
الشمس تشرق من آسيا
صفعة بريجيت ماكرون على وجه الرئيس الفرنسي، قبل نزولهما من الطائرة في مطار هانوي، حجبت أهمية استدارة أوروبا، صوب منطقة صنفت لفترة طويلة من تاريخنا الحديث، من بين الأفقر في العالم. الرحلة التي حملت إيمانويل ماكرون إلى فيتنام وإندونيسيا، وسنغافورة، هي جزء من تحولات عالمية، صوب ما كان ينظر إليه بوصفه مناطق منكوبة. فلا تذكر بنغلاديش إلا وفيضاناتها معها. وبقيت فيتنام لفترة طويلة في اللاوعي الجمعي، هي بلاد مقاومة الإمبريالية، وموطن المقاتلين الأشاوس الذين احتملوا ما يضرب به المثل من محتلهم حتى انتصروا عليه. أما سنغافورة، فحظيت بالإعجاب باكراً، لأنها لم تكن مدينة في الأصل ولا بلداً قبل أن تصبح نموذجاً للحداثة والنجاح. كانت مجرد مستنقعات نتنة وغابات وأوبئة. أرض متروكة تستجدي رحمة ماليزيا، وأناسها تعصف بهم المآسي. في عشرين سنة فقط، نهضت سنغافورة، وفازت بالتحدي، حوّلها قائدها لي كوان يو، بمرور الوقت، إلى معجزة اقتصادية مبهرة، رغم أن مساحتها لا تتجاوز 735 كيلومتراً مربعاً.
الأدوار انقلبت لصالح بلاد جنوب شرقي آسيا، تلك الشعوب المعذبة، التي توالى عليها الاستعمار من الفرنسي إلى الياباني والإنجليزي والأميركي، وتركت ممزقة، منكوبة، لم تزدها الزلازل والبراكين والطوفانات إلا مرارة.
نماذج ثقافية تثير الإعجاب، وهي تتحول تدريجياً إلى مزارات ومقاصد لكبار قادة العالم. كل يريد أن يحجز حصته من الثمر حتى قبل نضوجه. قبل ماكرون كانت زيارة قادة من الصين وإسبانيا، والبقية ستأتي حتماً، بحثاً عن بدائل للسوق الأميركية التي بدأت تضيّق أبوابها في ظل التهديدات بفرض رسوم جمركية أميركية كبيرة.
الصراع الاستراتيجي المتزايد بين العملاقين، الولايات المتحدة والصين، يصعّد من حدة التجاذبات بين الدول للفوز بما تيسر من كعكة جنوب شرقي آسيا. بزيارة واحدة تمكن ماكرون من توقيع اتفاقيات بـ10 مليارات دولار، في فيتنام، واتفاقاً لشراء 20 طائرة «إيرباص»، وأخرى في مجالات الطاقة النووية والسكك الحديدية.
لا غرابة، أوروبا تبحث عن متنفَّس سريع لأزمتها؛ إذ يُتوقع أن يبقى النمو في كل من فرنسا وألمانيا خلال العام الحالي دون الواحد في المائة. ولن يتعدى النمو في أميركا عتبة 2 في المائة العام المقبل، حسب التوقعات. بينما تشير توقعات البنك الدولي إلى أن منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ، تجاوزت معظم المناطق الأخرى في العالم، من حيث معدل النمو. ويتوقع رغم التباطؤ أن تبقى الأرقام على ارتفاعها بحيث يصل نمو فيتنام إلى 5.8 في المائة وكمبوديا 4 في المائة وإندونيسيا 4.7 في المائة. وهو ما يجعل أوروبا تبحث عن تعويض خسائرها من التبادلات التجارية مع أميركا، في واحدة من أكثر مناطق العالم حيوية.
وكأنما أبطال الأمس يتراجعون لصالح قوى جديدة، لم تكن ذات وزن. فينخفض نمو المعجزة السنغافورية إلى 2 في المائة فقط هذا العام، فيما تحيق مخاطر كبرى باليابان رغم عبقريتها الصناعية ليهبط نموها إلى أقل من 0.7 في المائة مع ديون تبلغ 10 في المائة من إجمالي ديون العالم. وتصل نسبة الدين العام ما معدله 242 في المائة إلى الناتج المحلي. ويعتقد أنها على شفير أزمة تفوق التي عانت منها اليونان.
