
نحو مأسسة الأثر الاجتماعي.. من المجاملة إلى المنهج
«الشخصية أشبه بمجموعة من العادات والميل والاهتمامات، مرتبطة بشكل فضفاض وتعتمد أحيانًا على الظروف والسياق». هكذا قال مالكولم غلادويل. في المشهد الاجتماعي المعاصر، كثيرًا ما نرى مبادرات نبيلة تُطلق بنوايا طيبة، وحملات دعم وتعاطف تنتشر سريعًا عبر المنصات الرقمية. لكن هذه الظواهر، رغم أهميتها الإنسانية، تطرح سؤالًا جوهريًا: هل يكفي التعاطف؟ وهل المجاملة العاطفية تغني عن المبادرة الحقيقية؟
في المملكة العربية السعودية، نشهد حراكًا متزايدًا نحو تفعيل العمل التطوعي كرافد من روافد التنمية، مدعومًا برؤية طموحة ضمن خطة 2030. ووفقًا لبيانات منصة العمل التطوعي، لدينا أكثر من مليون متطوع بمجموع ساعات تطوعية فاق 59 مليون ساعة، وعائد اقتصادي تقديري يتجاوز 1.2 مليار ريال.. هذه الأرقام ليست فقط شهادة على الحماسة المجتمعية، بل مؤشر على تحول ثقافي في الوعي العام تجاه العطاء والمشاركة.
ولعل في خضم هذا التوسع، يبرز التحدي الحقيقي: كيف نقيس الأثر؟ وما الذي يجعل من المبادرة فعلًا مستدامًا لا مجرد ومضة عاطفية؟ في مقال نشرته صحيفة The Guardian بعنوان: 'Can you set a standard for social impact?'، طُرحت إشكالية غياب معايير موحدة لقياس الأثر الاجتماعي، رغم إدراك الجميع لأهميته. بل إن شركات محاسبية كبرى مثل PwC وEY بدأت تتعامل مع تقارير الأثر بنفس جدية تدقيق القوائم المالية.
هذه المعايير، رغم تعقيدها، تحمل رسالة واضحة: النية لا تكفي. المجتمعات تحتاج إلى مبادرات تُقاس، وتُراجع، وتُدمج في السياسات العامة، لا أن تبقى محصورة في تقارير العلاقات العامة أو صور المناسبات الموسمية.
وإذا عدنا لقول مالكولم غلادويل، فإن الشخصية تتكون من العادات المتكررة والسلوكيات المتكاملة. وكذلك الأثر الاجتماعي، لا يُبنى بردود فعل ظرفية، بل بصناعة «عادة مجتمعية» تتغذى على الاهتمام المستمر، وتُترجم إلى نتائج ملموسة. نحن بحاجة إلى أنسنة المبادرة، نعم، لكننا بحاجة كذلك إلى مأسستها.
