
مثقّفنا وإعادة الاعتبار إلى الثقافة كأولويّة
يَصطدمُ المثقّفُ العربيُّ اليوم بجدارٍ من المتغيّرات الاجتماعيّة والثقافيّة والحياتيّة التي تعصف بالواقع من كلّ جوانبه منذ سنوات عدّة، إن لم يكُن منذ عقود، ويُواجه تحدّياتٍ كبيرة ومتشعّبة، والكثيرَ من العوائق التي تَعترض طريقَ النهضة والتقدّم، إضافةً إلى أشكالٍ مختلفة من المشكلات والإحباطات والظروف الصعبة التي تحول دون إيجاد أيّ حلول، أو بوّاباتٍ للخروج من النَّفَقِ المُظلِم.
لذلك يُسارِع المثقّفُ العربيُّ بين الحين والآخر للّجوء إلى التغنّي بأمجاد الماضي وكنوز التراث، ويَستذكر إنجازات العرب وإسهامات العلماء في الحضارة الإنسانيّة، بينما يعود إلى المحطّات المُشرقة بالتاريخ العربيّ في محاولةٍ لرفْع الأنقاض عن الطرق التي تفضي إلى الحقيقة، وتخفيف وطأة الواقع الصعب، والتشبّث بالهويّة والتراث كبديلٍ للإجابة عن الأسئلة الشائكة التي تدور حول القضايا والأحداث الرّاهنة.
من هنا نشهد تأثير الصراع المتواصل بين موقفَيْن: الأوّل يريد القطيعة مع الماضي، والثاني لا يزال متمسّكا بالإرث الماضوي والحضاري كمُنطلقٍ لاستعادةِ دَور الأمّة ومَكانة العرب ومُنجزاتهم التاريخيّة والحضاريّة. وقد شكَّل هذا الصراع سدّا منيعا حول استكمال المشروع الفكريّ الذي انطلقَ في بدايات القرن الفائت، وحقَّق نقلةً مهمّة في إيقاظ الوعي وتحرير العقل بعد قرونٍ من التهميش والسبات.
مائدة المصلحة
لكنّ هذا المثقّف، الذي قادَ حركة النهضة العربيّة، تراجَعَ دَورُهُ لحساب قطاعاتٍ أخرى في المجتمع، وتحوَّل من شريكٍ أساسيّ في عمليّة الوعي والتغيير إلى بديلٍ عن الحزب السياسيّ، الأمر الذي أدّى إلى المزيد من الخيبات والانكسارات، وقد تناولها الروائيّ الراحل عبد الرّحمن منيف في رواياته من خلال رصْد حالة الانكسار واليأس بالنسبة إلى المثقّف، بينما توقَّف الناقد الدكتور جابر عصفور في كتابه «أوراق ثقافيّة: ثقافة المستقبل ومستقبل الثقافة» عند موقع المثقّف العربيّ والتحدّيات غير المسبوقة التي يُواجهها في المستقبل، وفي ظلّ العولمة والمتغيّرات الجديدة.
على الرّغم من ذلك، يَبذل المثقّف اليوم جهودا كبيرة في خدمة الثقافة والأدب والإبداع والفنّ، وفي إيجاد الفُرص واقتناصها من أجل صنْع التغيير وتحرير العقل، لذلك لم يتوانَ لحظة عن حمْلِ همّ المجتمع وتطلّعات الشعوب، ولم يَفقد اندفاعه في إثراء المكتبة العربيّة بالعديد من المؤلّفات والإبداعات والأفكار الخلّاقة التي من شأنها أن تُحدِثَ تغييرا جوهريّا في المجتمعات. إنّها جهود مميّزة تعكس الجدّية والإرادة والطموح في كسْرِ جمود الواقع وتغييره، وفي البحث عن نافذةٍ للأمل والحلم، سواء كانت هذه الأفكار امتدادا للإرث الفكريّ والحضاريّ للعرب أم كانت وليدة تجارب تُحاكي العصر وهمومه ومتغيّراته، فهي في الحالتيْن تنشد الخلاصَ الإنساني، وتَشحذ الهِمم وتُغذّي العقل والروح، وتلامس الآلام والجراحات في أشكالٍ أدبيّة وفنيّة مختلفة.
لذلك يقول إدوار سعيد في كتابه «صور المثقّف»:
«جسَّدَ العديد من الروائيّين والرسّامين والشعراء، أمثال مانزونين أو بيكاسّو أو نيرودا، التجربة التاريخيّة لشعوبهم عبر آثارٍ أدبيّة أو فنيّة جماليّة، وفي اعتقادي أنّ مهمّة المثقّف تتمثّل في جعْل الأزمة شموليّة، وإعطاء معاناة عرقٍ معيّن أو أمّة معيّنة حيّزا إنسانيّا أرحب، وربْط تلك التجربة بآلام الآخرين».
إنّ تعدّد المواقف لا يعني الانتقاصَ من مكانة الفكر والثقافة والجهود المبذولة، بل هو إثراء للتجربة العربيّة الحقيقيّة بعلومها وآدابها وفنونها، وتتويجا لروح التعاون والمبادرة والمثابرة التي من المُمكن أن تَفتح آفاقا أوسع لابتكار الحلول المناسبة والعادلة، فضلا عن اللّحاق بالتطوّر العالميّ مع الحفاظ على الهويّة والخصوصيّة واللّغة. هذه المواقف جعلتِ المثقّفين يُحاربون على جبهاتٍ عدّة انتصارا للكلمة والفكر والحريّة والتسامُح والعدالة. فبعدما شهدَ التاريخ فاعليّةَ الأدوار التي لَعِبَها المثقّفون في كلّ مراحل التغيير العربيّ منذ قَرن، لاحظْنا بعد هزيمة 67 أنّ هذا الدَّور قد غاب، وتعرَّض لعمليّةِ تهميشٍ مدروسة، جَعَلَتْهُ يُساير الواقع المُثقَل ويُهادِن السلطةَ ولا يُقاوم لأجل الإصلاح.. من هنا قال عبد الرّحمن مُنيف: «إنّ الثقافة العربيّة اليوم في مأزق وعند مفارق طُرق، المأزق ناشئ من حيرة الثقافة أو ربّما من شعورها بالعجز»، وهذا ما يَدفعني لأن أسأل: هل نحن فعلا بحاجة إلى مشروع ثقافيّ جديد لاستعادة مَكانة العرب التاريخيّة؟ هذا المشروع، في اعتقادي، لا يُمكن أن يُكتب له النجاح إذا لم يَستوعب كلّ هذه المواقف القديمة والجديدة، وأن يستفيد من الأطروحات والنقاشات السابقة، على أن يتّخذ موقفا جامِعا، تنضوي تحت لوائه الاتّجاهات والآراء والنظريّات كافّة من دون إقصاءٍ لأيٍّ منها، أو استبعادٍ للرأي المُخالِف، وبالتالي يجلس الجميع معا على مائدة المصلحة الثقافيّة الوطنيّة، وفي حضرة القيَم والجهود والعطاءات والإسهامات التي تَخدم المشروع وتصون مُخرجاته. هل يملك المثقّفون سلطانا؟
قد قمتُ برصْدِ دَور المثقّفين في كتابي الصادر عن الهيئة المصريّة العامّة للكتاب تحت عنوان «قبضة جمر»، وقلتُ: ليس بالضرورة إنّنا نُحمّل المثقّفين مسؤوليّة ما وصلتْ إليه الحال اليوم، وليس من العدل أن يُتّهموا بالتقصير واللّامبالاة والمُهادنة. نعم لقد فَرضتِ الظروف السياسيّة التي عصفت بالوطن العربي وقائعَ مغايرة ومعادلاتٍ صعبة، جَعلتِ المثقّفين يقفون على الهامش، لا آذان مصغية لأصواتهم، ولا مجتمعات تلتفت إلى آرائهم، وجرى عن عمْد إبعادهم من الحياة السياسيّة، الأمر الذي دفعَ بالكثير منهم إمّا إلى الرحيل أو الانطواء، أو القبول بأدوارٍ منقوصة حدَّدتها السلطة بما يتناسب مع نفوذها وطموحها. لذلك حذَّر سارتر من مخاطر الإمعان في إلقاء اللّوم على حفنة مثقّفين لا يُقارَن تأثيرُ عملها بالتأثير الكبير للعمل السياسيّ للأجهزة والمؤسّسات الحاكمة، متسائلا: هل يملك المثقّفون سلطانا معيّنا يُضارِع سلطان الحكومة؟ كلّا، فما أن يبتعدوا أو يحيدوا عن النّزعة الثقافيّة المُحافِظة التي تُحدِّد عملهم ووظيفتهم حتّى يوجَّه إليهم اللّوم والتقريع على سقوطهم في مستنقـع العجـز والخوف: مَن يصغي إليهم؟ وعلى كلّ حال، إنّهم ضعاف بالطبيعة، فهم لا يُنتجون، وليس لهم إلّا أجرهم أودا لحياتهم، وهذا ما يُجرّدهم من كلّ إمكانيّة للدفاع عن أنفسهم في المجتمع المدنيّ وفي المجتمع السياسيّ على حدّ سواء.
