
Lost in the Maze... رجلان تائهان في الأمازون
لا تزال
السينما
الوثائقية تُصارع إرثَها الاستشراقي الذي حوَّل الآخر إلى كائنٍ غرائبي يُستهلك كسلعة بصرية، على الأقل في سياق السينما وصناعة المحتوى. فيلم Lost in the Maze للمخرج البرازيلي رودريغو فراغا سانتوس، يقدم نفسه بوصفه حالة دراسية معاصرة لهذا الصراع. بين الصورة النمطية عن اكتشاف الهمجي المتحفظ، والتكنولوجيا البصرية في عصرٍ مسحَ كلّ مجهول يتموضع لفيلم، ويربط بين الكاميرا كمنظور غربيّ استشراقيّ، والهمجي الغريب كوجود محلي.
الفيلم، وهو العمل الأول للمخرج حتى الآن، يسرد للمشاهدين رحلتَيْ رجلين ضائعَيْن في نهر أوراريكويرا في الأمازون، بعد انقلاب قاربهما. الرحلة الأولى سبقت الثانية بثلاثين عاماً. خلال هذه العقود الثلاثة، ولتجنب الفشل في الرحلة مرة أخرى، يستكشف البطلان عبر قراءة ثقافية استثنائية نادرة مجتمعات الأمازون التي تتعايش مع الغابة ككيانٍ حي، وبهذا نجح بالعودة إلى جوهر الفن الوثائقي، فلا مرشحات للواقع، والتوثيق هو عملية لتحريك الأسئلة من دون فرض إجابات.
تبدأ الحكاية ببساطة: رجلان هما كورت وميلتينو ينطلقان بقاربٍ صغير في رحلة استكشافية عبر نهر الأمازون لكن القارب ينقلب في مياهٍ هائجة، تاركاً إياهما عالقَيْن في منطقة نائية تُشبه المتاهة. عبر مقابلات مع الشخصيتين الرئيسيتين، يتحول السرد من رحلة مغامرة إلى حفرٍ في الذات الإنسانية، تُطلَق أسئلةٌ وجودية: مثل ماذا يعني أن تُواجِه الموتَ في مكانٍ لا يسمع فيه أحد صراخك؟ كيف تُعيد تقييم حياتك عندما تتحول الأدوات التكنولوجية كالمحرك والخرائط إلى مجرد حطام؟ في مشهدٍ آخر، تتبنّى عائلتان من شعب يانومامي، كورت. لدى هذا الشعب، هناك للطفل أمهات متعددات، ولا يُقدَّم الأمر بوصفه ظاهرة غريبة، بل لغة حُبٍّ اجتماعية مُختلفة. الكاميرا هنا ترفض التطفل؛ تُصوِّر الحياة اليومية للسكان بحميميةٍ توحي بأن المصور واحد منهم، وليس مُراقباً خارجياً.
الفيلم يعتمد على الوقت السينمائي كشخصيةٍ ثالثة، الأيام الثلاثة التي قضاها الرجلان من دون طعامٍ أو مأوى في رحلتهما الثانية، تُصوَّر بتدفقٍ بطيء يُشبه تدفق النهر نفسه الذي أودى بقاربهما. تتحول كل لحظة إلى مساحةٍ لاستعادة الذكريات أو للحديث عن العلاقة مع السكان الأصليين، أو حتى للتهكم على فكرة الجنازة بلا جثمان، التي شغلت ميلتينو بوصفها رمزاً لهشاشة الوجود. الشخصية الرئيسية هي الغابة، بعد أن أعيد تعريفها سينمائياً. لقطات الطبيعة هنا ليست مُجرَّد مناظر خلابة، بل هي انعكاس لثنائية الجمال والقسوة؛ إذ يعتبر المخرج الغابة شخصية معقدة، المياه الهادئة التي تعكس زرقة السماء تتحول فجأةً إلى دوَّامات تبتلع القارب، والأشجار العملاقة التي توفر الظلّ تُخفي في ظلامها أفاعيَ سامّة، المشاهد الهوائية الواسعة التي تُظهر تداخل فروع النهر كشرايين عملاقة تعكس فكرة المتاهة.
