
م. فواز الحموري : عناقيد العنب
من باب التغيير يطيب ويحلو الحديث عن عناقيد العنب التي تتلالىْ كثريات الذهب وتتدلى من الدوالي وتتصدر واجهات العرض وتذكرنا بنعمة مشاهدة هذا الجمال مع فصل الصيف والموسم الغني بهذه الفاكهة والتي ارتبطت مع الذاكرة الوطنية والحاكورة والجلوس تحت الدالية والتجمع معا للسمر وتبادل الحديث والمناسبات وتفاصيل ذكريات بقيت خالدة مع زبيب الشتاء وليله الطويل.
يشبه إلى حد كبير عقود العنب الحياة بما تمثله حباته من ترابط مؤقت وتوزيع فريد يحتاج لدراسة متأنية تماما مثل شكل الجذور وحكاية الامتداد بالشكل الطبيعي منذ بداية تشكل البرعم وسلسلة التطور والتفتح والتحول من " الحصرم " إلى بداية الانتظار للنضج واكتمال الحلاوة.
عنقود العنب حالة علمية تحتاج لباحث في الجمال والصحة والروعة وتتبع مراحل التطور وفسيولوجيا خاصة قد تبدو علمية بحتة ولكنها كافية لاكتشاف هذا العالم من الترقب والميعاد الدقيق للقطف والتمتع باللون والطعم والرائحة ونكهة الذكريات جنبا مع التين والصبر ومن قبل فاكهة الصيف الجميلة كذلك.
نطالع الكتب ونقرأ عبر صفحاتها وكذلك الدراسات والمقالات العلمية عن العنب وفوائده ومحتوياته وتفاصيل كثيرة، ولكن أعتقد تماما أن لون ذلك العنقود عبارة عن لؤلؤة نفسية ليست سوى للتدبر في قدرة الخالق المصور وتنوع أصناف العنب وأشكاله.
تطورت زراعة العنب وينتشر حاليا العنب " البناتي " ولكن وكما هو معلوم في دور بذرة العنب على جذب الغذاء للثمرة وتقوية الأسنان وتنشيط عضلة القلب، وفوائد جمة ينصح بها العلماء والأطباء حول العالم.
أذكر بالرحمة كل من الاستاذ الدكتور فهمي شتات والاستاذ الدكتور عايد الور من كلية الزراعة في الجامعة الأردنية ومادة أشجار الفاكهة وما كانت تمثله من شرحهما الرائع وبريق عينهما حين الإشارة لأصناف العنب عبر شرائح العرض ولاحقا في الحقل والمزرعة والبيت البلاسيكي والذي جعل العنب يثمر مرتين بفعل تجارب د. شتات رحمه الله وحفزه على الانطلاق من جديد ثانية وفي فصل الشتاء.
تعلمنا من مادة فسيولوجيا النبات الكثير ولكن ما يزال يحيرني سبب اصرار العنب على الظهور مع حلمنا بالسعادة بالضوء والحقيقة وموعد قطف العنقود الدقيق ليس قبل وبعد، بل حين يقترب الطعم من حلاوة ولا أشهى.
كانت جدتي – رحمها الله – تنظر وتنظر مليا إلى حبات ذلك العنقود بالتحديد وتدرك تماما مثلما تحرك حبات مسبحتها أن الفراق يشبه تماما سقوط حبة من فرط الحلاوة ومن قدوم آخر العنقود وتقدمه في مسيرة الحياة، كانت تدرك تماما أنها ربما تغادر قبل أن ينضج العنب ويحلو وتطارده الدبابير وكان ذلك وكان.
حكاية هذا العنقود ما تزال في وجداني ومع كل مرة أشهد فيها زراعة دالية صغيرة علها تكبر وتمتد إلى أعلى وإلى سطح الدار حين لم تكن الطوابق أو في طرف الحاكورة ليكن من ثم " المعرش " غطاء مناسبا لتخبئة ما نخاف من حدوثه وأكثر من أسرار ما تزال مع كل المواسم والفصول من حياتنا هناك.
عندما تقترب اليد لتقطف عنقود العنب يشع عندئذ ومع أشعة الشمس بريق السؤال والآخر: " لمن نضيىء الطريق في عتمة الدرب الطويل، وعندما يحين موعد النضج هل نتذوق طعم الراحة ؟ ".
