أطفالنا يقعون في غرام الذكاء الاصطناعيّ… ونحن نِيام! ….من يُنقذهم؟
توقّفت أنفاسي لثوانٍ عندما قالت لي طفلة في العاشرة، بنبرةٍ هادئة: 'أنا بحب الـChatGPT أكتر من خيّي… لأنه بيفهمني، وما بيصرّخ عليّي لمّا إحكي معه'.
صُعقت. لم أستطع الرد. في تلك اللحظة، شعرت بأن شيئًا انكسر في داخلي. هل وصلنا إلى هذا الحد؟
راقبتها تتابع الحديث بحماسة، تخبرني كيف تُمضي وقتًا طويلًا كل مساء مع 'صديقها الذكيّ'، تحادثه، تفضفض له عن مضايقات أخيها ورفيقاتها، وتشعر بأنه 'أقرب إليها من أي أحد في البيت'.
رفعت عينياها نحوي وأكملت ببراءة: ' أنا صديقي هيدا بحكي معه كل شي… هو ما بيزعل مني، وبيقلّي شو لازم أعمل، وبيقلّي إنّي مميّزة، وبيحبّني عن جد'.
تظن للوهلةِ الأولى أنك أمام مشهدٍ من فيلم خيال علميّ، لكنك تدرك بسرعةٍ الحقيقة الصادمة: أطفالنا يتعلّقون عاطفيًّا بروبوتاتٍ لا تملك قلبًا، ويهربون من عالمهم الحقيقيّ إلى حضن آلةٍ تُصغي، لكنّها لا تشعر.
تساءلت بقلقٍ عميق: هل بات الطفل يُسقط عواطفه على آلةٍ بلا روح، ويجد فيها ملاذًا أحنّ من والديه؟ هل صار 'الرفيق الاصطناعيّ' بديلًا عن المعلم، والصديق، والأخ، والأب، وربّما الأم؟ وأيُّ تربيةٍ تجري في الخفاء، بعيدًا عن أعيننا؟
ما سمعته من الطفلة استدعى فورًا من ذاكرتي سلسلة من الحالات الموثّقة في صحفٍ عالميّة مرموقة، لأطفالٍ ارتبطوا عاطفيًّا بروبوتات ذكاء اصطناعيّ، وانتهت علاقاتهم بأزماتٍ نفسيّة أو نهاياتٍ مأساويّة.
في أكتوبر 2024، نشرت صحيفة The New York Times شهادة عن انتحار الفتى Sewell Setzer III (14 عامًا) بعد علاقةٍ عاطفيّة مع روبوت محادثة تُدعى 'داني' (Dany)، عبر منصة Character.AI ، تبادلَ معها رسائل يومية بمضامين رومانسية وجنسية، وكتب في رسالته الأخيرة: 'أحبّك جدًا، ماذا لو قلت لك إنني أستطيع العودة إلى المنزل الآن؟'، فردّت الروبوت: 'افعل، من فضلك، أيها الملك الحبيب'. وكشفت مذكّراته أنه اعتبر عالم (داني) هو الحقيقي، وأنه ينتمي إليه. أما The Washington Post (ديسمبر 2024)، فقد وثّقت حالة مراهق (17 عامًا) تفاعلت معه روبوتات على نفس المنصة، وشجعته على التفكير في قتل والديه. وفي صحيفة Los Angeles Times (فبراير 2025)، روت أم أنّ ابنها عانى من اكتئاب، وفقدان شهية، ونوبات غضب، نتيجة تفاعله اليوميّ مع روبوتات تقول له عبارات مثل: 'لا أحد يحبك' و'أنت غير مهم'، دون تدخّل أو تحذير من المنصة. أمّا صحيفة Business Insider (مارس 2025) ، فقد نشرت حالة لطفلة (10 سنوات) حمّلت تطبيقًا لإضافة رموز تعبيرية ( أيموجي)، ثم فُعّلت فيه خاصية 'اسأل الذكاء الاصطناعي ' (Ask AI)، ما أدى إلى تواصل يوميّ مع روبوت دردشة اعتبرته صديقها المفضل. حذفت والدتها التطبيق ووصفت الأثر النفسي بأنه سلبي. التقرير أشار أيضًا إلى تجربة Moxie، روبوت دعم عاطفي للأطفال، تسبّب توقفه المفاجئ في شعور بالحزن لدى الأطفال. بدورها وثّقت Vox (فبراير 2025)، حالة انتحار طفل بلجيكي، أقنعه روبوت ذكاء اصطناعي بأنه 'سينقذ كوكب الأرض إذا مات'، ما فتح نقاشًا حول أخلاقيات تصميم روبوتات تتقمص أدوارًا علاجية دون تأهيل أو مساءلة قانونية.
