logo
عبدالنبي الشعلة لنتفاءل وننظر إلى المساحات المشرقة الخميس 29 مايو 2025

عبدالنبي الشعلة لنتفاءل وننظر إلى المساحات المشرقة الخميس 29 مايو 2025

يقول المثل الإنجليزي: 'ليس السعيد من لا يواجه المشاكل، بل السعيد من يتعلم أن يعيش فوقها'.
ونحن في البحرين، أبناء هذا الوطن الطيب المعطاء، مثل كثير من الشعوب والأمم، وربما أكثر من بعضها، اعتدنا أن ننظر إلى النصف الفارغ من الكأس، وأن نتغافل أو نتنكر للمساحات المضيئة في حياتنا، وأن نُكثر من التذمر والشكوى. تجدنا ننتقد الأداء، ونتحدث عن البطء في الإنجاز، ونتهم بالتخبط في التخطيط وسوء التنفيذ، ونردد الشكوى من تردي الإدارة هنا وهناك. نعم، في كثير من الأحيان، نحن محقون، فالنقد البناء حق مشروع، والمطالبة بالإصلاح والتطوير واجب. ولكن في أحيان كثيرة، يغلب علينا الطبع، وتسيطر علينا الطبيعة المتشائمة، وربما يعوزنا الوعي بواقع الحال، والمقارنة المنصفة مع ما يجري في دول أخرى، حتى المتقدمة منها.
في شهر رمضان الماضي، زارني صديق من دبي، واغتنمت الفرصة لدعوته لمرافقتي في جولة على عدد من المجالس الرمضانية التي تتميز بها البحرين. أعجب ضيفي بكرم الضيافة وحفاوة الاستقبال وروح المودة التي تسود هذه المجالس، لكنه لاحظ شيئًا آخر: كثرة الشكوى والتذمر! أغلب الحديث دار حول الازدحام المروري والاختناقات في الشوارع، مع اتهامات متكررة بسوء إدارة المرور وسوء تخطيط الشوارع.
تناسينا – أو ربما تجاهلنا – أن هذه الظاهرة ليست حكرًا على البحرين، بل هي سمة تعاني منها معظم مدن العالم الكبرى، حتى تلك التي تُضرب بها الأمثال في التقدم والتطور، ووضعنا ليس أسوأ من غيرنا. نعم، الازدحام قد يرهقنا في بعض الأحيان والمناسبات وأوقات الذروة، لكنه أيضًا مؤشر على حيوية البلد، وعلى الحركة والنمو والتوسع الاقتصادي والعمراني.
إن ما دفعني للكتابة اليوم، عن هذا الموضوع، هو زيارتي الأخيرة، ولأول مرة، لمركز محمد بن خليفة بن سلمان آل خليفة التخصصي للقلب، في منطقة العوالي. شعرت بالدهشة والفخر وأنا أرى هذا الصرح الطبي المتطور، بمساحاته الواسعة، وتصميمه الحديث، وتجهيزاته المتقدمة، وكادره الطبي المؤهل. مستشفى يضاهي أرقى المراكز الطبية عالميًا. والأمر لا يقتصر على هذا المركز وحده؛ لدينا مستشفى قوة دفاع البحرين، ومستشفى الملك حمد الجامعي في المحرق، الذي يقدم خدمات طبية متطورة، خاصة في مجال علاج الأورام، ولدينا المجمع الطبي المتكامل في منطقة السلمانية الذي افتتح أولى مراحله المغفور له الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، طيب الله ثراه، في العام 1958م.
ولدينا شبكة مستشفيات وعيادات حكومية وخاصة، تتوسع باستمرار بدعم مباشر من الدولة وتشجيعها، ومنها مستشفى الملك حمد - الإرسالية الأميركية الجديد بمنطقة عالي، الذي حظي بدعم مالي سخي من جلالة الملك المعظم، حفظه الله ورعاه، أضف إلى ذلك، سياسة الدولة في توفير العلاج والأدوية مجانًا للمواطنين، وبرسوم رمزية للمقيمين، بما في ذلك علاج الأمراض المستعصية والمزمنة.
