب، بل يزعزع استقرار المنطقة بأسرها…'.
خلال لقائه مع وزير الخارجية الأميركي روبيو في الولايات المتحدة، أثار هاكان فيدان الموقف العدواني لإسرائيل في سوريا، وأعرب بشكل واضح عن انزعاج تركيا من هذا الوضع.
وهذا التصريح يمكن فهمه ضمن إطار الجهود التركية لخفض التصعيد. فأنقرة تدرك أن أي صدام عسكري مباشر مع إسرائيل، في ظلّ هشاشة الوضع السوري، لن يؤدي سوى إلى مزيد من الدمار لسوريا.
أما الخيار العسكري، فيظل محفوفًا بالمخاطر، لأنه قد يجرّ الولايات المتحدة إلى ساحة المعركة، ويفتح الباب أمام حرب كبرى، وهو ما تتفاداه تركيا حاليًا. ولهذا، فهي تحاول معالجة الأمر عبر القنوات الدبلوماسية وعبر الضغط على واشنطن.
وعلى الرغم من أن علاقات تركيا مع إدارة ترامب تسير بشكل جيد حاليًا، فإن تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية يجعل من الصعب التنبؤ بكيفية تعاطي واشنطن مع هذه الأزمة في المستقبل.
إسرائيل ليست في موقع قوة فعليًا
في واقع الأمر، إسرائيل غير قادرة على فعل أي شيء دون الدعم الأميركي المباشر. فالقدرات العسكرية التركية تتفوق بشكل واضح على إسرائيل من حيث الحجم والعتاد. كما أن السياسات العدوانية التي تتبعها إسرائيل- من حروب واحتلالات وعمليات عسكرية- أثقلت كاهل اقتصادها بشكل غير مسبوق.
فقد انكمش الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 25٪ خلال عام واحد فقط، ومن المتوقع أن تبلغ كلفة الحرب الراهنة نحو 400 مليار دولار. أما حجم المساعدات الأميركية لإسرائيل، فهو غير معروف بدقة، إذ يتم تقديم جزء كبير منها بطرق سرّية، لكن المعروف أن إسرائيل حصلت على 20 مليار دولار من الأسلحة خلال عام 2024 وحده.
وفي ظلّ الانهيارات الاقتصادية العالمية، من الصعب أن تتمكن إسرائيل من مواصلة هذه الحرب المكلفة إلى أجل غير مسمى. عاجلًا أم آجلًا، ستمارس الولايات المتحدة ضغوطًا لإيقافها.
وفوق ذلك، فإن إسرائيل التي تفتقر إلى عدد كافٍ من السكان والقوى البشرية العسكرية، لا يمكنها أن تخوض حربًا على أربع جبهات في آن واحد، ولا أن تحافظ على تماسك جيشها بنفس القدر من الانضباط.
أما الخلافات بين المؤسسة الأمنية ونتنياهو، فهي وإن لم تظهر إلى السطح بوضوح، إلا أنها موجودة وتتصاعد. ومع تدهور الاقتصاد وازدياد معاناة الناس، فإن الاحتجاجات الشعبية، التي بدأت بالفعل، ستزداد شراسة، وسيجد نتنياهو نفسه في نهاية المطاف خارج السلطة.
أوروبا ستبتعد عن إسرائيل
دخلت أوروبا في نزاع تجاري محتدم مع الولايات المتحدة، وهي تقف الآن، فيما يخص السياسة السورية، إلى جانب تركيا لا إسرائيل، كما تظهر تصريحاتها.
ومع تصاعد السخط الأوروبي تجاه الولايات المتحدة، من المتوقع أن يتحول هذا الغضب إلى موقف أكثر صرامة ضد إسرائيل. فالاتحاد الأوروبي، الساعي للانتقام من واشنطن على ما سبّبته له من أزمات اقتصادية، قد يتخذ خطوات ضد السياسات العدوانية الإسرائيلية.
من الممكن أن نشهد تعاونًا فرنسيًا- تركيًا في سوريا. كما قد تصدر مواقف مماثلة من إسبانيا، وإيطاليا، وبريطانيا.
وهكذا، فإن الأزمة الاقتصادية وتدهور العلاقات، يدفعان أوروبا إلى انتهاج سياسات مخالفة لسياسات أميركا وإسرائيل.
