
هل بدأت ساعة أوروبا الأخيرة؟
بعد 8 عقود من حربين عالميتين مدمرتين و3 عقود من نهاية حرب باردة باهظة الكلفة، اندلعت حرب أوكرانيا، وكأن أوروبا قد أخذت بالحرب على حين غرّة، وبدت غير التي عرفها العالم بالعقود الأخيرة.
فبددت كثيرًا من حكمتها ورأس مالها السياسي والدبلوماسي والإستراتيجي وما استخلصته من عبثية حروب الدمار الشامل التي أتاحها العصر الصناعي في حلّ الصراعات الكبرى، وحققت بين أممها سلامًا وأنجزت استقرارًا ووحدة ورفاهية بالغة.
وبدا أنها تعلمت كثيرًا من تاريخها وصراعاتها، فتخلت عن النزعات القومية الفاشية والنازية، التي تغذي النزاعات والعنف، و"أجمعت" على الديمقراطية الليبرالية خيارًا نهائيًا، وواجهت التحديات والخلافات والمخاطر بحكمة وأناة ودبلوماسية.
كانت حرب أوكرانيا لحظة كاشفة ومفترق طرق! فجاء ردّ فعل أوروبا انقلابًا على كل ذلك، وارتدت لخيارات العسكرة والحروب والتقشف والتدمير الذاتي، وقرعت طبول الحرب والتسلح الباهظ، وموّلت تسليح أوكرانيا، وتماهت مع تحريض إدارة بايدن ومعسكر العولمة الإمبريالية لتعميق الصراع واستنزاف روسيا وحصارها بأوسع عقوبات اقتصادية في التاريخ، وغابت سياسات الانفتاح والتعاون.
الرِدة الألمانية
الأخطر أنّ ألمانيا، قاطرة الاتحاد الأوروبي، فقدت قدرتها على القيادة بحكمة والحيلولة دون اتساع الحرب وتفاقمها. كان يمكن لألمانيا أن تقود موقفًا داخل الناتو لعدم استفزاز روسيا بدخول أوكرانيا بالحلف، لكنها لم تفعل! تفتقد ألمانيا الآن بشدة نخبة سياسية ذات كفاءة ورؤية متجاوزة وقادة مقتدرين أمثال ويلي برانت، وهلموت شميت، وغيرهارد شرودر، وهلموت كول مستشار توحيد ألمانيا رغم معارضة وعرقلة بريطانية وأميركية، وهو إنجاز يقلل وطأة استمرار الاحتلال الأميركي ونشر عشرات آلاف الجنود الأميركيين على أرض ألمانيا.
وقد شرع هؤلاء القادة من المركز الحيوي للسياسة الألمانية: الحزب الاشتراكي الديمقراطي والاتحاد الديمقراطي المسيحي، خلال الحرب الباردة، في سياسة الانفتاح على الشرق (السوفيات)، واستيراد الغاز الطبيعي السوفياتي عبر أول خط أنابيب ببداية الثمانينيات، رغم معارضة أميركية قوية. وكانت أنجيلا ميركل آخر القادة الأقوياء الذين انفتحت سياساتهم على روسيا واستيراد الغاز الروسي (الرخيص) لتحقيق أعلى رفاهية وتنافسية لاقتصاد ألمانيا.
يلاحظ المؤرخ والمفكر الفرنسي، إيمانويل تود، تلازم الاستخفاف الغربي بروسيا مع تناسٍ خطير إستراتيجيًا لانحسار القاعدة الصناعية العسكرية، بمعظم دول الغرب، ويُترجم اليوم فراغًا بمخازن السلاح الأوروبية وعجزًا عن تلبية احتياجات أوكرانيا من أسلحة وذخائر "غبية" و"ذكية".
أوروبا وحلف الناتو
يرى تود أنّ حلف الناتو يغوص في "لاوعي" أوروبا، فـ"آلياته العسكرية والأيديولوجية والنفسية ليست موجودة لحماية أوروبا، بل للسيطرة عليها". ويرى روسيا في طور الانتصار على الحلف الذي دخل طورًا جديدًا في أوروبا يتمحور حول مثلث «لندن- وارسو-كييف»، ولا يمكن للناتو كسب هذه الحرب لأسباب جوهرية.
يرصد تود وضع الاتحاد الأوروبي القلق وتراجع دوره دوليًا، مع تراجع دور المحور الفرنسي- الألماني داخل الاتحاد.
