مأرب في حرب استعادة الدولة والجمهورية(الأخيرة)
من وقف إلى جانب الحوثيين ومهّد لهم الطريق، ومن قرّر مواجهتهم، ومن التزم الحياد في موقف وُصف بالمذل. وهي جميعها بالنسبة للجيش المقاتل خيارات صعبة ومعقدة، إذ أن الجيش، إذا أراد ان يخوض معركة في الظروف الطبيعية، فإنه يحتاج إلى وقت طويل لإعادة التنظيم، والتعبئة، والتسليح، واستدعاء الملاك العسكري وترتيب صفوفه؛ فكيف يكون الحال في ظل الانقسام، وغياب القيادة المركزية، واختطاف القرار السيادي؟
لقد شكّل هذا الانقسام العسكري أحد أبرز التحديات التي واجهت معركة استعادة الدولة، وتزامن مع حالة من التخاذل السياسي، حيث تماهت بعض القوى الحزبية والجماهيرية مع الانقلاب، وامتنع كثير منها عن اتخاذ مواقف حاسمة، مما منح الحوثي دعمًا سياسيًا وشعبيًا مضاعفًا.
ورغم حالة الارتباك التي شهدتها الوحدات العسكرية التابعة للمنطقة العسكرية الثالثة في مأرب نتيجة هذا الانقسام، إلا أن وضعها كان أفضل نسبيًا من غيرها من الجبهات التي انخرطت كليًا في المسار الانقلابي، أو التزمت الحياد السلبي.
■ مأرب تخوض حربًا مكتملة المشروعية، متعددة الأبعاد
في ظل غياب القرار المركزي من قيادة المؤسسة العسكرية بإعلان حالة الحرب، انتقلت المشروعية تلقائيًا إلى الشعب، استنادًا إلى نص الدستور: "الجيش ملك للشعب".
وفي مأرب ، حيث لم تكن القبائل - وفق تقاليدها - تخوض حروبًا خارج حدودها القبلية إلا تحت راية الدولة، فقد بادرت هذه القبائل إلى تأسيس المطارح القبلية كمبادرة دفاعية تستند إلى مشروعية شعبية محلية. وقد أتاح هذا التحرك القبلي للجيش في المنطقة العسكرية الثالثة فرصة لإعادة ترتيب صفوفه، ومن ثم الألتحام في المعركة تحت غطاء شعبي واسع ومشروعية محلية معتبرة، وفي الإتجاه المقابل فقد اضفى تحرك الجيش على هذه المشروعية الشعبية قدرا من المشروعية السيادية التي يمثلها الجيش باعتباره مؤسسة سيادية .
بهذا الأداء المتميز، تشكّل في مأرب نموذج فريد ل"حرب شعبية" كان الجيش فيها طليعة متقدمة لقوى المجتمع، لا مؤسسة منفصلة عنه. وبفضل هذا التلاحم، انطلق الجيش والمقاتلون القبليون للدفاع عن المحافظة ومنع أي تقدم حوثي نحوها.
وقد التحقت بهذه الجبهة قوى شعبية وقبلية من الإقليم الشرقي، كالجوف والبيضاء، كما تحوّلت مأرب إلى حاضنة وطنية لكل النازحين والمقاومين من مختلف المحافظات اليمنية.
وبذلك انصهرت "المطارح القبلية" في إطار مقاومة شعبية ذات مشروعية وطنية عامة، متجاوزة بذلك نطاق المشروعية المحلية، وهي المشروعية الوطنية التي بموجبها حصلت مأرب على تفويض وطني بقيادة معركة التحرير الوطنية واستعادة الدولة.
لا شك أن بقاء خط الإمداد مفتوحًا مع المملكة العربية السعودية قد ساهم في تعزيز صمود مأرب ، وأضفى على المعركة بُعدًا إقليميًا إضافيًا، وشكّل عامل إسناد لمشروعيتها الوطنية، كما لعبت مأرب دورًا محوريًا في حماية المنشآت النفطية والشركات الدولية العاملة فيها، مما منحها وزنًا دوليًا نوعيًا، بالنظر إلى أهمية هذه الشركات بالنسبة لبلدانها.
وبذلك، وبفضل هذه الحرب التحريرية التي استندت إلى مفهوم المشروعية الوطنية، أصبحت مأرب تحظى بتفهم دولي معتبر، بوصفها آخر ما تبقى من شرعية الدولة اليمنية السيادية، ومركزًا لقوتها وثروتها.
■ مشروعيات متراكمة ومرتبطة تراتبيًا
يمكن القول إن محافظة مأرب ، من خلال أدائها المتميّز في معركة التحرير، قد راكمت مستويات متعددة من المشروعية، يمكن تصنيفها على النحو الآتي:
مشروعية شعبية محلية: تجلّت في الدور الفاعل للمطارح القبلية داخل المحافظة، والتي شكّلت حاضنة اجتماعية ومجتمعية للمقاومة.
