
انقلاب مالي.. مشهد سياسي متفجر بين صراع النفوذ الفرنسي والتمدد الروسي
في تطور دراماتيكي يشهده غرب أفريقيا، شهدت مالي سلسلة من الانقلابات العسكرية انتهت مؤخرًا باعتقال عدد من كبار الجنرالات في الجيش، إلى جانب توقيف شخص يشتبه في عمله كجاسوس لصالح فرنسا، ما يعيد تسليط الضوء على صراع النفوذ المتأجج بين باريس وموسكو في منطقة الساحل، ومع تراجع الحضور الفرنسي المتسارع وصعود الحضور الروسي العسكري والاستخباراتي، تدخل مالي مرحلة جديدة من إعادة تشكيل خريطة التحالفات الإقليمية والدولية.
منذ استقلالها عام 1960، ظلت مالي رهينة النفوذ الفرنسي، سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، في إطار ما يُعرف بـ'فرانس أفريك'، وهي منظومة من العلاقات التي ضمنت لباريس موطئ قدم في مستعمراتها السابقة، غير أن هذا الوضع بدأ يتزعزع تدريجيًا خلال العقد الأخير، مع تصاعد الغضب الشعبي تجاه الوجود الفرنسي، خاصة مع فشل القوات الفرنسية في إنهاء التهديدات الأمنية، واتهامات متكررة لها بالتواطؤ أو التسبب في سقوط مدنيين خلال العمليات العسكرية ضد الجماعات المسلحة في شمال البلاد.
التحول الحاسم جاء في أعقاب سلسلة من الأزمات السياسية، أبرزها الانقلاب العسكري في أغسطس 2020، الذي أطاح بحكومة الرئيس إبراهيم أبو بكر كيتا، تلاه انقلاب ثانٍ في مايو 2021 قاده العقيد أسيمي غويتا، الذي بدأ بشكل واضح في دفع البلاد بعيدًا عن النفوذ الفرنسي.
– اعتقالات واتهامات تجسسية
أحدث ما كشفت عنه السلطات المالية هو اعتقال عدد من الجنرالات بدعوى 'التآمر على أمن الدولة'، إلى جانب توقيف أجنبي يُشتبه في ارتباطه بالاستخبارات الفرنسية،هذا التطور ليس مجرد إجراء أمني داخلي، بل يحمل دلالات عميقة، إذ يأتي في سياق تصفية النظام العسكري الحاكم لكل مراكز النفوذ المتبقية لفرنسا في المؤسسات الأمنية والبيروقراطية، وهو ما فسره محللون كخطوة نحو تعزيز التموقع الروسي في البلاد.
– فرنسا… من تحرير مالي إلى طردها
لم يكن عام 2013 سوى لحظة استعادة الذاكرة الاستعمارية، حين دخلت القوات الفرنسية تحت غطاء 'مكافحة الإرهاب' في شمال مالي ضمن عملية 'سرفال'، التي تحوّلت لاحقًا إلى عملية 'برخان'،لكن هذا التدخل سرعان ما فقد شرعيته الشعبية، بعدما تبيّن أن الجماعات المسلحة أعادت تنظيم صفوفها ووسّعت نطاق أنشطتها، بينما تزايدت الاتهامات لفرنسا باستغلال الحرب لتحقيق مكاسب اقتصادية، خاصة في ما يتعلق بثروات المنطقة مثل اليورانيوم والذهب.
– روسيا تملأ الفراغ الفرنسي
في ظل الفراغ الذي خلّفته فرنسا، تحركت موسكو بسرعة، حيت دخل مقاتلو 'فاغنر' إلى مالي بحلول 2021، وشرعت روسيا في توقيع اتفاقيات تسليح وتدريب عسكري، في مؤشر واضح على أن باماكو باتت تفضّل التحالف مع موسكو التي لا تربطها ماضٍ استعماري مع أفريقيا، والتي تقدم نفسها كبديل عملي وأكثر نجاعة لمحاربة الإرهاب.
لكن دخول فاغنر لم يكن خاليًا من الانتقادات، فرغم الدعم الشعبي الواسع للوجود الروسي، ظهرت شكاوى محلية من تجاوزات لبعض عناصر الشركة، وافتقارهم للخبرة اللازمة، ما يطرح تساؤلات حول قدرة موسكو على تقديم حل حقيقي لمشاكل مالي الأمنية والاقتصادية.