لقد تخلى الاتحاد الأوروبي عن أوروبا ومصالحها، وحرمها من الطاقة الرخيصة والتجارة مع روسيا، وفرض عقوبات اقتصادية فادحة على نفسه، واعتمد مشتريات الطاقة الأميركية الباهظة بأضعاف أسعار الطاقة الروسية، فخفض العجز التجاري الأميركي وفاقم العجز التجاري الأوروبي، وضاعف أرباح شركات الطاقة الأميركية والضرائب الواردة للخزانة الأميركية!
تاريخيًا، كلما حاولت ألمانيا – بعد إعادة توحيدها بالقرن 19- النهوض واتخاذ دور يكافئ ثقلها الجيوسياسي والتاريخي والحضاري أو قيادة أوروبا وتعزيز نفوذها بها، كان التحالف الأنجلوسكسوني يستدعي روسيا إلى الصراع لإحباط المشروع الألماني، وبالمحصلة إفراغ طاقة ألمانيا وقدرتها على التمدد، بل وتدميرها أو تقسيمها، كما وقع في حربين عالميتين وبعدهما.
هذه ربما خلفية قراءة تود لتوازنات النظام الدولي المستقبلية، فيرى حتمية قيام حلف روسي- ألماني له جذوره العميقة جيوسياسيًا وأنثروبولوجيًا، مع انكفاء الغرب البروتستانتي المتمحور أميركيًا على ذاته، (كما تشير سياسات دونالد ترامب مثلًا)، وبروز الجنوب العالمي كقوة صاعدة مستقلة عن الغرب!
سلام المنتصر
مؤخرًا، وبينما تجري مفاوضات وقف إطلاق النار بأوكرانيا، وتتزايد بوادر الانفراج بين واشنطن وموسكو، يعرقل الاتحاد الأوروبي عملية السلام كلما أمكن.
فلا يمكن فهم محاولة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إرسال قوات من حلف الناتو لأوكرانيا إلا عرقلة. فقد أوضحت موسكو مبكرًا أنها لن تقبل بهذه القوات تحت أي ظرف، والبديهي أن القوات المحايدة وحدها قادرة على ضمان وقف إطلاق النار.
ويذكر الباحث الألماني، فابيان شيدلر، أن كايا كالاس منذ توليها منصب منسقة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، عارضت مفاوضات السلام علنًا. وفحوى تصريحاتها العلنية: لا يمكن الوثوق بموسكو، وبوتين لا يريد السلام. في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، غرّدت: "الاتحاد الأوروبي يريد أن تفوز أوكرانيا بالحرب. سنفعل كل ما يلزم لتحقيق ذلك".
أي أن السبيل الوحيد للمضي قدمًا ليس الدبلوماسية، بل "سلامُ المنتصر"، ولو ثبتت استحالته. وبينما يتزايد استياء دول بالاتحاد الأوروبي من كالاس لأن موقفها لا يمثل جميع حكومات الاتحاد، فإن المعارضة العلنية بالكاد تُسمع.
أيدت رئيسة وزراء الدانمارك، ميت فريديريكسن، موقف كالاس أوائل فبراير/ شباط الماضي قائلةً: "رؤيتي هي نفسها كما كانت خلال السنوات الثلاث الماضية: يجب أن تفوز أوكرانيا في هذه الحرب". وفي 23 فبراير/شباط، أضافت على تلفزيون الدانمارك: "نخشى أن يكون السلام في أوكرانيا أخطر من الحرب"! وهذا تصريحٌ لافتٌ للنظر.
سلوك غير عقلاني
يلفت شيدلر إلى أنه بسبب حرب أوكرانيا، أصبح خطر الحرب النووية أعلى مما كان عليه منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962. في ذلك الوقت، لم تنجُ البشرية من الفناء النووي إلا بصعوبة بالغة. فهل يمكن أن يكون السلام أكثر خطورة؟
الادعاء بأن أوكرانيا قادرة على كسب الحرب واستعادة الأراضي المفقودة بعيدٌ عن الواقع. فقد أقرّ رئيسا أركان البنتاغون والجيش الأوكراني علنًا بأن الحرب قد بلغت طريقًا مسدودًا، وأن أيًا من الطرفين لن ينتصر. بل ثبت أن هذا التصريح مُفرط في التفاؤل، فمنذئذ تدهور الوضع في أوكرانيا.
