
أسرار الحياة المزدوجة لـ'السلطان' زعيم المخدرات المولع بالبولو #عاجل
ما يعرفه الناس عن محمد آصف حفيظ أنه شخصية محترمة ووقورة؛ فهو رجل أعمال عالمي وسفير لأحد أندية البولو المرموقة في لندن، وكان على صلة بالنخبة البريطانية، من بينهم أفراد من العائلة المالكة.
كما كان حفيظ يرسل بانتظام معلومات تفصيلية إلى السلطات في المملكة المتحدة والشرق الأوسط، أسهمت في بعض الأحيان في ضبط شحنات ضخمة من المخدرات. وكان دافعه، حسب قوله، 'الواجب الأخلاقي للحد من الأنشطة الإجرامية وتسليط الضوء عليها'.
كان ذلك على الأقل ما رغب الناس في أن يصدقوه.
وفي حقيقة الأمر، حفيظ هو نفسه الذي وصفه مسؤولون أمريكيون بأنه 'أحد أكثر مهربي المخدرات نشاطاً في العالم'.
كان حفيظ العقل المدبر لإمبراطورية ضخمة تعمل في عالم المخدرات، من مقر إقامته في المملكة المتحدة؛ إذ كان يزود العالم بأطنان من الهيروين والميثامفيتامين والحشيش من خلال قواعد له في باكستان والهند.
أما العصابات التي أبلغ عنها، فكانت لخصومه، وكان دافعه التخلص من منافسيه في السوق.
ولقد أكسبته مكانته في عالم الجريمة لقب 'السلطان'.
ومع هذا، فإن هذه القوة والمكانة الرفيعة التي كان يتمتع بهما في هذا الوسط الإجرامي، لم تكن لتدوم إلى الأبد.
فبعد عملية معقدة مشتركة بين السلطات البريطانية والأمريكية، تم ترحيل حفيظ، الذي يبلغ 66 عاماً، من المملكة المتحدة في عام 2023. وبالفعل أقر بما ارتكبه من جرائم في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
وحُكم على حفيظ بالسجن لمدة 16 سنة، الجمعة الماضية، في أحد سجون نيويورك، بتهمة التآمر لاستيراد المخدرات، التي تشمل كمية من الهيروين تكفي 'لملايين الجرعات' إلى الولايات المتحدة.
وبما أنه قيد الاحتجاز منذ عام 2017، فستنتهي فترة عقوبته في عام 2033.
تابعت بي بي سي قضية حفيظ عن كثب، وجمعت المعلومات من مستندات القضية، وسجلات الشركات، ومقابلات مع من كانوا على معرفة به.
وأردنا أن نكتشف كيف تمكن من البقاء بعيداً عن الأنظار كل هذه المدة، وكيف انتهى به الأمر إلى الوقوع في قبضة العدالة.
كيف شارك نجل 'إل تشابو' في القبض على أحد أبرز بارونات المخدرات؟
من هو السلطان؟
وُلد حفيظ في سبتمبر/ أيلول عام 1958 لأسرة من الطبقة المتوسطة في مدينة لاهور، بباكستان. وكان واحداً من بين ستة أطفال. ونشأ في أوضاع معيشية جيدة.
وقال بعض المقربين من عائلته في لاهور لبي بي سي، إن والده كان يمتلك مصنعاً قرب المدينة. كما أفاد حفيظ لاحقاً أمام محكمة أمريكية بأنه تلقى تدريباً على الطيران التجاري.
ومنذ أوائل التسعينيات من القرن العشرين وحتى منتصف العقد الثاني من الألفية الجديدة، كان يدير شركة مقاولات وسيطة تحمل اسم 'سرواني إنترناشونال كوربوريشن'، تبدو شرعية في ظاهرها، ولها فروع في باكستان والإمارات والمملكة المتحدة.
ووفقاً لموقعها الإلكتروني الذي أُغلِق، كانت هذه الشركة تبيع معدات تقنية للجيوش والحكومات وقوات الشرطة حول العالم، من بينها أجهزة الكشف عن المخدرات.
ومن الشركات التابعة لمجموعة 'سرواني' شركة نسيج مسجلة في عدة دول، ومطعم إيطالي في لاهور يحمل امتيازاً لعلامة تجارية شهيرة من نايتسبريدغ، بالإضافة إلى شركة تُدعى 'تيبمور'، مقرها بالقرب من وندسور غرب لندن، وهي شركة متخصصة في 'خدمات البولو والفروسية'.
ولم توفر له هذه الشركات أسلوب حياة فاخر فحسب، بل منحته أيضاَ فرصة الوصول إلى أكثر الأوساط البريطانية تميزاً.
فقد أُدرج اسمه كسفير دولي لنادي 'هام' للبولو العريق لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات، من 2009 إلى2011. كما التقطت له صور هو وزوجته شاهينا وهما يتبادلان الحديث مع الأمير وليام، ويعانقان الأمير هاري في النادي عام 2009.
وقال نادي 'هام' للبولو لبي بي سي إن حفيظ لم يكن يوماً عضواً في النادي، وإن النادي لم يعد يُعين 'سفراء'، وإن مجلس الإدارة الحالي 'لا تربطه به أي علاقة به'.
وأضاف النادي أن الحدث التي التقطت خلاله صور لحفيظ وزوجته وهما يلتقيان بالأميرين 'كانت من تنظيم طرف ثالث'.
وحُلت الأذرع العالمية المختلفة لشركة 'سرواني' في مراحل متفرقة خلال العقد الثاني من الألفية، وذلك وفقاً لسجلات 'هيئة الشركات' البريطانية والسجلات المماثلة حول العالم.
'أمر مريب'
قال موظف سابق في شركة 'سرواني'، يقيم في الإمارات، لبي بي سي، إنه كان يشتبه بوجود 'أمر مريب يحدث' أثناء عمله في الشركة؛ فحتى المشروعات الكبيرة كانت تكلفتها 'تُدفع نقداً فقط'.
وأضاف الموظف، الذي طلب عدم الكشف عن هويته خوفاً من الانتقام، أنه غادر الشركة في نهاية المطاف لأنه شعر بعدم الارتياح تجاه ذلك، مؤكداً أنه 'لم تكن هناك أي معاملات بنكية، ولا سجلات، ولا أي وجود فعلي'.
وكان حفيظ يكتب بين الحين والآخر رسائل إلى السلطات في الإمارات والمملكة المتحدة، يبلغ فيها عن العصابات المنافسة، متظاهراً بأنه مواطن مهتم بالصالح العام.
وقالت وزارة الداخلية البريطانية لبي بي سي إنها لا تُعلق على المراسلات الفردية.