التطوع مبهر لدى الشباب، وأنا على يقين بقدرتنا على تحقيق ذلك وأن يصبح التطوع نمط حياة ورأيته بالفعل في الجيل الصاعد. وما نحتاجه اليوم هو وعي جديد، يرى في كل مبادرة مشروعًا صغيرًا للتغيير، يقوده الأفراد ويقيسه المجتمع، ويتكامل مع نسيج الدولة ومساراتها التنموية.. فالأثر الحقيقي ليس ما نشعر به، بل ما نتركه وراءنا.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عكاظ
منذ 5 ساعات
- عكاظ
جامعة الملك فهد ضمن أفضل 100 جامعة في تصنيف «كيو إس»
حققت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن إنجازاً أكاديمياً عالمياً جديداً بدخولها قائمة أفضل 100 جامعة في العالم، بعدما حصدت المرتبة 67 عالمياً، وفق تصنيف «كيو إس» لعام 2025. ويعكس هذا الإنجاز مسيرة التحول الإستراتيجي التي أطلقتها الجامعة 2020، والتي قادتها للارتقاء من المرتبة 200 إلى موقعها الحالي خلال 5 أعوام فقط. ورفع وزير الطاقة رئيس مجلس أمناء الجامعة الأمير عبدالعزيز بن سلمان، الشكر للقيادة، على دعمها المستمر الذي عزز جودة المخرجات الأكاديمية والبحثية. وأكد رئيس الجامعة الدكتور محمد السقاف، أن هذا التقدم يترجم الرؤية الطموحة للجامعة وطموحها نحو العالمية. أخبار ذات صلة


الرياض
منذ 6 ساعات
- الرياض
هيئة المياه تطلق هوية جائزة الابتكار العالمية (GPIW)
أطلقت الهيئة السعودية للمياه الهوية الجديدة لجائزة الابتكار العالمية في المياه (GPIW)، وجددت دعوتها المبتكرين والباحثين والجهات العلمية والبحثية الراغبين في المشاركة في النسخة الثالثة من الجائزة، إلى التسجيل عبر الموقع الرسمي مع بدء العد التنازلي لتنظيم حفل الجائزة المقرر إقامته في مدينة جدة في الثامن من ديسمبر المقبل، بالتزامن مع انعقاد مؤتمر الابتكار في استدامة المياه في نسخته الرابعة. إذ حققت النسختان السابقتان إقبالاً قياسيًا في أعداد المتقدمين والدول التي يمثلونها، وتؤكد الجائزة في نسختها الثالثة التزام الهيئة بتعزيز بيئة الابتكار وتمكين الكفاءات البحثية والتقنية، بما يسهم في تطوير منظومة المياه إقليميًا وعالميًا. وتعدُّ منذ انطلاقها، إحدى المنصات الدولية المعترف بها لدعم البحث والتطوير في المياه، وتوفير بيئة تنافسية علمية رفيعة المستوى، تجمع المبتكرين من مختلف التخصصات، وتمنح مشروعاتهم فرصة للانتقال من المفهوم إلى التطبيق في بيئات تشغيلية حقيقية. وتغطي الجائزة بهويتها الجديدة هذا العام ست فئات رئيسة تعكس أبرز التحديات والفرص في تقنيات حلول المياه، وتشكل محورًا أساسيًا للتنافس بين المشاركين، بما يعكس تنوع الجائزة وارتباطها بالتحولات العالمية في إدارة الموارد المائية. وتشمل هذه الفئات: التقنيات المتقدمة لإنتاج المياه، وتحسين جودة المياه وإعادة استخدامها، والاقتصاد الدائري وتقنية الصفر رجيع ملحي، والنماذج الرقمية وتحسين العمليات والأتمتة، وإنتاج المياه المستدام والحفاظ على البيئة، إضافة إلى تقنيات معالجة مياه الصرف بتكلفة منخفضة. وتُمنح من خلال ثلاثة مسارات رئيسة: جائزة الاكتشاف للمشروعات الناشئة، وجائزة الريادة للمشروعات المتقدمة، وجوائز التأثير التي تشمل (12) مشروعًا أثبتت فعاليتها في السياق التطبيقي. وتشمل فئات تكريمية تخصصية تُعنى بالجاهزية السوقية، وأثر السياسات، والتميز في البيئة الابتكارية، مما يعزز اتساع نطاق الاعتراف العلمي والتجاري بالمشروعات الفائزة. وقد استقطبت النسختان السابقتان أكثر من (650) مشاركة من (44) دولة، بمشاركة ما يزيد على (120) جهة دولية تمثل جامعات ومعاهد ومراكز أبحاث وشركات ناشئة، حيث تُوّج أكثر من (22) فائزًا بجوائز مالية وفرص تشغيل تجاوزت قيمتها مليوني دولار أميركي. وتمثل الجائزة -بما تحمله من معايير علمية صارمة، وآليات تحكيم دولية، وشراكات مع نخبة الجهات المتخصصة- منصة نوعية للمشروعات الابتكارية الجادة، وفرصة للمشاركين للتفاعل مع شبكة من الخبراء والممارسين من مختلف أنحاء العالم، ضمن إطار تنظيمي يدعم تبادل المعرفة وتسريع نقل التقنية. وتجدد الهيئة السعودية للمياه، من خلال هذه المبادرة، التزامها الإستراتيجي بدعم الابتكار محركًا رئيسًا لاستدامة الموارد المائية، وتدعو المبتكرين والباحثين والجهات العلمية والمؤسسات التقنية إلى تقديم مشاركاتهم في هذه النسخة، التي تستمر في ترسيخ موقع المملكة حاضنةً دوليةً للبحث والابتكار في المياه.