قبضة جمر
لا شكّ أنّ عوائق عدّة تُمسِك بخناق المثقّفين، ويُمكن أن نتعرّف إليها من خلال كتاب «أوهام النّخبة أو نقد المثقّف» للمفكّر اللّبناني علي حرب، الذي فتح ملفّ المثقّفين أمام النقد والمساءلة، وحدَّد هذه العوائق بالهويّة والحريّة والحداثة والحقيقة، التي دفعتْ بالكثير من المثقّفين إلى أن يَتركوا جبهة النضال من أجل التغيير بسبب قراءاتهم الذاتيّة أو القاصرة أو حتّى المغايرة للواقع، حيث تراجعت فسحة التنوير والأمل، وتآكلت الديمقراطيّة من الداخل والخارج.
إذا نظرنا إلى المشهد الثقافي، وتحديدا في العقدَيْن الأخيرَيْن، من ناحية النّتاج الفكريّ والأدبيّ والإبداعيّ أو من ناحية الفعاليّات والأنشطة الثقافيّة المُختلفة، سنَجِد أنّ هذا المَشهد بشكل عامّ هو المُتضرِّر الأكبر. ولكنْ إذا نَظرنا إلى الأمر من زاويةٍ ثانية سنَجد أنّ الأحداثَ العاتية التي تَعصف ببلادنا أدَّت بشكلٍ أو بآخر إلى تغيير المشهد الثقافيّ العربيّ، حيث بدأنا نَشهد طرْحَ أسئلةٍ جديدة، ودعواتٍ إلى التحرّر من الكثير من المفاهيم والنظريّات السائدة، وتصويب الحقائق التاريخيّة، وظهور ثقافة عصريّة يقودها الشباب، فلا عودة إلى الوراء والانكفاء إلى زمنٍ تمّ فيه تشويه الثقافة وتفكيك النسيج الاجتماعيّ، ومُحاصرة المثقّفين وإسكات صوتهم. لذلك توجد اليوم فرصةٌ تاريخيّة لإعادة الاعتبار إلى الثقافة كأولويّة، فلن تذهب سدىً كلّ تضحيات المثقّفين الذين عانقوا فضاء الحريّة، وصنعوا المجد والتحرير، ولن يقدر أحد في هذا العالَم على وقف هدير التفاعُل الجماهيري الذي قدَّم أنموذجا ثقافيّا أكثر عُمقا واتّساعا، على الرّغم ممّا شابه في الكثير من الأحيان من الوهن والبساطة والفوضى.
بناءً على ذلك، فإنّ القطيعة مع الماضي ليست بالضرورة تؤدّي إلى الخروج من الأزمات المُتفاقمة، أو تُحقِّق شروطَ التغيير، وتَصنع مستقبلا خاليا من الفوضى والتعصُّب والاقتتال والتخلُّف، أو أنّ التعلُّقَ بالماضي يُعزِّز الانتماء ويحفظ الهويّة والذّات، وإنّما المطلوب من المثقّف العربيّ إعادة قراءة التاريخ ونقْد الماضي، واستخلاص العِبر والدروس، والاستفادة من الحوادث وسيَر الشخصيّات والإنجازات الحضاريّة بشجاعةٍ وإنصافٍ وموضوعيّة بعيدا من الأهواء والرغبات من أجل تطوّر الأمّة، ووقْف نزْف الحاضر، والعمل على بناء الإنسان وصقْل وعيه ورؤاه من خلال الاهتمام بالثقافة وتنظيم الفعاليّات ودعْم الكِتاب والتشجيع على القراءة والكتابة والترجمة، وبالتالي يُصبح للمثقّف العربيّ الدَّور الأساس والفاعل في عمليّة التنوير، وكذلك المُشارَكة الحقيقيّة في النهضة في المُجتمع والدولة.
في خضمّ كلّ ما يجري يَستمدّ المثقّف العربيّ اليوم طاقته وعزيمته وإرادته من تلك المشروعات والمُبادرات والفعاليّات الثقافيّة في شتّى المجالات التي تُقام في بعض المُدن العربيّة، والتي تُنظّمها مؤسّساتٌ ثقافيّة وفكريّة مُختلفة، من بينها مؤسّسة «الفكر العربي»، وهو ما يُشكّل اليوم دافعا أساسيّا لمُواصلة المثقّف عطاءاته وإبداعاته التي باتت تحظى بالتكريم والدَّعم، وتُوفِّر فرصةً ومنصّةً حقيقيّة لظهور المواهب والأقلام الشابّة والكتابات الواعدة والأفكار التي تجمع بين الأصالة والحداثة، وهو ما قد يُسهِم أيضا في بلْورة واقعٍ جديد يُشجّع على الإبداع والتميُّز، ويزيل العقبات، ويُمكِّن من تحقيق فُرص التغيير والنهضة.