وتواصلت بي بي سي مع وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية وحكومة دبي للحصول على تعليق، لكنها جميعاً لم ترد.
وبعث أفراد من عائلة حفيظ هذه الرسائل إلى بي بي سي في 2018 بينما كان يخوض معركة قانونية طويلة ضد ترحيله إلى الولايات المتحدة.
كما قدموا هذه الرسائل أيضاً إلى المحاكم في المملكة المتحدة ثم إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، كدليل على أنه كان مخبراً ويحتاج إلى حماية؛ غير أن جميع المحاكم رفضت ذلك، واعتبرت الأمر حيلة من حفيظ للتخلص من منافسيه في السوق.
وقالت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إن حفيظ كان 'شخصاً لفت انتباه السلطات إلى السلوك الإجرامي لمن كان يعلم أنهم منافسون فعليون أو محتملون لمشروعه الإجرامي الكبير'.
وبينما كان حفيظ يكتب تلك الرسائل، عُقد اجتماع في 2014، رغم عدم حضوره، كان من شأنه أن يؤدي في نهاية المطاف إلى سقوطه.
والتقى اثنان من المقربين من حفيظ بمشترٍ محتمل من كولومبيا في شقة بمدينة مومباسا في كينيا. وحرقا كمية صغيرة من الهيروين لإظهار مدى نقائه، وقالا إنهما قادران على تزويده بأي كمية من 'الكريستال الأبيض النقي بنسبة 100 في المئة'.
وأخبروه بأن المورد لهذه النوعية عالية الجودة من الهيروين كان رجلاً من باكستان يُعرف باسم 'السلطان' في إشارة إلى حفيظ.
وما اكتشفه هذان الاثنان بعد فترة وجيزة، هو أن 'المشتري' الكولومبي كان في الواقع يعمل متخفياً لصالح إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية (DEA). وكان الاجتماع بأكمله جزءاً من عملية معقدة للإيقاع بهم، تم تصويرها سراً، وهي لقطات حصلت عليها بي بي سي.
وكشفت مستندات في محكمة أمريكية أن الصفقة كانت بتنسيق من بكتاش وإبراهيم أكاشا، وهما شقيقان يقودان عصابة عنيفة في كينيا. وكان والدهما زعيماً إجرامياً يخشاه الجميع؛ لكنه قُتل في حي الضوء الأحمر بمدينة أمستردام عام 2000.
وشملت الصفقة أيضاً فيجيغيري 'فيكي' غوسوامي، وهو مواطن هندي كان يدير عمليات عائلة أكاشا.
وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 2014، وبينما كان كل أفراد عائلة أكاشا وغوسوامي وحفيظ لا يزالون يجهلون الهوية الحقيقية للمشترين، سُلِّم 99 كيلوغراماً من الهيروين وكيلوغرامين من الكريستال ميث إلى المهربين الكولومبيين المزيفين. ووعد أفراد عائلة أكاشا بتوفير مئات الكيلوغرامات الإضافية من كل نوع من المخدرات.
وبعد مرور شهر، اعتقل الأخوان أكاشا وغوسوامي في مدينة مومباسا. وأُفرج عنهم بكفالة بعد فترة وجيزة، ثم أمضوا أكثر من عامين وهم يقاومون ترحيلهم إلى الولايات المتحدة.
وفي الخلفية، كان مسؤولو إنفاذ القانون الأمريكيون يعملون بالتعاون مع نظرائهم في المملكة المتحدة على تجميع أدلة تدين حفيظ، مستندين جزئياً إلى معلومات استخرجت من أجهزة صودرت عند اعتقال غوسوامي والأخوين أكاشا.
واكتشف هؤلاء المسؤولون أن محتوى تلك الأجهزة يتضمن إشارات عديدة إلى حفيظ كمورد رئيسي، وتمكنوا من جمع ما يكفي من الأدلة لتحديد هويته بوصفه 'السلطان'.
ورغم توجيه اتهامات إليه في الولايات المتحدة، لم يتوقف أحد الرجال وهو غوسوامي، عن مواصلة نشاطه غير القانوني. ففي عام 2015 وأثناء الإفراج عنه بكفالة في كينيا، وضع خطة مع حفيظ لنقل عدة أطنان من مادة تُسمى الإفيدرين من مصنع كيميائي في سولابور بالهند إلى موزمبيق.
والإفيدرين هو دواء قوي يُسمح باستخدامه بكميات محدودة، يُستخدم في تصنيع مادة الميثامفيتامين. وتُظهر مستندات المحكمة الأمريكية التي شهدت قضية حفيظ أن غوسوامي وحفيظ كانا يخططان لإنشاء مصنع لإنتاج الميث في العاصمة الموزمبيقية، مابوتو؛ لكن خطتهما أُجهِضت عام 2016 عندما داهمت الشرطة مصنع سولابور وصادرت 18 طناً من الإفيدرين.
واستقل الأخوان أكاشا وغوسوامي طائرة إلى الولايات المتحدة لمواجهة المحاكمة في يناير/ كانون الثاني 2017.
واعتُقِل حفيظ بعد ثمانية أشهر في لندن، داخل شقته الواقعة في حي 'سان جونز وود' الراقي، واحتُجِز في سجن بلمارش شديد الحراسة جنوب شرق لندن، ومن هناك خاض معركة قضائية استمرت ست سنوات لمقاومة ترحيله إلى الولايات المتحدة.
وفي عام 2019، حدث تطور مهم في الولايات المتحدة، إذ أقر غوسوامي بجرمه وأبلغ محكمة نيويورك بأنه وافق على التعاون مع النيابة العامة، كما أقر الأخوان أكاشا أيضا بجرمهما.
وحُكم على بكتاش أكاشا بالسجن لمدة 25 سنة، فيما حُكم على شقيقه إبراهيم بالسجن لمدة 23 سنة.
وكان غوسوامي، الذي لم يُصدر الحكم عليه بعد، سيدلي بشهادته ضد حفيظ في الولايات المتحدة حال وصول القضية إلى مرحلة المحاكمة.
ومن بلمارش، بدأت خيارات حفيظ تنفد.
وقد حاول حفيظ أن يتفادى ترحيله إلى الولايات المتحدة؛ لكنه لم يتمكن من إقناع القضاة أو المحكمة العليا في لندن أو المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، بأنه كان بالفعل مُخبِراً للسلطات، وأنه 'قد يكون عرضة لسوء المعاملة من قبل زملائه السجناء' نتيجة لذلك.