الرياض
منذ 6 ساعات
- الرياض
نحو مأسسة الأثر الاجتماعي.. من المجاملة إلى المنهج
«الشخصية أشبه بمجموعة من العادات والميل والاهتمامات، مرتبطة بشكل فضفاض وتعتمد أحيانًا على الظروف والسياق». هكذا قال مالكولم غلادويل. في المشهد الاجتماعي المعاصر، كثيرًا ما نرى مبادرات نبيلة تُطلق بنوايا طيبة، وحملات دعم وتعاطف تنتشر سريعًا عبر المنصات الرقمية. لكن هذه الظواهر، رغم أهميتها الإنسانية، تطرح سؤالًا جوهريًا: هل يكفي التعاطف؟ وهل المجاملة العاطفية تغني عن المبادرة الحقيقية؟ في المملكة العربية السعودية، نشهد حراكًا متزايدًا نحو تفعيل العمل التطوعي كرافد من روافد التنمية، مدعومًا برؤية طموحة ضمن خطة 2030. ووفقًا لبيانات منصة العمل التطوعي، لدينا أكثر من مليون متطوع بمجموع ساعات تطوعية فاق 59 مليون ساعة، وعائد اقتصادي تقديري يتجاوز 1.2 مليار ريال.. هذه الأرقام ليست فقط شهادة على الحماسة المجتمعية، بل مؤشر على تحول ثقافي في الوعي العام تجاه العطاء والمشاركة. ولعل في خضم هذا التوسع، يبرز التحدي الحقيقي: كيف نقيس الأثر؟ وما الذي يجعل من المبادرة فعلًا مستدامًا لا مجرد ومضة عاطفية؟ في مقال نشرته صحيفة The Guardian بعنوان: 'Can you set a standard for social impact?'، طُرحت إشكالية غياب معايير موحدة لقياس الأثر الاجتماعي، رغم إدراك الجميع لأهميته. بل إن شركات محاسبية كبرى مثل PwC وEY بدأت تتعامل مع تقارير الأثر بنفس جدية تدقيق القوائم المالية. هذه المعايير، رغم تعقيدها، تحمل رسالة واضحة: النية لا تكفي. المجتمعات تحتاج إلى مبادرات تُقاس، وتُراجع، وتُدمج في السياسات العامة، لا أن تبقى محصورة في تقارير العلاقات العامة أو صور المناسبات الموسمية. وإذا عدنا لقول مالكولم غلادويل، فإن الشخصية تتكون من العادات المتكررة والسلوكيات المتكاملة. وكذلك الأثر الاجتماعي، لا يُبنى بردود فعل ظرفية، بل بصناعة «عادة مجتمعية» تتغذى على الاهتمام المستمر، وتُترجم إلى نتائج ملموسة. نحن بحاجة إلى أنسنة المبادرة، نعم، لكننا بحاجة كذلك إلى مأسستها. التطوع مبهر لدى الشباب، وأنا على يقين بقدرتنا على تحقيق ذلك وأن يصبح التطوع نمط حياة ورأيته بالفعل في الجيل الصاعد. وما نحتاجه اليوم هو وعي جديد، يرى في كل مبادرة مشروعًا صغيرًا للتغيير، يقوده الأفراد ويقيسه المجتمع، ويتكامل مع نسيج الدولة ومساراتها التنموية.. فالأثر الحقيقي ليس ما نشعر به، بل ما نتركه وراءنا.