
من أسماء الله الحسنى.. "القهار"
اسم "القهار" من أسماء الله الحسنى التي تُعظِّم شأن الخالق جلَّ وعلا، وتُظهر قدرته المطلقة وسلطانه العظيم على كل شيء، فالله سبحانه هو الذي قهر عباده بالموت، وقهر الجبابرة بالذل، وقهر كل عزيز بقدرته، فلا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو اسمٌ يدل على أن الله تعالى هو المسيطر على كل المخلوقات، فلا يخرج شيء منها عن إرادته، ولا يُعجِزه شيء في ملكه، فهو الذي يُذلُّ من يشاء بقدرته، ويُعِزُّ من يشاء بإرادته، وهو القاهر فوق عباده، فلا يُغالَب ولا يُمانَع، بل هو الذي يقهر كل من عاداه، ويكبت كل من تجبَّر وتعالى.
وورد ذكر اسم الله "القهار" ست مراتٍ في القرآن الكريم، وقد اقترن فيها باسمه "الواحد"، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿أَأَربابٌ متفرِّقون خيرٌ أم اللَّه الواحد القهَّار﴾ ]الرعد:16[، وقوله تعالى: ﴿وبرزوا لِلَّه الواحد القهَّار﴾ ]إبراهيم:48[، وغيرهما من الآيات.
قال الخطابي: "القهار" هو الذي قهر الجبابرة من عتاة خلقه بالعقوبة، وقهر الخلق بالموت، والقهار: اسم مبالغة "للقاهر"، وهو الذي خضع له وذل لعظمته وقوته كل شيء، لا يخرج شيء ولا حي عن قدرته وتدبيره وملكه، وقد قهر كل الخلق بالموت، وهذا يفسر -والله أعلم- شيئًا من سر اقتران اسمه "الواحد" باسمه "القهار"، حيث إن من موجبات اسمه "الواحد" في ربوبيته وملكه وألوهيته وأسمائه وصفاته أن يكون قاهرًا قهارًا غالبًا لكل شيء، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وما من دابة إلا هو سبحانه آخذ بناصيتها، ماضٍ فيها حكمه، عدلٌ فيها قضاؤه، ﴿إنَّ ربِّي على صراطٍ مستقيمٍ﴾ [هود:56].
وكونه تعالى "الواحد" يقتضي كونه "القهار"؛ فوحدته تعالى وقهره متلازمان، فالواحد لا يكون إلا قهارًا، والقهار لا يكون إلا واحدًا، وذلك ينفي الشركة من كل وجه، وإن القهر ملازم للوحدة، فلا يكون اثنان قهاران متساويين في قهرهما أبدًا، فالذي يقهر جميع الأشياء هو الواحد الذي لا نظير له، وهو الذي يستحق أن يُعبد وحده كما كان قاهرًا وحده.
كما يشير هذا الاقتران إلى معنى بديع: وهو أن الغلبة والإذلال من ملوك الدنيا إنما يكون بأعوانهم وجندهم وعُددهم، والله تعالى يقهر كل الخلق وهو واحدٌ أحدٌ فردٌ صمدٌ مستغنٍ عن الظهير والمعين؛ فاقتران الاسمين يشير إلى كماله سبحانه في تفرده وكماله في قهره (قصة بدء الخلق، الصلابي، ص1136).
وقهره تعالى يظهر، ولا يبقى ثمة مجال للجدل فيه أو المناقشة في الدار الآخرة، فهو القاهر سبحانه لعباده؛ فلا وجود لهم ولا حركة إلا بإذنه؛ لأنه ربهم ومليكهم وخالقهم، ولا حجة بذلك للعباد، فلا يحتج أحد بالقدر وأنه مقهور على فعل الذنوب والمعاصي؛ لأننا نقول: وإن كان الله تعالى هو القاهر وهو القهار، وهو الخالق للخلق وما يعملون، فإن كل عبد يدرك بالضرورة أنه يفعل ما يفعل باختياره، ويترك ما يترك باختياره.