كما زعم أن ظروف الاحتجاز في السجون الأمريكية ستكون ' غير إنسانية ومهينة' له بسبب حالته الصحية، إذ يعاني من داء السكري من النوع الثاني والربو.
ومع ذلك، فقد خسر جميع تلك الدفوع في كل مراحل التقاضي، وتم ترحيله في مايو/أيار في 2023.
لم تصل قضيته إلى مرحلة المحاكمة بعد. ففي نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، أقر حفيظ بجرمه في تهمتين تتعلقان بالتآمر على تصنيع وتوزيع الهيروين والميثامفيتامين والحشيش واستيرادها إلى الولايات المتحدة.
وقبيل النطق بالحكم، وصف المدعون 'الظروف المواتية للغاية' في حياة حفيظ، والتي 'تُبرز بشكل صارخ قراره بالتخطيط، وتحقيق الربح من توزيع مواد خطيرة تدمر الأرواح والمجتمعات بأكملها'.
وقالوا: 'على النقيض من العديد من المهربين الذين كان السبب وراء دخولهم عالم الجريمة، ولو جزئياً، اليأس والفقر وانعدام الفرص التعليمية، فإن المدعى عليه عاش حياة مليئة بالامتيازات والخيارات'.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


سيدر نيوز
منذ 10 ساعات
- سيدر نيوز
جيش الظل: كيف غزت كوريا الشمالية سوق الوظائف الغربية بهويات مزوّرة؟
يقول جين-سو إنّه استخدم على مدار سنوات مئات الهويات المزوّرة للتقدّم لوظائف عن بُعد في شركات غربية، في إطار مخطّط واسع وسري لجمع الأموال لكوريا الشمالية. وأوضح في مقابلة نادرة مع بي بي سي، أنّه كان يحقّق دخلاً لا يقل عن خمسة آلاف دولار (3750 جنيهاً إسترلينياً) شهرياً من خلال تولّي وظائف عدّة في الولايات المتحدة وأوروبا، مضيفاً أنّ بعض زملائه كانوا يجنون أكثر من ذلك. قبل انشقاقه، كان جين-سو – وهو اسم مستعار حفاظاً على هويته – واحداً من آلاف الأشخاص الذين يُعتقد أنّهم أُرسلوا إلى الصين وروسيا، أو إلى دول في أفريقيا وأماكن أخرى، للمشاركة في عملية خفية تديرها كوريا الشمالية المعروفة بسرّيتها. إرسال أموال إلى كوريا الشمالية 'يشبه أفلام الجاسوسية' نادراً ما يتحدث عمّال تكنولوجيا المعلومات الكوريون الشماليون إلى وسائل الإعلام، لكن جين-سو قدّم شهادة موسّعة لبي بي سي، كاشفاً كيف تبدو الحياة اليومية لأولئك الذين يعملون ضمن هذا الاحتيال، وكيف يدار العمل. وتؤكد روايته الكثير مما ورد في تقديرات الأمم المتحدة وتقارير الأمن السيبراني. وقال إنّ 85 في المئة من دخله كان يُرسل لتمويل النظام. وتخضع كوريا الشمالية منذ سنوات لعقوبات دولية قاسية. وأضاف جين-سو: 'نعرف أنّ الأمر أشبه بالسرقة، لكننا نتقبّله كأنه قدرنا، ومع ذلك فهو أفضل بكثير من البقاء داخل كوريا الشمالية'. ووفق تقرير لمجلس الأمن الدولي صدر في مارس/آذار 2024، فإنّ عمّال تكنولوجيا المعلومات السريين يولّدون ما بين 250 و600 مليون دولار سنوياً لصالح كوريا الشمالية. وازدهرت هذه الشبكة خلال أزمة فيروس كورونا عندما أصبح العمل عن بُعد أمراً شائعاً، ولا تزال في ازدياد منذ ذلك الحين، بحسب تحذيرات السلطات وخبراء الأمن السيبراني. معظم هؤلاء العمّال يسعون إلى راتب ثابت يرسلون جزءاً منه للنظام، لكن في بعض الحالات، سرقوا بيانات أو اخترقوا أنظمة شركاتهم وطالبوا بفدية. العام الماضي، وجّهت محكمة أمريكية لائحة اتهام بحق 14 كورياً شمالياً، زُعم أنّهم جنوا 88 مليون دولار من خلال انتحال هويات وممارسة الابتزاز ضد شركات أمريكية على مدى ست سنوات. وفي الشهر الماضي، وُجّه الاتهام لأربعة كوريين شماليين آخرين لاستخدامهم هويات مزوّرة للحصول على وظائف عن بُعد في شركة أمريكية متخصّصة في العملات المشفّرة. الحصول على الوظائف عمل جين-سو في الصين لعدة سنوات كعامل في تكنولوجيا المعلومات لصالح النظام قبل انشقاقه. وأوضح لبي بي سي أنّه وزملاءه كانوا يعملون غالباً في فرق مكوّنة من عشرة أشخاص. الوصول إلى الإنترنت محدود داخل كوريا الشمالية، لكن في الخارج يتمكّن هؤلاء العمّال من العمل بسهولة أكبر. ويحتاجون إلى إخفاء جنسيتهم، ليس فقط لأنّ ادّعاء كونهم من دول غربية يتيح لهم أجوراً أعلى، بل أيضاً بسبب العقوبات الدولية المفروضة على كوريا الشمالية، خصوصاً بسبب برامجها النووية والصاروخية. ويعدّ هذا المخطّط منفصلاً عن عمليات القرصنة التي تقوم بها بيونغ يانغ لجمع الأموال. ففي وقت سابق من هذا العام، يُعتقد أنّ مجموعة لازاروس – وهي مجموعة قرصنة شهيرة يُفترض أنّها تعمل لصالح كوريا الشمالية، رغم أنّها لم تعترف بذلك – سرقت 1.5 مليار دولار من شركة العملات المشفّرة 'بايبت'. BBC قضى جين-سو معظم وقته في محاولة الحصول على هويات مزوّرة للتقدّم إلى الوظائف. وكان في البداية يتظاهر بأنّه صيني، ويتواصل مع أشخاص في