وفي مجال التعليم، تواصل الدولة التزامها بتقديم التعليم المجاني حتى نهاية المرحلة الثانوية، مع توفير حزم من المنح الدراسية الجامعية داخل البحرين وخارجها، ويتم على الدوام توسيع المدارس والمعاهد وتطويرها، وتشجيع القطاع الخاص على المساهمة في تقديم الخدمات التعليمية، فأصبحت الجامعات والمدارس الخاصة ورياض الأطفال منتشرة وتعمل تحت إشراف ومتابعة الجهات المختصة. نعم، لسنا في المدينة الفاضلة، لكن لا يمكن إنكار الجهود المبذولة في تطوير الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطن والارتقاء بمستواها.
وفي ملف الإسكان أيضًا، لا يمكن تجاهل المشاريع الكبرى التي تتوالى: مدن جديدة، مجمعات سكنية مكتملة الخدمات، ردم المناطق البحرية لتوفير مساحات إضافية، تقديم العلاوات والقروض الاسكانية الميسرة.
وفي البنية التحتية، تستمر الدولة في إنشاء شبكات الطرق والجسور، وتوسيع محطات الكهرباء ومعامل التحلية لضمان استمرارية الخدمات دون انقطاع. ولم نشهد انقطاعًا كبيرًا في الكهرباء أو المياه خلال السنوات الأخيرة رغم تصاعد الطلب، وهو إنجاز مهم لا يلتفت إليه الكثيرون.
ولدينا مطار حديث، جميل، منظم، يلقى إشادة الزوار، حتى صار يُعرف بـ 'جوهرة المطارات الخليجية'. إلى جانب واحد من أحدث الموانئ الخليجية، والمناطق الصناعية، ومشروع 'ألبا' الذي أصبح فخر صناعة الألومنيوم في العالم، والعديد من الشواهد والمشاريع التي تستحق ثناء وتقدير الجميع.
وفي البحرين، ينعم المواطن بالأمن والأمان، أطفالنا يخرجون ويلهون ويذهبون إلى مدارسهم ويعودون إلينا سالمين، ومعدلات الجريمة منخفضة بشكل ملحوظ مقارنة بالكثير من دول العالم. ونعيش جميعًا باطمئنان تحت مظلة نظام سياسي مستقر، وحياة نيابية يافعة واعدة، وتتوفر لنا مرافق الترفيه والتسلية والأنشطة الرياضية ومجمعات التسوق الآخذة في الانتشار.
ورغم كل هذه الإيجابيات، يسيطر علينا شعور دائم بعدم الرضا. لا أقول إننا بلا مشاكل، ولا أن الحياة وردية بالكامل. نعم، لدينا تحديات، وإمكانياتنا المالية محدودة ومتواضعة، وكغيرنا لسنا محصنين أو معصومين من الأخطاء والتقصير والتجاوزات، ونواجه أزمات ومشكلات، كأي مجتمع آخر. لكن هل من الحكمة أن نغرق في التشاؤم، وأن ننسى ما تحقق؟ هل نركز فقط على النواقص، ونغفل عن الإنجازات؟
المطلوب منا أن نحلم، أن ننتقد، أن نتطلع ونطالب بالأفضل، فهذا حق مشروع، ولكن بروح إيجابية، ونظرة متفائلة، وأمل في المستقبل. أن نحمد الله على ما لدينا، وأن نسعى لتطويره. وأن نتذكر قول الله سبحانه وتعالى: «لئن شكرتم لأزيدنكم».
إن السلبية داء، والتذمر عادة، والتفاؤل شفاء، والأمل قوة. فلنتسلح بالأمل، ولنتفاءل، ولنشكر، ولنعمل، فبذلك نرتقي ونبني وطننا، وكما قالت هيلين كيلر فإن 'التفاؤل هو الإيمان الذي يؤدي إلى الإنجاز، ولا شيء يمكن أن يتم دون الأمل والثقة'، وهيلين كيلر، كما يعرف الجميع، هي أديبة ومحاضرة وناشطة أميركية، وتعد أحد رموز الإرادة الإنسانية، حيث إنها كانت فاقدة السمع والبصر، واستطاعت أن تتغلب على إعاقتها وتم تلقيبها بـ 'معجزة الإنسانية' لتمكنها من مقاومة إعاقتها، وقد نشرت هيلين ثمانية عشر كتابًا.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