يا عنقود عنب الخليل والسلط وعجلون، ثمة من يتوق شوقا ويرجو ويأمل ويدعو ويرقب موعد الانتظار لحلاوة شهد الدمع والفرح للنصر والحرية والشهادة، لعله يكون قريبا من طيب وبركة دالية الدار وأرواح الزراع. ــ الراي

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

الدستور
منذ ساعة واحدة
- الدستور
مسرح الصوت والضوء يستضيف شخصية اللواء الطبيب عادل حداد ضمن مهرجان جرش
جرش قدم مسرح الصوت والضوء حلقة جديدة من برنامج «بانوراما رجالات جرش» والذي ينظمه منتدى جبل العتمات الثقافي بالتعاون مع مهرجان جرش. وقد سلطت الحلقة التاسعة الجمعة، التي أقيمت تحت رعاية محافظ جرش الدكتور مالك خريسات وعدد من الشخصيات البارزة الضوء على سيرة أعمال المرحوم اللواء الطبيب عادل حداد. تحدث بالحلقة كل من : سيادة المطران خرستوفوروس عطالله، العين الدكتور ياسين الحسبان. وأدار اللقاء الدكتور منصور العياصرة ، إخراج فراس الخزاعي. وتاليا حياة الراحل اللواء الطبيب عادل عيسى حداد : مكان الولادة: جرش عام 1945، المؤهل العلمي: دبلوم الطب والجراحة الزمالة الملكية البريطانية للجراحة العامة، شهادة التخصص العالي في جراحة التجميل والترميم/فرجينيا الولايات المتحدة الأمريكية، شهادة التخصص العالي للحوادث وإصابات الحروق، الخبرات العملية: لواء طبيب متقاعد، رئيس لجان عطاءات وإنشاءات، مدير مركز فرح الملكي للتأهيل، موسس مركز مايو كلينك في المدينة الطبية، أستاذ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، عضو في مجلس الأعيان 2003(دورتين)، مدير فني في مستشفى الملك المؤسس عبدالله الجامعي (انتقل الى رحمة الله تعالى في 5/6/2006) وحصل على عدد من الأوسمة منها: وسام الكوكب الأردني من الدرجة الثانية ووسام الاستقلال من الدرجة الثانية ووسام الاستحقاق العسكري من الدرجة الثالثة ووسام شارة تقدير الخدمة الطويلة المخلصة ووسام ذكرى معركة الكرامة ووسام اليوبيل الفضي ووسام الذكرى الأربعين للجلوس الملكي 1952-1992 وشارة الكفاءة الإدارية والفنية شارة الخدمة 1967-1971 شارة الكفاءة التدريبية 1995 ووسام النهضة من الدرجة الثانية-حزيران 1994. وتعتبر «بانوراما رجالات جرش» تجسيدا حيّا لتحفيز الجيل الجديد على الانتماء، ونموذجا يُكرّس دور رجالات الوطن ليبقوا قدوة وبذرة عطاء وإنجاز للأجيال القادمة. كما أن هذا المشروع يُمثل شراكة حقيقية بين المجتمع المحلي ومهرجان جرش، ليكون أنموذجًا لمشروع تنموي ثقافي يعزز الهوية والانتماء.

الدستور
منذ 2 ساعات
- الدستور
خيانة الخلايا المتمردة.. كتاب الأمل دون آثار جانبية
فكرة عظيمة أن يكتب طبيب عن السرطان، كما لو أنه يكتب رواية عن الحب الأول، لقد كتب د. عاصم منصور بأسلوب مختلف عن الخيانة من الداخل، عن الخلايا حين تفقد ولاءها وتتمرد، وتصبح مثل البندقية المأجورة، وخارجة عن قانون الجسم، ثم تبدأ معركة الانتصار بالأمل والطمأنينة. عندما تخون الخلايا.. السرطان من المسافة صفر، كتاب يقلب المزاج نحو مفاهيم وأنماط مختلفة في التعامل مع السرطان، بدلاً من مخاطبة المرضى بعجل (نتمنى لكم الشفاء) ومن ثم الانتقال لحالة الطقس والريلزات على الهاتف، لقد شعرتُ من الكتاب بإمكانية تقديم فكرة، أو الحديث بعفوية ورفع معنوية، لنجعل دولة الجسد تقاوم مليشيات الخلايا وتنتصر رافعة راية النصر. حين تصفحتُ الكتاب، بدأتُ أتخيل الجسم كيف يعرض الهدنة أمام تمرد الخلايا، وينكسر أحياناً أمام دعاة الانهزامية، لكنه يستطيع الانتصار عندما يبدأ بالوعي كما يقول سيغموند فرويد، وهذا ما يحاول تقديمه منصور، الوعي طريق للشفاء بدلا من العجز بعد مشيئة الله. الكتاب لا يتحدث عن علم الوراثة، ولا عن كيمياء الدم، ولا عن بروتوكولات العلاج المعقدة، إنه مكتوب بأنفاس المرضى وقلب الطبيب، يمر عبره منصور بين فصوله كما يمر طبيب المناوبة في آخر الليل على غرف المرضى فلا يوقظ أحدًا، لكنه يتفقد النبض. لقد خلصتُ من كتاب منصور بأن مريض السرطان لا يحتاج إلى المواساة. لا يريد أن نخبره أن الأمور «ستكون بخير»، هو فقط يريد أن نصدق شعوره، ولكن في المقابل يجب على المرضى الإدراك بأن الوعي وعدم الركون للخوف، والأهم الأمل بالله هي طريق الانتصار، ومعادلة ذلك الطمأنينة وعدم الارتهان للوهم الذي يزعج أكثر من المرض. ما فعله الكتاب بحق شيء جميل، من قبلات الأمهات، الدعوات، الأهل بكل تفاصيلهم، أيادي الممرضين وحنية الممرضات، يعني باختصار الطمأنينة والإنسانية التي نحتاجها في زمن حيونة الإنسان، وهو أخيراً لا يقدم تفاؤلًا ساذجاً، ولا نهايات بطولة على الطريقة الأمريكية، لكنه ببساطة، كمن يضع يده على كتفك في العتمة ويقول لك «لا بأس فنحن معاً»، ليكون في زمن تصدر فيه كتب مزيفة عن التنمية الذاتية، بمثابة دواء غير قابل للإعلان ودون آثار جانبية، وهو لا يعدك بالمعجزات، لكنه يهمس في أذنك بالأمل.