المجر وتركيا ودول أخرى ليطلب استخدام هوياتهم مقابل نسبة من أرباحه، وفق ما قاله لبي بي سي. وأضاف: 'إذا وضعت وجهاً آسيوياً على الملف الشخصي، فلن تحصل على وظيفة أبداً'. بعد ذلك، كان يستخدم تلك الهويات لاستهداف أشخاص في أوروبا الغربية للحصول على هوياتهم، ثم يتقدّم بها لوظائف في الولايات المتحدة وأوروبا. وأوضح أنّه حقّق نجاحاً كبيراً مع مواطنين بريطانيين. وقال: 'بمجرد الدردشة قليلاً، كان الناس في المملكة المتحدة يسلمون هوياتهم بسهولة كبيرة'. وكان عمّال تكنولوجيا المعلومات الذين يجيدون الإنجليزية أكثر، يتولّون أحياناً عملية التقديم. لكن الوظائف في مواقع العمل الحر لا تتطلّب غالباً مقابلات وجهاً لوجه، وغالباً ما تتم التفاعلات اليومية عبر منصات مثل 'سلاك'، ما يجعل انتحال الهوية أمراً سهلاً. وأوضح جين-سو أنّه كان يستهدف السوق الأمريكية أساساً 'لأن الرواتب أعلى في الشركات الأمريكية'. وزعم أنّ عدد العمّال الكوريين الشماليين الذين يحصلون على وظائف كبير لدرجة أنّ الشركات توظّف أحياناً أكثر من شخص واحد منهم من دون علمها. وقال: 'يحدث ذلك كثيراً'. من متسول في كوريا الشمالية إلى نجم صاعد في كوريا الجنوبية ويُعتقد أنّ هؤلاء العمّال يحصلون على أجورهم من خلال شبكات وسطاء في الغرب والصين. وفي الأسبوع الماضي، حُكم على امرأة أمريكية بالسجن لأكثر من ثماني سنوات لضلوعها في مساعدة عمّال كوريين شماليين في العثور على وظائف وتحويل الأموال لهم. ولا تستطيع بي بي سي التحقّق بشكل مستقل من تفاصيل شهادة جين-سو، لكن من خلال منظمة بيسكور، التي تدافع عن حقوق الإنسان في كوريا الشمالية، اطّلعنا على شهادة عامل آخر تدعم مزاعم جين-سو. كما تحدّثت بي بي سي إلى منشق آخر يُدعى هيون-سونغ لي، قال إنّه التقى عمّال تكنولوجيا المعلومات الكوريين الشماليين أثناء سفره إلى الصين كرجل أعمال لصالح النظام، مؤكداً أنّ تجاربهم متشابهة. مشكلة متنامية تحدّثت بي بي سي إلى مديري توظيف في قطاع الأمن السيبراني وتطوير البرمجيات، قالوا إنّهم رصدوا عشرات المرشحين الذين يشتبهون في كونهم عمّال تكنولوجيا معلومات من كوريا الشمالية خلال عمليات التوظيف. كان روب هينلي، المؤسس المشارك لشركة 'ألي سيكيوريتي' في الولايات المتحدة، كان مؤخراً يقوم بتعيين موظفين لشغل سلسلة من الوظائف عن بُعد في شركته، ويعتقد أنّه أجرى مقابلات مع نحو 30 عاملاً كورياً شمالياً. وقال: 'في البداية كان الأمر أشبه بلعبة، نحاول معرفة من الحقيقي ومن المزيّف، لكنّه أصبح مزعجاً بسرعة'. في النهاية، اضطر إلى أن يطلب من المرشحين خلال المكالمات المرئية إثبات أن الوقت في مكانهم نهاراً. عامل البناء الذي غير التوقيت في العالم وقال: 'كنا نتعاقد فقط مع مرشحين من الولايات المتحدة لهذه الوظائف. كان من المفترض أن يكون الضوء على الأقل مرئياً بالخارج. لكنني لم أرَ ضوء النهار مطلقاً'. في مارس الماضي، شارك 'دافيد موكزادو'، الشريك المؤسس لشركة 'فيدوك سيكيوريتي لاب' في بولندا، مقطع فيديو لمقابلة عمل عن بُعد أجراها مع مرشح يبدو أنه كان يستخدم برنامجاً للذكاء الاصطناعي لإخفاء ملامح وجهه. وأوضح أنه بعد استشارة الخبراء، خلص إلى أن المرشح قد يكون عاملاً في مجال تكنولوجيا المعلومات من كوريا الشمالية. BBC تواصلنا مع السفارة الكورية الشمالية في لندن لنقدم لها ما ورد في هذا التقرير، لكننا لم نتلقَ رداً. سبيل نادر للهرب تُرسل كوريا الشمالية عمالها إلى الخارج منذ عقود لكسب العملات الصعبة. ويعمل ما يصل إلى 100 ألف شخص في الخارج كعمّال مصانع أو مطاعم، معظمهم في الصين وروسيا. وبعد سنوات من العيش في الصين، قال جين-سو إنّ 'شعور الاختناق' من ظروف العمل القمعية كان يتزايد. وأضاف: 'لم يكن مسموحاً لنا بالخروج، وكان علينا البقاء في الداخل طوال الوقت. لا يمكنك ممارسة الرياضة، ولا القيام بما تريد'. ومع ذلك، أشار إلى أنّ عمّال تكنولوجيا المعلومات الكوريين الشماليين يتمتعون بحرية أكبر في الوصول إلى وسائل الإعلام الغربية أثناء وجودهم في الخارج. وقال: 'ترى العالم الحقيقي. عندما نكون في الخارج، ندرك أنّ هناك خللاً في داخل كوريا الشمالية'. لكن رغم ذلك، زعم أنّ قلّة فقط تفكّر في الهروب كما فعل هو. وقال: 'هم يأخذون المال ويعودون إلى الوطن، قلة قليلة تفكر في الانشقاق'. ورغم أنّهم يحتفظون بجزء صغير من أرباحهم، إلا أنّه يعدّ مبلغاً كبيراً في كوريا الشمالية. كما أنّ الانشقاق محفوف بالمخاطر وصعب للغاية. فالمراقبة في الصين تؤدي إلى القبض على معظمهم. ومن ينجحون في الهروب قد لا يرون عائلاتهم مجدداً، وقد تواجه عائلاتهم عقوبات بسبب فرارهم. ويواصل جين-سو العمل في مجال تكنولوجيا المعلومات بعد انشقاقه، ويقول إنّ المهارات التي اكتسبها أثناء عمله لصالح النظام ساعدته على التأقلم مع حياته الجديدة. ورغم أنّه يكسب الآن أقل ممّا كان يكسبه عندما كان يعمل لصالح النظام، لأنّه لم يعد يشغل وظائف متعدّدة بهويات مزوّرة، فإنّه يحتفظ بمعظم أرباحه. وقال: 'كنت معتاداً على جني المال من خلال القيام بأعمال غير قانونية، لكنني الآن أعمل بجد وأكسب المال الذي أستحقه'. 