logo
التجربة الدرزية... فرصة أمام الجميع لإنقاذ سوريا

التجربة الدرزية... فرصة أمام الجميع لإنقاذ سوريا

المغرب اليوم٠٤-٠٥-٢٠٢٥

الأيام الأربعة الأخيرة كانت ثقيلة جداً عليّ كشخص يتابع باهتمام الأحداث المتسارعة في سوريا الحبيبة، وبالأخص في جنوبها حيث لأسرتي امتدادات تنتشر فيما لا يقل عن عشر قرى وبلدات. ثم أنني، في أبحاثي الأكاديمية، درست ديناميكيات التكامل والتباعد في تاريخ الموحّدين الدروز خلال نصف القرن الأخير من العهد العثماني، على امتداد رقعة جغرافية تمتد من أقصى شمال غربي سوريا على تخوم لواء الإسكندرونة، إلى جبل الكرمل في فلسطين المحتلة وواحة الأزرق في شمال الأردن.
طائفة الموحّدين الدروز هذه عمرها أكثر من ألف سنة. وصمدت في منطقة شهدت أحداثاً جساماً، بينها تعاقب دول، ونشوء فرق وحركات دينية ومذهبية منها المعتدل ومنها المتطرف، والعديد من الحروب الكبرى والاحتلالات الاستعمارية والاستيطانية والتهجيرية من شتى الأصناف والأشكال. ولقد كان من مفاتيح صمود هذه الطائفة الصغيرة المنغلقة على نفسها: عقلانيتها، وواقعيتها، وإيمانها بالرضى والتسليم، وحرصها على التضامن الداخلي وفق مبدأ صدق اللسان وحفظ الإخوان.
بل حتى القوى الكبرى التي ما كانت تربطها بهذه الطائفة - الخارجة من الشيعية الإسماعيلية الفاطمية - أي قواسم مشتركة، مذهبية كانت أم عرقية، اكتشفت في مرحلة ما مصلحة خاصة لها في تفهمها واحترام أولوياتها وهواجسها.
ومنذ البداية، مع الانشقاق الإسماعيلي الأول، الذي أنهى وجود الطائفة في مصر، استطاع أبناؤها الاستقرار في بلاد الشام. وبعدما أنهت الدولة الأيوبية السنّية الحكم الفاطمي (648هـ/ 1250م) في مصر، رأت لها مصلحة بالتحالف مع الموحّدين الدروز من أجل حماية بلاد الشام وفلسطين من حملات الفرنجة.
واستمرت «البراغماتية»، العابرة للاختلاف المذهبي، بين الطائفة الصغيرة -التي يلقب أبناؤها بـ«بني معروف»- والدولتين «المملوكية» و«العثمانية» السنّيتين غير العربيتين... وصولاً إلى الحرب العالمية الأولى، وبعدها الانتداب الأجنبي فالحقبة الاستقلالية.
خلاصة القول، إن الموحّدين الدروز ليسوا طارئين لا على العرب ولا على الإسلام ولا على بلاد الشام. بل حتى عندما أتيحت لهم فرصة تكوين دولة لهم في ظل الانتداب الفرنسي، رفضوا الفرصة مختارين، وأصروا على أن يكونوا جزءاً لا يتجزأ من الكيان العربي الكبير الذي يجمع كل مناطق استقرارهم.
هذه «الحقيقة الثلاثية»، أي الأرض والهوية القومية والهوية الدينية، ينبغي على كل حريص على سلامة سوريا ووحدتها ومستقبله... إدراكها قبل الضياع في غياهب التخوين والتكفير واستباحة الدم.
منظر مظاهرة حمص، قبل أيام، حين أطلق رعاع جاهل وجهول هتافات «بدنا نبيد العلوية... بدنا نبيد الدرزية...»، آلمني كثيراً.