كل ما سبق مثّل الأبطال والمكان والزمان السينمائيين، ويبقى لتشريح الفيلم كاملاً تقديم الصراع، وهو خفيٌّ، يدور بين التكنولوجيا والطبيعة، ولا يذكره أحدٌ في العرض. فَشَل محرك القارب الألومنيوم الذي يُجسِّد التقدُّم، يصبح استعارةً لفشل الغرب في ترويض الأمازون. في المقابل، كاميرات التصوير تحت الماء التي تلتقط تفاصيل الغابة المغمورة، تُظهر أن التكنولوجيا قد تكون أداةً لفهم التعقيد الطبيعي، لا لمُحاولة السيطرة عليه.
Lost in the Maze ليس فيلماً عن الضياع، بل عن الاكتشاف، ينجح في تحويل الاستشراق من عُقدةٍ إلى أداة نقد، حيث الغابة ومن يقطنها ليست الآخر الذي يجب استكشافه أو خلفية لسيلفي السياح، والتكنولوجيا لا تُصور لتبهرنا بقدراتها أو لتقدم السكان الأصليين ككائناتٍ وثائقية. الفيلم بهذا المعنى تحديداً لم يعد يروي مغامرة بقاءٍ، بل يطرح نموذجاً لاستشراقٍ جديد؛ استشراقٍ يرفض أن تكون العدسة الغربية مركز العالم، ويجعل من الكاميرا مرآةً تعكس تنوعنا المشترك، وليس اختلافاتنا المُتخيَّلة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 27 دقائق
- الجزيرة
خبير عسكري: جيش الاحتلال يسعى عبر خطته العسكرية لتغيير هندسة قطاع غزة
قال الخبير العسكري والإستراتيجي العميد إلياس حنا إن جيش الاحتلال الإسرائيلي يسعى ضمن خططه العسكرية للمرحلة القادمة إلى تغيير هندسة قطاع غزة والاستيلاء عليه لمنع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والمقاومة الفلسطينية من السيطرة على القطاع. ووصف الخطط الإسرائيلية بأنها لعبة كبيرة في المرحلة القادمة. وكان تقرير نشرته صحيفة "يسرائيل هيوم" في وقت سابق كشف عن خطة الجيش الإسرائيلي لتقسيم قطاع غزة إلى 5 أجزاء والسيطرة على نحو 70% إلى 75% منه خلال الأشهر الثلاثة القادمة، وذلك ضمن عملية عسكرية موسعة تقودها 5 فرق قتالية. وعن دلالات إدخال لواء المظليين إلى غزة، أوضح العميد حنا أن هذا اللواء يتبع الفرقة 98، وقد جاء به جيش الاحتلال من الشمال وتم تجميعه مع الوحدات الخاصة والألوية المهمة مثل لواء غولاني لتنفيذ عمليات معينة في القطاع، مشيرا إلى أن جيش الاحتلال يعتمد في خطته العسكرية على الاحتلال والبقاء والتأمين، تحضيرا لما يسمى توزيع "المساعدات الإنسانية". وكشف تحقيق لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أن مشروع آلية المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، المدعوم من الولايات المتحدة، سينفذ عن طريق منظمة تُدعى" مؤسسة غزة الإنسانية"، ووفقا للخطة، سيعيش الفلسطينيون في مجمعات سكنية محمية، قد يستوعب كل منها عشرات الآلاف من المدنيين. وقال العميد حنا إن" واشنطن بوست " تحدثت عن شركات خاصة أمنية ستحمي ما أسماها الفقاعات المدنية في غزة، في 3 مناطق في الجنوب وفي الوسط وفي الشمال، مشيرا إلى وجود مشكلة تتعلق باحتمال أن يقوم جيش الاحتلال باعتقال أشخاص وعائلات فلسطينية بزعم الحفاظ على الأمن. وصاية أمنية واستبعد المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) فيليب لازاريني نجاح خطة المساعدات الإنسانية الجديدة في قطاع غزة، كما قالت منظمات المجتمع المدني والأهلي في القطاع إنه لا توجد هيئة محلية أو مؤسسة فلسطينية ودولية واحدة مستعدة للتعامل مع آلية المساعدات الأميركية الجديدة ذات الطابع الأمني، التي تكرس مفهوم الغذاء مقابل الوصاية الأمنية. ومنذ مدة، تروج تل أبيب وواشنطن لتوزيع المساعدات بطريقة تستهدف إفراغ شمال القطاع من سكانه الفلسطينيين، عبر تحويل مدينة رفح (جنوب) إلى مركز رئيس لتوزيع الإغاثة، وجلب طالبي المساعدات إليها. ومنذ الثاني من مارس/آذار الماضي، تواصل إسرائيل سياسة تجويع ممنهج لنحو 2.4 مليون فلسطيني بغزة، عبر إغلاق المعابر بوجه المساعدات المتكدسة على الحدود، مما أدخل القطاع مرحلة المجاعة وأودى بحياة كثيرين.