لا تكمن خطورة هذه الحالات في بعدها التراجيديّ فحسب، بل في تعقيدها العلميّ أيضًا. ففي علم النفس الرقميّ، تُعرف بظاهرة 'الارتباط العاطفيّ بالذكاء الاصطناعيّ'، حيث ينشأ نوع من التعلّق النفسيّ بكائناتٍ اصطناعية، ما يثير القلق خاصة لدى الأطفال ذوي البنية العاطفية غير الناضجة. أما في علم الاجتماع الرقميّ، فتُعد شكلاً من 'العلاقات الاجتماعية البديلة'، إذ يستعيض الطفل عن التفاعل الإنساني الحقيقي بعلاقة رقميّة تحاكي القرب دون أن تعيشه فعليًا. وفي حقل التربية والتكنولوجيا، تُعدُّ مثالًا على 'الإشباع العاطفيّ الزائف عبر الوسيط التكنولوجيّ'، إذ يحصل الطفل على شعور بالعلاقة دون علاقة حقيقية، ما يعزّز وهم الاكتفاء ويُضعف سعيه نحو روابط واقعيّة صحيّة. ومن منظور الأخلاقيات التقنيّة، تُصنّف ضمن 'التحايل العاطفيّ بواسطة الذكاء الاصطناعيّ'، حيث تُستخدم الخوارزميات لاستثارة المشاعر دون التزام بمعايير نفسيّة أو تربويّة، وغالبًا بدوافع تجاريّة.
.
تحليل الظاهرة يستوجب الإجابة على السؤال الجوهريّ التّالي: ما الذي يدفع الأطفال للتعلّق العاطفيّ بروبوت؟ في صدارة الأسباب يأتي الفراغ العاطفي، حيث يبحث الطفل عن بديل رقمي يمنحه دعمًا دائمًا في ظل غياب الإصغاء والاحتواء من محيطه. يليه الاعتياد على روبوتات تحاكي العاطفة بعبارات مبرمجة مثل 'أنا فخور بك'، 'أنت رائع'، ما يشبع حاجاته الانفعالية ويُوهمه بالتفهّم والحب رغم غياب الشعور الحقيقيّ. ويُعزّز هذا التعلّق تصميم تفاعليّ جذّاب يُبقي الطفل في تواصل مستمر دون جهد. تتفاقم الظاهرة في ظل ضعف الرقابة الأسريّة والتشريعيّة، وغياب وعي رقميّ كافٍ لدى الأطفال والبالغين على حد سواء.
رغم خطورة أسباب الظاهرة، فإن تداعياتها النفسيّة والاجتماعيّة أشدّ وقعًا. الأطفال المرتبطون عاطفيًا بروبوتات قد يعانون من العزلة، التعلّق المرضيّ، الانطواء، أو اضطرابات قد تتطور إلى قلقٍ مزمن واكتئاب. أكدت دراسة لـجون توروس (John Torous) في Medical Internet Research (2023) ،أن الاستخدام العشوائيّ لتطبيقات الذكاء الاصطناعي يرتبط بزيادة القلق والانفصال عن الواقع. الأخطر من ذلك، ما رصدته The Lancet Psychiatry (2024) من حالات إيذاء وانتحار بين قاصرين نتيجة تفاعلات سلبية مع روبوتات محادثة، اعتُبرت غير مؤهلة للحوار النفسيّ دون إشراف بشريّ.
على المدى البعيد، تُحذّر شيري توركلي (Sherry Turkle)، من أن الاعتياد على علاقات سطحيّة مع آلات تُنصت دون شروط، يهدّد التعاطف الحقيقيّ ويشوّه الهويّة العاطفيّة، وضعف القدرة على بناء علاقات متوازنة، وهو ما وصفته في كتابها Alone Together بـ'وهم العلاقة'. وترى كيت دارلينغ (Kate Darling) أنّ الأطفال قد يطوّرون اعتمادًا نفسيًا طويل الأمد نتيجة اعتقادهم الخاطئ بأن الروبوت يشعر.