اللهم اجعله لنا أجراً
اللهم اجعله لنا أجراً

الوطن

timeمنذ يوم واحد

  • الوطن

اللهم اجعله لنا أجراً

بدر علي قمبر هناك العديد من الأعمال التي يقوم بها المرء دون أن يشعر، فيرى أثرها في جميع مناحي حياته؛ يرى التوفيق والبركة حيثما حلّ، ويشاهد صور الرزق في كل خطوة يخطوها في طريقه. والإنسان بحاجة ماسة لأن يُحوّل حياته إلى مساحةٍ عامرةٍ بأعمال الخير، تعود عليه بأجور الآخرة، وتجعله يعيش في فسحةٍ من الطمأنينة وسط تسارع أيام الحياة. ابحث عن تلك الأعمال التي لا ينبغي التردد في السعي إليها، لاسيما في أيام عظيمة هي من أحب الأيام إلى الله تعالى. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يُحب لأخيه ما يُحب لنفسه». وقال عليه الصلاة والسلام: «من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مؤمن كربة، فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة». وقال صلى الله عليه وسلم: «صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر». نعيش هذه الأيام الجميلة المباركة، وهي من أعظم وأفضل الأيام على الإطلاق. قال تعالى: «والفجر، وليالٍ عشر، والشفع والوتر». وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر». قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء». وقال عليه الصلاة والسلام: «فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد». إنها أيام عظيمة، ومواسم من الخير والطاعات، اختصها الله لعباده المؤمنين ليتقربوا إليه، ويتضرعوا بين يديه، ويجددوا إيمانهم في موسم آخر من مواسم الأجر. ومن أبرزها يوم عرفة، الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: «من يوم أكثر من أن يُعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يُباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟». وكذلك يوم النحر (يوم العيد) الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم: «أعظم الأيام عند الله تعالى: يوم النحر، ثم يوم القر». أيام اجتمعت فيها فضائل الأعمال، فحريٌّ بالمرء أن يكون له فيها شأن مميّز وأثرٌ إيماني، يجدد به إيمانه وحياته. في بعض الأحيان، قد تتسلل إلى النفس وساوس شيطانية تُثبط العزيمة، أو تُلقي في طريقك عقباتٍ نفسية تصدك عن مدارج الخير، وتضعف من إقبالك على ميادين الطاعات، وتمنعك من التلذذ بمشاعر الإحسان التي اعتدت عليها. عليك أن تجعل الخير نصب عينيك، وألا تستسلم لمثل هذه المثبطات، بل كن دائماً في طليعة ركب الخير. واجعل من كل عمل تقوم به لحظة شعور وإحساس، حتى تظفر بالسعادة التي تطلبها: سعادة الدنيا والآخرة. وادعُ دائماً: «اللهم اجعله لنا أجراً». الصدق مع الله، والنية المتجددة بأن يكون كل عمل خالصًا له، تمنحك راحة إيمانية ونفسية، وتعزز من عطائك في هذه الحياة، وترفع مكانتك كخليفة لله تعالى في أرضه. بدأت مشاعر «أجمل رحلة في الحياة»... تلك المشاعر التي تختلف من شخص إلى آخر، بحسب إدراكه وقوة استشعاره لتلك المناسك العظيمة، والخطوات التي يخطوها في أرض الخير، مكة المكرمة. إنها رحلة «أجمل رحلة» لأولئك الذين اصطفاهم الله تعالى لخدمة ضيوف الرحمن. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الحجاج والعمّار وفد الله، إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم». إنه اصطفاء من الله تعالى لتكون خادمًا لضيوف الملك الديان سبحانه وتعالى، في أعظم موسم إيماني، وأطهر البقاع، وأفضل الأيام. هي مشاعر لا يشعر بها إلا أولئك الذين اعتادوا البذل، وسهروا على راحة الحجاج، القادمين من كل فج عميق استجابة لنداء المولى ونداء إبراهيم عليه السلام: «وأذِّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامرٍ يأتين من كل فجٍّ عميق». إنها فرحة لا تضاهيها فرحة، أن تكون في خدمة ضيوف الرحمن. أما من اصطفاه الله ليكون من الحجاج هذا العام، فقد نال اصطفاءً خاصاً؛ فاختاره الله من بين عباده، ممن سمعوا نداء إبراهيم ولبّوه، مقبلين على الله تعالى طائعين، تائبين، راغبين في الطهر من أدران الحياة. إنها فرصة لتجديد الإيمان، والتخلص من أعباء الدنيا، والعودة بصفاء النفس ونقاء السريرة، كمن وُلِد من جديد. فطوبى لمن اختاره الله تعالى حاجّاً إلى بيته الحرام، وهنيئًا له بهذه الرحلة الإيمانية التي تُعد من أجمل رحلات الحياة. فليستثمر كل لحظة في القرب من الله الكريم، ولتكن كل خطوة يخطوها في هذا المسير الجميل خطوة عبادة، وكل منسك يؤديه لحظة تحول في حياته، لا تُنسى، فيُحسن أداءها بروحه وقلبه، لا بمُجرد جسده.ومضة أمل:الحج... رحلة المشاعر والأحاسيس الخاصة.