تبدو دول جنوب شرقي آسيا، بما تملكه من قوة شبابية ديناميكية، ومهارات معرفية بعد تطوير الأنظمة التعليمية، مع يد عاملة لا تزال رخيصة نسبياً، منطقة مغرية للمستثمرين في الصناعات الإلكترونية والملابس والسيارات، إضافة إلى أنها تضم كتلة بشرية استهلاكية تزيد على 600 مليون نسمة، وأراضٍ شاسعة، وطبيعة متنوعة فيها الجبال والغابات والسواحل والممرات المائية الاستراتيجية على المحيطين الهادئ والهندي التي يتنازع عليها الكبار.
وتقع ماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة على حدود مضيق ملقا، الذي يمر عبره أكثر من ربع التجارة العالمية، و80 في المائة من شحنات النفط القادمة من المنطقة إلى الصين واليابان.
في هانوي لا يمكن لعينيك ألا تلحظ الطبقة الغنية الناشئة، المتاجر الفخمة، والسيارات اللمّاعة، والفنادق الضخمة الجديدة، إلى جانب فئة كبيرة من الكادحين، تجلس في المطاعم الشعبية، تتناول بهدوء قطع الخضار الصغيرة والأعشاب مع حبات الأرز بملاقطها الخشبية، كأنها تنتظر دورها في تسلق سلم الرخاء.
المرحلة الانتقالية هذه تراها جلية أيضاً في بنوم بنه (عاصمة كمبوديا) فيما تتحول جاكرتا وبانكوك وهانوي ليس فقط إلى مدن محببة للسياحة كما باريس وبرلين وأمستردام، ولكن أيضاً إلى مراكز إقليمية للابتكار والأعمال، وإغراء الشركات الناشئة والمستثمرين في التكنولوجيا والطاقة المتجددة.
نهوض هذه الدول وتحولها إلى محجة للاستثمار، للإفادة من نبضها الحداثي الصاعد، ومهاراتها البشرية، يمنح الأمل. فهي شعوب متعددة الديانات، والجذور، تتحدث عشرات اللغات المختلفة. شعوب استُعمرت، اضطُهدت واستُغِلت وأُفقرت، ولا يزال بعضها تُعصر أنفاسه من الشركات الكبرى، لكنها تملك إرادة فولاذية، ونشاطاً في العمل منقطع النظير، وإصراراً على دخول السباق حتى الوصول إلى المقدمة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


حزب الأصالة والمعاصرة
منذ ساعة واحدة
- حزب الأصالة والمعاصرة
عضو القيادة الجماعية مخاطبا برلمان البام: حزبنا سيظل قويا بقيمه ومواقفه السياسية التي تعكسها برامجنا الجهوية والإقليمية
أكد؛ السيد محمد المهدي بنسعيد عضو القيادة الجماعية للأمانة العامة لحزب الاصالة والمعاصرة، أن الحزب سيظل قويا بقيمه بمواقفه السياسية التي تعكس تصوره ومقاربته الإنسانية، وهذه السنة التي تصادف الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، هي فرصة 'ذكرنا فيها أن روح و قيم هذه المسيرة، يجب أن تطبع مواقفنا وتجاوبنا مع القضايا المجتمعية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية لنواكب المسيرة التنموية التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله'. وأشار بنسعيد في كلمته أمام برلمان البام خلال الدورة 30 للمجلس الوطني اليوم السبت 31 ماي الجاري، إلى أن القطاعات الحكومية التي يسيرها الحزب بكل نزاهة وشفافية، بالغة الأهمية في تيسير حياة المواطنين، قائلا: 'فمن الإنسانية تسهيل ولوج ساكنة المناطق المهمشة إلى العدالة، ومن الإنسانية دعم المواطنين في رحلتهم نحو البحث عن سكن يحفظ كرامتهم، ومن الإنسانية حفظ كرامة الشغيلة المطالبة بحقوقها، ومن الإنسانية توفير تخصصات ومسالك تعليمية تسهل على الطلبة اندماجا في سوق الشغل، ومن الإنسانية رقمنة