🛈 تنويه: موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً أو مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه. Copy URL


سيدر نيوز
منذ يوم واحد
- سيدر نيوز
جيش الظل: كيف غزت كوريا الشمالية سوق الوظائف الغربية بهويات مزوّرة؟ #عاجل
يقول جين-سو إنّه استخدم على مدار سنوات مئات الهويات المزوّرة للتقدّم لوظائف عن بُعد في شركات غربية، في إطار مخطّط واسع وسري لجمع الأموال لكوريا الشمالية. وأوضح في مقابلة نادرة مع بي بي سي، أنّه كان يحقّق دخلاً لا يقل عن خمسة آلاف دولار (3750 جنيهاً إسترلينياً) شهرياً من خلال تولّي وظائف عدّة في الولايات المتحدة وأوروبا، مضيفاً أنّ بعض زملائه كانوا يجنون أكثر من ذلك. قبل انشقاقه، كان جين-سو – وهو اسم مستعار حفاظاً على هويته – واحداً من آلاف الأشخاص الذين يُعتقد أنّهم أُرسلوا إلى الصين وروسيا، أو إلى دول في أفريقيا وأماكن أخرى، للمشاركة في عملية خفية تديرها كوريا الشمالية المعروفة بسرّيتها. نادراً ما يتحدث عمّال تكنولوجيا المعلومات الكوريون الشماليون إلى وسائل الإعلام، لكن جين-سو قدّم شهادة موسّعة لبي بي سي، كاشفاً كيف تبدو الحياة اليومية لأولئك الذين يعملون ضمن هذا الاحتيال، وكيف يدار العمل. وتؤكد روايته الكثير مما ورد في تقديرات الأمم المتحدة وتقارير الأمن السيبراني. وقال إنّ 85 في المئة من دخله كان يُرسل لتمويل النظام. وتخضع كوريا الشمالية منذ سنوات لعقوبات دولية قاسية. وأضاف جين-سو: 'نعرف أنّ الأمر أشبه بالسرقة، لكننا نتقبّله كأنه قدرنا، ومع ذلك فهو أفضل بكثير من البقاء داخل كوريا الشمالية'. ووفق تقرير لمجلس الأمن الدولي صدر في مارس/آذار 2024، فإنّ عمّال تكنولوجيا المعلومات السريين يولّدون ما بين 250 و600 مليون دولار سنوياً لصالح كوريا الشمالية. وازدهرت هذه الشبكة خلال أزمة فيروس كورونا عندما أصبح العمل عن بُعد أمراً شائعاً، ولا تزال في ازدياد منذ ذلك الحين، بحسب تحذيرات السلطات وخبراء الأمن السيبراني. معظم هؤلاء العمّال يسعون إلى راتب ثابت يرسلون جزءاً منه للنظام، لكن في بعض الحالات، سرقوا بيانات أو اخترقوا أنظمة شركاتهم وطالبوا بفدية. العام الماضي، وجّهت محكمة أمريكية لائحة اتهام بحق 14 كورياً شمالياً، زُعم أنّهم جنوا 88 مليون دولار من خلال انتحال هويات وممارسة الابتزاز ضد شركات أمريكية على مدى ست سنوات. وفي الشهر الماضي، وُجّه الاتهام لأربعة كوريين شماليين آخرين لاستخدامهم هويات مزوّرة للحصول على وظائف عن بُعد في شركة أمريكية متخصّصة في العملات المشفّرة. الحصول على الوظائف عمل جين-سو في الصين لعدة سنوات كعامل في تكنولوجيا المعلومات لصالح النظام قبل انشقاقه. وأوضح لبي بي سي أنّه وزملاءه كانوا يعملون غالباً في فرق مكوّنة من عشرة أشخاص. الوصول إلى الإنترنت محدود داخل كوريا الشمالية، لكن في الخارج يتمكّن هؤلاء العمّال من العمل بسهولة أكبر. ويحتاجون إلى إخفاء جنسيتهم، ليس فقط لأنّ ادّعاء كونهم من دول غربية يتيح لهم أجوراً أعلى، بل أيضاً بسبب العقوبات الدولية المفروضة على كوريا الشمالية، خصوصاً بسبب برامجها النووية والصاروخية. ويعدّ هذا المخطّط منفصلاً عن عمليات القرصنة التي تقوم بها بيونغ يانغ لجمع الأموال. ففي وقت سابق من هذا العام، يُعتقد أنّ مجموعة لازاروس – وهي مجموعة قرصنة شهيرة يُفترض أنّها تعمل لصالح كوريا الشمالية، رغم أنّها لم تعترف بذلك – سرقت 1.5 مليار دولار من شركة العملات المشفّرة 'بايبت'. BBC قضى جين-سو معظم وقته في محاولة الحصول على هويات مزوّرة للتقدّم إلى الوظائف. وكان في البداية يتظاهر بأنّه صيني، ويتواصل مع أشخاص في المجر وتركيا ودول أخرى ليطلب استخدام هوياتهم مقابل نسبة من أرباحه، وفق ما قاله لبي بي سي. وأضاف: 'إذا وضعت وجهاً آسيوياً على الملف الشخصي، فلن تحصل على وظيفة أبداً'. بعد ذلك، كان يستخدم تلك الهويات لاستهداف أشخاص في أوروبا الغربية للحصول على هوياتهم، ثم يتقدّم بها لوظائف في الولايات المتحدة وأوروبا. وأوضح أنّه حقّق نجاحاً كبيراً مع مواطنين