فإن هذه الضرورة التي يشعر بها الإنسان وهو يهم بأن يقوم بعمل ما، كأن ينوي السفر أو الإقامة أو الأكل أو النوم، يؤديها وهو يشعر بأنه يؤديها بمحض اختياره وإرادته ورغبته، وأن له الخيار أن يفعل هذا الشيء أو أن لا يفعله، وأن يختار هذا الشيء أو ذاك.
وهذا الشعور النفسي الذي يحس به كل واحد من البشر فيما يفعلون أو يتركون هو الذي بموجبه يحاسَب العباد، والمؤمن مدركٌ أنه يحاسَب بين يدي الله عز وجل، ولذلك تعتدل الكفة في يده وينضبط أمره، ويكون عنه من إيثار الدار الآخرة، وانتظار موعود الله، ما يجعله يترك الملذات والشهوات، لأنه يعلم أنه موقوف بين يدي القهار جل وتعالى (مع الله، العودة، ص107 بتصرف).
يقول ابن القيم رحمه الله: "القهار لا يكون إلا واحدًا، ويستحيل أن يكون له شريك، بل القهر والوحدة متلازمان؛ فالملك والقدرة والقوة والعزة كلها لله الواحد القهار، ومن سواه مربوب مقهور، له ضد ومنافٍ ومشارك، فخلق الرياح وسلط بعضها على بعض تصادمها وتكسر سورتها وتذهب بها، وخلق الماء وسلط عليه الرياح تصرفه وتكسره، وخلق النار وسلط عليها الماء يكسرها ويطفئها، وخلق الحديد وسلط عليه النار تذيبه وتكسر قوته، وخلق الحجارة وسلط عليها الحديد يكسرها ويفتتها، وخلق آدم وذريته وسلط عليهم إبليس وذريته، وخلق إبليس وذريته وسلط عليهم الملائكة يشردونهم كل مشرد ويطردونهم كل مطرد، فاستبان للعقول والفطر أن القاهر الغالب لذلك كله واحد، وأن من تمام ملكه إيجاد العالم على هذا الوجه، وربط بعضه على بعض، وإحواج بعضه إلى بعض، وقهر بعضه ببعض، وابتلاء بعضه ببعض" (طريق الهجرتين، ابن القيم، ص 233).

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العرب القطرية
منذ 43 دقائق
- العرب القطرية
حكمٌ حكيم
-A A A+ حكمٌ حكيم أليس الله بأحكم الحاكمين؟ بلى، بلى، يا رب، ونحن على ذلك من الشاهدين، سبحانك لا تُسأل عما تفعل، ولا اعتراض على حكمك، ولا رادّ لأمرك. إنّ إقرارنا باسم الله الحكيم وبحكمته جلّ جلاله، يقتضي منّا ترويض أنفسنا على تلقي أحكامه القدرية بالقبول والرضا، وعدم الاعتراض على ما قدّر وقضى، فالحكم القدري هو خلاف التكليفي، وهو بيد الله، وإذ لا خيار لنا فيه، فلا اعتراض لنا عليه، وهو كأن يخلق الله العبد قبيحًا ذميمًا، أو أن يخلقه قسيمًا وسيمًا، وأن يخلقه عجميًا أو عربيًا، أبيض أو أسود، كل هذا من أحكام الله القدرية الكونية. ومن أحكامه في عالم الأمر؛ الإيجاد والإماتة والإحياء، يقدرها على مقتضى مشيئته، فنقول إزاءها ما قاله سبحانه: (وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيْرُ)، وما أحسن ما قال أبو الحسن التهامي في رثاء ولد له مات صغيرًا، وكان هو شيخًا كبيرًا، فأخذ الحزن به كل مأخذ، ولكنه لم يعترض على حكمة الله: حكم المنية في البريـــــــــة (جــــــاري) ما هــــذه الدنيـــــــــا بـــــــــــدار قـــــــــــــــــــرار بينا يرى الإنســـــــان فيها مخبــــرًا حتى يرى خبرًا مــــــــــن الأخبــــــــــــــــــــــار يا كوكبًا ما كان أقصـــــــــر عمـــره وكذاك عمـــر كواكب الأسحار جاورت أعـــــــــدائي وجـــــــــــاور ربـــــــــــــه شتـــــــــــــــــــــــان بين جــــــــــــــــواره وجواري نعم شتان بين الجوارين، وسبحان من يلهم الرضا ويبث الألطاف مع الأقدار والنوازل، فيأخذ بها الحليم العاقل ويُعرض عنها الغَشوم الجاهل، ونسأل الله أن يثبتنا بالقول الثابت في الدارين، وأن يبصرنا بحكمته، فنكون من الشاكرين على نعمته ومن الصابرين على المحن والنقم، فمن سخِطَ فله السخط، ومن رضي فله الرضا. وأما حكمته سبحانه وتعالى، وهي خلو أقداره من العبث تعالى، وقيامها على أتم الإحكام والإبرام، فإذا تسرب إلى العبد أن يعترض بقوله: لم جعل الله كذا أو خلق كذا؟ ولم يكن لديه علم يبصر من خلاله الحكمة الخافية، فعليه أن يسارع إلى نسبها للحكيم الخبير، والحكيم العليم. وقد آنسَنا ربنا جلَّ وعلا بأمثلة من رحلة موسى مع الخضر وعدم استطاعته الصبر، المذكورة في سورة الكهف، وذلك لأن الله جل وعلا إنما كشف للخضر من السرِّ ما لم يكشفه لموسى عليهما السلام، فكان الخضر كلما أحدث أمرًا عدّه موسى عجبًا ونكرًا، وسارع إلى استجوابه وحسابه، فاعترض على خرق السفينة؛ لأنها قد تفضي بأهلها إلى الغرق والهلاك، وعلى قتل الطفل الصغير بلا جريرة ولا جريمة، ثم أشاد جدارًا بلا أجر لأصحاب القرية اللئيمة، وكان موسى عليه السلام موضع الدهشة والنكير حتى الاعتراض الأخير الذي أفضى إلى الفراق بينهما، وكان أن كشف الخضر عليه السلام الأسرار الكامنة والحكم الباطنة التي أطلعه الله عليها، فكان ما فعله الخضر عين الرحمة النابعة من الحكمة. وسبحان الحكيم الذي قدّر لموسى عليه السلام أن تقع له أحداثٌ مشابهة في مجرى حياته، فهو الذي ألقته أمّه في التابوت وقذفته في اليم، وهذا الأمر ظاهره القسوة وقلة الإشفاق والعطف من الأم على صغيرها، ولكنها فعلت ذلك بما أوحى الله لها وألقى في روعها وشعورها، بأنّ طريق نجاته يمر من مظان هلاكه، وهو يشبه السفينة التي خرقها الخضر لكي يزهد بها القراصنة ويعافوها لأصحابها المساكين، وكذلك فقد وكز موسى رجلًا فقضى عليه، كما فعل الخضر إذ قتل الغلام، وكذلك فقد سقى موسى للفتاتين في مدين بلا طائل ولا مقابل، كما شاد الخضر الجدار، ومن وراء هذا وذاك حكمة الحكيم العليم. فما أعظم أن نسلم أمورنا التي لا قدرة لتفكيرنا عليها إلى الله الحكيم، مسلّمين مذعنين، مؤمنين حق الإيمان أنّ وراء ذلك حكمة إلهية ومقصدا يريده سبحانه وتعالى، وأن إخفاءه عنّا إنما هو في مصلحتنا، وفيه خيرنا. @zainabalmahmoud @zalmahmoud@


العرب القطرية
منذ 9 ساعات
- العرب القطرية
التقته «العرب» ضمن باب «عيالنا والقرآن» رمضان الماضي.. الطفل حمد المنصوري حافظ كتاب الله.. في رحاب ربه
الدوحة - العرب توفي، أمس، إثر حادث أليم، الطفل حمد عبدالعزيز يوسف حسن المنصوري (الطالب بالصف السابع بالمعهد الديني الإعدادي الثانوي للبنين)، والذي التقته «العرب» رمضان الماضي ضمن باب «عيالنا والقرآن»، ضمن مجموعة كبيرة من طلاب مركز النور القرآني التربوي. وكان حمد حريصاً على حفظ القرآن الكريم، وأكد خلال اللقاء مع «العرب» على أن والديه حريصان على تشجيعه بصورة مستمرة على الدراسة والحفظ، فكان، رحمه الله، يقسم وقته بين الحفظ والدراسة، فيراجع 10 صفحات من كتاب الله بصورة يومية، وبعدها كان يبدأ في الحفظ، وكان ينوي الاستمرار على نهج الحفظ والتلاوة حتى يختم كتاب الله. وأسرة تحرير «العرب» تتقدم بالتعزية لأسرة حمد، سائلين الله أن يجعل سعيه في حفظ القرآن في ميزان حسناته، وأن يلهم أسرته الصبر والسلوان.