– ما وراء الصراع الفرنسي-الروسي؟
المواجهة بين فرنسا وروسيا في مالي ليست مجرد تنافس على النفوذ، بل هي انعكاس لتغيّر موازين القوى الدولية، فرنسا تحاول الحفاظ على ما تبقى من نفوذها التقليدي في غرب أفريقيا، بينما تستغل روسيا تراجع الغرب لتوسيع تواجدها العسكري والسياسي عبر أدوات غير تقليدية مثل 'فاغنر'، وإعلامها الناطق بالفرنسية، وصفقات السلاح، فالأمر لا يقتصر على مالي، بل يمتد إلى النيجر وبوركينا فاسو وتشاد، حيث تُبدي الأنظمة العسكرية الجديدة ميولًا واضحة نحو التنصل من الاتفاقيات الأمنية مع فرنسا، والانفتاح على بدائل روسية أو صينية.
مالي تقف اليوم عند مفترق طرق حاسم. الانقلابات، واعتقال الجنرالات، وطرد الدبلوماسيين الفرنسيين، كلها مؤشرات على تحوّل استراتيجي لا رجعة فيه. صراع النفوذ بين باريس وموسكو تجاوز مرحلة كسر العظام إلى إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية لغرب أفريقيا. وما سيجري في مالي خلال الأشهر القادمة سيكون له وقع طويل الأمد على مستقبل المنطقة بأكملها، في وقتٍ تبدو فيه الشعوب عطشى للسيادة، وحريصة على طي صفحة الهيمنة الخارجية بأي ثمن.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


هبة بريس
منذ 8 ساعات
- هبة بريس
خطير اليوتوبر تحفة ينشر فيديو يتهم فيه "قبيبو "زوج ابتسام باطما القضاء بالفساد
هبة بريس – عبد اللطيف بركة في واقعة غير مسبوقة، فجر تسريب صوتي منسوب لفؤاد قبيبو، زوج ابتسام باطما، صدمة مدوية في الأوساط الفنية والإعلامية والرأي العام المغربي، بعدما تضمن معطيات حساسة وخطيرة تتعلق بمحاكمة الفنانة دنيا باطما، وكواليس صادمة عن 'ليالي مجون' قيل إنها جمعت بين فنانين معروفين، مسؤولين، وشخصيات نافذة. التسريب، الذي نشره الناشط الفايسبوكي المعروف باسم 'تحفة' عبر صفحته الرسمية، سرعان ما انتشر كالنار في الهشيم على مختلف منصات التواصل الاجتماعي، حيث يتحدث فيه قبيبو، حسب التسجيل، عن 'تدخلات' في محاكمة دنيا باطما، مشيرًا بوضوح إلى أنها كانت مهددة بعقوبة تصل إلى أربع سنوات سجنا نافذا، قبل أن تتدخل 'جهة معينة' غيّرت مجرى الأمور. لكن الجانب الأكثر إثارة وخطورة في التسجيل، تمثل في الحديث عن سهرات ماجنة جمعت فنانين وشخصيات معروفة في أجواء وُصفت بأنها 'منحطة أخلاقياً'، تضمنت ممارسات جنسية، شرب الخمر، وعلاقات مشبوهة، ما أثار موجة غضب عارمة واستياء شديد لدى المتابعين الذين اعتبروا أن ما جاء في التسريب، إن صح، يمثل قمة الانحدار ويكشف عن 'عالم خفي' تعيشه بعض الأوساط الفنية وراء الكواليس. – السلطات قد تحرك التحقيقات … المعلومات الخطيرة التي وردت في التسجيل تضع السلطات الأمنية والقضائية أمام تحدٍّ حقيقي، إذ تزايدت المطالب بفتح تحقيق جدي لمعرفة مدى صحة هذه الادعاءات، خصوصًا وأنها تمس مؤسسات حساسة وسمعة العدالة، وفي حال تأكدت صحة المضامين، فإن تداعياتها قد تكون عميقة ومؤثرة، ليس فقط على الأسماء الواردة بشكل مباشر أو ضمني، بل على صورة الوسط الفني المغربي ككل. – أسرة باطما: تحرك قضائي وشيك؟ في المقابل، تشير مصادر قريبة من عائلة الفنانة دنيا باطما إلى أنها تدرس إمكانية التوجه إلى القضاء لوضع حد لما أسمته بـ'حملة التشهير الممنهجة' التي تستهدف سمعتها، مشددة على أن استمرار انتشار الشريط وتداوله سيقابَل بتحرك قانوني حازم، خصوصًا إذا ثبت أن التسجيل حقيقي وتم تسريبه دون إذن. – موجة صدمة وتفاعل جماهيري – رواد مواقع التواصل الاجتماعي انقسموا بين من عبّر عن صدمته من حجم الفضائح التي وردت في التسريب، ومن يرى أن ما يجري ليس سوى 'قمة جبل الجليد' لعالم من الفساد والانحرافات المسكوت عنها، في حين طالب آخرون بتعاطٍ حذر مع هذه التسريبات إلى حين التأكد من صحتها وعدم الوقوع في فخ الشائعات والتلفيق. ورغم عدم صدور أي بيان رسمي حتى الساعة من الجهات المعنية، فإن الترقب سيد الموقف، فيما تتسع دائرة الجدل، وتتزايد المخاوف من تداعيات قد لا تُحمد عقباها، إذا تبيّن أن ما ورد في التسجيل لم يكن مجرد 'ثرثرة خاصة' بل وقائع حقيقية تعكس واقعًا صادمًا. تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X مقالات ذات صلة