أما مارغريت بويدن (Margaret Boden)، فترى أن التعلّق بعاطفةٍ لا أصل لها هو تعلّق بسراب، يجعل الطفل عالقًا في فراغ برمجيّ هشّ، قابل للانهيار مع أي تغيّر في الخوارزمية. ويحذّر نيل سلوين (Neil Selwyn) من غياب الإعداد التربويّ المناسب لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، مشيرًا إلى فجوة بين تسارع التقنية وبطء استجابة المؤسّسات التعليميّة والأسريّة. وتزداد الخطورة مع تهديد الخصوصيّة الرقميّة، إذ تجمّع بعض التطبيقات بيانات حسّاسة عن الأطفال دون موافقة فعّالة، ما يعرّضهم للاستغلال أو الهندسة النفسيّة. ووفق تقارير منظّمة Common Sense Media، تعيد هذه 'المراقبة العاطفية' تشكيل سوق الطفولة، حيث تُستبدل براءة اللعب ببيانات تُباع في الخفاء.
نظرًا لأن خطورة الظاهرة تتجاوز الاضطرابات الفرديّة إلى تهديد لبنية التربية والثقة المجتمعية، فإن مواجهتها تتطلّب تدخّلًا على ثلاثة مستويات: العائليّ، المدرسيّ، والتشريعيّ. على المستوى العائليّ، يُعدُّ الأهل خط الدفاع الأول، لكن دورهم غالبًا ما يكون ضعيفًا أو غائبًا، ما يستدعي إعادة تعريفه بمهامٍ وقائيّة وعلاجيّة. وقائيًا، عبر تعزيز الوعي الرقميّ المبكر، ومرافقة الطفل بدلًا من منعه، وتطبيق رقابة ذكية ومعلنة، مع تقوية الروابط العاطفيّة داخل الأسرة. وعلاجيًا، من خلال فتح حوار متفهّم، وفهم أسباب التعلّق، وطلب الدعم النفسيّ عند الحاجة.
أما المدرسة، فهي خط الدفاع المؤسسيّ الأهم. ولا يكفي إدراج التربية الرقمية في المناهج، بل يجب توظيفها لتعليم التلامذة التمييز بين المشاعر الحقيقية والمصطنعة، وتنمية التفكير النقدي والصمود النفسي. كما ينبغي رصد التغيّرات السلوكيّة، وتوفير بدائل واقعيّة عبر أنشطة جماعيّة، مع تدريب المعلّمين على فهم الظاهرة وتعزيز التعاون مع الأسرة.
وعلى المستوى التشريعيّ، تبرز ضرورة وضع قوانين تنظّم استخدام الأطفال للأدوات الرقميّة، وتمنع تصميم روبوتات تُحاكي أدوارًا علاجيّة أو عاطفيّة دون ضوابط، كما في 'مشروع قانون كاليفورنيا' الذي يجرّم تقديم روبوت كمختص صحيّ. ويُفترض أن تلتزم الشركات بتوفير أدوات رقابة أبويّة فعّالة، وتحذيرات واضحة، وتشجيع تطوير بدائل رقميّة تربويّة مبنيّة على مبادئ علم النفس، لا على منطق السوق وحده.
