
الحسيني والقسام في مواجهة تسريب العقارات لليهود قبل النكبة
قبل مدة ليست بعيدة، توفي مجموعة من الشباب في حادث سير في مدينة القدس، فسارع أهل القدس إلى مواساة أهل المتوفين والصلاة عليهم، إلا واحدا منهم رفضوا جميعا الصلاة عليه أو دفنه في مقابرهم، وذلك لأنه باع بيته لليهود.
إن هذا المشهد هو ثمرة لوعي ما زال يبذر منذ قرابة 100 عام حول بشاعة وخطورة تسريب العقارات لليهود في فلسطين عموما، وفي القدس على وجه الخصوص.
إن كثرة الحديث عن خطورة بيع الأراضي لليهود والعقارات في القدس قد يوحي بصورة ذهنية مغايرة للواقع، تقوم على اعتقاد أن التسريب والبيع هو الحالة السائدة، ولكن هذا مخالف للحقيقة مجاف للواقع، فما زال أهل القدس يقبضون على جمر الصبر في مواجهة المغريات والتهديدات على حد سواء، صابرين على مرارة العيش، لا يغريهم بريق الذهب ولا مغريات السماسرة. فالأصل هو التمسك والثبات، والتسريب هو الاستثناء الذي ما زال ممجوجا.
القسام والكف الأسود
في عام 1930، أسس الشيخ عز الدين القسام مجموعة سرية أطلق عليها اسم "الكف الأسود". كانت مهمة هذه المجموعة بالدرجة الأولى تتبع سماسرة الأراضي من العرب واليهود ممن يقومون بشراء ونقل وتشجيع ملكية الأراضي من العرب لليهود، واستهدافهم بالاغتيال.
وبعد استشهاده، تضعضعت أركان المجموعة، لكن من يزرع الوعي ويبني الجيل لا تنتهي أعماله بانتهاء حياته، فسرعان ما سارع أحد تلاميذه، وهو "سرور برهم"، إلى إعادة بناء المجموعة واستمرار ممارسة عملها الذي أقض مضاجع السماسرة من جهة، وشكل صورة ذهنية خطيرة عمن يفكر بهذا الفعل. فبنى حصانة مجتمعية واعية مبكرة ساهمت في الحفاظ على الأرض ومواجهة المغريات.
فلم يكن الشيخ عز الدين القسام مجرد عالم أو واعظ أو خطيب، بل كان قائد ثورة يبني الوعي بين يدي المواجهة، ويحصن الأفهام، ويزرع الفهم، ويصدق القول بالفعل، ويروي كلماته بروحه لتنتفض بين الأنام وتبقى متحركة بلا كلل ولا ملل.
الحسيني ومؤتمر علماء فلسطين
وإن من أهم أدوات بناء الوعي في زمن الهجمة الصهيونية الأولى على العقارات في فلسطين عموما، والقدس على وجه الخصوص، في زمن الاحتلال البريطاني، العلماء والدعاة وما يملكون من أدوات مثل المنبر والمسجد والفتاوى.
وقد كان لهم دور بالغ الأهمية في تحصين العقل الجمعي الفلسطيني والعربي ضد انتقال العقارات إلى اليهود الذين يريدون مسح الهوية واحتلال الأرض والمقدسات.
فتضافر الفعل الجهادي العلني للشيخ القسام مع الفعل السري لمنظمته "الكف الأسود"، مع الجهد الدؤوب لعلماء ودعاة فلسطين، ومن ذلك عقد مؤتمر علماء فلسطين في القدس يوم 26 يناير/كانون الثاني 1935.
حضر المؤتمر حوالي 400 مندوب من المفتين والقضاة والمدرسين والخطباء والأئمة والوعاظ، وقد كان على رأس المجتمعين:
الحاج محمد أمين الحسيني، مفتي مدينة القدس ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى.
محمد أمين العوري، أمين فتوى القدس وعضو محكمة الاستئناف الشرعية.
حسن أبو السعود، مفتي الشافعية ومفتي المحاكم الشرعية.