علينا جميعا، مثقّفين ومؤسّسات وهيئات، بل حكومات أيضا، أن نقوم بواجباتنا ومسؤوليّاتنا، وأن نَدَع جانبا تبادل الاتّهامات والإدانات، ونتسلّح بفكر ابن رشد وقَلم طه حسين ورؤية أدونيس وفكر أركون والجابري، وغيرهم الكثير من المفكّرين والمُبدعين والفلاسفة والأدباء الذين أفنوا عمرهم وسخّروا أنفسهم وضحّوا وثابروا من أجل رفعة هذه الأمّة، وحفْظ هويّتها ولغتها وتراثها من كلّ دخيل وتشويه، إذ إنهم أدّوا رسالتهم، وعلينا أن نكملها بالقراءة والفهْم، ونتابع المسير من دون تعبٍ أو كَللٍ، فبغير ذلك لن نحصد إلّا التخلّف والتطرُّف والرجعيّة.
لا تتّسع المساحة هنا للخوض أكثر في التفاصيل، وللاطّلاع على دَور المثقّفين، لذا بإمكانكَ أيّها القارئ العزيز أن تقرأ كتابي «قبضة جمر»، حيث ستجد إضاءةً كافية على كيفيّة تصدّي المثقّفين للإرهاب والأفكار الظلاميّة التي تنتشر في مُجتمعاتنا كالنار في الهشيم، وتقدّمت عن سواها من أفكارٍ ورؤىً ثقافيّة وحضاريّة التي من المُفترض أن نكون بأمسّ الحاجة إليها في الأزمات والأحداث الرّاهنة، حيث يتضمَّن الكتاب شهاداتٍ خاصّة أدلى بها عددٌ من المثقّفين والمُبدعين والأدباء العرب حول فاعليّة الدور الثقافيّ في مواجهة التطرّف والتعصّب والعنف، ومدى قدرة الثقافة العربيّة على الصمود في وجه التحدّيات والإشكاليّات، والتأثير في مسار تطوُّر الأحداث.
* كاتب من لبنان
* ينشر بالتزامن مع دورية «أفق» الإلكترونية

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سعورس
٢٥-٠٤-٢٠٢٥
- سعورس
مثقّفنا وإعادة الاعتبار إلى الثقافة كأولويّة
لذلك يُسارِع المثقّفُ العربيُّ بين الحين والآخر للّجوء إلى التغنّي بأمجاد الماضي وكنوز التراث، ويَستذكر إنجازات العرب وإسهامات العلماء في الحضارة الإنسانيّة، بينما يعود إلى المحطّات المُشرقة بالتاريخ العربيّ في محاولةٍ لرفْع الأنقاض عن الطرق التي تفضي إلى الحقيقة، وتخفيف وطأة الواقع الصعب، والتشبّث بالهويّة والتراث كبديلٍ للإجابة عن الأسئلة الشائكة التي تدور حول القضايا والأحداث الرّاهنة. من هنا نشهد تأثير الصراع المتواصل بين موقفَيْن: الأوّل يريد القطيعة مع الماضي، والثاني لا يزال متمسّكا بالإرث الماضوي والحضاري كمُنطلقٍ لاستعادةِ دَور الأمّة ومَكانة العرب ومُنجزاتهم التاريخيّة والحضاريّة. وقد شكَّل هذا الصراع سدّا منيعا حول استكمال المشروع الفكريّ الذي انطلقَ في بدايات القرن الفائت، وحقَّق نقلةً مهمّة في إيقاظ الوعي وتحرير العقل بعد قرونٍ من التهميش والسبات. مائدة المصلحة لكنّ هذا المثقّف، الذي قادَ حركة النهضة العربيّة، تراجَعَ دَورُهُ لحساب قطاعاتٍ أخرى في المجتمع، وتحوَّل من شريكٍ أساسيّ في عمليّة الوعي والتغيير إلى بديلٍ عن الحزب السياسيّ، الأمر الذي أدّى إلى المزيد من الخيبات والانكسارات، وقد تناولها الروائيّ الراحل عبد الرّحمن منيف في رواياته من خلال رصْد حالة الانكسار واليأس بالنسبة إلى المثقّف، بينما توقَّف الناقد الدكتور جابر عصفور في كتابه «أوراق ثقافيّة: ثقافة المستقبل ومستقبل الثقافة» عند موقع المثقّف العربيّ والتحدّيات غير المسبوقة التي يُواجهها في المستقبل، وفي ظلّ العولمة والمتغيّرات الجديدة. على الرّغم من ذلك، يَبذل المثقّف اليوم جهودا كبيرة في خدمة الثقافة والأدب والإبداع والفنّ، وفي إيجاد الفُرص واقتناصها من أجل صنْع التغيير وتحرير العقل، لذلك لم يتوانَ لحظة عن حمْلِ همّ المجتمع وتطلّعات الشعوب، ولم يَفقد اندفاعه في إثراء المكتبة العربيّة بالعديد من المؤلّفات والإبداعات والأفكار الخلّاقة التي من شأنها أن تُحدِثَ تغييرا جوهريّا في المجتمعات. إنّها جهود مميّزة تعكس الجدّية والإرادة والطموح في كسْرِ جمود الواقع وتغييره، وفي البحث عن نافذةٍ للأمل والحلم، سواء كانت هذه الأفكار امتدادا للإرث الفكريّ والحضاريّ للعرب أم كانت وليدة تجارب تُحاكي العصر وهمومه ومتغيّراته، فهي في الحالتيْن تنشد الخلاصَ الإنساني، وتَشحذ الهِمم وتُغذّي العقل والروح، وتلامس الآلام والجراحات في أشكالٍ أدبيّة وفنيّة مختلفة. لذلك يقول إدوار سعيد في كتابه «صور المثقّف»: «جسَّدَ العديد من الروائيّين والرسّامين والشعراء، أمثال مانزونين أو بيكاسّو أو نيرودا، التجربة التاريخيّة لشعوبهم عبر آثارٍ أدبيّة أو فنيّة جماليّة، وفي اعتقادي أنّ مهمّة المثقّف تتمثّل في جعْل الأزمة شموليّة، وإعطاء معاناة عرقٍ معيّن أو أمّة معيّنة حيّزا إنسانيّا أرحب، وربْط تلك التجربة بآلام الآخرين». إنّ تعدّد المواقف لا يعني الانتقاصَ من مكانة الفكر والثقافة والجهود المبذولة، بل هو إثراء للتجربة العربيّة الحقيقيّة بعلومها وآدابها وفنونها، وتتويجا لروح التعاون والمبادرة والمثابرة التي من المُمكن أن تَفتح آفاقا أوسع لابتكار الحلول المناسبة والعادلة، فضلا عن اللّحاق بالتطوّر العالميّ مع الحفاظ على الهويّة والخصوصيّة واللّغة. هذه المواقف جعلتِ المثقّفين يُحاربون على جبهاتٍ عدّة انتصارا للكلمة والفكر والحريّة والتسامُح والعدالة. فبعدما شهدَ التاريخ فاعليّةَ الأدوار التي لَعِبَها المثقّفون في كلّ مراحل التغيير العربيّ منذ قَرن، لاحظْنا بعد هزيمة 67 أنّ هذا الدَّور قد غاب، وتعرَّض لعمليّةِ تهميشٍ مدروسة، جَعَلَتْهُ يُساير الواقع المُثقَل ويُهادِن السلطةَ ولا يُقاوم لأجل الإصلاح.. من هنا قال عبد الرّحمن مُنيف: «إنّ الثقافة العربيّة اليوم في مأزق وعند مفارق طُرق، المأزق ناشئ من حيرة الثقافة أو ربّما من شعورها بالعجز»، وهذا ما يَدفعني لأن أسأل: هل نحن فعلا بحاجة إلى مشروع ثقافيّ جديد لاستعادة مَكانة العرب التاريخيّة؟ هذا المشروع، في اعتقادي، لا يُمكن أن يُكتب له النجاح إذا لم يَستوعب كلّ هذه المواقف القديمة والجديدة، وأن يستفيد من الأطروحات والنقاشات السابقة، على أن يتّخذ موقفا جامِعا، تنضوي تحت لوائه الاتّجاهات والآراء والنظريّات كافّة من دون إقصاءٍ لأيٍّ منها، أو استبعادٍ للرأي المُخالِف، وبالتالي يجلس الجميع معا على مائدة المصلحة الثقافيّة الوطنيّة، وفي حضرة القيَم والجهود والعطاءات والإسهامات التي تَخدم المشروع وتصون مُخرجاته. هل يملك المثقّفون سلطانا؟ قد قمتُ برصْدِ دَور المثقّفين في كتابي الصادر عن الهيئة المصريّة العامّة للكتاب تحت عنوان «قبضة جمر»، وقلتُ: ليس بالضرورة إنّنا نُحمّل المثقّفين مسؤوليّة ما وصلتْ إليه الحال اليوم، وليس من العدل أن يُتّهموا بالتقصير واللّامبالاة والمُهادنة. نعم لقد فَرضتِ الظروف السياسيّة التي عصفت بالوطن العربي وقائعَ مغايرة ومعادلاتٍ صعبة، جَعلتِ المثقّفين يقفون على الهامش، لا آذان مصغية لأصواتهم، ولا مجتمعات تلتفت إلى آرائهم، وجرى عن عمْد إبعادهم من الحياة السياسيّة، الأمر الذي دفعَ بالكثير منهم إمّا إلى الرحيل أو الانطواء، أو القبول بأدوارٍ منقوصة حدَّدتها السلطة بما يتناسب مع نفوذها وطموحها. لذلك حذَّر سارتر من مخاطر الإمعان في إلقاء اللّوم على حفنة مثقّفين لا يُقارَن تأثيرُ عملها بالتأثير الكبير للعمل السياسيّ للأجهزة والمؤسّسات الحاكمة، متسائلا: هل يملك المثقّفون سلطانا معيّنا يُضارِع سلطان الحكومة؟ كلّا، فما أن يبتعدوا أو يحيدوا عن النّزعة الثقافيّة المُحافِظة التي تُحدِّد عملهم ووظيفتهم حتّى يوجَّه إليهم اللّوم والتقريع على سقوطهم في مستنقع العجز والخوف: مَن يصغي إليهم؟ وعلى كلّ حال، إنّهم ضعاف بالطبيعة، فهم لا يُنتجون، وليس لهم إلّا أجرهم أودا لحياتهم، وهذا ما يُجرّدهم من كلّ إمكانيّة للدفاع عن أنفسهم في المجتمع المدنيّ وفي المجتمع السياسيّ على حدّ سواء. قبضة جمر لا شكّ أنّ عوائق عدّة تُمسِك بخناق المثقّفين، ويُمكن أن نتعرّف إليها من خلال كتاب «أوهام النّخبة أو نقد المثقّف» للمفكّر اللّبناني علي حرب، الذي فتح ملفّ المثقّفين أمام النقد والمساءلة، وحدَّد هذه العوائق بالهويّة والحريّة والحداثة والحقيقة، التي دفعتْ بالكثير من المثقّفين إلى أن يَتركوا جبهة النضال من أجل التغيير بسبب قراءاتهم الذاتيّة أو القاصرة أو حتّى المغايرة للواقع، حيث تراجعت فسحة التنوير والأمل، وتآكلت الديمقراطيّة من الداخل والخارج. إذا نظرنا إلى المشهد الثقافي، وتحديدا في العقدَيْن الأخيرَيْن، من ناحية النّتاج الفكريّ والأدبيّ والإبداعيّ أو من ناحية الفعاليّات والأنشطة الثقافيّة المُختلفة، سنَجِد أنّ هذا المَشهد بشكل عامّ هو المُتضرِّر الأكبر. ولكنْ إذا نَظرنا إلى الأمر من زاويةٍ ثانية سنَجد أنّ الأحداثَ العاتية التي تَعصف ببلادنا أدَّت بشكلٍ أو بآخر إلى تغيير المشهد الثقافيّ العربيّ، حيث بدأنا نَشهد طرْحَ أسئلةٍ جديدة، ودعواتٍ إلى التحرّر من الكثير من المفاهيم والنظريّات السائدة، وتصويب الحقائق التاريخيّة، وظهور ثقافة عصريّة يقودها الشباب، فلا عودة إلى الوراء والانكفاء إلى زمنٍ تمّ فيه تشويه الثقافة وتفكيك النسيج الاجتماعيّ، ومُحاصرة المثقّفين وإسكات صوتهم. لذلك توجد اليوم فرصةٌ تاريخيّة لإعادة الاعتبار إلى الثقافة كأولويّة، فلن تذهب سدىً كلّ تضحيات المثقّفين الذين عانقوا فضاء الحريّة، وصنعوا المجد والتحرير، ولن يقدر أحد في هذا العالَم على وقف هدير التفاعُل الجماهيري الذي قدَّم أنموذجا ثقافيّا أكثر عُمقا واتّساعا، على الرّغم ممّا شابه في الكثير من الأحيان من الوهن والبساطة والفوضى. بناءً على ذلك، فإنّ القطيعة مع الماضي ليست بالضرورة تؤدّي إلى الخروج من الأزمات المُتفاقمة، أو تُحقِّق شروطَ التغيير، وتَصنع مستقبلا خاليا من الفوضى والتعصُّب والاقتتال والتخلُّف، أو أنّ التعلُّقَ بالماضي يُعزِّز الانتماء ويحفظ الهويّة والذّات، وإنّما المطلوب من المثقّف العربيّ إعادة قراءة التاريخ ونقْد الماضي، واستخلاص العِبر والدروس، والاستفادة من الحوادث وسيَر الشخصيّات والإنجازات الحضاريّة بشجاعةٍ وإنصافٍ وموضوعيّة بعيدا من الأهواء والرغبات من أجل تطوّر الأمّة، ووقْف نزْف الحاضر، والعمل على بناء الإنسان وصقْل وعيه ورؤاه من خلال الاهتمام بالثقافة وتنظيم الفعاليّات ودعْم الكِتاب والتشجيع على القراءة والكتابة والترجمة، وبالتالي يُصبح للمثقّف العربيّ الدَّور الأساس والفاعل في عمليّة التنوير، وكذلك المُشارَكة الحقيقيّة في النهضة في المُجتمع والدولة. في خضمّ كلّ ما يجري يَستمدّ المثقّف العربيّ اليوم طاقته وعزيمته وإرادته من تلك المشروعات والمُبادرات والفعاليّات الثقافيّة في شتّى