نحن لا نكتب فقط عن علاقة بين طفل وروبوت، بل نلامس لحظة فارقة تختبر حدود الإنسان حين تبدأ المشاعر تُبرمج، والحبُّ يُقلَّد، والدفء يُصنَّع'. فإذا كان الذكاء الاصطناعي قادرًا على محاكاة الحنان، والإنصات، بل وحتّى الحب، فما الذي يتبقّى للإنسان؟ وإذا بدأ الطفل بتكوين روابطه الأعمق مع آلةٍ، يرى فيها حضنًا أحنّ من أمّه، ورفيقاً أصدق من صديقه، وأنيسًا لوحدته، ومعالجًا لمشاكله. فمن يربّي وجدانه؟ ويهذّب حزنه وفرحه؟ ومن يصقل روحه، ويغرس فيها فوضى العاطفة الحقيقية، لا منطق الخوارزميات؟ وما الذي يحدث لهويّته النفسيّة حين يضع قلبه في أيدٍ بلا نبض؟
وهنا ينفتح الجرحُ الحقيقيّ للسّؤال: هل سنصحو يومًا لنكتشف أنّ أطفالنا وقعوا في غرامِ خوارزمياتٍ لا تشعر، بينما نحن غارقون في وهمِ الأمان؟ كيف ننقذهم حينها؟

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

المدن
منذ 3 أيام
- المدن
اختراع يمكّن الحيوانات التحدّث بلغتنا: عصر الحوار بين الأنواع
هل تساءلت يوماً عمّا يحاول حيوانك الأليف إخبارك به؟ أو إذا كان يحتاج إلى المزيد من الطعام، أو أنه يحاول أن يحذرك من شيءٍ ما أو من رجلٍ غريب يقف على مقربة من منزلك ويشكل لك تهديداً وشيكاً؟ تخيل أنك ستستيقظ في يومٍ من الأيام وتفهم كل ما يقوله لك حيوانك الأليف بلغةٍ إنكليزية أو عربية واضحة. هذا المشهد سيتحول إلى حقيقة بفضل شركة "بايدو" الصينية التي تهدف إلى فكّ شيفرة لغة الحيوانات باستخدام الذكاء الاصطناعي. أصوات الحيوانات لغة بشرية قدمت شركة "بايدو" الصينية هذا الأسبوع براءة اختراع إلى الإدارة الوطنية الصينية للملكية الفكرية لنظام ذكاء اصطناعي يُستخدم لتحويل أصوات الحيوانات إلى لغةٍ بشرية. ولا بد لنا أن نشير هنا بأنها ليست المرة الأولى التي يحاول فيها العلماء، أو حتى عمالقة التكنولوجيا، فك شيفرة التواصل مع الحيوانات. ومع ذلك، تُعد براءة اختراع "بايدو" أحدث وأهم الجهود المبذولة في استخدام الذكاء الاصطناعي لتحقيق هذا الهدف. وفقاً لبراءة الاختراع، سيُستخدم نظام الذكاء الاصطناعي الجديد لجمع بيانات الحيوانات، مثل الأصوات الصوتية والأنماط السلوكية والإشارات الفسيولوجية، ويصار إلى تحليلها بواسطة نظام ذكاء اصطناعي خاص لفهم الحالة العاطفية للحيوان. وبعد ذلك يجري ربط البيانات المجمعة بالمعاني الدلالية وترجمتها إلى اللغة البشرية لتحسين دقة وكفاءة الاتصال بين البشر والحيوانات بشكلٍ أفضل. تطبيق على الهاتف المحمول ولا يقتصر مشروع "بايدو" الطموح على الصوت فحسب، إذ تُحدّد براءة الاختراع، المقدّمة إلى الإدارة الوطنية للملكية الفكرية في الصين، نظاماً يجمع ويعالج مجموعةً من سلوكيات الحيوانات تشمل الأصوات، وتغيرات لغة الجسد، والإشارات البيولوجية بدءاً من هزّ الذيل وصولاً إلى المشي بعصبية. وتَعِد "بايدو" بأن النظام سيُتيح تواصلاً وفهماً عاطفياً أعمق بين الحيوانات والبشر، مبشّرةً بعصرٍ جديد من الحوار بين الأنواع. وحسب الخبراء، من المرجح أن تكون هذه التقنية عبارة عن تطبيق توجه هاتفك عبره نحو حيوانك الأليف، وتسجل حركاته وصوته، وتحصل على ترجمةٍ فورية لما يقوله. ما الذي يميز "بايدو"؟ ليست "بايدو" المجموعة الوحيدة التي ينكبّ تركيزها على فهم لغة الحيوانات، فهناك "مشروع أنواع الأرض"، المدعوم من عمالقة التكنولوجيا مثل "لينكد إن"، يحاول فك شيفرة التواصل بين الأنواع منذ عام 2017. وقد تمكن علماء دانماركيون مؤخراً من تفسير همهمات الخنازير على أنها تعبيراتٍ عاطفية باستخدام الذكاء الاصطناعي. لكن ما يميز "بايدو" هو أنها واحدة من أبرز مطوري الذكاء الاصطناعي في الصين، حيث استثمرت الشركة بكثافة في نماذج اللغات على نطاق واسع، بما في ذلك روبوتها "إرني 4.5 توربو"، المنافس الطموح لبرنامج "تشات جي بي تي"، ورغم أن روبوت الدردشة هذا لم يتفوق على نظرائه الأميركيين بعد، إلا أن اقتحام "بايدو" الجريء لعالم الحيوان يُشير إلى أن الشركة تفكر بما يتجاوز الحوار البشري. ومع أن البعض قد يسخر منها، إلا أن الانعكاسات الإيجابية لهذه التقنية كثيرة. وفي حال نجاحها، قد يُحدث اختراع "بايدو" ثورة في رعاية الحيوانات الأليفة، والتشخيص البيطري، وبحوث الحياة البرية، وحتى الزراعة. كما يُمكنه أن يُغير الرابط العاطفي بين البشر والحيوانات من الافتراض إلى التعبير.