آلمني... لأن «الإبادة» ممارسة إجرامية لا تليق بوطن عريق يعيد بناء نفسه، ويجهد على مد الجسور لا رفع جدران الفصل. وتصفية الحسابات انتقامياً وجماعياً بحق أبرياء... ممارسة غريبة على ثقافة السوريين وروح الإسلام الذي علمنا أنه «لا تزر وازرة وزر أخرى».
هذه ليست «حمص هاشم الأتاسي» والساسة الوطنيين الكبار الآخرين من آل الأتاسي والدروبي والحسامي والسباعي وغيرهم... ولا حمص ديك الجن ونسيب عريضة وندرة وعبد المسيح حداد وموريس صليبي وعبد الباسط الصوفي وعبد الباسط الساروت... وستيف جوبز (الجندلي) وقريبه مالك الجندلي!
لا... هذه ليست حمص التي أحببنا وتابعنا بلهفة أخبارها، وذرفنا الدمع على معاناتها وآلامها على أيدي جلاوزة الإجرام في دير بعلبة والوعر والخالدية وبابا عمرو!
من ناحية ثانية، ما زلنا نسمع عبارات ربما تريح أعصاب متعجّلي ترسيخ الحكم الجديد حضوره، مثل «لا وجود لمناطق ممنوعة على الشرعية» و«لا حالات خاصة فردية».
من حيث المبدأ لا خلاف على ذلك... لكن ترسيخ الحكم الجديد على أسس متينة وقواعد عريضة هو رأس الأولويات، لا سيما، أمام غموض مواقف عدد من القوى الدولية، واستمرار الابتزاز الأمني والحربي الإسرائيلي. وبناءً عليه، لا ضير في إعطاء الجراح المفتوحة بعض الوقت كي تلتئم، فتصفو الأنفس والأذهان وتبنى الثقة، ويتسارع إيقاع بناء الدولة.
والحقيقة ألا مصلحة لأحد - وفي المقدمة الدولة الشرعية - في تجاهل مخاوف الخائفين، وخطر استغلالها من قِبل الخارج لخدمة حسابات هذا الخارج.
لقد علمتنا تجارب السياسة أن رهان الأقليات على الدعم الخارجي والاستقواء به عبث قد يكون انتحارياً. وفي المقابل، دائماً ما كان دفع الأقليات إلى رهانات من هذا القبيل مدخلاً للتدخلات والاحتلالات الأجنبية.
ولمن فاته قراءة خلفيات «المسألة الشرقية»، فإن «الحماية» الأوروبية للأقليات في المشرق العربي والبلقان وشمال أفريقيا ظلَّت لها إفرازاتها حتى اليوم. ومثلما دخلت فرنسا خلال القرن الميلادي التاسع عشر بلاد الشام عبر المجازر الدينية والمذهبية بين المسيحيين والموحدين الدروز في جبل لبنان، وبين السنّة والمسيحيين في دمشق، جاءت بدايات التدخل الاستعماري الفرنسي في الجزائر بذريعة حماية اليهود (تحديداً آل بكري وآل بوجناح/ بوشناق).
بالتالي، في عموم المنطقة، علينا إدراك هشاشة وضعينا الداخلي والخارجي.
نحن العرب أضعف اللاعبين الإقليميين في الحسابات الدولية، ودولنا هي - لمزيد الأسف - الأسهل استباحة. إذ لا حماية الموحدين الدروز هاجس يقضُّ مضاجعَ القيادة الإسرائيلية، ولا الحكم السوري الحالي حصل على صكّ براءة من واشنطن أو تفويض مطلق من المجتمع الدولي للتصرف بسوريا كما يشاء.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