المجالات التي تُقام في بعض المُدن العربيّة، والتي تُنظّمها مؤسّساتٌ ثقافيّة وفكريّة مُختلفة، من بينها مؤسّسة «الفكر العربي»، وهو ما يُشكّل اليوم دافعا أساسيّا لمُواصلة المثقّف عطاءاته وإبداعاته التي باتت تحظى بالتكريم والدَّعم، وتُوفِّر فرصةً ومنصّةً حقيقيّة لظهور المواهب والأقلام الشابّة والكتابات الواعدة والأفكار التي تجمع بين الأصالة والحداثة، وهو ما قد يُسهِم أيضا في بلْورة واقعٍ جديد يُشجّع على الإبداع والتميُّز، ويزيل العقبات، ويُمكِّن من تحقيق فُرص التغيير والنهضة. علينا جميعا، مثقّفين ومؤسّسات وهيئات، بل حكومات أيضا، أن نقوم بواجباتنا ومسؤوليّاتنا، وأن نَدَع جانبا تبادل الاتّهامات والإدانات، ونتسلّح بفكر ابن رشد وقَلم طه حسين ورؤية أدونيس وفكر أركون والجابري، وغيرهم الكثير من المفكّرين والمُبدعين والفلاسفة والأدباء الذين أفنوا عمرهم وسخّروا أنفسهم وضحّوا وثابروا من أجل رفعة هذه الأمّة، وحفْظ هويّتها ولغتها وتراثها من كلّ دخيل وتشويه، إذ إنهم أدّوا رسالتهم، وعلينا أن نكملها بالقراءة والفهْم، ونتابع المسير من دون تعبٍ أو كَللٍ، فبغير ذلك لن نحصد إلّا التخلّف والتطرُّف والرجعيّة. لا تتّسع المساحة هنا للخوض أكثر في التفاصيل، وللاطّلاع على دَور المثقّفين، لذا بإمكانكَ أيّها القارئ العزيز أن تقرأ كتابي «قبضة جمر»، حيث ستجد إضاءةً كافية على كيفيّة تصدّي المثقّفين للإرهاب والأفكار الظلاميّة التي تنتشر في مُجتمعاتنا كالنار في الهشيم، وتقدّمت عن سواها من أفكارٍ ورؤىً ثقافيّة وحضاريّة التي من المُفترض أن نكون بأمسّ الحاجة إليها في الأزمات والأحداث الرّاهنة، حيث يتضمَّن الكتاب شهاداتٍ خاصّة أدلى بها عددٌ من المثقّفين والمُبدعين والأدباء العرب حول فاعليّة الدور الثقافيّ في مواجهة التطرّف والتعصّب والعنف، ومدى قدرة الثقافة العربيّة على الصمود في وجه التحدّيات والإشكاليّات، والتأثير في مسار تطوُّر الأحداث. * كاتب من لبنان * ينشر بالتزامن مع دورية «أفق» الإلكترونية


الوطن
٢٤-٠٤-٢٠٢٥
- الوطن
مثقّفنا وإعادة الاعتبار إلى الثقافة كأولويّة
يَصطدمُ المثقّفُ العربيُّ اليوم بجدارٍ من المتغيّرات الاجتماعيّة والثقافيّة والحياتيّة التي تعصف بالواقع من كلّ جوانبه منذ سنوات عدّة، إن لم يكُن منذ عقود، ويُواجه تحدّياتٍ كبيرة ومتشعّبة، والكثيرَ من العوائق التي تَعترض طريقَ النهضة والتقدّم، إضافةً إلى أشكالٍ مختلفة من المشكلات والإحباطات والظروف الصعبة التي تحول دون إيجاد أيّ حلول، أو بوّاباتٍ للخروج من النَّفَقِ المُظلِم. لذلك يُسارِع المثقّفُ العربيُّ بين الحين والآخر للّجوء إلى التغنّي بأمجاد الماضي وكنوز التراث، ويَستذكر إنجازات العرب وإسهامات العلماء في الحضارة الإنسانيّة، بينما يعود إلى المحطّات المُشرقة بالتاريخ العربيّ في محاولةٍ لرفْع الأنقاض عن الطرق التي تفضي إلى الحقيقة، وتخفيف وطأة الواقع الصعب، والتشبّث بالهويّة والتراث كبديلٍ للإجابة عن الأسئلة الشائكة التي تدور حول القضايا والأحداث الرّاهنة. من هنا نشهد تأثير الصراع المتواصل بين موقفَيْن: الأوّل يريد القطيعة مع الماضي، والثاني لا يزال متمسّكا بالإرث الماضوي والحضاري كمُنطلقٍ لاستعادةِ دَور الأمّة ومَكانة العرب ومُنجزاتهم التاريخيّة والحضاريّة. وقد شكَّل هذا الصراع سدّا منيعا حول استكمال المشروع الفكريّ الذي انطلقَ في بدايات القرن الفائت، وحقَّق نقلةً مهمّة في إيقاظ الوعي وتحرير العقل بعد قرونٍ من التهميش والسبات. مائدة المصلحة لكنّ هذا المثقّف، الذي قادَ حركة النهضة العربيّة، تراجَعَ دَورُهُ لحساب قطاعاتٍ أخرى في المجتمع، وتحوَّل من شريكٍ أساسيّ في عمليّة الوعي والتغيير إلى بديلٍ عن الحزب السياسيّ، الأمر الذي أدّى إلى المزيد من الخيبات والانكسارات، وقد تناولها الروائيّ الراحل عبد الرّحمن منيف في رواياته من خلال رصْد حالة الانكسار واليأس بالنسبة إلى المثقّف، بينما توقَّف الناقد الدكتور جابر عصفور في كتابه «أوراق ثقافيّة: ثقافة المستقبل ومستقبل الثقافة» عند موقع المثقّف العربيّ والتحدّيات غير المسبوقة التي يُواجهها في المستقبل، وفي ظلّ العولمة والمتغيّرات الجديدة. على الرّغم من ذلك، يَبذل المثقّف اليوم جهودا كبيرة في خدمة الثقافة والأدب والإبداع والفنّ، وفي إيجاد الفُرص واقتناصها من أجل صنْع التغيير وتحرير العقل، لذلك لم يتوانَ لحظة عن حمْلِ همّ المجتمع وتطلّعات الشعوب، ولم يَفقد اندفاعه في إثراء المكتبة العربيّة بالعديد من المؤلّفات والإبداعات والأفكار الخلّاقة التي من شأنها أن تُحدِثَ تغييرا جوهريّا في المجتمعات. إنّها جهود مميّزة تعكس الجدّية والإرادة والطموح في كسْرِ جمود الواقع وتغييره، وفي البحث عن نافذةٍ للأمل والحلم، سواء كانت هذه الأفكار امتدادا للإرث الفكريّ والحضاريّ للعرب أم كانت وليدة تجارب تُحاكي العصر وهمومه ومتغيّراته، فهي في الحالتيْن تنشد الخلاصَ الإنساني، وتَشحذ الهِمم وتُغذّي العقل والروح، وتلامس الآلام والجراحات في أشكالٍ أدبيّة وفنيّة مختلفة. لذلك يقول إدوار سعيد في كتابه «صور المثقّف»: «جسَّدَ العديد من الروائيّين والرسّامين والشعراء، أمثال مانزونين