بريطانيين. وقال: 'بمجرد الدردشة قليلاً، كان الناس في المملكة المتحدة يسلمون هوياتهم بسهولة كبيرة'. وكان عمّال تكنولوجيا المعلومات الذين يجيدون الإنجليزية أكثر، يتولّون أحياناً عملية التقديم. لكن الوظائف في مواقع العمل الحر لا تتطلّب غالباً مقابلات وجهاً لوجه، وغالباً ما تتم التفاعلات اليومية عبر منصات مثل 'سلاك'، ما يجعل انتحال الهوية أمراً سهلاً. وأوضح جين-سو أنّه كان يستهدف السوق الأمريكية أساساً 'لأن الرواتب أعلى في الشركات الأمريكية'. وزعم أنّ عدد العمّال الكوريين الشماليين الذين يحصلون على وظائف كبير لدرجة أنّ الشركات توظّف أحياناً أكثر من شخص واحد منهم من دون علمها. وقال: 'يحدث ذلك كثيراً'. ويُعتقد أنّ هؤلاء العمّال يحصلون على أجورهم من خلال شبكات وسطاء في الغرب والصين. وفي الأسبوع الماضي، حُكم على امرأة أمريكية بالسجن لأكثر من ثماني سنوات لضلوعها في مساعدة عمّال كوريين شماليين في العثور على وظائف وتحويل الأموال لهم. ولا تستطيع بي بي سي التحقّق بشكل مستقل من تفاصيل شهادة جين-سو، لكن من خلال منظمة بيسكور، التي تدافع عن حقوق الإنسان في كوريا الشمالية، اطّلعنا على شهادة عامل آخر تدعم مزاعم جين-سو. كما تحدّثت بي بي سي إلى منشق آخر يُدعى هيون-سونغ لي، قال إنّه التقى عمّال تكنولوجيا المعلومات الكوريين الشماليين أثناء سفره إلى الصين كرجل أعمال لصالح النظام، مؤكداً أنّ تجاربهم متشابهة. مشكلة متنامية تحدّثت بي بي سي إلى مديري توظيف في قطاع الأمن السيبراني وتطوير البرمجيات، قالوا إنّهم رصدوا عشرات المرشحين الذين يشتبهون في كونهم عمّال تكنولوجيا معلومات من كوريا الشمالية خلال عمليات التوظيف. كان روب هينلي، المؤسس المشارك لشركة 'ألي سيكيوريتي' في الولايات المتحدة، كان مؤخراً يقوم بتعيين موظفين لشغل سلسلة من الوظائف عن بُعد في شركته، ويعتقد أنّه أجرى مقابلات مع نحو 30 عاملاً كورياً شمالياً. وقال: 'في البداية كان الأمر أشبه بلعبة، نحاول معرفة من الحقيقي ومن المزيّف، لكنّه أصبح مزعجاً بسرعة'. في النهاية، اضطر إلى أن يطلب من المرشحين خلال المكالمات المرئية إثبات أن الوقت في مكانهم نهاراً. وقال: 'كنا نتعاقد فقط مع مرشحين من الولايات المتحدة لهذه الوظائف. كان من المفترض أن يكون الضوء على الأقل مرئياً بالخارج. لكنني لم أرَ ضوء النهار مطلقاً'. في مارس الماضي، شارك 'دافيد موكزادو'، الشريك المؤسس لشركة 'فيدوك سيكيوريتي لاب' في بولندا، مقطع فيديو لمقابلة عمل عن بُعد أجراها مع مرشح يبدو أنه كان يستخدم برنامجاً للذكاء الاصطناعي لإخفاء ملامح وجهه. وأوضح أنه بعد استشارة الخبراء، خلص إلى أن المرشح قد يكون عاملاً في مجال تكنولوجيا المعلومات من كوريا الشمالية. BBC تواصلنا مع السفارة الكورية الشمالية في لندن لنقدم لها ما ورد في هذا التقرير، لكننا لم نتلقَ رداً. سبيل نادر للهرب تُرسل كوريا الشمالية عمالها إلى الخارج منذ عقود لكسب العملات الصعبة. ويعمل ما يصل إلى 100 ألف شخص في الخارج كعمّال مصانع أو مطاعم، معظمهم في الصين وروسيا. وبعد سنوات من العيش في الصين، قال جين-سو إنّ 'شعور الاختناق' من ظروف العمل القمعية كان يتزايد. وأضاف: 'لم يكن مسموحاً لنا بالخروج، وكان علينا البقاء في الداخل طوال الوقت. لا يمكنك ممارسة الرياضة، ولا القيام بما تريد'. ومع ذلك، أشار إلى أنّ عمّال تكنولوجيا المعلومات الكوريين الشماليين يتمتعون بحرية أكبر في الوصول إلى وسائل الإعلام الغربية أثناء وجودهم في الخارج. وقال: 'ترى العالم الحقيقي. عندما نكون في الخارج، ندرك أنّ هناك خللاً في داخل كوريا الشمالية'. لكن رغم ذلك، زعم أنّ قلّة فقط تفكّر في الهروب كما فعل هو. وقال: 'هم يأخذون المال ويعودون إلى الوطن، قلة قليلة تفكر في الانشقاق'. ورغم أنّهم يحتفظون بجزء صغير من أرباحهم، إلا أنّه يعدّ مبلغاً كبيراً في كوريا الشمالية. كما أنّ الانشقاق محفوف بالمخاطر وصعب للغاية. فالمراقبة في الصين تؤدي إلى القبض على معظمهم. ومن ينجحون في الهروب قد لا يرون عائلاتهم مجدداً، وقد تواجه عائلاتهم عقوبات بسبب فرارهم. ويواصل جين-سو العمل في مجال تكنولوجيا المعلومات بعد انشقاقه، ويقول إنّ المهارات التي اكتسبها أثناء عمله لصالح النظام ساعدته على التأقلم مع حياته الجديدة. ورغم أنّه يكسب الآن أقل ممّا كان يكسبه عندما كان يعمل لصالح النظام، لأنّه لم يعد يشغل وظائف متعدّدة بهويات مزوّرة، فإنّه يحتفظ بمعظم أرباحه. وقال: 'كنت معتاداً على جني المال من خلال القيام بأعمال غير قانونية، لكنني الآن أعمل بجد وأكسب المال الذي أستحقه'.