فقد تكبدت خسائر إقليمية، وخسرت مكاسبها في كورسك الروسية. كل يوم تستمر فيه الحرب يُقرّبها من الانهيار، ويُزهق أرواحًا كثيرة، ويُثقل كاهلها بالديون. ومع ذلك، لا يزال كبار قادة الاتحاد الأوروبي يرفضون الاعتراف بهذه الحقائق. فهم لا يفشلون فقط في اتخاذ مبادرات دبلوماسية وتقديم مقترحات واقعية لإنقاذ أوكرانيا من الأسوأ، بل يُقوّضون المفاوضات الجارية.
يلاحظ شيدلر في جميع هذه الحالات نمطًا متناقضًا: فرغم أن الاتحاد الأوروبي له مصلحة وجودية في إخماد الحريق على عتبة داره، فإنه يُفاقم الوضع ويحاول مواصلة حرب ميؤوس منها. وبذلك، يُضحّي بمصالحه الأمنية وببقاء الدولة الأوكرانية، التي ادّعى حمايتها. بل يُساهم الاتحاد الأوروبي في عزلته الجيوسياسية بدل تقديم نفسه وسيطًا بين الكتل الرئيسة، كخيار عقلاني وحيد نظرًا لموقعه الجغرافي.
ويتساءل كيف يُمكن تفسير سلوك يبدو غير عقلاني؟ يشكّك المؤرخ الهندي فيجاي براشاد في أن النخب السياسية الأوروبية تريد بالدرجة الأولى الحفاظ على هيبتها. فقد استُثمر رأس مال سياسي كبير جدًا في سردية "سلام المُنتصر"، وضُحّيَ بأرواحٌ كثيرة لأجلها، وأُنفقت عشرات المليارات عليها.
سردية فاشلة
إذا وافقت موسكو الآن على وقف إطلاق النار، وبنهاية المطاف على معاهدة سلام، فسيُدحَض الادعاء باستحالة التفاوض مع بوتين. وسيُطرَح حتمًا سؤالٌ حول سبب عدم دعم الاتحاد الأوروبي لمفاوضات السلام بإسطنبول ربيع 2022، والتي كادت أن تُنهي الأعمال العدائية. كان يمكن تجنّب مئات آلاف الضحايا، وتجنيب أوكرانيا خسائرَ إقليميةً فادحة.
بل قد يُصبح إعادة تسلح الاتحاد الأوروبي، وألمانيا تحديدًا، بدافع الذعر، موضعَ شك وتدقيق. إذا اتضح أن أهداف روسيا في الحرب كانت إقليميةً محدودة، ولم تكن تستهدف التهام أوكرانيا بأكملها وحلف الناتو كحلوى، فقد تلوح بالأفق إمكانيةُ قيام نظام سلام جديد، وخيار ضمان أمنٍ أكبر عبر نزع السلاح بالمدى البعيد.
لكنها احتمالات، يستدرك شيدلر، تتعارض مع سيناريوهات مروعة لغزو روسي، أُقرت له مئات المليارات للتسلح ببرلمانات أوروبا، بما في ذلك تعديل الدستور الألماني ليسمح بإنفاق عسكري ضخم.
راهنت حكومات الاتحاد الأوروبي الرئيسة وبريطانيا سياسيًا على هذه الورقة. فهل هذا سبب يمنعهم من تغيير مسارهم؟ هل هم على استعداد للتضحية بإمكانية السلام حفاظًا على سردية فاشلة؟ بعد أخطاء جسيمة ارتكبت في السنوات الماضية، سيكون هذا أخطرها على الإطلاق.
بناء دولة الحرب
لكن هناك المزيد على المحك الآن. إن سيناريو هجوم روسي على الناتو، مهما بدا مستبعدًا، لا يستخدم لشرعنة إعادة التسلح الأوروبي فحسب، بل يُفضي أيضًا لتفكيك دولة الرفاه، التي يُفترض أن أوروبا لم تعد تتحملها بمواجهة هذا التهديد الوجودي.
وقد لخصت فايننشال تايمز برنامج إعادة التسلح: "يجب على أوروبا تقليص دولة الرفاه لبناء دولة الحرب". إذا أُبرم اتفاق سلام بسرعة كبيرة، فقد يتعثر مشروع تشديد التقشف لإعادة التسلح. كيف ستوافق الأغلبية على تفكيك خدمات الصحة العامة والتعليم والنقل العام وحماية المناخ والمنح الاجتماعية إذا لم يعد هناك وحشٌ مُستهلِكٌ لا يشبع يزحف نحو الغرب؟
لاحظ نعوم تشومسكي أن تفكيك دولة الرفاه لصالح المجمع الصناعي العسكري مشروعٌ قديم يعود لعهد "الصفقة الجديدة"، زمن الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت لدى إقرار برنامج الضمان الاجتماعي المبكر.