مشروعية سيادية: تمثّلت في إعادة تنظيم الجيش الوطني وقيادته للمعركة، وتحوله إلى قوة مقاتلة متقدمة وطليعية في مواجهة الانقلاب.
مشروعية وطنية: تعزّزت من خلال ارتباط معركة مأرب بمختلف المحافظات اليمنية ، ومشاركة أبنائها النازحين والمقاومين الذين التحقوا بجبهات القتال وخطوط النار ، وساهموا في خوض حرب التحرير الوطنية.
إسناد إقليمي: تمثّل في الدعم الكبير والمستمر من المملكة العربية السعودية، سياسيًا وعسكريًا وإنسانيًا، وهو ما أضفى على المعركة بمشروعيتها الوطنية اسنادا إقليميا معتبرا.
تفهم دولي: نابع من إدراك أهمية حماية مأرب لشركات النفط الدولية العاملة فيها، والخدمات الأمنية المقدمة لها في ظل غياب الدولة المركزية الضامنة لنشاط وحقوق والتزامات هذه الشركات .
لقد منح هذا التراكم المترابط من مصادر المشروعية محافظة مأرب موقعًا استثنائيًا في معركة استعادة الدولة اليمنية ، حيث امتلكت كافة عناصر المشروعية الوطنية بشكل متدرج ومتكامل، بدءًا من المشروعية القبلية المحلية، ومرورًا بالمشروعية السيادية المتمثلة في الجيش، ثم المشروعية الوطنية ذات الامتداد الشعبي، المسنودة إقليميًا ، والمتفهمة دوليًا.
هذا الموقع المتميّز ينبغي لمأرب التمسّك به وعدم التنازل عنه قيد أنملة، فهي بهذه المشروعية المتكاملة قادرة على استعادة مشروعيتها الحضارية السبئية الضاربة في أعماق التاريخ؛ تلك المشروعية التي دخلت بها اليمن إلى الإسلام، وأسهمت من خلالها بدور محوري في مسيرة الدولة الإسلامية، ولا تزال هذه المشروعية تمثّل جدار الصد التاريخي في مواجهة المشروع الإمامي الكهنوتي. وأي عودة إلى ما قبل مشروعية "المطارح" لا يمكن النظر إليها إلا كانتكاسة تاريخية لمأرب ، ولرجالها، وقبائلها، وموروثها الحضاري، وهو الوضع الذي سيفوت على مأرب
فرص قد تجود بها المتغيرات والمستجدات الدولية والأقليمية في قابل الأيام ..
إنتهى.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


يمني برس
منذ 14 دقائق
- يمني برس
روسيا تحذر: هجوم 'إسرائيل' على إيران يهدد بكارثة نووية
يمني برس | حذر مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، من أن العدوان 'الإسرائيلي' على إيران يدفع منطقة الشرق الأوسط نحو 'كارثة نووية كبرى'، مؤكداً إدانة موسكو الشديدة لهذا الهجوم. وقال نيبينزيا، خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي، وفقاً لما نقلته وكالة 'سبوتنيك' نناقش اليوم مغامرة جديدة وخطيرة وغير مسؤولة من جانب إسرائيل، تضع المنطقة مجددا على شفا كارثة نووية واسعة النطاق. وأشار إلى أن المجتمع الدولي لا يمكنه أن يقف متفرجا إزاء مثل هذا الاستفزاز الخطير، محذرا من العواقب الإشعاعية المحتملة في حال استهداف المنشآت النووية الإيرانية. وأوضح أن روسيا ترفض، منذ سنوات، أي حلول قسرية تتعلق بالملف النووي الإيراني، كونها قد تفضي إلى تداعيات كارثية تمتد إلى ما هو أبعد من المنطقة. واتهم نيبينزيا القوى الغربية بتأجيج التصعيد قائلاً 'الغرب فعل كل ما في وسعه لصب الزيت على النار، بل حرض عمليا على التصعيد، وخلق لدى إسرائيل الانطباع بأنها فوق القانون الدولي'. وأكد الدبلوماسي الروسي التزام بلاده بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، مشيراً إلى استعداد موسكو للتعاون مع جميع الأطراف الساعية للحلول السلمية والدبلوماسية. من جانبه، أفاد المكتب الصحفي للكرملين بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أدان العدوان 'الإسرائيلي' بوصفه انتهاكا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. وأوضح بيان الكرملين أن بوتين أجرى اتصالين هاتفيين مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ورئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مشدداً على أن روسيا ستواصل اتصالاتها المكثفة مع الطرفين لتفادي تداعيات خطيرة قد تجر المنطقة بأسرها إلى نزاع مدمر.


