
محمد رفيع : «سِحْرُ الحروبِ..!»
لم تنتج البشرية بعد أخلاق سلمها وقيمه. بل وأكثر من ذلك، فما تزال ثقافات الشعوب والأمم أسيرةً لقيم الحروب، التي تبدأ من اعتزاز وتقديس كلّ أمّة لذاتها.
كانت «أثينا» في حالة حرب طيلة عامين من كلّ ثلاثة أعوام، وذلك خلال القرنين الأكثر تألّقاً وازدهاراً في تاريخها. أمّا «روما»، التي تأسّست قبل الميلاد بسبعة قرون، فمعبدها(!) الذي لم تكن تغلقه إلّا في أوقات السلم، فإنها لم تغلق أبواب ذلك المعبد إلّا تسع مرات فقط، خلال ألف عام (!)
في كلّ تشكيل اجتماعيّ منظّم، ومهما كانت درجة التنظيم تلك، هناك امتلاك مشترك لكنوز المخلّدات ولمشاعر الذعر والخوف، ويزداد التصاق أفراد هذا المجتمع بمقدار تشاركهم في هذه الذكريات من دون تحفّظ.
ومن الحقائق الثابتة أنّنا نعيش خلال الحرب فترات رعب، وفي السلم نخلّدها. وفيما يخلّده السلم تمجيد لهذا الرعب، إذ أنّ أكبر احتفالات الأمم، بشكل عام، تتمّ في ذكرى معاركها الكبيرة. وهكذا يبقى سلم الأمم يعيش في سحر حروبها، فيمجّدها، وربما يندب وقوعها في الماضي أحيانا، ويتّقيها ويترقّبها في مستقبله، بمزيج من الشوق والتردّد.
وليس كشفا جديدا القول بأنّ جميع الحدود الدولية رُسمت بفعل الحروب. فقد شجّع المنتصرون عام (1918)، وهم الذين أبطلوا نظام التبعية، وألغوا النظام الامبراطوري داخل القارّة، على إقامة مثل هذه الأنظمة فيما وراء البحار. وعلى العكس من ذلك، فقد ألغى المنتصرون عام (1945) النظام الاستعماري فيما وراء البحار، وأعادوا نظام التبعية الجغرافية ونظام المحميات، داخل القارات، وخاصة في أوروبا والمشرق.
ومنذ أن ابتدعت البشرية ربّة السلم «إيرين»، وإله الحرب «مارس»، فلم يُخلق مطلقاً سلمٌ إلّا وانتهى آجلا أو عاجلاً بولادة حرب. وكلّ معاهدة سلم حملت بين سطورها وبنودها، كدمغة سريّة، خطّة حرب وعدوان مقبل.
وليس غريباً أن الكشف الحقيقيّ عن المكونات الأساسية، لثقافة كلّ شعب من شعوب الأرض، ورواسبها العميقة، سيتناقض ويتعارض مع ما وصلت إليه البشريّة من دعوات للسلم والتسامح. بل وأكثر من ذلك، ستكشف تلك الرواسب الثقافية عن أنّ الحرب كانت المحرّك للحماسة الشعرية، بأغنيات النصر والرثاء، والمنبع للإلهام والحماس، وأنّ مظاهر العنف، في تاريخ الشعوب، كانت دوما جذّابة. فلا أحد يذكر الحكيميْن، اللذين أوقفا حرب «داحس العرب وغبراءهم»، ذات الأربعين عاماً، وتداركا عبساً وذبيان «بعدما تفانوا ودقّوا بينهم عطر منشم».
ومن نافلة الكلام، التساؤل عن صاحب المجد الشعري؛ «الخيل والليل والبيداء تعرفني..»! فالسلم في تاريخ الشعوب لم يتحول إلى صفة محمودة، على الرغم من أنّه يمنح الناس السعادة والرخاء، ولكنّه لا يعطيهم الفخار، ولا شعور المحاربين الفيّاض. فليس للشعوب السعيدة تاريخ تنتشي به، ولا تستطيع إقناع الآخرين، بجدارتها في العيش، حتى لو كانت تحية ثقافتها؛ «السلام عليكم..»!
لقد حاولت كلّ «المدن_الدول» وفي كلّ عصر، أن توجد، على الصعيد النظري، عقائد للسلم، بعضها دينيّ وبعضها فلسفيّ وآخر قانونيّ. وحاول آخرون إقامة عقائد للسلم، على دعائم دعائية وإرشادية، إلّا أنّها فشلت. واليوم، تحاول بعض الجماعات والدعوات إقامة السلم على «دعائم اجتماعية»، ووقايته بواسطة «العدالة الاجتماعية»، أو وقايته «بنزع السلاح». غير أن علماء الاجتماع يعتقدون؛ أن ضياعَ السلم هو بسبب العُقد المولّدة للحرب، المتمثّلة في؛ عقدة إبراهيم (الفداء)، وعقدة كبش الفداء (التضحية)، وعقدة ديموقليس (الخوف).
وهي دعوات يتنكّر أصحابها شكلاً في ثياب سحَرة، في حين إنّهم حقيقة يتمثّلون أقدم حكمة للتاريخ؛ «إذا أردت السلم، فاستعدّ للحرب»، لأنهم يدركون أنّه «لكي تكون حرب ما عادلة، فيكفي أن يقتنع كلّ من الطرفين المتنازعين بحقّه الكامل في خوضها». لقد نجحت كلّ خطط السلم، أو ساهمت في القضاء على نزاع ما، أو على سببه، ولكنّها لم تتمكّن من القضاء على الحرب ذاتها.
ألم يصرخ «تروتسكي»، بين الحربين، في مواجهة مطالبة الغرب بالديمقراطية، وتعبيراً عن الثورة الروسية: «لقد أدلى الجنود الروس بأصواتهم الانتخابية بأقدامهم»؟!
أليسَ من المَعيب، أخلاقياً وثقافياً، تحميل الأمم الضعيفة والمسحوقة والمظلومة مسؤولية إنتاج ثقافة السلم وقيمه، بعد أن فشلت البشرية كلّها في إنتاج تلك الثقافة، طوال تاريخها المعروف..؟!
لعلّ روح الإجابة، على أسئلة السلم والحرب، في تاريخ البشرية وتحوّلاته، ما تزال تكمن فيما قاله الحكيم الصيني (لاو - تزه)، قبل الميلاد بستة قرون؛ «إذا لم تعد مقدرتك تحظى باحترام الآخرين، فإنّ ثمّة مقدرة أخرى في الطريق لتحلّ محلّها».
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