ووفقًا لتشومسكي، تُثير المزايا الاجتماعية رغبة الناس في مزيد من تقرير المصير والحقوق الديمقراطية، وبالتالي تُعيق الحكم الاستبدادي. في المقابل، يُولّد الإنفاق العسكري أرباحًا ونموًا اقتصاديًا مرتفعًا دون أن يُتيح للناس فرصةً خطيرةً تُتيحها الحقوق الاجتماعية.
وبحسب شيدلر، سعت القوى النيوليبرالية في الاتحاد الأوروبي عقودًا لتقليص الرعاية الاجتماعية وزيادة الإنفاق العسكري. فإبقاء هذا الوحش حيًا يُفيد كثيرًا في إضفاء الشرعية على جولة تقشف جديدة. ولن تكون هذه أول مرة تُستخدم فيها الحرب لإضعاف الطبقة العاملة.
أسطورة "طعنة في الظهر"
هناك دافع آخر محتمل لعدم تبني الاتحاد الأوروبي دبلوماسية بناءة: التحضير لـ"أسطورة طعنة في الظهر" جديدة. إذا حافظ الاتحاد الأوروبي على سردية "سلام المنتصر" القابل للتحقيق- رغم علمه بأنه بعيد المنال- بينما يتوسط ترامب في تسوية سلام، يمكن للمحافظين الجدد بأميركا ونظرائهم بأوروبا الترويج لفكرة أن إدارة ترامب طعنت أوكرانيا وأنصارها في الظهر ومسؤولة عن خسارة الحرب.
وهذا يتيح إخفاء الأخطاء الكارثية لإدارة بايدن والقادة الأوروبيين تحت السجادة وإلقاء اللوم كله على خصومهم السياسيين. ويجري العمل بالفعل على عناصر هذه الرواية بشغف على جانبي الأطلسي.
لكن هذه الإستراتيجية مدمرة تمامًا. فلن تؤدي إلا لتغذية قوى متطرفة داخل أوكرانيا وخارجها تريد تقويض السلام وتغذية وهْم عكس مسار الخسائر بأسلحة أكثر واستمرار الحرب. ويجعل هذا الطريق إلى الحرب الأهلية الأوكرانية أكثر احتمالًا؛ وسيعني ذلك لأوروبا مزيدًا من عدم الاستقرار وخطر تجدد المواجهة مع روسيا.
يخلص شيدلر إلى أنه إذا كان الأوروبيون مهتمين بأمنهم وأمن أوكرانيا، فالبديل المنطقي الوحيد هو الصدق. لقد فشلت الإستراتيجيات الغربية في أوكرانيا. وقد ثبت أن التركيز الحصري على التسلح ورفض الانخراط في الدبلوماسية خطأ.
ينبغي لأوروبا أن تدرك الحقائق وتسعى جاهدةً لتجاوز وضع سيئ ومنع تفاقمه، وهذا يعني مساهمة فعالة في عملية السلام بمقترحات بناءة بدل نسفها من الهامش.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
فرنسا تستدعي السفير الإسرائيلي بعد إطلاق النار على دبلوماسيين في جنين
انضمت فرنسا إلى دول أوروبية باستدعاء السفير الإسرائيلي لديها احتجاجا على إطلاق النار على موكب الدبلوماسيين في جنين. اقرأ المزيد


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
ماكرون غاضب من وزرائه بعد تقرير بشأن تأثير الإخوان في فرنسا