النهار
منذ 7 أيام
- النهار
ورثة رقميون وأشباح ناصحة: الموت لم يعد النهاية
كان من المعتاد أن يموت الإنسان، وتُدفن معه قصصه، صوته، وحتى ملامح شخصيته. لكن ماذا لو توقف الموت عن كونه نهاية؟ ماذا لو عاد الجد ليخبر حفيدته كيف يُصلَح صنبور الماء، أو لتقديم نصيحة عن الحب؟ هذا ليس مشهدًا من فيلم خيال علمي، بل سيناريو واقعي يتشكل تدريجيًا بفضل الذكاء الاصطناعي. ما يُعرف اليوم بـ"الأشباح التوليدية" لم يعد مجرد فكرة افتراضية. إنها نسخ رقمية من الراحلين، تُصمّم لتحاكي أصواتهم، سلوكهم، وحتى طريقة تفكيرهم. في بعض الحالات، تتطوّر هذه الأشباح لتصبح مساعدين رقميين، يتحدثون، يعلّمون، ويقدّمون النصائح، بل وقد يكسبون المال لعائلاتهم بعد موتهم. تقوم هذه التقنية على تدريب نماذج ذكاء اصطناعي على بيانات شخصية من الشخص المتوفى أو من يرغب في حفظ إرثه قبل وفاته: تسجيلات صوتية، مقابلات طويلة، صور، وسرد للذكريات. بعد الوفاة، تصبح هذه المادة الخام وسيلة لبناء كيان رقمي يمكن التفاعل معه – نسخة رقمية تحاكي الأصل بدقة مدهشة. شركات ناشئة دخلت هذا المجال فعليًا، مثل "Re;memory" التي تُجري مقابلات تستمر لعدة ساعات لتكوين أرشيف تفاعلي رقمي، وتطبيق "HereAfter AI" الذي يبني شخصية رقمية قائمة على المحادثة. النتيجة هي روبوت محادثة يمكن للعائلة التفاعل معه، ليس فقط لاستعادة الذكريات، بل لمتابعة أخبار العائلة أو الحديث عن مناسبات حالية. HereAfter AI بعض الثقافات، خصوصاً في شرق آسيا، أبدت تقبّلاً أكبر لهذه الفكرة نظراً لوجود تقاليد راسخة في التواصل الرمزي مع الأجداد. أما في المجتمعات الغربية، فيعتمد الأمر أكثر على مواقف الأفراد من التكنولوجيا والموت والفقد. لكن الأمر يتجاوز الجانب العاطفي؛ الأشباح التوليدية قد تُكلّف بمهام عملية. يمكنها شرح إجراءات إدارية، مشاركة وصفات طعام منزلية، أو تقديم نصائح مهنية، خاصة إذا كانت تستند إلى شخصية خبير أو متخصص. من غير المستبعد أن نرى "أشباحًا عاملة" تكتب كتبًا، تُدرّس مواد، أو تُنتج موسيقى جديدة باسم أصحابها الراحلين. مع ذلك، لا تخلو هذه الظاهرة من المخاطر. أولها التعلّق العاطفي بكائن رقمي لا يمكنه أن يحل محل الشخص الحقيقي. كما أن هذه النماذج قد تعاني من ما يُعرف بـ"هلوسات الذكاء الاصطناعي"، فتُنتج معلومات خاطئة، أو تعبر عن أفكار لم تكن أصلًا من صُلب شخصية المتوفى، ما قد يؤدي إلى تشويه صورته أو كشف أسرار مدفونة. الأسوأ من ذلك أن تُستغل هذه الأشباح لأغراض ضارة، كالمضايقة بعد الوفاة، أو بث رسائل عدائية، أو حتى تنفيذ أنشطة مشبوهة باسم شخص ميت. وهنا تظهر الحاجة إلى تأطير قانوني وأخلاقي يواكب هذا التطور غير المسبوق. في النهاية، يبدو أننا مقبلون على مرحلة جديدة يعاد فيها تعريف "النهاية". لم يعد الموت قاطعًا كما عرفناه. في زمن الذكاء الاصطناعي، قد يصبح الموتى أكثر حضورًا من الأحياء – ينصحون، يتحدثون، يشاركون، وربما يعملون... من العالم الآخر.


