logo
صراع تاريخي قديم

صراع تاريخي قديم

السوسنة٢١-٠٣-٢٠٢٥

يقول الكاتب فريد زكريا: «إن النمو الاقتصادي يترافق بالعادة مع ارتفاع معدلات الرضا عن الرئيس. كلما تراجعت البطالة وزادت الوظائف وانخفض التضخم، زادت شعبية الرئيس».لم يعد هذا هو الحال في العقد الأخير. معدلات الرضا عن الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما ظلت على حالها رغم النمو الاقتصادي والشيء ذاته حدث مع الرئيس جو بايدن. وهذا ما فهمه الرئيس دونالد ترمب بحسه الغريزي. لقد أدرك أن الصراع داخل أميركا أيضاً ثقافي. ترمب بنى حملته الانتخابية على فكرة العودة للماضي، ومخاطبة المهمشين البيض في أميركا الغريبة عليهم وذلك عبر شعارات عاطفية. الدين والجنس والهجرة. وقد نجح في ذلك ووصل إلى البيت الأبيض رغم محاولات اغتياله وإقصائه.هناك تحولات عميقة متعلقة بالمجتمع والطبقة والاتصال والثقافة.اجتماعياً، حدث التحول اقتصادياً في الرأسمالية القديمة إلى الجديدة. من عمال المصانع والمناجم إلى الموظفين في الشركات العملاقة في التقنية والمعلومات. غالبية الموظفين الصغار الطامحين يذهبون للعمل في هذه المجالات، وهذا يعني تحول مصادر القوة والثراء لعدد محدود من المدن على عكس السابق؛ ما خلق حالة من النقمة لدى هذه القطاعات.أما طبقياً، حدثت أيضاً تغيرات جذرية. الشعور لدى قطاعات واسعة من الجمهوريين المحافظين بأن الطبقة النخبوية المتعلمة الليبرالية هي التي تحكم وليس نخبة الأثرياء على الطريقة القديمة. ولهذا يقدم ترمب نفسه على أنه رجل مقاول يبني، أي على الطراز القديم، ليجتذب الناخبين الذين يفضّلون هذا النوع من الثراء ويطمحون للوصول إليه، ولكنهم يمقتون نخب المحامين ورجال البنوك والمستشارين في المدن الكبرى. أي أن هناك نوعاً من الانقسام والصراع الطبقي الحاد.أما الاتصال، فهو التحولات في الإعلام فبعد أن كان هناك 3 محطات إخبارية يشاهدها الجميع وتقدم أخباراً متوازنة تحولت الآن إلى أكثر من 300. ما هو تأثير ذلك؟ الغالبية ذهبت لمتابعة أشياء أخرى وبقي المخلصون للأخبار، وهؤلاء انقسموا إلى اليمين واليسار وأصبحت المحطات الإخبارية تقدم لهم الرأي الذي يعزز توجهاتهم؛ ما أدى إلى مزيد من الانقسام.أما ثقافياً، فهناك صراع بين من يريدون الثقافة القديمة ويحلمون بأميركا النقية ويرفضون النسخة الجديدة من أميركا المختلطة المتنوعة عرقياً وثقافياً. مخاوف الكاتب أن تستغل هذه الانقسامات من الحركات الشعبوية التي لا تفهم المتغيرات وتريد أن تعود للماضي وتتسبب بمزيد من الانقسامات وتجعل أميركا القوية اقتصادياً وعسكرياً تتراجع ولا تفهم طبيعة هذه التحولات العميقة بالمجتمع والاقتصاد والثقافة والعالم كله. مصدر قوة أميركا المهاجرون، حيث تستقبل مليون مهاجر قانوني سنوياً وتصهرهم بالمجتمع؛ وهم ما يمنحونها الطاقة والحيوية والعقول المبتكرة على عكس دول أخرى مثل الصين واليابان وأوروبا التي لديها مشكلة ديمغرافية كبيرة.ولكن العودة للماضي بعد مراحل من التقدم والتطور ليست هي الأمر الغريب، وفي كتابه «عصر الثورات» يشير إلى هذه التحولات العميقة منذ القرون الوسطى. الصين كانت منفتحة في عام 1400 وامتلكت الأسطول البحري الأقوى عالمياً (3500 سفينة)، لكنها أغلقت الباب على نفسها وأمر الإمبراطور بإغلاق البلد وحرق الأسطول ودخلت بعدها في عزلة طويلة. البندقية كانت مركزاً حضارياً وقوة اقتصادية وعسكرية، ولكنها تراجعت وتعرضت لغزوات من البرتغاليين والفرنسيين. هولندا في القرن السادس عشر فهمت هذه التغيرات والتحولات وفهمت أن عليها - لتتجاوز طبيعتها الجغرافية الصعبة بسبب المستنقعات - أن تقوم بالتغيير الثقافي والاقتصادي المطلوب، حيث قامت بقبول التعددية الدينية قبل الجميع، وشرعت في بناء السفن للتجارة. في لحظة تاريخية ما فهمت أن عليها أن تتغير وتتطور وازدهرت رغم حجمها الصغير. ومع هذا حدثت صراعات داخلها في ذلك الوقت بين القوى الليبرالية والمحافظة حول أنهم تقدموا وانفتحوا أكثر مما ينبغي ويجب عليهم العودة للماضي وإغلاق الباب على أنفسهم. ولكنها استطاعت أن تمضي في طريق التحديث الفكري والاقتصادي والاجتماعي (كانت ملجأ للمفكرين مثل ديكارت وجون لوك والهاربين من الاضطهاد الديني) وشكلت أسس ما نعرفه اليوم بالاقتصاد الحديث (أول سوق للأسهم بدأت في أمستردام).روسيا تعيش مثل الإمبراطوريات السابقة لديها رغبة استعادة الدول التي انفصلت عنها. مثل إصرار فرنسا على اعتبار الجزائر جزءاً منها، وكذلك إنجلترا في الهند وغيرها من الإمبراطوريات البائدة. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي اعتبر سقوط الاتحاد السوفياتي أكبر خطأ جيوسياسي في القرن الماضي يعدّ أوكرانيا جوهرة التاج ولهذا كان يسعى لضمها حتى لو لم يتمدد حلف «الناتو».الصراع بين التقدم والتراجع، المضي للأمام والعودة للخلف، حركة تاريخيّة مستمرة وتمر بها دول وأمم كثيرة. حتى أوروبا التي انطلقت منها الثورات الفكرية والصناعية مرت فيها والعودة للماضي، ولكنها حسمت أمرها. وهو ليس بالتأكيد خيار الأمم التي تريد أن تزدهر ولا تغلق الباب على نفسها وتنزلق في هوة النسيان