الوثائق الإدارية وتجنيب المواطن مشقات الإدارة، ومن الإنسانية العمل على انتقال طاقي يوفر للأجيال القادمة حياة سليمة وبيئة ملائمة، ومن الإنسانية كذلك إعادة الثقة بين الشباب والمؤسسات'. وأضاف بنسعيد، 'إذا استطعنا تنزيل برامجنا الوزارية في مختلف هذه القطاعات بتواصل مهم ودقيق ونهجنا سياسة القرب والإنصات، فكونوا متأكدين أننا سنلقى استحسانا كبيرا من طرف المواطنين'. وأكد بنسعيد على أن مكونات الأغلبية الحكومية منسجمة مع بعضها البعض، التزاما منها بمضامين ميثاق الأغلبية وبما يخدم الصالح العام. ومع ذلك، فإن هذا الانسجام لا يلغي إمكانية وجود اختلافات في الرؤى أو المواقف، باعتبارها ظاهرة طبيعية وصحية ضمن أي عمل جماعي ديمقراطي، مادامت هذه الاختلافات لا تمس بجوهر الالتزام بالبرنامج الحكومي والأهداف المشتركة 'وبقيم ومبادئ حزبنا وروح التأسيس التي طالما تشبثنا بها'. وأبرز بنسعيد أن القيم التي يدافع الحزب عنها لا يمكن أن تتحقق فقط بعمل الوزراء، فرؤساء مجالس الجهات هم مرآة الحزب داخل الجهة، ورؤساء مجالس الجماعات هم مرآة الحزب داخل الإقليم، وكل مناضل من المناضلين هو مرآة للحزب داخل عائلته وأصدقائه ومحيطه، 'فلهذا يجب أن تنعكس هذه المبادئ الإنسانية في برامجنا الجهوية والإقليمية، وكذلك في تعاملنا اليومي مع المواطنين لأن سياسة القرب هي أكثر ما يهم هذا الأخير، إما ينفر منك وبالتالي من الحزب أم تجعله يثق فيك وبالتالي في الحزب'. وقال بنسعيد، 'صحيح أن أي حزب سياسي، يعتبر المنطق الانتخابي جزء من صميم عمله، غير أن الهدف اليوم هو الإنسان، ومدى إسهامه في التنمية الاقتصادية لبلادنا، والتي شهدت مستويات عليا، خلال 25 سنة الأخيرة'. وأضاف بنسعيد، 'لقد كان الناتج الداخلي الخام قبل 25 سنة، حوالي 45 مليار دولار، اليوم تخطى 150 مليار دولار، بفضل بنية اقتصادية قوية، وتحولات عميقة على مستوى البنيات التحتية، ومجهود كبير للدولة في مجالات التعليم، الصحة، التشغيل، الصناعة، التكنولوجيات الحديثة وغيرها من المجالات التي شكلت المنظومة الاقتصادية لبلادنا'. وزاد بنسعيد مسترسلا في كلمته، 'إذا كنا اليوم نتحدث عن فلسفة جديدة لهذه المنظومة، فهناك تحديات مرتبطة بالذكاء الاصطناعي، الصناعات الثقافية والإبداعية، الرقمنة، ومجالات أخرى ستشكل أعمدة أساسية لهذه المنظومة، وتسهم في تطور الناتج الداخلي الخام ما بعد 2030'. واعتب عضو القيادة الجماعية 'أنه عندما تحدثنا عن حكومة المونديال، لم نكن نقصد التنافس الرياضي، وإنما ربطنا تنظيم بلادنا لمونديال 2030 بتنمية اقتصادية شاملة، هي الأخرى ستجعل الإنسان في قلب مجالاتها، عبر خلق مناصب شغل، تطوير النسيج المقاولاتي، الاعتماد على اقتصادات جديدة، والانفتاح على العالم بشكل أكبر. وأوضح بنسعيد أن ما شهده المغرب من تطور مهم على المستوى الاجتماعي بتنزيل مشاريع التغطية الصحية، والحماية الاجتماعية، بفضل رؤية استراتيجية لجلالة الملك حفظه الله، والمستوى الذي وصلت إليها بلادنا في عدد من المجالات، 'يتطلب منا كهيئة سياسية مواصلة الاشتغال بكل مسؤولية لتنزيل باقي المشاريع المجتمعية والتي لها الأثر المباشر على المواطنات والمواطنين، بعيدا عن أي حسابات سياسية، أو منطق انتخابي'. ونوه بنسعيد باسم القيادة الجماعية بالتفاعل الإيجابي