أو بيكاسّو أو نيرودا، التجربة التاريخيّة لشعوبهم عبر آثارٍ أدبيّة أو فنيّة جماليّة، وفي اعتقادي أنّ مهمّة المثقّف تتمثّل في جعْل الأزمة شموليّة، وإعطاء معاناة عرقٍ معيّن أو أمّة معيّنة حيّزا إنسانيّا أرحب، وربْط تلك التجربة بآلام الآخرين». إنّ تعدّد المواقف لا يعني الانتقاصَ من مكانة الفكر والثقافة والجهود المبذولة، بل هو إثراء للتجربة العربيّة الحقيقيّة بعلومها وآدابها وفنونها، وتتويجا لروح التعاون والمبادرة والمثابرة التي من المُمكن أن تَفتح آفاقا أوسع لابتكار الحلول المناسبة والعادلة، فضلا عن اللّحاق بالتطوّر العالميّ مع الحفاظ على الهويّة والخصوصيّة واللّغة. هذه المواقف جعلتِ المثقّفين يُحاربون على جبهاتٍ عدّة انتصارا للكلمة والفكر والحريّة والتسامُح والعدالة. فبعدما شهدَ التاريخ فاعليّةَ الأدوار التي لَعِبَها المثقّفون في كلّ مراحل التغيير العربيّ منذ قَرن، لاحظْنا بعد هزيمة 67 أنّ هذا الدَّور قد غاب، وتعرَّض لعمليّةِ تهميشٍ مدروسة، جَعَلَتْهُ يُساير الواقع المُثقَل ويُهادِن السلطةَ ولا يُقاوم لأجل الإصلاح.. من هنا قال عبد الرّحمن مُنيف: «إنّ الثقافة العربيّة اليوم في مأزق وعند مفارق طُرق، المأزق ناشئ من حيرة الثقافة أو ربّما من شعورها بالعجز»، وهذا ما يَدفعني لأن أسأل: هل نحن فعلا بحاجة إلى مشروع ثقافيّ جديد لاستعادة مَكانة العرب التاريخيّة؟ هذا المشروع، في اعتقادي، لا يُمكن أن يُكتب له النجاح إذا لم يَستوعب كلّ هذه المواقف القديمة والجديدة، وأن يستفيد من الأطروحات والنقاشات السابقة، على أن يتّخذ موقفا جامِعا، تنضوي تحت لوائه الاتّجاهات والآراء والنظريّات كافّة من دون إقصاءٍ لأيٍّ منها، أو استبعادٍ للرأي المُخالِف، وبالتالي يجلس الجميع معا على مائدة المصلحة الثقافيّة الوطنيّة، وفي حضرة القيَم والجهود والعطاءات والإسهامات التي تَخدم المشروع وتصون مُخرجاته. هل يملك المثقّفون سلطانا؟ قد قمتُ برصْدِ دَور المثقّفين في كتابي الصادر عن الهيئة المصريّة العامّة للكتاب تحت عنوان «قبضة جمر»، وقلتُ: ليس بالضرورة إنّنا نُحمّل المثقّفين مسؤوليّة ما وصلتْ إليه الحال اليوم، وليس من العدل أن يُتّهموا بالتقصير واللّامبالاة والمُهادنة. نعم لقد فَرضتِ الظروف السياسيّة التي عصفت بالوطن العربي وقائعَ مغايرة ومعادلاتٍ صعبة، جَعلتِ المثقّفين يقفون على الهامش، لا آذان مصغية لأصواتهم، ولا مجتمعات تلتفت إلى آرائهم، وجرى عن عمْد إبعادهم من الحياة السياسيّة، الأمر الذي دفعَ بالكثير منهم إمّا إلى الرحيل أو الانطواء، أو القبول بأدوارٍ منقوصة حدَّدتها السلطة بما يتناسب مع نفوذها وطموحها. لذلك حذَّر سارتر من مخاطر الإمعان في إلقاء اللّوم على حفنة مثقّفين لا يُقارَن تأثيرُ عملها بالتأثير الكبير للعمل السياسيّ للأجهزة والمؤسّسات الحاكمة، متسائلا: هل يملك المثقّفون سلطانا معيّنا يُضارِع سلطان الحكومة؟ كلّا، فما أن يبتعدوا أو يحيدوا عن النّزعة الثقافيّة المُحافِظة التي تُحدِّد عملهم ووظيفتهم حتّى يوجَّه إليهم اللّوم والتقريع على سقوطهم في مستنقـع العجـز والخوف: مَن يصغي إليهم؟ وعلى كلّ حال، إنّهم ضعاف بالطبيعة، فهم لا يُنتجون، وليس لهم إلّا أجرهم أودا لحياتهم، وهذا ما يُجرّدهم من كلّ إمكانيّة للدفاع عن أنفسهم في المجتمع المدنيّ وفي المجتمع السياسيّ على حدّ سواء. قبضة جمر لا شكّ أنّ عوائق عدّة تُمسِك بخناق المثقّفين، ويُمكن أن نتعرّف إليها من خلال كتاب «أوهام النّخبة أو نقد المثقّف» للمفكّر اللّبناني علي حرب، الذي فتح ملفّ المثقّفين أمام النقد والمساءلة، وحدَّد هذه العوائق بالهويّة والحريّة والحداثة والحقيقة، التي دفعتْ بالكثير من المثقّفين إلى أن يَتركوا جبهة النضال من أجل التغيير بسبب قراءاتهم الذاتيّة أو القاصرة أو حتّى المغايرة للواقع، حيث تراجعت فسحة التنوير والأمل، وتآكلت الديمقراطيّة من الداخل والخارج. إذا نظرنا إلى المشهد الثقافي، وتحديدا في العقدَيْن الأخيرَيْن، من ناحية النّتاج الفكريّ والأدبيّ والإبداعيّ أو من ناحية الفعاليّات والأنشطة الثقافيّة المُختلفة، سنَجِد أنّ هذا المَشهد بشكل عامّ هو المُتضرِّر الأكبر. ولكنْ إذا نَظرنا إلى الأمر من زاويةٍ ثانية سنَجد أنّ الأحداثَ العاتية التي تَعصف ببلادنا أدَّت بشكلٍ أو بآخر إلى تغيير المشهد الثقافيّ العربيّ، حيث بدأنا نَشهد طرْحَ أسئلةٍ جديدة، ودعواتٍ إلى التحرّر من الكثير من المفاهيم والنظريّات السائدة، وتصويب الحقائق التاريخيّة، وظهور ثقافة عصريّة يقودها الشباب، فلا عودة إلى الوراء والانكفاء إلى زمنٍ تمّ فيه تشويه الثقافة وتفكيك النسيج الاجتماعيّ، ومُحاصرة المثقّفين وإسكات صوتهم. لذلك توجد اليوم فرصةٌ تاريخيّة لإعادة الاعتبار إلى الثقافة كأولويّة، فلن تذهب سدىً كلّ تضحيات المثقّفين الذين عانقوا فضاء الحريّة، وصنعوا المجد والتحرير، ولن يقدر أحد في هذا العالَم على وقف هدير التفاعُل الجماهيري الذي قدَّم أنموذجا ثقافيّا أكثر عُمقا واتّساعا، على الرّغم ممّا شابه في الكثير من الأحيان من الوهن والبساطة والفوضى. بناءً على ذلك، فإنّ القطيعة مع الماضي ليست بالضرورة تؤدّي إلى الخروج من الأزمات