ومحمد تفاحة الحسني، مفتي مدينة نابلس.
محمد أسعد قدورة، مفتي صفد وقاضيها.
محمد طاهر الطبري، مفتي طبريا وقاضيها.
محمد أديب الخالدي، مفتي مدينة جنين.
محمد سليم بسيسو، مفتي مدينة بئر السبع.
إسماعيل الحافظ، رئيس محكمة الاستئناف الشرعية.
لم يكن للمؤتمر سوى قضية واحدة لبحثها وهي بيع الأراضي لليهود، والأخطار الناجمة عنها، وموقف الشرع من هؤلاء الذين يتآمرون على ملكية أرض فلسطين وتسريب أراضي المسلمين لليهود.
وقد ألقى الحاج أمين الحسيني، رئيس المؤتمر، كلمة وجهها للحضور وللعالم الإسلامي كله قال فيها:
"ولنا كلمة إلى إخواننا في الأقطار العربية الإسلامية، وهي إذا ظلوا ينظرون إلى هذه المأساة، مأساة الأندلس الأخرى، غير مبالين ولا مكترثين، فإن موقفهم هذا لا يرضي الله ورسوله ولا يرضي تاريخ الإسلام الذي آخى بين المسلمين. وليعلموا أن المصيبة في هذه البلاد التي أوقعها سوء حظها بين براثن الطامعين، سوف لا تنحصر فيها بل تتعداها إلى الأقطار الإسلامية الأخرى"
لقد كان هذا المؤتمر نموذجا لحالة تأسيس الوعي المبكر بمخاطر تسريب العقارات لليهود، هذا البناء الذي غدا ثقافة عامة ترى من باع أرضه لليهود قد باع دينه ووجوده كله.
إعلان
وقد انتهى هذا المؤتمر إلى صدور فتوى بإجماع الحاضرين الموقعين عليها، جاء فيها: "بعد النظر في الفتاوى التي أصدرها المفتون وعلماء المسلمين في العراق ومصر والهند وسوريا وفلسطين والأقطار الإسلامية الأخرى التي أجمعت على تحريم بيع الأرض في فلسطين، وتحريم السمسرة على بيع الأرض، والتوسط فيه وتسهيل أمره بأي شكل وبأي صورة، وتحريم الرضا بذلك كله والسكوت عنه، وإن ذلك كله أصبح بالنسبة لكل فلسطيني صادرا من عالم بنتيجته راض بها، فهو مستلزم الكفر والارتداد عن دين الإسلام باعتقاد حله".
كما جاء فيها: "إن بائع الأرض لليهود في فلسطين، سواء كان ذلك مباشرة أو بالوساطة، فإن السمسار والمتوسط في هذا البيع والمسهل له والمساعد عليه بأي شكل؛ كل أولئك ينبغي ألا يصلى عليهم ولا يدفنوا في مقابر المسلمين، ويجب نبذهم ومقاطعتهم واحتقار شأنهم وعدم التودد إليهم والتقرب منهم، ولو كانوا آباء وأبناء وإخوانا وأزواجا. "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ".
ولا تزال هذه المعركة الصامتة المتعلقة بمواجهة تسريب العقارات لليهود اليوم من أشرس المعارك، ولكن لا يلتفت لها الكثيرون لأنها معركة بلا أشلاء ولا دماء ولا بارود.