نقل موقع بوليتيكو عن مصادر حكومية أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بدا غاضبا للغاية في اجتماع لمجلس الدفاع الفرنسي، ووجّه انتقادات حادة لوزرائه بعد تسريب تقرير بشأن تأثير الإخوان المسلمين في فرنسا. وذكر الموقع أن ماكرون اتهم وزراءه بعدم تقديم حلول كافية لمواجهة "التهديد" الذي تمثله جماعة الإخوان المسلمين. وأوضح أن التقرير كان من المقرر أن يُنشر أمس الأول الأربعاء، لكن مكتب ماكرون أرجأ نشره بعد تسريبه إلى وسائل إعلام مقربة من اليمين، الأمر الذي أحرج الرئاسة الفرنسية. وقال الموقع إن أصابع الاتهام بشأن التسريب وُجّهت إلى وزير الداخلية برونو روتايو الذي ارتفعت شعبيته بشكل كبير منذ انضمامه إلى حكومة ماكرون سبتمبر/أيلول الماضي، وتشير استطلاعات مبكرة إلى أنه قد يكون منافسا جديا في انتخابات الرئاسة لعام 2027. وناقش روتايو -الذي انتُخب مؤخرا لقيادة حزب الجمهوريين اليميني- في الأيام الأخيرة تقرير تأثير الإخوان المسلمين في مقابلات متعددة مع وسائل الإعلام الفرنسية، متهما الجماعة بمحاولة دفع المجتمع الفرنسي نحو تطبيق الشريعة الإسلامية. ووفقا لما تسرّب من التقرير، تواجه جماعة الإخوان المسلمين اتهامات بالسعي لدفع أجندتها "الأصولية" في جميع أنحاء فرنسا وأوروبا، بأنها تشكّل "تهديدا للتماسك الوطني" في فرنسا. ونقل موقع بوليتيكو عن أحد مساعدي ماكرون تقليله من دور وزارة الداخلية في هذه القضية، مؤكدا أن جميع القرارات الرسمية ستُتخذ في اجتماعات مجلس الدفاع التي يترأسها ماكرون. تنديد بالتقرير وتم إعداد التقرير بشأن جماعة الإخوان من طرف موظفين رفيعين بتكليف من الحكومة، وركّز على دور "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا"، والذي وصفه بأنه "الفرع الوطني للإخوان المسلمين في فرنسا". وندد الاتحاد بتلك الاتهامات "التي لا أساس لها" وحذّر من الخلط "الخطير" بين الإسلام والتطرف، وقال في بيان "نرفض بشدة أي اتهامات تحاول ربطنا بمشروع سياسي خارجي"، محذّرا من "وصم الإسلام والمسلمين". وتابع أن "الاتهام الدائم يُشكّل العقول ويثير المخاوف وبكل أسف، يساهم في أعمال العنف"، مشيرا إلى حادثة مقتل المالي أبو بكر سيسيه (22 عاما) بطعنه عشرات المرات، بينما كان يصلي داخل مسجد في جنوب فرنسا. وأثار التقرير ردود فعل حادة، إذ اتّهمت زعيمة اليمين المتشدد مارين لوبان الحكومة بعدم التحرك، قائلة على منصة "إكس" إنها لطالما اقترحت إجراءات "للقضاء على الأصولية الإسلامية". وقال رئيس حزبها " التجمع الوطني" جوردان بارديلا عبر إذاعة "فرانس إنتر" "إذا وصلنا إلى السلطة غدا، فسنحظر الإخوان المسلمين". لكن البعض دانوا ما يقولون إنه تزايد رهاب الإسلام في فرنسا، وقال اليساري جان لوك ميلانشون على منصة "إكس" إن "رهاب الإسلام تجاوز الحد"، واتهم المسؤولين بدعم "النظريات الوهمية" للوبان ووزير الداخلية روتايو.