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

رويترز: ترمب يقترب من توقيع أوامر لتعزيز إنتاج الطاقة النووية
رويترز: ترمب يقترب من توقيع أوامر لتعزيز إنتاج الطاقة النووية

خبرني

timeمنذ ساعة واحدة

  • خبرني

رويترز: ترمب يقترب من توقيع أوامر لتعزيز إنتاج الطاقة النووية

خبرني - قالت أربعة مصادر مطلعة إن الرئيس الأميركي دونالد ترمب ربما يوقع الجمعة على أوامر تنفيذية تهدف إلى تعزيز قطاع الطاقة النووية من خلال تسهيل الإجراءات التنظيمية التي تتعلق بالموافقات على المفاعلات الجديدة ودعم سلاسل إمدادات الوقود. وفي ظل أول ارتفاع في الطلب على الكهرباء منذ عقدين بسبب توسع أنشطة الذكاء الاصطناعي، أعلن ترامب حالة طوارئ في مجال الطاقة في أول يوم له في منصبه. ويقول وزير الطاقة كريس رايت إن السباق لتطوير مصادر للكهرباء ومراكز البيانات اللازمة للذكاء الاصطناعي هو "مشروع مانهاتن 2"، في إشارة إلى البرنامج الضخم الذي عملت عليه الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية لتطوير قنابل ذرية. وجاء في مسودة ملخص للأوامر أن ترامب سوف يفعّل قانون الإنتاج الدفاعي الذي يعود إلى حقبة الحرب الباردة لإعلان حالة طوارئ وطنية على خلفية اعتماد الولايات المتحدة على روسيا والصين في الحصول على اليورانيوم المخصب ومعالجة الوقود النووي ومدخلات المفاعلات المتقدمة. ويوجه الملخص أيضا الوكالات إلى التصريح لمنشآت نووية جديدة وتحديد مواقع لها وتبسيط الإجراءت اللازمة لبنائها. ولم يرد البيت الأبيض على الفور على طلب للتعليق. وقد يخضع نص وصياغة مسودات الأوامر التنفيذية لتغييرات متكررة. وكانت الولايات المتحدة أول مطور للطاقة النووية ولديها أكبر قدرة نووية في العالم، إلا أن الصين تشهد حاليا أسرع نمو لهذا المصدر من الطاقة.