ولكنها معركة تستهدف تمزيق القدس على أشلاء متناثرة وإراقة دم المدينة التي كانت وما زالت محور الصراع على مر العصور، وأهل القدس الثابتون فيها ينتظرون أهلهم من أبناء أمتهم ليكونوا معهم في خندق المواجهة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
٠٣-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
الحسيني والقسام في مواجهة تسريب العقارات لليهود قبل النكبة
قبل مدة ليست بعيدة، توفي مجموعة من الشباب في حادث سير في مدينة القدس، فسارع أهل القدس إلى مواساة أهل المتوفين والصلاة عليهم، إلا واحدا منهم رفضوا جميعا الصلاة عليه أو دفنه في مقابرهم، وذلك لأنه باع بيته لليهود. إن هذا المشهد هو ثمرة لوعي ما زال يبذر منذ قرابة 100 عام حول بشاعة وخطورة تسريب العقارات لليهود في فلسطين عموما، وفي القدس على وجه الخصوص. إن كثرة الحديث عن خطورة بيع الأراضي لليهود والعقارات في القدس قد يوحي بصورة ذهنية مغايرة للواقع، تقوم على اعتقاد أن التسريب والبيع هو الحالة السائدة، ولكن هذا مخالف للحقيقة مجاف للواقع، فما زال أهل القدس يقبضون على جمر الصبر في مواجهة المغريات والتهديدات على حد سواء، صابرين على مرارة العيش، لا يغريهم بريق الذهب ولا مغريات السماسرة. فالأصل هو التمسك والثبات، والتسريب هو الاستثناء الذي ما زال ممجوجا. القسام والكف الأسود في عام 1930، أسس الشيخ عز الدين القسام مجموعة سرية أطلق عليها اسم "الكف الأسود". كانت مهمة هذه المجموعة بالدرجة الأولى تتبع سماسرة الأراضي من العرب واليهود ممن يقومون بشراء ونقل وتشجيع ملكية الأراضي من العرب لليهود، واستهدافهم بالاغتيال. وبعد استشهاده، تضعضعت أركان المجموعة، لكن من يزرع الوعي ويبني الجيل لا تنتهي أعماله بانتهاء حياته، فسرعان ما سارع أحد تلاميذه، وهو "سرور برهم"، إلى إعادة بناء المجموعة واستمرار ممارسة عملها الذي أقض مضاجع السماسرة من جهة، وشكل صورة ذهنية خطيرة عمن يفكر بهذا الفعل. فبنى حصانة مجتمعية واعية مبكرة ساهمت في الحفاظ على الأرض ومواجهة المغريات. فلم يكن الشيخ عز الدين القسام مجرد عالم أو واعظ أو خطيب، بل كان قائد ثورة يبني الوعي بين يدي المواجهة، ويحصن الأفهام، ويزرع الفهم، ويصدق القول بالفعل، ويروي كلماته بروحه لتنتفض بين الأنام وتبقى متحركة بلا كلل ولا ملل. الحسيني ومؤتمر علماء فلسطين وإن من أهم أدوات بناء الوعي في زمن الهجمة الصهيونية الأولى على العقارات في فلسطين عموما، والقدس على وجه الخصوص، في زمن الاحتلال البريطاني، العلماء والدعاة وما يملكون من أدوات مثل المنبر والمسجد والفتاوى. وقد كان لهم دور بالغ الأهمية في تحصين العقل الجمعي الفلسطيني والعربي ضد انتقال العقارات إلى اليهود الذين يريدون مسح الهوية واحتلال الأرض والمقدسات. فتضافر الفعل الجهادي العلني للشيخ القسام مع الفعل السري لمنظمته "الكف الأسود"، مع الجهد الدؤوب لعلماء ودعاة فلسطين، ومن ذلك عقد مؤتمر علماء فلسطين في القدس يوم 26 يناير/كانون الثاني 1935. حضر المؤتمر حوالي 