فرنسا.. حزب ماكرون يقترح حظر الحجاب على القاصرات في الأماكن العامة
فرنسا.. حزب ماكرون يقترح حظر الحجاب على القاصرات في الأماكن العامة

هبة بريس

timeمنذ 2 ساعات

  • هبة بريس

فرنسا.. حزب ماكرون يقترح حظر الحجاب على القاصرات في الأماكن العامة

هبة بريس – متابعة يعتزم حزب النهضة، الذي يقوده رئيس الوزراء الفرنسي السابق غابريال أتال، طرح مشروع قانون يمنع المسلمات دون سن الخامسة عشرة من ارتداء الحجاب في الأماكن العامة، وهو المقترح الذي يأتي تزامنًا مع مراجعة الحكومة لتقرير رسمي حول ما يُعرف بانتشار 'الإسلام السياسي' في فرنسا. تقرير حكومي يربط 'الإخوان المسلمين' بتهديد التماسك الوطني ناقش الرئيس إيمانويل ماكرون، اليوم الأربعاء، التقرير الذي يحذّر من أن جماعة الإخوان المسلمين تشكل 'تهديدًا للتماسك الوطني' في فرنسا، وقد 'تقوّض المؤسسات الجمهورية والنسيج الاجتماعي'، بحسب ما ورد في مضمون الوثيقة. مضمون المقترح: تجريم الإكراه ومنع الحجاب في الشارع يقترح الحزب منع القاصرات من ارتداء الحجاب في الشارع العام، المقاهي، الحدائق والمتاجر، بدعوى أن الحجاب يهدد المساواة بين الجنسين ويقوّض حماية القاصرات. كما يسعى إلى تجريم أولياء الأمور الذين يجبرون بناتهم على ارتدائه، بتهمة الإكراه. الجدل السياسي حول الحريات الدينية يأتي هذا المقترح في وقت يتصاعد فيه الجدل داخل فرنسا بشأن الرموز الدينية، حيث يُمنع الموظفون الرسميون والمدرّسون والتلاميذ من ارتداء أي رموز دينية داخل المباني الحكومية، بما في ذلك الصليب، القلنسوة اليهودية، العمامة السيخية والحجاب. معركة داخل اليمين الفرنسي من جهته، اتّهم جوردان بارديلا، زعيم حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، رئيس الوزراء السابق أتال بالتراجع عن مواقفه السابقة، مستشهدًا بتصريحاته في مناظرة عام 2022 التي حذّر فيها من اضطهاد المحجبات في حال وصول مارين لوبن إلى السلطة. توجه نحو حظر الحجاب في المنافسات الرياضية تسعى الحكومة كذلك إلى توسيع دائرة الحظر ليشمل المسابقات الرياضية، وسط انتقادات من جهات حقوقية ترى أن هذه الإجراءات تأتي في سياق تمييز ممنهج ضد المسلمات في فرنسا. فرنسا في طليعة دول أوروبا بعدد المسلمين تُعد فرنسا وألمانيا من بين الدول الأوروبية التي تضم أكبر نسبة من المسلمين، ما يجعل هذه القوانين محل جدل واسع داخل الأوساط السياسية والحقوقية.

حزب ماكرون يسعى لمنع المسلمات تحت 15 عاما من ارتداء الحجاب في الأماكن العامة بفرنسا
حزب ماكرون يسعى لمنع المسلمات تحت 15 عاما من ارتداء الحجاب في الأماكن العامة بفرنسا

لكم

timeمنذ 9 ساعات

  • لكم

حزب ماكرون يسعى لمنع المسلمات تحت 15 عاما من ارتداء الحجاب في الأماكن العامة بفرنسا

يسعى حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمنع المسلمات تحت سن الخامسة عشرة من وضع الحجاب في الأماكن العامة في وقت تجري الحكومة الأربعاء مراجعة لتقرير بشأن انتشار 'الإسلام السياسي' في فرنسا. والتقى ماكرون مع كبار المسؤولين الأربعاء لمناقشة تقرير يقول إن 'الإخوان المسلمون' يشك لون 'تهديدا للتماسك الوطني' في فرنسا، محذرا من أن الجماعة تهدد بتقويض 'النسيج الاجتماعي والمؤسسات الجمهورية'. ويمنع الحظر المقترح من 'حزب النهضة' 'القاصرات تحت سن 15 عاما من ارتداء الحجاب في الأماكن العامة'، أي بما يشمل الشوارع والمقاهي والحدائق والمتاجر أيضا. ويشير المقترح إلى أن الحجاب 'يقو ض بشكل خطير المساواة بين الجنسين وحماية الأطفال'. ويسعى الحزب الذي يقوده رئيس الوزراء السابق غابريال أتال أيضا إلى 'تجريم أولياء الأمور الذين يجبرون بناتهم تحت السن القانونية على وضع الحجاب، بتهمة الإكراه'. يشكل حزب النهضة أقلية في البرلمان الفرنسي ويعمل ضمن حكومة أقلية إلى جانب حزب يميني تقليدي. ويرى البعض بأن الحجاب يمثل انتشارا للأسلمة في فرنسا بعد هجمات دموية شهدتها البلاد، بينما يصر آخرون على حق المسلمات في ارتداء ما يرونه مناسبا بحسب معتقداتهن. واتهم جوردان بارديلا، رئيس حزب التجمع الوطني اليميني المتشدد، أتال بالتراجع عن موقفه السابق حيال هذه المسألة ونشر تسجيلا مصورا على صفحاته في الشبكات الاجتماعية يعود إلى مناظرة من العام 2022 حذر خلالها رئيس الوزراء السابق من احتمال اضطهاد المحجبات إذا تولت مارين لوبن، زعيم اليمين المتطرف، الرئاسة. وأثارت لوبن خلال حملتها الفاشلة لانتخابات 2022 الرئاسية مسألة منع جميع المسلمات من ارتداء الحجاب في جميع الأماكن العامة في فرنسا. ويحظر القانون الفرنسي حاليا الموظفين الرسميين والمدرسين والتلاميذ من وضع أي رموز دينية مثل الصليب والقلنسوة اليهودية والعمامة السيخية والحجاب، في الأبنية الحكومية بما في ذلك المدارس الرسمية. كما تسعى الحكومة حاليا لإقرار قانون جديد لحظر الحجاب في المسابقات الرياضية، في خطوة يقول معارضو القانون إنه سيكون الأخير ضمن سلسلة تشريعات تميز بشكل واضح ضد المسلمات. وتضم كل من فرنسا وألمانيا أكبر نسبة من المسلمين مقارنة مع باقي بلدان الاتحاد الأوروبي.