الدستور
منذ 42 دقائق
- الدستور
خفر السواحل تنقذ مركبا سياحيا في خليج العقبة
عمان - الدستور تمكنت طواقم وحدة خفر السواحل، التابعة للقوة البحرية والزوارق الملكية، من إنقاذ مركب سياحي تعرض لعطل ميكانيكي مفاجئ في مياه خليج العقبة ليلاً، نتيجة التفاف حبال حول محركاته، مما أدى إلى تعطله عن الحركة. وانطلقت زوارق الدورية والإسعاف والسلامة العامة التابعة للوحدة إلى الموقع فور تلقي مركز العمليات البحري نداء الاستغاثة، حيث تم التعامل مع الموقف، وإخلاء الطاقم والركاب دون تسجيل أية إصابات، فيما جرى تأمين المركب ومنع غرقه. وتعكس هذه الاستجابة السريعة والمهنية العالية مستوى الجاهزية والاحتراف الذي تتمتع به كوادر وحدة خفر السواحل في تنفيذ مهامها الإنسانية والأمنية، في إطار منظومة العمل المتكاملة للقوة البحرية والزوارق الملكية. يشار إلى أن وحدة خفر السواحل تُعد من الوحدات الحديثة في تشكيلات القوة البحرية، وتضطلع بمهام تنظيم الأنشطة البحرية داخل المياه الإقليمية الأردنية، ومراقبة حركة القطع البحرية، إلى جانب تنفيذ عمليات البحث والإنقاذ، وتقديم خدمات الإسعاف البحري، فضلاً عن حماية البيئة البحرية والمنشآت السياحية والصناعية في منطقتي خليج العقبة والبحر الميت، على مدار الساعة.


خبرني
منذ 42 دقائق
- خبرني
الشاب عمر علي العدوان ( ابو علي ) في ذمة الله
خبرني - انتقل إلى رحمه الله تعالي الشاب عمر علي عيسى العدوان ( ابو علي ) شقيق عبدالله علي عيسى علي العدوان. وتاليا تفاصيل العزاء: سيشيع جثمانه الطاهر اليوم 28_7 بعد صلاة الظهر في مقبره المزار الرامه . وتقبل التعازي للرجال في مبنى بلديه الرامه- لواء الشونه الجنوبيه اليوم الاول مفتوح وثاني وثالث يوم بعد صلاة العصر وللنساء بجمعيه السلوان الخيريه - البيادر من الساعه ٤ عصرا للساعه ١٠ مساءا لمده ثلاثة أيام

سرايا الإخبارية
منذ 42 دقائق
- سرايا الإخبارية
"التربية" لسرايا: نتائج (التوجيهي) قبل العاشر من آب .. ونسبة النجاح مبشّرة
سرايا - أكد مصدر مطّلع في وزارة التربية والتعليم، اليوم الإثنين، أن نتائج امتحان الثانوية العامة (التوجيهي) لعام 2025 ستُعلن قبل العاشر من آب المقبل، موضحًا أن الوزارة ستقوم بالإعلان عن الموعد الرسمي بدقة – من حيث اليوم والساعة – قبل صدورها بعدة أيام، ولن يتم نشرها بشكل مفاجئ. وأشار المصدر في تصريح لسرايا، إلى أن المؤشرات الأولية تُظهر نسب نجاح مبشّرة، لافتًا إلى أن عددًا من الطلبة حققوا معدلات تفوق 99% في بعض الفروع. وفيما يتعلق بنمط الامتحانات للعام الدراسي المقبل، أوضح المصدر أن نمط أسئلة امتحانات (توجيهي) لجيل 2008 سيبقى مشابهًا لما هو معتمد في الأعوام الماضية، ما يعزز من استقرار العملية التعليمية ويمنح الطلبة وضوحًا واستعدادًا أفضل. وبين المصدر أن الوزارة في هذه الأثناء تواصل عمليات الرصد والتدقيق النهائي للنتائج تمهيدًا لإعلانها الرسمي.