للوزراء مع مجلسي البرلمان، سواء داخل الجلسات العامة، أو اللجان الفرعية، واللجان الموضوعاتية، يوازيه، حضور دائم، ونقاش ذو المستوى العالي لنواب الحزب ومستشاريه، ودفاعهم عن القضايا العامة، وجعلهم للإنسان، والإصلاحات التي لها أثر على المواطنين في صلب العمل البرلماني لفريقي الحزب بالغرفتين. كما نوه عضو القيادة الجماعية بالعمل الذي قام به أعضاء المجلس الوطني داخل اللجان الموضوعاتية، والنقاش الهام، والفلسفة السياسية، داخل أكاديمية الحزب، فضلا عن اجتماعات للجان متخصصة، لصياغة البرنامج الانتخابي لسنة 2026، والعمل الكبير والاشتغال الجاد التي تقوم به منظمة النساء والدفاع عن مختلف قضايا المناصفة وإسهامه الإيجابي في النقاش حول تعديل مدونة الأسرة. وثمن عضو القيادة الجماعة الدينامية المتواصلة والجهود المتميزة التي يبذلها قطب التنظيم من خلال تنظيم المؤتمرات الجهوية والإقليمية، واللقاءات الإشعاعية للمناضلين، وكذا اللقاءات التواصلية مع المنتخبين المحليين، مما يسهم في تعزيز حضور الحزب كقوة تنظيمية. تحرير: خديجة الرحالي/ تصوير: ياسين الزهراوي


أريفينو.نت
منذ 4 ساعات
- أريفينو.نت
المغرب يُسلّح مدرعاته 'الوحشية' WhAP بمدافع غريبة!
أريفينو.نت/خاص أقرت القوات المسلحة الملكية المغربية اختيار أبراج قتالية من إنتاج مجموعة 'إلبيت معرخوت' (Elbit Systems) الإسرائيلية لتسليح ناقلات الجند المدرعة من نوع 'WhAP 8×8″، وهي ثمرة شراكة صناعية بين المغرب وشركة 'تاتا أدفانسد سيستمز' الهندية. من مدافع 30 ملم إلى قوة الدبابات: كيف ستحول 'إلبيت' مدرعات المغرب إلى وحوش كاسرة؟ وفقاً لتقارير صحفية إسرائيلية، ستحل الأبراج الجديدة محل المدافع الآلية من عيار 30 ملم المركبة حالياً على هذه المدرعات. وسيتم تزويدها بأسلحة أثقل – من عياري 105 ملم و120 ملم – مماثلة لتلك التي تجهز دبابات 'سابرا'، في تكوين يهدف إلى زيادة قوتها النارية بشكل كبير، خاصة في البيئات شبه القاحلة. وستخضع هذه الأبراج القتالية لتكييف تقني خاص لتلبية المتطلبات الطبوغرافية والمناخية الخاصة بالأراضي المغربية، لا سيما المناطق الصحراوية الشاسعة والتضاريس الوعرة لجبال الأطلس الكبير. ولم تكشف الوزارة المنتدبة المكلفة بإدارة الدفاع الوطني عن قيمة هذه الصفقة، ولا عن الموعد المتوقع لتسليم أولى هذه التجهيزات. ليست الأولى من نوعها: 'إلبيت' شريك استراتيجي سابق للمغرب في صفقة مدفعية ضخمة! تجدر الإشارة إلى أن هذا الاقتناء لا يمثل أول تعامل بين الرباط و'إلبيت معرخوت'. فقد سبق للمجموعة الإسرائيلية أن أبرمت عقداً مع المغرب لتزويده بأنظمة مدفعية من طراز 'أتموس 2000″، بلغت قيمته 370 مليون دولار. وشملت هذه الصفقة، التي كشفت عنها مصادر صناعية إسرائيلية عام 2023، حوالي أربعين قطعة مدفعية وتضمنت جانباً لنقل المهارات لصالح وحدات المدفعية المغربية. ومنذ تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل، الذي تم رسمياً في ديسمبر 2020 في إطار ما يُعرف باتفاقيات أبراهام، كثف البلدان تعاونهما في مجالات الأمن والتسليح والتكنولوجيات الاستراتيجية، حيث تؤطر عدة اتفاقيات حكومية دولية، بعضها سري، هذه المبادلات العسكرية. مدرعات WhAP المغربية: مرونة وقوة نارية لمواجهة تحديات إقليمية متغيرة! تعتبر