نتنياهو لم يحصل على ما أراده من ترامب
تُعدّ القضية السورية أولوية قصوى لدى الرأي العام بالشرق الأوسط، وخاصة في إسرائيل، وتركيا، لكنها ليست كذلك في الولايات المتحدة. فالموضوع لم يُدرج بعد على طاولة ترامب.
وفي محاولة لتغيير هذا الوضع، قام نتنياهو مؤخرًا بزيارة إلى الولايات المتحدة لطرح قضية سوريا أمام ترامب وطلب دعمه من أجل كبح النفوذ التركي في سوريا.
لكن الأمور لم تجرِ كما كان نتنياهو يأمل. فقد تصرّف ترامب معه ببرود وتحفّظ بشكل عام. وعندما طلب نتنياهو من ترامب إصدار تصريح داعم لإسرائيل بشأن أمنها في سوريا، تلقى ردودًا لم تُرضِه إطلاقًا.
قال ترامب:
'لدي صديق كبير، اسمه أردوغان. أنا أحبه، وهو يحبني. لم تحدث بيننا أي مشكلة على الإطلاق. مررنا معًا بالكثير. نتنياهو، إذا كان لديك مشكلة مع تركيا، فأنا مؤمن بأنني أستطيع حلها. آمل ألا تكون هناك مشاكل.. لكن يجب أن تكون معقولًا'.
لقد أزعجت هذه التصريحات نتنياهو كثيرًا. لكن تحذير ترامب بـ'أن تكون معقولًا' يحمل دلالة مهمة، إذ يبدو أن مطالب إسرائيل ونتنياهو لا تنتهي، وترامب بدأ يشعر بالضيق منها.
تركيا ستُعيد تعريف قواعد الاشتباك
من الواضح أن الاقتصاد والدبلوماسية والاتصالات السياسية وحدها لن تكون كافية لردع العدوان الإسرائيلي في سوريا أو تجاه تركيا. ولذلك، فمن المرجّح أن تُقدم أنقرة على إعادة صياغة قواعد الاشتباك التي تنظّم وجودها العسكري خارج حدودها. فعلى سبيل المثال، عندما تتعرض القوات التركية في العراق لهجوم من جماعات إرهابية، فإن تركيا ترد فورًا.
لكن، ماذا إذا كان الهجوم صادرًا من دولة؟ أي، في حال قصفت إسرائيل مواقع عسكرية تركية داخل سوريا، كيف سيكون الرد؟ وهل سيتدخل الناتو حينها؟ وما موقفه من ذلك؟
كل هذه الأسئلة تفرض على تركيا إعادة النظر في قواعد الاشتباك. وفي الوقت الحالي، تدور نقاشات مكثّفة في الأوساط العسكرية والدبلوماسية والسياسية في أنقرة حول هذه المسألة. وإن كان القرار النهائي لم يُتخذ بعد، فإن المؤكد أن تركيا ليست في وارد التراجع أو التنازل في هذه المرحلة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


خبر للأنباء
منذ 3 أيام
- خبر للأنباء
"الخط الأحمر الأمريكي".. واشنطن ترفض أي صفقة تسمح بتخصيب إيران لليورانيوم
وأكد تعليق ويتكوف موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن تخصيب اليورانيوم، فيما يعد رد إيران دليلاً على أن الجانبين أمامهما طريق طويل لإبرام أي اتفاق حول برنامج طهران النووي. وقال ويتكوف، خلال مقابلة مع شبكة (إيه.بي.سي)،: "حددنا خطاً أحمر واضحا للغاية، وهو التخصيب. لا يمكننا السماح حتى بنسبة 1% من قدرة التخصيب". وأضاف أنه من وجهة نظر إدارة ترامب، فكل شيء يبدأ "باتفاق لا يتضمن التخصيب. لا يمكننا قبول ذلك. لأن التخصيب يتيح التسلح. ولن نسمح بصنع قنبلة". وردت طهران سريعاً، إذ نقلت وكالة تسنيم شبه الرسمية للأنباء عن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قوله، الأحد،: "التوقعات غير الواقعية توقف المفاوضات، التخصيب في إيران ليس شيئاً يمكن إيقافه". وقال عراقجي عن ويتكوف: "أعتقد أنه بعيد تماماً عن واقع المفاوضات"، مضيفاً أن التخصيب سيستمر. ومع هذا، عبر ويتكوف عن تفاؤله إزاء المفاوضات، ويرجح أن الطرفين سيعقدان محادثات مرة أخرى في أوروبا هذا الأسبوع. وقال ويتكوف: "نأمل أن يؤدي ذلك إلى بعض الإيجابية الحقيقية". وذكر عراقجي أن موعد ومكان الجولة المقبلة من المحادثات سيُعلن عنهما قريباً.