400 مندوب من المفتين والقضاة والمدرسين والخطباء والأئمة والوعاظ، وقد كان على رأس المجتمعين: الحاج محمد أمين الحسيني، مفتي مدينة القدس ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى. محمد أمين العوري، أمين فتوى القدس وعضو محكمة الاستئناف الشرعية. حسن أبو السعود، مفتي الشافعية ومفتي المحاكم الشرعية. ومحمد تفاحة الحسني، مفتي مدينة نابلس. محمد أسعد قدورة، مفتي صفد وقاضيها. محمد طاهر الطبري، مفتي طبريا وقاضيها. محمد أديب الخالدي، مفتي مدينة جنين. محمد سليم بسيسو، مفتي مدينة بئر السبع. إسماعيل الحافظ، رئيس محكمة الاستئناف الشرعية. لم يكن للمؤتمر سوى قضية واحدة لبحثها وهي بيع الأراضي لليهود، والأخطار الناجمة عنها، وموقف الشرع من هؤلاء الذين يتآمرون على ملكية أرض فلسطين وتسريب أراضي المسلمين لليهود. وقد ألقى الحاج أمين الحسيني، رئيس المؤتمر، كلمة وجهها للحضور وللعالم الإسلامي كله قال فيها: "ولنا كلمة إلى إخواننا في الأقطار العربية الإسلامية، وهي إذا ظلوا ينظرون إلى هذه المأساة، مأساة الأندلس الأخرى، غير مبالين ولا مكترثين، فإن موقفهم هذا لا يرضي الله ورسوله ولا يرضي تاريخ الإسلام الذي آخى بين المسلمين. وليعلموا أن المصيبة في هذه البلاد التي أوقعها سوء حظها بين براثن الطامعين، سوف لا تنحصر فيها بل تتعداها إلى الأقطار الإسلامية الأخرى" لقد كان هذا المؤتمر نموذجا لحالة تأسيس الوعي المبكر بمخاطر تسريب العقارات لليهود، هذا البناء الذي غدا ثقافة عامة ترى من باع أرضه لليهود قد باع دينه ووجوده كله. إعلان وقد انتهى هذا المؤتمر إلى صدور فتوى بإجماع الحاضرين الموقعين عليها، جاء فيها: "بعد النظر في الفتاوى التي أصدرها المفتون وعلماء المسلمين في العراق ومصر والهند وسوريا وفلسطين والأقطار الإسلامية الأخرى التي أجمعت على تحريم بيع الأرض في فلسطين، وتحريم السمسرة على بيع الأرض، والتوسط فيه وتسهيل أمره بأي شكل وبأي صورة، وتحريم الرضا بذلك كله والسكوت عنه، وإن ذلك كله أصبح بالنسبة لكل فلسطيني صادرا من عالم بنتيجته راض بها، فهو مستلزم الكفر والارتداد عن دين الإسلام باعتقاد حله". كما جاء فيها: "إن بائع الأرض لليهود في فلسطين، سواء كان ذلك مباشرة أو بالوساطة، فإن السمسار والمتوسط في هذا البيع والمسهل له والمساعد عليه بأي شكل؛ كل أولئك ينبغي ألا يصلى عليهم ولا يدفنوا في مقابر المسلمين، ويجب نبذهم ومقاطعتهم واحتقار شأنهم وعدم التودد إليهم والتقرب منهم، ولو كانوا آباء وأبناء وإخوانا وأزواجا. "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ". ولا تزال هذه المعركة الصامتة المتعلقة بمواجهة تسريب العقارات لليهود اليوم من أشرس المعارك، ولكن لا يلتفت لها الكثيرون لأنها معركة بلا أشلاء ولا دماء ولا بارود. ولكنها معركة تستهدف تمزيق القدس على أشلاء متناثرة وإراقة دم المدينة التي كانت وما زالت محور الصراع على مر العصور، وأهل القدس الثابتون فيها ينتظرون أهلهم من أبناء أمتهم ليكونوا معهم في خندق المواجهة.