هبة بريس
منذ 9 ساعات
- هبة بريس
أكادير.. "جيتسكي" يصيب فتاة بجروح ومطالب بتشديد الرقابة
هبة بريس – عبد اللطيف بركة شهد شاطئ مدينة أكادير، مساء الخميس 14 غشت الجاري، حادثًا خطيرًا بعدما صدمت دراجة مائية من نوع 'جيتسكي' فتاة كانت تسبح بالقرب من الشاطئ، ما أسفر عن إصابتها بجروح استدعت تدخل مصالح الوقاية المدنية بشكل عاجل. وحسب مصادر متطابقة، فقد تم نقل الضحية على وجه السرعة إلى قسم المستعجلات بالمستشفى الجهوي الحسن الثاني لتلقي الإسعافات والعلاجات اللازمة، وسط حالة من الذعر والقلق في صفوف المصطافين الذين عاينوا الحادث. الحادث أعاد إلى الواجهة النقاش حول الفوضى التي يشهدها استخدام الدراجات المائية ببعض شواطئ المدينة، خاصة بعد حادث مماثل قبل أسبوعين أودى بحياة شخص إثر سقوطه من دراجة مائية. وفي هذا السياق، جدد عدد من رواد الشاطئ دعوتهم إلى تشديد الرقابة على هذا النوع من الأنشطة البحرية، مطالبين بتفعيل صارم للقوانين التنظيمية ومنع ولوج هذه الوسائل إلى مناطق السباحة. تجدر الإشارة إلى أن ولاية جهة سوس ماسة، كانت قد أصدرت قرارًا تنظيمياً يمنع خروج الدراجات المائية من مختلف شواطئ العمالة، باستثناء نقطة انطلاق وحيدة عبر مارينا أكادير، وذلك بهدف تنظيم القطاع وضمان سلامة مرتادي الشواطئ. ويأتي هذا القرار في إطار تفعيل مضامين دوريات وزارية سابقة، تروم فرض مراقبة دقيقة على مالكي الدراجات المائية، وتحديد هويتهم ومسارات تنقلاتهم قبل منحهم تراخيص الإبحار، في خطوة احترازية تهدف إلى الحد من المخاطر المرتبطة بهذه الأنشطة. تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X مقالات ذات صلة


هبة بريس
منذ 9 ساعات
- هبة بريس
أكادير.. 'جيتسكي' يصيب فتاة بجروح ومطالب بتشديد الرقابة
هبة بريس – عبد اللطيف بركة شهد شاطئ مدينة أكادير، مساء الخميس 14 غشت الجاري، حادثًا خطيرًا بعدما صدمت دراجة مائية من نوع 'جيتسكي' فتاة كانت تسبح بالقرب من الشاطئ، ما أسفر عن إصابتها بجروح استدعت تدخل مصالح الوقاية المدنية بشكل عاجل. وحسب مصادر متطابقة، فقد تم نقل الضحية على وجه السرعة إلى قسم المستعجلات بالمستشفى الجهوي الحسن الثاني لتلقي الإسعافات والعلاجات اللازمة، وسط حالة من الذعر والقلق في صفوف المصطافين الذين عاينوا الحادث. الحادث أعاد إلى الواجهة النقاش حول الفوضى التي يشهدها استخدام الدراجات المائية ببعض شواطئ المدينة، خاصة بعد حادث مماثل قبل أسبوعين أودى بحياة شخص إثر سقوطه من دراجة مائية. وفي هذا السياق، جدد عدد من رواد الشاطئ دعوتهم إلى تشديد الرقابة على هذا النوع من الأنشطة البحرية، مطالبين بتفعيل صارم للقوانين التنظيمية ومنع ولوج هذه الوسائل إلى مناطق السباحة. تجدر الإشارة إلى أن ولاية جهة سوس ماسة، كانت قد أصدرت قرارًا تنظيمياً يمنع خروج الدراجات المائية من مختلف شواطئ العمالة، باستثناء نقطة انطلاق وحيدة عبر مارينا أكادير، وذلك بهدف تنظيم القطاع وضمان سلامة مرتادي الشواطئ. ويأتي هذا القرار في إطار تفعيل مضامين دوريات وزارية سابقة، تروم فرض مراقبة دقيقة على مالكي الدراجات المائية، وتحديد هويتهم ومسارات تنقلاتهم قبل منحهم تراخيص الإبحار، في خطوة احترازية تهدف إلى الحد من المخاطر المرتبطة بهذه الأنشطة.