خبر للأنباء
منذ 7 أيام
- خبر للأنباء
وزير الخزانة الأمريكي يعلن بدء خطوات رفع العقوبات عن سوريا
الخزانة الأمريكية تعلن فرض عقوبات جديدة ضد طهران تستهدف أفراداً في #إيران و #الصين وزير الخزانة الأمريكي يعلن بدء خطوات رفع العقوبات عن سوريا مصر توقع 5 اتفاقيات استكشاف للنفط مع شركات أجنبية باستثمارات 221.23 مليون دولار المستشار الألماني: نريد رؤية الرهائن أحياء بمن فيهم الألمان وعلى إسرائيل أن تأخذ الأمر بعين الاعتبار عند اتخاذ إجراءات عسكرية اليونيفيل: إطلاق النار هو أول هجوم مباشر على موقعنا منذ وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان "اليونيفيل" تقول إنها قلقة إزاء "الموقف العدواني" الأخير للجيش الإسرائيلي جنوب لبنان وزير الخارجية الصيني: ندعم السودان في تحقيق السلام والاستقرار والتنمية رويترز: #إيران لعبت دوراً مهماً في تشجيع الحوثيين الموالين لها على التفاوض مع أمريكا ويتكوف: سأسافر مع وزير الخارجية ماركو روبيو إلى إسطنبول الجمعة وغير متأكد من حضور بوتين #الصين تعلّق قيود الصادرات على 28 شركة أمريكية رويترز: أظهرت معلومات استخباراتية أمريكية أن الحوثيين كانوا يبحثون عن مخرج بعد سبعة أسابيع من القصف الأمريكي المكثف ترامب: رفع العقوبات عن سوريا أمر مهم لاستقرار الشرق الأوسط مصادر مصرفية في #صنعاء: الريال اليمني يسجل في آخر تداولات الصرف 537 ريالاً لشراء الدولار و 140.5 ريالات لشراء الريال السعودي #وكالة_خبر


خبر للأنباء
منذ 7 أيام
- خبر للأنباء
الخزانة الأمريكية تعلن فرض عقوبات جديدة ضد طهران تستهدف أفراداً في #إيران و #الصين
الخزانة الأمريكية تعلن فرض عقوبات جديدة ضد طهران تستهدف أفراداً في #إيران و #الصين وزير الخزانة الأمريكي يعلن بدء خطوات رفع العقوبات عن سوريا مصر توقع 5 اتفاقيات استكشاف للنفط مع شركات أجنبية باستثمارات 221.23 مليون دولار المستشار الألماني: نريد رؤية الرهائن أحياء بمن فيهم الألمان وعلى إسرائيل أن تأخذ الأمر بعين الاعتبار عند اتخاذ إجراءات عسكرية اليونيفيل: إطلاق النار هو أول هجوم مباشر على موقعنا منذ وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان "اليونيفيل" تقول إنها قلقة إزاء "الموقف العدواني" الأخير للجيش الإسرائيلي جنوب لبنان وزير الخارجية الصيني: ندعم السودان في تحقيق السلام والاستقرار والتنمية رويترز: #إيران لعبت دوراً مهماً في تشجيع الحوثيين الموالين لها على التفاوض مع أمريكا ويتكوف: سأسافر مع وزير الخارجية ماركو روبيو إلى إسطنبول الجمعة وغير متأكد من حضور بوتين #الصين تعلّق قيود الصادرات على 28 شركة أمريكية رويترز: أظهرت معلومات استخباراتية أمريكية أن الحوثيين كانوا يبحثون عن مخرج بعد سبعة أسابيع من القصف الأمريكي المكثف ترامب: رفع العقوبات عن سوريا أمر مهم لاستقرار الشرق الأوسط مصادر مصرفية في #صنعاء: الريال اليمني يسجل في آخر تداولات الصرف 537 ريالاً لشراء الدولار و 140.5 ريالات لشراء الريال السعودي #وكالة_خبر