رويترز: وثائق قضائية تكشف الاتهامات الموجهة إلى "رودريغيز" منفذ إطلاق النار في واشنطن
رويترز: وثائق قضائية تكشف الاتهامات الموجهة إلى "رودريغيز" منفذ إطلاق النار في واشنطن

رؤيا

timeمنذ ساعة واحدة

  • رؤيا

رويترز: وثائق قضائية تكشف الاتهامات الموجهة إلى "رودريغيز" منفذ إطلاق النار في واشنطن

وثائق قضائية، وُجّهت إلى المشتبه به إلياس رودريغيز أعلنت المدعية العامة الأمريكية أن حادث إطلاق النار الذي وقع أمام المتحف اليهودي في واشنطن وتسبب بمقتل موظفين في سفارة الاحتلال الإسرائيلي، أنه يُحقق فيه على أنه جريمة كراهية وعمل إرهابي. ووفق ما نقلته وكالة رويترز عن وثائق قضائية، وُجّهت إلى المشتبه به إلياس رودريغيز، البالغ من العمر 31 عامًا، تهم بارتكاب جريمة قتل عمد من الدرجة الأولى، إضافة إلى اتهامات بقتل مسؤولين أجانب والتسبب في الوفاة باستخدام سلاح ناري ضمن جريمة عنف. وتواصل الشرطة الأمريكية، بالتعاون مع مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، التحقيق في رسالة نُشرت على الإنترنت ويُعتقد أنها منسوبة لإلياس رودريغيز، المشتبه به في حادث إطلاق النار قرب المتحف اليهودي في واشنطن، والذي أسفر عن مقتل شخصين. وبحسب ما نقلته صحيفة نيويورك بوست عن مصادر مطلعة، فإن رودريغيز (31 عامًا) نشر بيانًا مناهضًا للاحتلال الإسرائيلي على الإنترنت، قبل يوم واحد من تنفيذه العملية، في ما وصفه بأنه "عمل احتجاجي سياسي" ردًا على الحرب في غزة. اقرأ أيضاً: البيت الأبيض: ترمب مستاء من إطلاق النار على "إسرائيليين" في واشنطن وسنحاسب الجناة وكشفت التقارير أن رودريغيز هتف "الحرية لفلسطين" قبل لحظات من اعترافه بإطلاق النار، الأمر الذي دفع السلطات الأمنية إلى تركيز تحقيقاتها على بيان من 900 كلمة يحمل اسمه، بدأ بالانتشار عقب اعتقاله مباشرة. وتضمنت الرسالة، المؤرخة في 20 أيار، عبارات تعكس توجهًا أيديولوجيًا واضحًا، من بينها: "العمل المسلح ليس بالضرورة عملاً عسكريًا... بل استعراضًا سياسيًا"، وأضاف: "أولئك الذين يقفون ضد الإبادة الجماعية قد تخلوا عن إنسانيتهم".

بياع الخواتم
بياع الخواتم

عمون

timeمنذ 3 ساعات

  • عمون

بياع الخواتم

مساء الاثنين الماضي، موعد نشرات الأخبار الرئيسة في كل مكان، ذَهلَ المذيعات وهنَّ يقدمنَ للمشاهدين، الذين سوف يذهلون بدورهم، نبأ غير متوقع: الرئيس الأميركي دونالد ترمب يعلن أن التفاوض حول نهاية الحرب الروسية–الأوكرانية، سوف يبدأ فوراً. شيء شبيه بإعلان الاتفاق على التفاوض حول هدنة الحرب العالمية. قطار ترمب السريع يتوقف فجأة عند أخطر نزاع عسكري يمزق أوروبا منذ ثلاث سنوات. ومهندس (قائد) القطار هو الرجل الذي كان يقول قبل أشهر وسط العجب، والتعجب، إنه عندما ينصرف إلى المسألة، فسوف يحلها في 24 ساعة. الحقيقة أن الرجل قدم نفسه لنا بوصفه صانع عجائب، وليس بوصفه صانع سلام. إنه شخص متخيَّل مثل «بياع الخواتم» في المسرحية الرحبانية. وسوف ترون. ولكن هل الوقت وقت عجائب، والكرة من تحت هذا العالم لا تعرف في أي اتجاه تدور؟ لا يوجد شيء بعيد، أو مستبعد عند «الرئيس الطائر». وعندما تهبط الطائرة الرئاسية، وتطفئ محركاتها، لكي تكون على استعداد للإقلاع الفوري في الرحلة التالية، بعد الإعلان عن نبأ التفاوض بين موسكو وكييف بساعة، كان البيت الأبيض يبلغ رؤساء أوروبا بالأمر. سوف يكون هذا شيئاً تاريخياً مثل تلك المؤتمرات التي أعطت أسماءها سلام العالم. وعلى الذين شككوا في جديّة الرجل أن يسارعوا إلى الاعتذار بطريقة ما. لا يكف عن العمل، ولا يكف عن التحدث، ولا يكف عن السفر، ولا يكف عن الوعد بحل القضية التالية... هذا لا يعني أن كل شيء قد انتهى، لكن بالتأكيد، كل شيء قد بدأ. والمسائل ليست بهذه السهولة الرومانسية، لكن الحلول خلال 24 ساعة أصبحت على الطاولة. القول إن حل النزاع الأوكراني-الروسي ممكن خلال 24 ساعة يعارض كل منطق. ولذلك، سوف يصر عليه. الشرق الاوسط

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store