يمني برس
منذ 14 دقائق
- يمني برس
صواريخ إيرانية تدك الأراضي المحتلة.. والإنذارات تدوي في حيفا
أعلن متحدث باسم جيش العدو الصهيوني، اليوم السبت، عن رصد إطلاق صواريخ من الأراضي الإيرانية باتجاه الكيان المحتل، في تطور نوعي ينذر بتصعيد غير مسبوق في المنطقة. من جهتها، أكدت وكالة الأنباء الإيرانية أن طهران أطلقت دفعة صاروخية باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، دون الكشف عن مزيد من التفاصيل. وفي السياق ذاته، أفادت وسائل إعلام العدو أن صفارات الإنذار دوت في مدينة حيفا ومحيطها، وسط حالة من الذعر والاستنفار الأمني في صفوف المستوطنين.


خبر صح
منذ 15 دقائق
- خبر صح
منشأة فوردو.. هل تستطيع إسرائيل تدمير الهدف الإيراني الأول؟
أكد مسؤولون إسرائيليون، السبت، أن إسرائيل مصممة على مواصلة عملياتها العسكرية، وتوجيه ضرباتها ضد إيران حتى يتم القضاء تمامًا على موقع فوردو لتخصيب اليورانيوم، كما تأمل في انضمام الولايات المتحدة لها في هذه الهجمات. منشأة فوردو.. هل تستطيع إسرائيل تدمير الهدف الإيراني الأول؟ مواضيع مشابهة: كمين العيد يوقع 5 جنود إسرائيليين بين قتيل وجريح في خان يونس معيار نجاح العمليات العسكرية وبحسب موقع 'أكسيوس' الأمريكي، فإن إسرائيل تعتبر تدمير منشأة فوردو معيارًا لنجاح هجماتها ضد إيران، ولكنها ستحتاج إلى تكتيكات غير متوقعة، أو إلى دعم أمريكي لتدمير هذه المنشأة النووية، التي تقع داخل جبل ومفاعها تحت أعماق الأرض. وفقًا لأكسيوس، إذا بقيت منشأة فوردو سليمة، فقد يتسارع البرنامج النووي الذي تسعى إسرائيل إلى القضاء عليه. انضمام واشنطن شرط لتصل إسرائيل لهدفها المنشود إلى ذلك، تأمل الحكومة الإسرائيلية أن تقرر الولايات المتحدة الأمريكية الانضمام إلى عمليتها العسكرية ضد إيران، خاصة وأن الاحتلال لا يمتلك القنابل اللازمة لتدمير منشأة فوردو. لتدمير منشأة فوردو، يلزم استخدام قنابل خارقة للتحصينات، وإسرائيل لا تملكها، ولا تمتلك القاذفات الاستراتيجية القادرة على حملها، وهي بحوزة الولايات المتحدة الأمريكية. مع ذلك، زعم مسؤول إسرائيلي لموقع 'أكسيوس' أن الولايات المتحدة قد تنضم إلى هجماتها ضد إيران، خصوصًا أن الرئيس دونالد ترامب لمح إلى ذلك في محادثات سابقة مع رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، قبل الهجوم الإسرائيلي على إيران. إلا أن مسؤولًا أمريكيًا نفى ذلك، مؤكدًا أن 'الولايات المتحدة لا تنوي حاليًا التورط بشكل مباشر'. ووفقًا لـ'أكسيوس'، قد تحاول إسرائيل محاكاة تأثير القنابل الخارقة للتحصينات من خلال قصف الموقع بشكل متكرر، أو اتباع نهج خطير بإرسال قوات خاصة لمداهمة المنشأة. اقرأ كمان: توغل إسرائيلي في القنيطرة يزيد من التوترات في جنوب سوريا ودمشق تلتزم الصمت تشهد إسرائيل منذ فجر الجمعة هجمات عنيفة على إيران، بهدف تدمير مشروعها النووي، الذي تدعي إسرائيل أنه غير سلمي، وتهدف طهران إلى عسكرة هذا المشروع وامتلاك قنبلة ذرية. أسفر الهجوم الإسرائيلي عن إلحاق الضرر بعدة منشآت نووية إيرانية، واغتيال عدد من القادة الإيرانيين البارزين. من جانبها، ردت إيران بإطلاق عملية 'الوعد الصادق3″ ووجهت لإسرائيل هجمات هي الأعنف في تاريخها القصير رغم فرض رقابة عسكرية، التقطت عدسات الكاميرا مشاهد لدمار كبير لحق بإسرائيل. فيما أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بسقوط 3 قتلى وما يقرب من 100 مصاب خلال الهجوم الإيراني.