سيدر نيوز
منذ يوم واحد
- سيدر نيوز
'قوارب الموت' تستمر في حصد الأرواح في المتوسط بعد التحول نحو المسار الليبي
Reuters يخيم الصمت والحزن على قرية السنطة البيضاء بمركز البداري بمحافظة أسيوط جنوبي مصر منذ أيام إذا ينتظرون أخباراً عن ذويهم المفقودين إثر غرق قاربهم في البحر المتوسط. فوجئ محيي باتصالٍ من أخيه محمد في الثاني من يوليو/ تموز الماضي، يخبره فيه أنه سافر إلى ليبيا، بعد أن أقنعه مجموعة من سماسرة رحلات الهجرة غير الشرعية من طبرق إلى اليونان. يضيف محيي باكيًا حاملاً صورةً لأخيه: 'حاولنا كثيرًا إقناعه بالعدول عن الفكرة، لكن دون جدوى، برر لنا محمد السفر بسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة السائدة في البلاد وأحوال الشباب، معتقداً أن الرزق في الخارج أكثر وفرة؛ البلدة بأكملها حزينةٌ عليه وعلى زملائه'. محمد هو أحد المفقودين في حادث غرق مركب هجرة غير شرعية قبالة سواحل مدينة طبرق الليبية في 22 من يوليو/تموز الجاري، وهو ضمن 79 شخصاَ معظمهم مصريون من محافظات مختلفة، كانوا على متن المركب. لقي 18 شخصاَ على الأقل حتفهم، ونجا 10، إثر غرق القارب، ومازال البحث جارياً عن باقي ضحايا الحادث، بحسب المنظمة الدولية للهجرة. وشيعت بعض أسر ضحايا غرق مركب الهجرة غير الشرعية ثلاثة جثامين بمسقط رأسهم في محافظة أسيوط، بينما تنتظر باقي أسر المفقودين ما سوف تسفر عنه عمليات البحث التي تجري حاليا في ليبيا بالتنسيق مع السلطات المصرية. BBC القفز في البحر يعود من جديد تقول المنظمة الدولية للهجرة في بيانها إن هذه المأساة هي تذكير مؤلم بالتكلفة المرتفعة للهجرة غير النظامية والحاجة الملحة إلى بذل جهود دولية منسقة، لتوفير مسارات شاملة وآمنة ونظامية للجميع. وثق مشروع المهاجرين المفقودين التابع للمنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة أكثر من 32 ألف حالة وفاة في البحر الأبيض المتوسط منذ عام 2014، ولا يزال عدد غير معروف في عداد المفقودين. وتشهد السواحل الليبية في الفترة الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في نشاط الهجرة غير الشرعية، حيث أصبحت ليبيا نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين من مختلف الجنسيات، الساعين للوصول إلى السواحل الأوروبية. يتابع محيي شقيق محمد: 'أخي يبلغ من العمر ثلاثين عاماً، متزوج ولديه ابن اسمه يزيد، وكانت أحواله مستقرة والحمد لله. عندما اتصل بنا ليخبرنا أنه استقلّ المركب، أخبرنا بعد خمسة أيام من مكوثه فيه أنه قرر العودة لأن الرحلة لم يُكتب لها النجاح.. كان من المفترض أن يعود في هذا اليوم 22 يوليو /تموز، لكننا فوجئنا في المساء باتصالٍ من أحد الناجين، وهو نيجيري الجنسية، يقول فيه إن المركب قد انقلب بهم، منذ تلك اللحظة، لم يصلنا أي خبر عن محمد، وانقطع أي تواصل معنا'. تقدمت 24 عائلة مصرية ببلاغات رسمية إلى وزارة الخارجية الثلاثاء الماضي، مطالبين بالكشف عن مصير أقاربهم المفقودين في الحادث، ثم أصدرت الخارجية المصرية بياناً الأربعاء الماضي، قالت فيه إن قنصليتها في بنغازي أرسلت وفداً إلى مدينة طبرق بعد تلقيها من السلطات الليبية ما يفيد بغرق أحد القوارب، وأنه تم التعرف على عدد من الجثامين من قبل ذويهم في مصر، واتخاذ الإجراءات اللازمة لنقلها إلى المنفذ الحدودي البري غربي مصر (منفذ السلوم). BBC طرق بديلة وعصابات دولية تقول السفيرة نائلة جبر، رئيس اللجنة الوطنية المصرية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر لبي بي سي عربي، إن الهجرة غير الشرعية هي 'جريمة' منظمة وليست 'ظاهرة' مجتمعية في مصر. وتؤكد جبر أن السواحل المصرية مؤمَّنة بالكامل ولم تخرج منها أي مركب هجرة غير شرعية منذ عام 2016، موضحةً أن الحالات التي تظهر مؤخراً هي حالات فردية تتم عبر طرق بديلة ومعقدة، وليست انعكاساً لقصور أمني مصري على السواحل. بعد حادث غرق مركب رشيد شمالي مصر في سبتمبر/أيلول عام 2016 داخل المياه المصرية، ومقتل 204 أشخاصٍ على الأقل، أطلقت الحكومة المصرية ما تعرف بالإستراتيجية الوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية، بالإضافة إلى إصدار قانون رقم 82 لعام 2016 لمكافحة الهجرة غير الشرعية، والذي وضع عقوبات رادعة لجريمة تهريب المهاجرين أو الشروع أو التوسط فيها. وتم تأسيس اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية عام 2016، ودمجها مع اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الإتجار بالبشر عام 2017، بهدف تنسيق جهود كافة الجهات الوطنية المعنية بمكافحة الهجرة غير الشرعية لوضع السياسات والخطط والبرامج لمنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، حسب الحكومة المصرية. ترجع رئيسة اللجنة السفيرة نائلة جبر استمرار محاولات الهجرة غير الشرعية إلى عاملين رئيسيين، المكاسب المادية التي يحققها المهربون، وضعف بعض النفوس التي تقع فريسة 'لأحلام وردية زائفة تنتهي بمآسي إنسانية'. وتضيف جبر: حالة 'الاشتعال' في المنطقة المحيطة تؤثر سلباً على الاقتصاد المصري وفرص الاستثمار، ما قد يدفع البعض إلى التفكير في الهجرة بأي طريقة. ويتفق معها اللواء فاروق المقرحي مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق وعضو مجلس الشيوخ، قائلاً: مصر اتخذت خطوات حاسمة لمواجهة تفاقم ظاهرة الهجرة غير الشرعية، والتي كانت تشكل قلقًا كبيرًا على المستويين المحلي والدولي. يضيف المقرحي ل بي بي سي عربي: 'قامت الدولة بإنشاء إدارة متخصصة داخل إدارة مباحث الأموال العامة والجريمة المنظمة لمكافحة الهجرة غير الشرعية، تضم ضباطًا على درجة عالية من الكفاءة والخبرة، ونجحنا في السيطرة شبه الكاملة على هذه الظاهرة التي كانت منتشرة في الماضي في محافظات الوجه البحري، وأصبح من النادر، إن لم يكن مستحيلاً، أن