جريدة الوطن
منذ 21 ساعات
- جريدة الوطن
«85 %» نسبة جاهزية مخيمات حجاج قطر
ضمن الاستعدادات المتواصلة لموسم الحج 1446هـ، كشفت بعثة الحج القطرية عن إنجاز نحو 85 % من أعمال تجهيز المخيمات المخصصة لحجاج دولة قطر في المشاعر المقدسة بمنى وعرفة ومزدلفة، قد تم إنجازها وفق خطة عمل محددة سلفا وبمواصفات ومقاييس تضمن الجودة وتلبية احتياجات جميع الحجاج، وذلك بالتنسيق التام مع الجهات المختصة بالمملكة العربية السعودية. وأكد السيد عيسى ناصر الحميدي، رئيس وحدة خدمات المشاعر، أن التجهيزات تسير وفق خطة زمنية دقيقة، وبوتيرة متسارعة تضمن الانتهاء من كافة الأعمال قبل دخول شهر ذي الحجة، بما يحقق راحة وسلامة الحجاج القطريين أثناء تأديتهم لمناسكهم. وقال الحميدي: بدأنا مباشرة بعد الانتهاء من موسم الحج الماضي، بتنفيذ خطة العمل من خلال زيارات ميدانية إلى المشاعر المقدسة، حيث تم عقد لقاءات تنسيقية مع وزارة الحج والعمرة والجهات ذات الصلة بالمملكة العربية السعودية الشقيقة، كما تم التعاقد مع إحدى كبرى الشركات المتخصصة لتجهيز المخيمات، بما يلبي تطلعات حجاج دولة قطر، مشيراً إلى أنه تم البدء بالعمل الفعلي لتجهيز المخيمات بنهاية شهر رمضان المبارك مباشرة. وأضاف أن المخيمات يتم تجهيزها بكل ما يضمن راحة وأمان الحجاج، من خيام مكيفة، ودورات مياه، ومرافق للوضوء، إلى جانب أنظمة التهوية والتبريد وخدمات التغذية والإمدادات الكهربائية والمائية، مع مراعاة الجوانب المتعلقة بالسلامة والأمن والتنظيم الداخلي. وأشار الحميدي إلى أن وحدة خدمات المشاعر تتابع يومياً وعلى مدار الساعة وبشكل ميداني أعمال التجهيز، من خلال فرق متخصصة موجودة في المواقع، لضمان مطابقة جميع المرافق للمواصفات الفنية، والتأكد من تشغيلها بكفاءة تامة دون تأخير، مؤكداً أن خدمة حجاج الدولة مسؤولية يشرفنا القيام بها، ويسرنا أن تضمن بإذن الله توافر كافة الخدمات والمرافق وفق أعلى المواصفات المعتمدة. وفيما يتعلق بالتعاون مع السلطات السعودية، أوضح الحميدي أن التنسيق مع وزارة الحج والعمرة والجهات المعنية في المملكة كان مثمراً للغاية، وأسهم في تسهيل جميع الإجراءات، مشيداً بحرص الأشقاء في المملكة على تقديم أفضل الخدمات لحجاج بيت الله الحرام، وضمان سلامتهم وتأدية مناسكهم بكل يسر وسلام. ولفت رئيس وحدة خدمات المشاعر إلى أن بعثة الحج تتضافر جهودها، وتعمل بكامل طاقتها لتأمين بيئة خدمية مريحة وآمنة لحجاج الدولة، داعياً جميع الحجاج إلى الالتزام بإرشادات حملاتهم والتعاون مع الفرق الإدارية والميدانية لضمان انسيابية أداء المناسك بكل راحة وسكينة.