التحري
منذ 29 دقائق
- التحري
تدابير سير بسبب صيانة الإنارة في نفق المطار باتجاه خلدة
صــــدر عـــن المديريـّـة العامّــة لقـوى الأمــــن الدّاخلـي ـ شعبـة العلاقــات العامّة ما يـــــــلي: 'ستقوم إحدى الشّركات المتعهّدة بأعمال صيانة الإنارة داخل نفق المطار-الكوكودي (النفق المتّجه من بيروت نحو خلدة)، وذلك يومَي الأحد والإثنين 25 و 26-5-2025، يومياً اعتبارًا من منتصف اللّيل لغاية السّاعة الرابعة من فجر اليوم التّالي، لذلك سيتم اتخاذ تدابير السير التالية: – تحويل السّير القادم من أوتوستراد المطار باتجاه خلدة نحو الأوزاعي. – تحويل السّير القادم من المطار باتجاه خلدة الى طريق المطار القديم. – تحويل السّير القادم من المريجة -الكوكودي نحو انفاق المطار الى طريق المطار القديم. يرجى من المواطنين الكرام أخذ العلم، والتّقيّد بتوجيهات عناصر قوى الأمن الداخلي وإرشاداتهم، وبلافتات السّير التّوجيهيّة، تسهيلًا لحركة المرور، ومنعًا للازدحام


التحري
منذ 29 دقائق
- التحري
أمراض يسببها التهاب اللثة.. هذا ما كشفه الاطباء
تشير الدكتورة أولغا غوسيفا، الأستاذة المشاركة في قسم طب الأسنان العلاجي في جامعة بيروغوف، إلى أن البكتيريا التي تسبب التهاب اللثة يمكن أن تسبب التهاب عضلة القلب، ومشكلات صحية أخرى. ووفقا لها، أكثر أمراض الأسنان انتشارا هي تسوس الأسنان والتهاب دواعم الأسنان (التهاب الأنسجة المحيطة بالسن). ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى الكائنات الحية الدقيقة، التي أكثرها عدوانية هي Porphyromonas gingivalis و Aggregatibacter actinomycetemcomitans و Tanerella forsythia وغيرها. وتقول: 'تدمر البكتيريا المسببة لالتهاب دواعم السن أنسجة اللثة، ما يسمح لها باختراق شبكة الأوعية الدموية والانتشار في جميع أنحاء الجسم. وتصل هذه البكتيريا ومخلفاتها، مع مجرى الدم، إلى القلب والكلى وأعضاء أخرى. ويمكن أن تستقر في لويحات تصلب الشرايين في الأوعية الدموية والقلب، مسببة التهابات، بما فيها التهاب عضلة القلب. وقد يؤدي وجود هذه البكتيريا في مجرى الدم إلى زيادة كبيرة في خطر الإصابة بمرض نقص التروية'. ويمكن للبكتيريا الموجودة في التهاب دواعم الأسنان أن تساهم في تطور داء السكري أيضا، والتهاب الحويضة والكلية، والتهاب المفاصل الروماتويدي، ومرض ألزهايمر، وسرطان تجويف الفم والمريء والأمعاء، ويمكن أن تسبب الإجهاض أيضا. وتقول: 'تعتبر نظافة الفم الجيدة أهم عامل في الوقاية من التهاب دواعم الأسنان. لذلك من المهم جدا الحرص على نظافة الأسنان بشكل شامل، التي لا تقتصر على استخدام فرشاة ومعجون أسنان فحسب، بل تشمل أيضا استخدام منتجات خاصة لتنظيف الفراغات بين الأسنان والأسطح الجانبية للأسنان (فرشاة أسنان، خيط تنظيف أسنان، جهاز ري الأسنان)، ويجب أن يختار طبيب الأسنان هذه الأدوات لكل شخص وفقا لخصائصه'.