تخرج مراكب أو سفن من السواحل المصرية، في رحلات هجرة غير شرعية منذ ما يقرب من خمس سنوات'. ومع إحكام السيطرة على السواحل المصرية، يلجأ الراغبون في الهجرة إلى طرق بديلة عبر دول الجوار. يقول المقرحي إن 'عمليات الهجرة غير الشرعية أصبحت تتم إما من خلال تركيا، أو من خلال ليبيا، أو من خلال الساحل الغربي للبحر المتوسط'. مصري يُدان بالمساعدة في تهريب أكثر من 3,000 مهاجر إلى أوروبا وعن كيفية وصول المهاجرين إلى هذه الدول، يوضح مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، أن المصريين غالباً ما يغادرون البلاد بشكل قانوني عبر تأشيرات سفر، بينما يتسلل المهاجرون من جنسيات أفريقية أخرى عبر الحدود البرية. يختلف مع جبر والمقرحي، نور خليل الخبير في قضايا الهجرة والمدير التنفيذي لمنصة اللاجئين في مصر، حيث يقول ل بي بي سي عربي إن 'الاستراتيجية الأمنية التي تتبعها مصر منذ عام 2016 والقائمة على منع خروج المراكب من سواحلها، لم تنجح في القضاء على الظاهرة، لأن المشكلة الرئيسية لم تُحل، وهي الأسباب التي تدفع الشباب والأسر للمخاطرة بحياتهم'. ويفضل خليل استخدام مصطلح الهجرة غير النظامية، وليس الهجرة غير الشرعية، راصدًا إحصائيات المؤسسات الدولية، التي تقول، بحسبه، إن الجنسية المصرية هي إحدى أكثر الجنسيات التي يحملها المهاجرون الذين وصلوا إلى السواحل الأوروبية منذ عام 2022، التي وصل إليها أكثر من 21 ألف مصري، بينما وصل إليها أكثر من 13 ألف مصري في 2023. يصف خليل الوضع بأنه 'أشبه بالفيضان، إذا وضعت سدًا في مجرى السيل، فسيجد الماء طرقًا أخرى للعبور'. ويرى خليل، الذي يعمل في ملف الهجرة غير الشرعية منذ عام 2012، أن تشديد الرقابة على السواحل المصرية منذ عام 2017 دفع شبكات التهريب والراغبين في الهجرة إلى التحول نحو ليبيا كنقطة انطلاق رئيسية، مضيفاً: 'مع الهدوء النسبي الذي شهدته ليبيا بعد 2019، نشطت حركة الهجرة مجدداً، وخلال الأعوام من 2022 إلى 2025، أصبحت الجنسية المصرية من بين أعلى ثلاث جنسيات وصولاً إلى إيطاليا، ومن أعلى الجنسيات وصولاً لدول الاتحاد الأوروبي'. ويشير خليل إلى تغير ديموغرافية المهاجرين، 'فلم يعد الموضوع مقتصراً على الشباب ذوي التعليم البسيط الباحثين عن عمل، بل امتد ليشمل شباباً من خريجي الجامعات، وأسراً بأكملها من أب وأم وأطفال'، مرجعاً ذلك إلى الأزمة الاقتصادية الطاحنة في مصر، بحسبه. EPA ما هي الحلول الممكنة؟ يقول ناصر، عم مصطفي وهو أحد المفقودين، إن أكثر من 30 شاباً من مركز البداري كانوا على متن القارب، من بينهم مصطفى وأربعة آخرون بمثابة أبناء إخوتي، وردنا أن اثنين منهم قد تراجعا ورفضا الصعود، بينما صعد ثلاثةٌ منهم. تقول السفيرة نائلة جبر رئيس اللجنة الوطنية المصرية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر لبي بي سي عربي إن 'مصر تتبنى استراتيجية شاملة لحل مشكلة الهجرة غير الشرعية، لا تقتصر على الحلول الأمنية، بل تمتد لتشمل التوعية وتوفير البدائل'. وتشمل هذه الاستراتيجية، كما تشرح جبر، التوعية من خلال زيارات ميدانية للجنة للمحافظات الأكثر تصديراً للهجرة، مثل أسيوط والمنيا، حيث تعقد لقاءات مباشرة مع الشباب وشيوخ المساجد، وآباء الكنيسة والقيادات المجتمعية للتوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية، إضافةً إلى إنتاج أفلام وثائقية لعرض قصص واقعية ومآسي حقيقية جراء هذه المشكلة. وتضيف جبر أن لجنة مكافحة الهجرة غير الشرعية تسعى أيضاً لتقديم البدائل الاقتصادية من خلال عرض قصص نجاح للشباب في عدة محافظات استطاعوا بدء مشاريع صغيرة ناجحة من خلال قروض ميسرة من الدولة، بحسبها. وتسعى اللجنة أيضاً بحسب جبر، إلى تمكين المرأة 'نظراً لأن نسبة الإعالة التي تقوم بها المرأة تصل إلى 30 بالمئة، ثم اختيار شباب مؤثرين ليكونوا سفراء قادرين على توصيل رسالة التوعية إلى أقرانهم بفاعلية، إضافة إلى التعاون مع المجتمع المدني والجمعيات الأهلية بشكل وثيق لأنها تمتلك قدرة أكبر على الوصول إلى القرى والنجوع وإقناع الأهالي بمخاطر الهجرة غير الشرعية'. بينما يرى الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، أن الحل لا يكمن فقط في الإجراءات الأمنية، بل في تغيير القناعات والنظرة المجتمعية، مضيفاً: 'يجب أن يكون هناك رضا بنصيب الناس من الدنيا، مشيراً إلى أن 'المبالغ الطائلة التي يدفعها الشباب للمهربين، والتي قد تصل إلى مئات الآلاف من الجنيهات، يمكن أن تكون نواة لمشروعات ناجحة في مصر'. واختتم المقرحي حواره مع بي بي سي قائلاً: 'مواجهة هذه الظاهرة مسؤولية مشتركة، تتطلب تضافر الجهود على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، مع التركيز على معالجة الأسباب الجذرية التي تدفع الشباب إلى إلقاء أنفسهم في أحضان الموت بحثًا عن مستقبل أفضل'. من جهته، يرى نور خليل المدير التنفيذي لمنصة اللاجئين في مصر أن الحل ليس أمنيًا، بل سياسي واقتصادي، لمعالجة جوهر الأزمة وخلق بيئة جاذبة تمنح الشباب أملًا في المستقبل داخل وطنهم. ويوضح خليل: 'ما دامت هناك أسباب تدفع الشخص للهروب، فسيجد من يوفر له هذه الخدمة. المسألة ليست مكافحة التهريب فقط'. ويرى الناشط الحقوقي، أن الحل الحقيقي يكمن في توفير مساحات للشباب للتعبير عن أنفسهم وأفكارهم، والشعور بالأمان في بلدهم، وتوفير فرص عمل حقيقية وتنمية مستدامة، بدلاً من الحلول القائمة على الديون أو بيع الأصول. مازال الأهالي في مركز البداري يجتمعون كل يوم لتبادل المعلومات عن ذويهم المفقودين..يطالب ناصر المسؤولين أن يفصحوا عن أسماء الناجين المحتجزين قائلًا: 'وصلت إلينا معلومات تفيد بأن هناك فرقة تُعرف باسم 'الكتيبة 2020″ تحتجز عدداً من الأشخاص، وأن هناك جهة أمنية أخرى غير معلومة في ليبيا لديها أيضاً ناجون على قيد الحياة'.