صراحة نيوز
منذ 11 ساعات
- صراحة نيوز
البلوك علاج العصر
صراحة نيوز- بقلم/ عاطف ابوحجر في زمنٍ صار فيه البحث عن راحة البال أصعب من العثور على شاحن 'في وقت يكون شحن تلفونك 1%، والكهربا مقطوعة ، تطلّ علينا اختراعات بسيطة لكنها فعّالة، صُممت خصيصًا لحمايتنا من أخطر ما قد نواجهه يوميًا: البشر. نعم، البشر، وخصوصًا تلك الفئة المتسلقة، اللزجة، والمتطفلة التي لا تعرف الوقت ولا الخصوصية ولا حدود الذوق العام. مخترعو البلوك، والوضع الصامت، ووضع الطيران لا يجب فقط أن نذكرهم في دعائنا اليومي، بل أن نطالب بمنحهم جائزة نوبل، ليس للسلام العالمي… بل للسلام النفسي. تخيّل عالمًا بدون زر 'بلوك'… لا عزلة رقمية، لا حواجز نفسية، فقط سيل من الرسائل، الاتصالات، والطلبات التي تبدأ بـ 'هلا بالغالي، وينك مختفي؟' وتنتهي بـ 'بس إذا بتقدر تعملي لايك، عامل حملة'. يا اخي لو عامل حملة نظافة شخصية كنت دعمتك، بس حملة ع بوست . البلوك ليس فقط خيارًا، بل ضرورة طبية، يشبه الباندول للصداع، والمرهم للحروق، والكمامة ضد الفيروسات الاجتماعية. في عصر العلاقات السطحية والمصالح المؤقتة، البلوك يظهر مثل صفعة ناعمة على وجه المزعج، تقول: 'لا، مش فاضي، ومش مهتم'. أما الوضع الصامت، فذاك تحفة تقنية. منقذ في الاجتماعات، وفي جلسات الصفاء الذهني، وفي الأوقات التي تحاول فيها تفكر بمستقبلك، يرن تليفونك فجأة من واحد بيحكي معك وكأنك فاضي طول النهار، وبيقلك بكل سذاجة: 'شو كأنك نايم؟ إن شاء الله ما أزعجتك!'لا يااخي بستنى بجنابك ترنلي. والحمد لله، إنت ساعدتني أقرر أرجع للوضع الصامت فورًا. وبالنسبة لـ وضع الطيران، هذا بطل الحكاية. لحظة تشغيله كأنك بتسحب الفيش من عقل العالم كله، وبتحكي لنفسك: 'أنا مش هون، واللي بده إياي يستناني بصف التأمل.' بتفصلك عن الكوكب، عن التبريرات، عن الطلبات، عن أصحاب المصالح اللي ما بيبينوا غير وقت الانتخابات، أو وقت ما بدهم توصلهم بوساطة على وظيفة ما بيستاهلوهاش. فيه ناس مختصة بالظهور وقت الحُفرة، لما يشوفوك طالع، بيجوا يركبوا معك. واحد منهم بيرن الساعة ١٢ بالليل، ولما ترد عليه مفكرها حالة طارئة، بيقولك: 'كنت بدي منك لايك على بوست… وشير لو بتقدر.' والبوست؟ صورة إله مع اقتباس مسروق كاتبه: 'لا تنتظر الفرصة، اصنعها.' يا أخي، الفرصة كانت إنك تنام، وأنت قررت تصنع لحظة حظر تاريخية. لكل من منحنا خيار الانفصال عن الفوضى، عن الرسائل اللي ما إلها طعمة، عن أصوات الرنين اللي تيجي من ناس ما بتعرف غير مصلحتها… شكرًا. البلوك مش ضعف، هو قمة القوة. الصامت مش تجاهل، هو احترام للنفس. ووضع الطيران؟ هو الرحلة الوحيدة اللي ما بتكلفك شي، لكن بتوصلك لأغلى مكان: راحة بالك. البلوك، يا سادة، هو علاج هذا العصر. ومن لا يعرف قيمته… يستحقه.