المركبة المدرعة 'WhAP' (المنصة المدرعة ذات العجلات)، التي يتم تجميعها في المغرب بموجب ترخيص هندي، حلقة وصل هامة في إعادة تنظيم وحدات الإسقاط الميكانيكية التابعة للمملكة. ويأتي اعتمادها، بدعم من الأركان العامة للقوات المسلحة الملكية، استجابة للرغبة في تزويد الجيش بقدرة متزايدة على الحركة في التضاريس الصعبة مع الحفاظ على قوة نيران رادعة. ومن خلال هذه العملية، تواصل القوات المسلحة الملكية تعزيز قدراتها القتالية التقليدية في بيئة إقليمية تتسم بإعادة تشكيل التحالفات، والتوترات المستمرة عبر الصحراء، وانتشار التهديدات غير المتكافئة. إقرأ ايضاً


زنقة 20
منذ 7 ساعات
- زنقة 20
بنسعيد: الحكومة منسجمة والبام لا يمارس السياسة بمنطق انتخابي
زنقة20ا الرباط قال المهدي بنسعيد، عضو القيادة الجماعية للأمانة العامة لحزب الأصالة والمعاصرة، إن الحزب يضع الإنسان في قلب مشروعه السياسي، مؤكدا أن القطاعات الحكومية التي يسيرها الحزب تنطلق من قيم الإنسانية والعدالة الاجتماعية، وتسعى إلى تيسير حياة المواطنين بشكل ملموس. وفي كلمته خلال الدورة 30 للمجلس الوطني للحزب، المنعقدة بمركز المؤتمرات الولجة بمدينة سلا، اليوم السبت، شدد بنسعيد على أن 'من الإنسانية تسهيل ولوج ساكنة المناطق المهمشة إلى العدالة، ومن الإنسانية دعم المواطنين في البحث عن سكن لائق، ومن الإنسانية توفير تعليم يسهل الاندماج في سوق الشغل، ورقمنة الوثائق الإدارية، وضمان انتقال طاقي يراعي الأجيال القادمة، ومن الإنسانية أيضاً إعادة بناء الثقة بين الشباب والمؤسسات'. وأضاف أن نجاح الحزب في تنفيذ هذه البرامج رهنٌ بالتواصل الجيد مع المواطنين، وبنهج سياسة القرب والإنصات، مؤكداً أن المواطن المغربي يقدّر العمل الجاد متى تَمَّت خدمته بصدق وشفافية. وبخصوص تماسك مكونات الأغلبية، أوضح بنسعيد أن التنسيق بين مكونات الحكومة 'قائم على الانسجام والتزام ميثاق الأغلبية'، لكن دون أن ينفي إمكانية وجود اختلافات في الرؤى داخل الأغلبية، واصفاً ذلك بالوضع 'الطبيعي والصحي في أي ممارسة ديمقراطية جماعية، ما دامت لا تمس جوهر البرنامج الحكومي المشترك'. ودعا بنسعيد إلى تعميم القيم التي يدافع عنها الحزب، ليس فقط من خلال الوزراء، بل كذلك عبر رؤساء الجهات والجماعات ومناضلي الحزب في مختلف مواقعهم، قائلاً: 'كل مناضل هو مرآة للحزب، وسلوكنا اليومي هو الذي يكسبنا ثقة المواطن أو ينفّره منا'. وفي تقييمه للوضع الاقتصادي، أبرز عضو القيادة الجماعية أن المغرب عرف تحولات اقتصادية كبيرة خلال الـ25 سنة الأخيرة، إذ ارتفع الناتج الداخلي الخام من 45 مليار دولار إلى أكثر من 150 مليار دولار، بفضل الاستثمارات الكبرى في البنيات التحتية، والتعليم، والصحة، والصناعة والتكنولوجيا. وأشار إلى أن المرحلة المقبلة تقتضي مواصلة هذا المسار من خلال فلسفة اقتصادية جديدة، تضع في صلبها قضايا الذكاء الاصطناعي، الصناعات الثقافية والإبداعية، والرقمنة، مؤكداً أن هذه القطاعات ستشكل ركائز أساسية في مضاعفة الناتج الداخلي الخام لما بعد 2030. وأكد أن حزب الأصالة والمعاصرة 'لا يمارس السياسة فقط بمنطق انتخابي، بل بمنطق إنساني'، معتبراً أن الرهان اليوم هو جعل المواطن عنصراً فاعلاً في التنمية، شريكاً في التغيير، وليس مجرد متلقي للقرارات.