المُتفاقمة، أو تُحقِّق شروطَ التغيير، وتَصنع مستقبلا خاليا من الفوضى والتعصُّب والاقتتال والتخلُّف، أو أنّ التعلُّقَ بالماضي يُعزِّز الانتماء ويحفظ الهويّة والذّات، وإنّما المطلوب من المثقّف العربيّ إعادة قراءة التاريخ ونقْد الماضي، واستخلاص العِبر والدروس، والاستفادة من الحوادث وسيَر الشخصيّات والإنجازات الحضاريّة بشجاعةٍ وإنصافٍ وموضوعيّة بعيدا من الأهواء والرغبات من أجل تطوّر الأمّة، ووقْف نزْف الحاضر، والعمل على بناء الإنسان وصقْل وعيه ورؤاه من خلال الاهتمام بالثقافة وتنظيم الفعاليّات ودعْم الكِتاب والتشجيع على القراءة والكتابة والترجمة، وبالتالي يُصبح للمثقّف العربيّ الدَّور الأساس والفاعل في عمليّة التنوير، وكذلك المُشارَكة الحقيقيّة في النهضة في المُجتمع والدولة. في خضمّ كلّ ما يجري يَستمدّ المثقّف العربيّ اليوم طاقته وعزيمته وإرادته من تلك المشروعات والمُبادرات والفعاليّات الثقافيّة في شتّى المجالات التي تُقام في بعض المُدن العربيّة، والتي تُنظّمها مؤسّساتٌ ثقافيّة وفكريّة مُختلفة، من بينها مؤسّسة «الفكر العربي»، وهو ما يُشكّل اليوم دافعا أساسيّا لمُواصلة المثقّف عطاءاته وإبداعاته التي باتت تحظى بالتكريم والدَّعم، وتُوفِّر فرصةً ومنصّةً حقيقيّة لظهور المواهب والأقلام الشابّة والكتابات الواعدة والأفكار التي تجمع بين الأصالة والحداثة، وهو ما قد يُسهِم أيضا في بلْورة واقعٍ جديد يُشجّع على الإبداع والتميُّز، ويزيل العقبات، ويُمكِّن من تحقيق فُرص التغيير والنهضة. علينا جميعا، مثقّفين ومؤسّسات وهيئات، بل حكومات أيضا، أن نقوم بواجباتنا ومسؤوليّاتنا، وأن نَدَع جانبا تبادل الاتّهامات والإدانات، ونتسلّح بفكر ابن رشد وقَلم طه حسين ورؤية أدونيس وفكر أركون والجابري، وغيرهم الكثير من المفكّرين والمُبدعين والفلاسفة والأدباء الذين أفنوا عمرهم وسخّروا أنفسهم وضحّوا وثابروا من أجل رفعة هذه الأمّة، وحفْظ هويّتها ولغتها وتراثها من كلّ دخيل وتشويه، إذ إنهم أدّوا رسالتهم، وعلينا أن نكملها بالقراءة والفهْم، ونتابع المسير من دون تعبٍ أو كَللٍ، فبغير ذلك لن نحصد إلّا التخلّف والتطرُّف والرجعيّة. لا تتّسع المساحة هنا للخوض أكثر في التفاصيل، وللاطّلاع على دَور المثقّفين، لذا بإمكانكَ أيّها القارئ العزيز أن تقرأ كتابي «قبضة جمر»، حيث ستجد إضاءةً كافية على كيفيّة تصدّي المثقّفين للإرهاب والأفكار الظلاميّة التي تنتشر في مُجتمعاتنا كالنار في الهشيم، وتقدّمت عن سواها من أفكارٍ ورؤىً ثقافيّة وحضاريّة التي من المُفترض أن نكون بأمسّ الحاجة إليها في الأزمات والأحداث الرّاهنة، حيث يتضمَّن الكتاب شهاداتٍ خاصّة أدلى بها عددٌ من المثقّفين والمُبدعين والأدباء العرب حول فاعليّة الدور الثقافيّ في مواجهة التطرّف والتعصّب والعنف، ومدى قدرة الثقافة العربيّة على الصمود في وجه التحدّيات والإشكاليّات، والتأثير في مسار تطوُّر الأحداث. * كاتب من لبنان * ينشر بالتزامن مع دورية «أفق» الإلكترونية


الشرق السعودية
٢٢-١١-٢٠٢٤
- الشرق السعودية
طفرة الروايات الصوفية وانشغال الكتّاب الجدد بالتاريخ
في نصوص نجيب محفوظ، نعثر على أنشودة أو شخصية أو معنى صوفي، لكن ليس لديه ما يُطلق عليه "رواية صوفية"، هذا المصطلح المثير للجدل والرائج الآن. لكن لماذا انهمر سيل الروايات الصوفية خلال السنوات العشر الماضية، على الرغم من تحفظ البعض على المصطلح؟ مراراً وتكراراً عاد مبدعون عرب ومسلمون إلى جلال الدين الرومي والغزالي وابن عربي. وقبل أيام، ناقش الباحث المصري د.أشرف عبد الكريم، رسالة دكتوراه بعنوان "الرواية الصوفية العربية: الأسس والبُنى"، بإشراف الراحل جابر عصفور، ثم الدكتور خيري دومة. وربما تصلح تلك الرسالة مدخلاً لفهم الظاهرة. تجديد وتجريب عن تلك الظاهرة يرى عبد الكريم، "أنه في سعي المبدعين الروائيين نحو التجديد والتجريب، توجّه بعضهم إلى التاريخ، وتوجّه غيرهم نحو التراث الديني، في محاولة لتحقيق التفرّد وتأكيد الأصالة، وهناك من اتخذ التراث الصوفي العربي ركيزة رئيسة يحاول من خلالها بث رؤيته للعالم، وموقفه من الوجود ومفرداته". وقال: "أصبح لدينا كثرة من عناوين روائية تعلن عن توجه مؤلفيها نحو التوسّل بهذا التراث المميّز لثقافتنا العربية، وأصبح بالتالي لدينا تداخل بين ما يمكن تسميته بالرواية الصوفية، وبين ما يتوقف عند الاستعانة بالتصوّف أو توظيفه، ما يبرز الحاجة نحو دراسة تضع قرائن وأسس تميّز السرد الروائي الصوفي عن غيره من الروايات". إذن ما الذي يميّز الرواية الصوفية عن غيرها؟ يقول عبد الكريم: "غالباً لا يخلو النص الروائي من تساؤلات وجودية وروحانيات، لكن أهم ملامح الرواية الصوفية تكمن في تبني موقف يتّصف بالتسامح، وتقبّل الآخر، فلا يراه ضداً له". ويعتبر أن هذا الموقف "ينسحب على الآخر الديني، ويمتدّ لموقفه من الكائنات الأخرى التي يحادثها ويتعلم منها، في رحلة ينجم عنها تحوّل بالضرورة، لكن هذه الرحلة لا يشترط أن تكون عبر المكان". يضيف: "قد تكون رحلة داخل الذات، ولو كانت رحلة في المكان فلها طبيعتها الخاصة وأماكنها التي ترد باضطراد، في سعي من هذا الولي/ البطل، للتغلب على ما يعتري البشر من نقص، فلا يحدّه المكان؛ إذ هو من أهل الخطوة أحياناً، ويوظّف خياله في التعامل مع الفضاء المحيط به، وقد يمتدّ تسامحه إلى تكاليف الدين، وتفاصيل هذه المواقف كلها تقدّم في لغة متمايزة بغموضها ورمزيتها التي تناسب التجربة الباطنية والمعرفة". إنكار التخصص مثلما تخصّصت أغاثا كريستي في الرواية البوليسية وعالم الجريمة القاتم، هل يمكن أن يتخصّص الكاتب في ما يسمى "الرواية الصوفية"؟ الروائية رشا زيدان، التي صدر لها ثلاثية ترتكز على التصوّف تشمل: "روح" ، "لك وحدك"، و"هو أنت"، تقول: "لا أعتبر نفسي مختصّة في الرواية الصوفية، لكني قدّمت شكلاً مختلفاً لها نتاج تجربة ذاتية، وانخراط في الاجواء الصوفية في مصر والخارج. وهذا الشكل المعاصر للصوفية جعل القارئ يربط تحديات حياته بالروحانيات، ويرى علاقته بالله بمنظور روحي". بدوره يبدو الإعلامي والروائي محمد موافي متحفظاً، ويرى أنه "حتى لو رأى النقّاد أن روايتين من رواياتي الأربع، يُصنّفان تحت هذا المصطلح، فأنا أرى أنني لم أكتب رواية صوفية، ولا تاريخية، بل أكتب خيالاً يعتمد على تجارب مختلفة، فإن جنح الخيال إلى روح التصوّف، أو قدّمت التجارب حياةً لمتصوفٍ ما، فهذا لا يعني أني أكتب عملاً صوفياً". واعتبر أن المشكلة في التصنيف الجامد الذي يريح ناقداً كسولاً. لكني لم أكتب مطلقاً ترجمة لشخصية متصوّفة ما، بل أرى أن اختيار شخصية معروفة والكتابة عنها، يصبح نوعاً من التقرير الإنشائي الإخباري. ونحن في غنى عن ذكر أمثلة كثيرة". وقال: "في روايتي الأحدث "آيات عاشق"، كان الراوي صريحاً من الصفحة الأولى، وأعلن أن ما لا يمكن الحديث عنه بالكلية، لا يمكن السكوت عنه بالكلية، فلجأ إلى حوادث التاريخ ومشى مع الجغرافيا، ليقول ما يحاول روائي أن يكتمه في صدره". موضة رائجة هل يمكننا القول إن الكاتبة التركية أليف شافاق أسست موضة روائية رائجة، أثمرت عشرات الروايات العربية التي تستلهم عوالم وشخصيات صوفية؟ يقرّ الروائي ماجد طه شيحة، أنها "موضة وانتهت" أو انحسرت بتعبير أدق، وبالفعل بدأتها "قواعد العشق الأربعون" لشافاق. ولا ينكر أنه تأثر بها في روايته "درب الأربعين" التي دارت في أجواء صوفية. بدورها تتحدث رشا زيدان عن تأثير شافاق، وترى "أن سبب إقبال بعض الكُتاب على الرواية الصوفية يعود ربما إلى نجاح "قواعد العشق الأربعين"، لكن هناك كثيرون قدّموا تجارب مميّزة سابقة عليها، وإن لم تلق نفس النجاح". وترى أن كل كاتب لديه حس روحاني، ويمتلك أدوات التعبير والحكمة، يحلم أن يكون في تاريخه رواية بخلفية روحانية في عصر غلبت عليه المادة. هروب إلى الماضي في رسالته للدكتوراه، اختار أشرف عبد الكريم 11 رواية من بلدان عربية كنماذج مختارة، من مصر اختار روايتي "ترنيمة سلام" و"عشق" لأحمد عبد المجيد، و"جبل الطير" و"شجرة العابد" لعمار علي حسن، و"حارس العشق الإلهي"، و"التاريخ السري لمولانا جلال الدين الرومي" لأدهم العبودي، ورواية "كيميا" لوليد علاء الدين. ومن المغرب اختار روايتي "جبل قاف" و"طواسين الغزالي" لعبد الإله بن عرفة، و"هذا الأندلسي" لبنسالم حميش، ومن السودان "شوق الدرويش" لحمّور زيادة، ومن السعودية "موت صغير" لمحمد حسن علوان، إضافة إلى روايات أخرى. وعلى الرغم من تنوّع موضوعات وبيئات هذه النماذج، لكن جميعها تشترك في الانتماء إلى الألفية الثالثة. فلماذا ينشغل كُتّاب يعيشون في القرن الحادي عشر بالغزالي وابن عربي والرومي والحلاج؟ أليس من باب أولى أن يكتبوا عن جائجة كورونا؟ لماذا لا يفكرون مثل سامنثا هارفي الحائزة على جائزة "بوكر" الدولية عن روايتها "مداري"، التي تقدم رواية فلسفية من وحي روّاد فضاء خياليين؟ هل يخاف الكاتب العربي من سلطة الواقع ويفضّل الهروب إلى ماضٍ سحيق بدلاً من طرح أسئلة المستقبل؟ تقول زيدان: "الصوفية ليست ماضياً بل فلسفة روحانية قدّمت قديماً، وهي تقدّم اليوم بما يتناسب والعصر الحالي. وإذا استطاع الكاتب أن يربط فلسفة قديمة بحاضر معاصر فهذا إبداع وإضافة". بينما يرى محمد موافي، أن المسألة ليست قراراً واعياً يتعلق بالماضي والمستقبل، فالروائي هو مجموع تجاربه الشخصية وخياله الجامح ولغته الخاصة، والأبطال هم من يختارون الزمان والمكان والقالب، يؤسسون عمران النص ويفرضون لغتهم الخاصة. فإن حدث واختار البطل زمناً مضى، فهذا يعني أنه الزمن المناسب من وجهة نظر الخيال. وهذا لا يمنع أن يهرب الروائي من واقع أو من خطر". أسباب الرواج سواء اعترف النقّاد بمصطلح "الرواية الصوفية" أم لا، وسواء اعتبرناها موضة أو هروباً من الواقع أو استجابة روحانية ضد قسوة الواقع المادي، فما سرّ رواجها؟ يجيب ماجد شيحة: "ميزة الصوفية عموماً أنها تقدّم حلولاً للنفس وتصوّراً أفضل للواقع الصعب الذي يعيشه الناس". وتؤكد رشا زيدان على فكرة الرواج قائلة: "الكتابة في الصوفية جاذبة لكُتّاب كثيرين نظراً لجمهورها الكبير، لكنها بمثابة رمال متحركة، الغوص فيها يجب أن يكون بحذر، لأنها تتطلب الكثير من التفكّر والتأمل والتجربة الذاتية، ليكون الكاتب صادقاً فيما يكتب ويلمس قلب القارئ، عبر تجربته الذاتية وحكمته المستخلصة، وليس مجرد ناقل لحِكم مكررة من تجارب آخرين دون الإحساس الحقيقي بها".