د. اسراء البابلي وأصبحت أحلامنا معركة الجمعة 30 مايو 2025
د. اسراء البابلي وأصبحت أحلامنا معركة الجمعة 30 مايو 2025

البلاد البحرينية

timeمنذ يوم واحد

  • البلاد البحرينية

د. اسراء البابلي وأصبحت أحلامنا معركة الجمعة 30 مايو 2025

ما هو شعورك حين تدرك أن الناس فرضوا عليك حياتك وقدرك منذ اللحظة التي فتحت فيها عينيك على هذه الدنيا؟ أن تشعر بأنك دخلت إلى الحياة وأنت مهزوم منذ البداية، أن يُحاط بك الحُكم والتصنيف من دون رحمة، فتُسحب إلى تصنيفات ومسمّيات أطلقوها عليك، وكأنك لست كائنًا بشريًّا مثلهم. في خضم هذا الظلم، ينسون أنك أيضًا من روح الله، مثلهم تمامًا، وأننا جميعًا سواسية أمامه. لكن، ما فقدناه، هو شيء سبقنا إلى الجنة، فقد أخذه الله منا لحكمةٍ عظيمة، فالله لا يُعطي أصعب معاركه إلا لأقوى جنوده، ونحن يا أصدقائي، نحن جنوده الأقوياء. نحن عباد الله الأقوياء في وجه الظلم، والمقدر لهم أن يكونوا أصحاب إرادة لا تلين. لكن، مع الأسف، معشر البشر هم قسوة لا توصف. يحبون إيذاء كل ما حولهم، يسلبون الحق حتى في أن نكون من نحن، يلقون علينا تسمياتٍ، ويجعلون من اختلافنا جرمًا، كما لو أن هناك 'شخصًا معاقًا' بينما الحقيقة أن هناك مجتمعًا 'مُعيقًا' - مجتمع لا يعرف كيف يتقبل اختلافات الآخرين. كلنا في عيون الله كاملون، وبمواصفات لا يمكن للبشر أن يقيموها أو يقدروا جمالها. كل واحد منا منفرد ومتميز، ويجب علينا أن نتقبل اختلافنا ونجعل من هذا التنوع قوتنا، بدلا من أن نحارب كل ما هو جميل ومختلف. فالجمال في الاختلاف هو ما يميزنا ويجعلنا فريدين. لقد وضعونا في تصنيفٍ ضيق، تحت مجتمع خاص بمن فقدوا حواسهم، كما لو أن هذا هو كل ما نحن عليه. كان الأمر وكأنهم يعاقبوننا على شيء لم نختره، وعلى شيء ليس بيدنا، أن يولد الإنسان فاقدًا بعض النعم ليس عقابًا، بل اختبارًا، وفي داخل هذا الاختبار يكمن أعظم الجمال والقوة. لا يوجد شخص يختار أن يولد فاقدًا لنعمة من النعم، فنحن جميعًا نريد أن نعيش حياتنا بسلام وهدوء. نريد أن نعيش دون أن نضطر دائمًا لإثبات أنفسنا للعالم، لنثبت له أننا قادرون على ما يعتقد أنه مستحيل. أحلامنا أصبحت معركة، فقط لأننا نطالب بحقنا في الحياة، الذي هو أسمى وأبسط حقوق الإنسان. والأكثر وجعًا هو أننا عندما نحقق إنجازات عظيمة، حين نثبت للعالم أننا أكثر من قادرين، نُصفق لنا فقط على المسرح، لكن خلف الكواليس تظل تلك النظرات المشوهة، وتبقى تلك المشاعر السامة التي تقول لنا إننا 'دون البشر'. سنخبر الله، ونحن على يقين، بأننا سعيدون وفخورون بهويتنا التي زرعها فينا، هو الذي جعل روح الإصرار في داخلنا تنمو وتكبر. سنخبره بأننا لم نكن يومًا معترضين على حكمته، بل نحن راضون ومتصالحون مع قدرنا. سنطلب من الله أن يسامح كل من نبذنا، لأن الإنسان لا يستطيع فهم ما هو مختلف عن نفسه. البشر يرفضون التغيير، ولا يعترفون بالقوة التي تكمن في الاختلاف. ربما، سيأتي يوم سيعقل فيه البشر. ربما، سيأتي اليوم الذي يرون فيه الحقيقة، حينما يجتمع الجميع تحت سقف واحد، رافعين شعار 'اختلافنا يجمعنا، واختلافنا يجعلنا أقوى'.