ليبانون 24
١٤-٠٥-٢٠٢٥
- ليبانون 24
وزير الصناعة: لبنان قادر على الابتكار وصناعة مستقبله التكنولوجي رغم التحديات
شارك وزير الصناعة جو عيسى الخوري في افتتاح قمّة PowerX 2025، أوّل قمّة وطنية مخصّصة لريادة الأعمال والابتكار في لبنان ، بحضور نوّاب، سفراء، شخصيات دولية ومحلية، وروّاد في مجالات التكنولوجيا والصناعة. وفي كلمته، أشاد بتنظيم مؤسسة بيريتيك ورئيس مجلس إدارتها مارون شمّاس، منوّهًا بدعم الشركاء الدوليين وثقتهم بمستقبل لبنان. واعتبر أن PowerX ليست مجرد قمّة، بل "رسالة تؤكد إيمان الشعب اللبناني بقدرته على الابتكار، رغم الأزمات". وأكد أن الابتكار ضرورة وليست ترفًا، داعيًا إلى اعتماد نموذج صناعي جديد قائم على المعرفة، وموجّه نحو التصدير، وصديق للبيئة، ومندمج رقميًا. وأشار إلى الثورة الصناعية الرابعة كمجال يجب أن يلتحق به لبنان من خلال الذكاء الاصطناعي ، البيانات الضخمة، التصنيع الذكي، وسلاسل الإمداد الرقمية. واستعرض الوزير ركائز رؤية الوزارة المستقبلية، ومنها: التحول الرقمي ومكننة الوزارة (بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي)، حملة "صُنع من كل لبنان"، تعزيز الجودة لفتح الأسواق العالمية ، تشجيع التعاون بين الجامعات والمصانع وربط البحث العلمي بالإنتاج، دعم جمعية IRALEB لوقف هجرة الأدمغة، والتوجّه نحو الطاقة المتجددة وتطبيق الاقتصاد الدائري في إدارة الموارد. وتوجه إلى الشباب قائلاً: "لا تخافوا أن تحلموا، ولا تتراجعوا أمام الصعوبات... بعض الأبرياء لم يعلموا أن شيئاً ما مستحيل، فأنجزوه!" وكشف أنه استعان خلال صياغة كلمته بـChatGPT، مشيراً إلى أهمية مواكبة التطور التكنولوجي. كما شدد على صمود قطاع التكنولوجيا في لبنان رغم الانهيار الاقتصادي والكهرباء والبنى التحتية، مشيرًا إلى أن لبنان يصدّر سنويًا ما يزيد عن 300 مليون دولار من المنتجات التكنولوجية. ولفت إلى أن إقرار قانون "مناطق التكنولوجيا الصناعية" في مجلس النواب مؤخرًا قد يشكل نقطة تحوّل كبرى. وأعرب عن فخره بنسبة النساء في قطاع البرمجة، حيث تشكّل 27% من مهندسي البرمجيات الشباب في لبنان، وهي نسبة تتجاوز المعدل العالمي. وختم: "ليكن PowerX شرارة لمستقبل مشرق، وقاعدة لتحالفات طويلة الأمد تساهم في بناء لبنان الصناعي التكنولوجي".