ماكرون يترأس اجتماعا لمناقشة تقرير يحذّر من مكانة 'الإخوان المسلمين' بفرنسا
ماكرون يترأس اجتماعا لمناقشة تقرير يحذّر من مكانة 'الإخوان المسلمين' بفرنسا

كش 24

timeمنذ 11 ساعات

  • كش 24

ماكرون يترأس اجتماعا لمناقشة تقرير يحذّر من مكانة 'الإخوان المسلمين' بفرنسا

يعقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأربعاء مجلسا للدفاع يخصص لمناقشة المشروع الذي تروج له الحركات الإسلامية بفرنسا، ووضع حركة الإخوان المسلمين، يشارك فيه كل من رئيس الحكومة، فرانسوا بايرو، ووزراء الداخلية، برونو روتايو، والتربية الوطنية إليزابيت بورن، والاقتصاد إريك لومبار. وبحسب مستشاري الرئيس، فإن ماكرون "أراد اتخاذ إجراءات بأسرع وقت ممكن" لمواجهة "ظاهرة متجذرة تفاقمت مؤخرا"، مبررين انعقاد المجلس الأعلى للدفاع والأمن القومي (CDSN) بالخطر الذي يشكله تنظيم الإخوان المسلمين على "الأمن القومي". إذ من المتوقع الإعلان عن توصيات في نهاية الاجتماع، مع احتمال تصنيف بعض الإجراءات كمعلومات سرية. وخلص التقرير الذي أعده موظفان رسميان رفيعا المستوى، بطلب من الحكومة الفرنسية، إلى أن الجماعة تشكل "تهديدا للتلاحم الوطني" مع تنامي تشدد إسلامي "من القاعدة صعودا" على المستوى البلدي، وفق وثيقة سيدرسها مجلس الدفاع الأربعاء. وجاء في التقرير "أن هذا التهديد وحتى في غياب اللجوء إلى التحركات العنفية، يولد خطر المساس بنسيج الجمعيات وبالمؤسسات الجمهورية (..) وبشكل أوسع بالتلاحم الوطني". وشددت الوثيقة على أن جماعة الإخوان المسلمين "تستند إلى تنظيم متين إلا أن الإسلام السياسي ينتشر أولا على الصعيد المحلي" معتبرا أن انتشار هذا التشدد الإسلامي "يحصل من القاعدة صعودا" ويشكل "تهديدا على المدى القصير وكذلك المتوسط". وأشار التقرير الذي أعد بناء على مقابلات مع 45 أستاذا جامعيا وزيارات داخل فرنسا وفي أوروبا، إلى "الطابع الهدام للمشروع الذي يعتمده الإخوان المسلمون" مشددا على أن هذا المشروع يهدف "إلى العمل على المدى الطويل للتوصل تدريجا إلى تعديلات للقواعد المحلية أو الوطنية ولا سيما تلك المتعلقة بالعلمانية والمساواة بين الرجال والنساء". ورأى معدا التقرير أن هذا "التشدد الإسلامي على المستوى البلدي" قد يكون له "تأثير متنام في الفضاء العام واللعبة السياسية المحلية" مع "شبكات تعمل على حصول انطواء مجتمعي وصولا إلى تشكل بيئات إسلامية تزداد عددا". إلا أن المشرفين على التقرير أكدا "عدم وجود أي وثيقة حديثة تظهر سعي الإخوان المسلمين إلى إقامة دولة إسلامية في فرنسا أو تطبيق الشريعة فيها". ونصح معدا التقرير "بتحرك طويل الأمد على الأرض للجم صعود الإسلام السياسي" مشيرين إلى ضرورة أن يترافق ذلك مع "توعية الرأي العام" من خلال "خطاب علماني متجدد ومبادرات قوية وإيجابية حيال المسلمين".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store