الجزيرة
منذ 15 ساعات
- الجزيرة
خبراء: إسرائيل باتت عبئا أخلاقيا على الغرب ونتنياهو يتخذها رهينة
اتفق خبراء ومحللون سياسيون على أن هناك تحالفا واسعا يتشكل في الغرب ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، وليس ضد إسرائيل أو جيشها، مما يعكس تحولاً جذرياً في المواقف الغربية تجاه السياسات الإسرائيلية في حربها على قطاع غزة. وفي هذا السياق، أكد أستاذ الدراسات الأمنية في جامعة كينغز كوليدج أندرياس كريغ، أن نتنياهو فقد الدعم حتى في الأوساط التقليدية المؤيدة لإسرائيل، ليس فقط اليهودية، بل أيضاً في الدوائر المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة و كندا ودول أوروبية أخرى. وكتطور طبيعي لهذا التآكل في الدعم، أشار كريغ إلى أن الرأي العام تغير بشكل كبير ضد إسرائيل في أوروبا والولايات المتحدة، حتى في صفوف الشباب اليهود الذين بات ينظرون إلى نتنياهو كشخص "مارق" حتى داخل مجتمعهم. وفي السياق ذاته، رأى الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات لقاء مكي، أن إسرائيل "أصبحت عبئاً أخلاقياً على الغرب الذي أوجدها"، مؤكداً أن الدول الأوروبية لم تعد قادرة على دعم إسرائيل، حتى ألمانيا التي تحافظ على صمتها لأسباب تاريخية معروفة. وبشأن محاولات نتنياهو مواجهة هذا التحالف المتنامي ضده، أوضح كريغ أن نتنياهو يحاول استخدام ورقة معاداة السامية سلاحا، قائلاً إن "انتقاد إسرائيل يعني انتقاد اليهود، وهذا من قبيل معاداة السامية". غير أن هذه الإستراتيجية تواجه -حسب كريغ- تحدياً متزايداً، إذ أشار إلى أن هذا الاستخدام السيئ لهذه الورقة من قبل نتنياهو بدأ يضعفه. وبالمثل، رأى مكي أن نتنياهو ووزير خارجيته جدعون ساعر أرادا الاستفادة من مقتل دبلوماسيين إسرائيليين في واشنطن لتغيير الاتجاه وحرف البوصلة عما جرى خلال الأيام الماضية من مواقف أوروبية. وأضاف أن نتنياهو وساعر عادا إلى "نغمة المظلومية" المعتادة في محاولة للضغط على القادة الأوروبيين لجعلهم يكفون عن انتقاد إسرائيل. وفيما يتعلق بمواقف الدول الغربية أكد الخبير بالشأن الإسرائيلي ساري عرابي، أن الدول الغربية تريد أن تقوم إسرائيل بحماية نفسها، فهي لا تريد أن تُستهدف إسرائيل أو جيشها. وأوضح عرابي أن التضحية بنتنياهو "لا تمثل خطراً على الكيان الإسرائيلي، بل يرى الأوروبيون أن التضحية به من مصلحة إسرائيل"، لافتاً إلى أن هذا "ثمن مقدور" في وقت يبقى فيه الجيش والأجهزة الأمنية مؤسسات راسخة. وحول تطور المواقف الأوروبية، قال كريغ إن معظم السياسيين في بريطانيا و الاتحاد الأوروبي كانوا خائفين من التعبير عن آرائهم وانتقاد نتنياهو خلال السنة الماضية، ولكن الآن تجاوزوا حاجز الخوف هذا. وكنتيجة مباشرة لهذا التحول، أكد أن هذا التطور يعكس إدراكاً أوروبياً متزايداً لضرورة اتخاذ موقف أكثر حزماً تجاه السياسات الإسرائيلية. وفي السياق نفسه، أشار مكي إلى أن "أوروبا كلها" لم تعد قادرة على دعم إسرائيل"، مستشهداً بمواقف هولندا وغيرها من الدول، واعتبر أن "إيقاف أوروبا الآن أصبح صعباً" بعد أن بدأت في التحرك. ورغم هذه الضغوط المتزايدة، اتفق الخبراء على أن نتنياهو سيستمر في سياساته الحالية لأسباب متعددة، إذ أوضح مكي أن "الأمر صار شخصياً تماماً" بالنسبة لنتنياهو، مشيراً إلى أنه تورط، كما أنه تمكن من تصفية جميع معارضيه داخل حكومته. إعلان وأضاف مكي أن نتنياهو يعرف أن الغرب والولايات المتحدة "حتى لو كرهوه شخصياً أو أرادوا استبداله، فهم لن يستطيعوا التفريط بإسرائيل"، مضيفا "هو يحتمي بإسرائيل أو ربما يتخذها رهينة للبقاء في السلطة". ولفت إلى أن الحرب "مفيدة له" لأنها تعطيه السيطرة على المجال العام والمعارضين وتؤجل التحقيقات القضائية ضده. أزمة دستورية وفي تطور داخلي مهم يعكس تعمق الصراع، أشار عرابي إلى أن تعيين نتنياهو لرئيس جديد لجهاز الشاباك دون التشاور مع رئيس الأركان إيال زامير خلق "أزمة دستورية حقيقية" بين رئاسة الحكومة والمؤسسة القانونية الإسرائيلية. وأوضح عرابي أن هذا التعيين يأتي في إطار محاولة اليمين الديني القومي السيطرة على مفاصل القيادة الإسرائيلية بعد أن سيطروا على الجيش، مشيرا إلى أن هذا الجناح مهتم بالسيطرة على جهاز الشاباك.