الغيرة والحسد.. حين تُختبر معادن الناس
الغيرة والحسد.. حين تُختبر معادن الناس

البلاد البحرينية

timeمنذ يوم واحد

  • البلاد البحرينية

الغيرة والحسد.. حين تُختبر معادن الناس

موضوع مقالي اليوم ليس جديدًا على القارئ الكريم، فقد تطرّقت إليه من قبل وأود تكرار طرحه لعلّ وعسى أحقق تقدمًا في النوايا. قال تعالى 'وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين'. كثيرًا ما تكشف لنا المواقف اليومية البسيطة حقيقة النفوس، وتُظهر لنا المعادن الأصيلة من تلك المُقلَّدة. وفي زمن أصبحت فيه الأخبار السعيدة والحزينة تنتقل في لحظتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بات سلوك الناس تجاه هذه الأحداث مقياسًا دقيقًا لصفاء القلوب. قد تفرح لنجاح صديق، أو شفاء مريض، أو تخرج ابن أحدهم، وتُبادر بتهنئة أو دعاء أو حتى بإشارة إعجاب.. لكنك تفاجأ بصمت مطبق في كثير من المناسبات! لا تهنئة، لا تعليق، لا تفاعل، وكأن الفرح لك يثقل على البعض، وكأن الكلام الطيب بات عملة نادرة! في اعتقادي، هذا البخل العاطفي له آثار اجتماعية عميقة، فالصمت في موضع التهاني أو المواساة ليس حيادًا، بل قد يُقرأ كجفاء، أو أسوأ من ذلك، كحسدٍ مقنّع. والمحصلة؟ تآكل الثقة بين الأفراد، وتراجع حرارة العلاقات، واتساع الفجوة النفسية بين الناس. إن طاقة الحقد لن توصل الإنسان إلى مكان، لكن طاقة الصفح التي تتجلى في الحب ستحوّل حياته بشكل إيجابي. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'الكلمة الطيبة صدقة'، وهي كلمة بسيطة قد تصنع أثرًا كبيرًا في قلب إنسان. فنحن لا نحتاج إلى أن نكون أغنياء لنعطي، فمجرد كلمة تشجيع، أو مشاركة صادقة، أو دعاء مكتوب، قد يكون له وقع السكينة في قلب متعب، أو قد يكون دافعًا لمن أنجز ليواصل طريقه. للأسف الشديد، يظن البعض أن تهنئة الآخرين تنقص منه، أو أن إظهار الفرح لنجاح غيره يُشعره بالدونية، وهذا خلل في المفهوم قبل أن يكون خللًا في السلوك. فالرزق بيد الله، والفرح لا يُوزّع على حساب أحد، بل إن القلوب التي تفرح لغيرها هي القلوب التي تعرف طعم الراحة والرضا. فنحن لا نحتاج إلى كثير من التأمل لندرك حجم هذا الخلل. خذ مثلًا إعلان أحدهم ترقيته في العمل، أو احتفاله بزفاف ابنه، أو شفاءه من وعكة صحية.. كم شخصًا يفرح له من قلبه؟ وكم يمر الخبر عليهم وكأنه لا يعنيهم، بل وربما يُخفي بعضهم امتعاضه بابتسامة صفراء أو تجاهل متعمد؟ تخيلوا أن أحد الأصدقاء اشتكى لي ذات مرة بأن ابنته تخرجت بامتياز في الطب من جامعة مرموقة، وقد حرص كغيره على أن ينشر الخبر مع صورة جميلة تجمعه مع ابنته وعائلته في الصحف المحلية من شدة فرحته وزوجته لهذا الإنجاز الكبير لابنتهما. ولكنهم تفاجأوا بأنهم تلقوا التهاني والتبريكات من الغريب وليس القريب! فكثير من الأشخاص الذين يعتبرهم قريبين له أو لها لم يحرك فيهم الخبر ساكنًا! تخيلوا معي هذا الموقف المحبط الذي يعطينا إشارة واحدة لا غير عن الحسد والغيرة! ألا تتفقون معي؟ والحال نفسه ينطبق على الكثير من الفعاليات والمناسبات الأخرى التي تغيب عن الناس في الذوق والأصول والسنع والإتيكيت! فعلى سبيل المثال وليس الحصر، الكثير من الناس يتلقون دعوات لحضور مناسبات مختلفة، لكنهم لا يلتزمون بالحضور ولا يكلفون أنفسهم حتى الاعتذار! وفي المقابل، إذا لم يتلق الدعوة فإنه يقيم الدنيا ويقعدها، ويصب جام غضبه على صاحب الدعوة! فهذا هو واقعنا المر، وأقولها بحسرة شديدة على هذه الصفات والطباع التي نعيشها اليوم. ولكي أثبت للقارئ تأثير الكلمة الطيبة وجبر الخواطر، دعوني أرجع إلى مقالي الذي نشر بتاريخ 23 مايو الجاري بعنوان 'فاطمة... أرفع لك القبعة'، فعندما قرّرت أن أكتب عن هذه السيدة الملهمة كان هدفي هو إبرازها على أنها نموذج ومثال يحتذى به في الصبر والإرادة القوية والعزيمة. فموضوع مقالي كان منصبًّا على هذه المسألة، بالإضافة إلى إيصال رسالة إلى المسؤولين في الجامعات الخاصة عندنا بضرورة منحها فرصة الدراسة والتكفل بمصاريف الدراسة أو مساعدتها بإعطائها تخفيضًا على الرسوم. كاتب المقال تواصل مع هذه السيدة الفاضلة وتكلم معها هاتفيا ليخبرها عن المقال الذي نشره عنها. وعلى الرغم من أنها تفاجأت بالمكالمة غير المتوقعة ومن شخص لا يعرفها أصلاً، إلا أنها أعربت عن تقديرها واعتزازها لهذه المبادرة التي حسب وصفها تمثل جرعة إيجابية. تفاجأت في اليوم التالي بمكالمة هاتفية منها ولكم أن تتخيلوا كم كانت سعيدة وممتنة لي، وبصراحة تامة كانت تتكلم معي وهي تشكر وتشكر وتشكر وتدعو رب العالمين أن يحميني ويوفقني ويسبغ علي ثوب الصحة والعافية، لم تعطني فرصة للتحدث فقد كانت غير متوقعة أن يقوم أحد لا يعرفها بالكتابة عن قصتها. بالله عليكم، كم يستحق هذا الموقف من إنسانة بسيطة جدًّا تدعو لك كل هذه الدعوات عند الله. لقد قصدت أن أكتب عن هذا الموقف لأثبت أهمية الكلمة الطيبة وجبر الخواطر، وتذكروا أن ما قمت به من عمل لم يكلفن شيئًا! كلي أمل أن يتحقق حلمها بالحصول على منحة الدراسة الجامعية نظرًا لأن ظروفها المادية صعبة جدًّا. وأنا على ثقة بأن الدنيا بخير وأصحاب الأيادي البيضاء لا يدخرون جهدًا في مساعدتها. الخلاصة... إن إعادة بناء ثقافة 'الكلمة الطيبة' ليست ترفًا اجتماعيًّا، بل ضرورة للحفاظ على تماسكنا الإنساني. لنتذكّر دومًا أن التفاعل الإيجابي ليس رفاهية، بل هو صمام أمان لأي مجتمع سليم، وتذكروا أيضًا أن الدين 'معاملة'.. والكلام لك يا جارة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store