الجزيرة
٠٩-٠٣-٢٠٢٥
- الجزيرة
الثورة الفلسطينية الكبرى.. يوم قام القسام ضد الإنجليز والمنظمات الصهيونية
ثورة بدأت عام 1936م وامتدت حتى 1939م. اندلعت في منتصف أبريل/نيسان بعدما هاجم أتباع الشيخ عز الدين القسّام قافلة شاحنات بين مدينتي نابلس و طولكرم ، وقتلوا سائقين يهوديين، فردت منظمة الإرغون الصهيونية في اليوم التالي بقتل عاملَين فلسطينيين قرب قرية بيتح تكفا. وتلت ذلك اضطرابات دامية في تل أبيب و يافا فانطلقت بذلك "الثورة الفلسطينية الكبرى"، التي استمرت 3 أعوام، وتعاضد فيها الأعيان والنخب مع الفلاحين والبسطاء من أهل الريف. الظروف التاريخية للثورة الفلسطينية الكبرى مهدت عدة أحداث وتطورات الطريق لهذه الثورة، فقد كانت فترة الثلاثينيات من القرن الـ20 في فلسطين -كما في غيرها من البلدان- فترة اضطراب اقتصادي شديد، وفيها أصاب الفلسطينيين في الريف ضرر كبير نتيجة عمليات نزع ملكيتهم وتراكم الديون عليهم، جرّاء سياسات سلطات الانتداب البريطاني المشجعة لجهود المنظمات الصهيونية لشراء الأراضي بالإكراه. وملأت الهجرة من الريف إلى الحضر حيفا ويافا بالفلسطينيين الفقراء الباحثين عن عمل، فبرزت أشكال جديدة من التنظيمات السياسية التي ركّزت على الشباب والفئات الاجتماعية الشعبية بدل الأشكال القديمة القائمة على النخب، كما أدى تزايد العداء لليهود في أوروبا إلى زيادة هجرتهم إلى فلسطين. ونتجت عن تلك التطورات والأحداث اضطرابات دورية، ابتداء ب ثورة البراق سنة 1929، ثم اندلاع المظاهرات في العديد من مدن فلسطين ضد الانتداب البريطاني عام 1933. وفي أكتوبر/تشرين الأول 1935، تم اكتشاف كمية من الأسلحة شُحنت لحساب منظمة الهاغاناه في ميناء يافا، مما أجّج المخاوف الفلسطينية، خاصة وأن الهجرة اليهودية بلغت ذروتها، ففي الفترة من 1933 إلى 1936 وصل أكثر من 164 ألف مهاجر يهودي إلى فلسطين، وبين 1931 و1936 زاد عدد السكان اليهود أكثر من الضعف من 175 ألفا إلى 370 ألفا، وانتقلت نسبتهم من 17% إلى 27% من مجموع السكان. وفي عام 1930، أسس الشيخ عز الدين القسام منظمة "الكف الأسود"، المناهضة للصهيونية وللسياسات الاستعمارية البريطانية، وجنّد الفلاحين والعمال وأقام لهم دورات تدريبية عسكرية. وبحلول عام 1935 كان قد جند المئات، وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه اشتبك اثنان من رجاله بالأسلحة النارية مع دورية للشرطة البريطانية وقتلوا شرطيا. وفي أعقاب هذه الحادثة طاردت الشرطة القسّام، وحاصرته في كهف بالقرب من قرية يعبد ومعه 10 من أنصاره، فرفض الاستسلام، وبعد قتال من الصباح حتى العصر استشهد الشيخ برصاصة في جبينه، واستشهد معه 3 من رفاقه، وأصيب اثنان منهم وأسر الباقون. وفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني 1935، خرج الآلاف في جنازة كبيرة لتشييع عز الدين القسام ورفاقه الثلاثة، وأطلقت الدعوات لمتابعة نهجهم والسير على منوالهم، وبقيت تتوالى حتى اندلعت الثورة الفلسطينية الكبرى في أبريل/نيسان 1936. ويعد عبد القادر الحسيني أول من بدأ قيادة الثورة الفلسطينية الكبرى سنة 1936 بحشده رجال المقاومة في كل الأراضي لمواجهة الاحتلال، وقد استشهد في الثامن من أبريل/نيسان 1948 وهو يخوض معركة تحرير قرية القسطل الإستراتيجية المشرفة على طريق القدس يافا. مرت الثورة الفلسطينية الكبرى بـ3 مراحل: بدأت من ربيع عام 1936 وحتى يوليو/تموز 1937، وهي مرحلة اشتعال الثورة بعد تأجج التوترات في فلسطين وتراكمها منذ خريف 1935. ففي منتصف أبريل/نيسان 1936، هاجم أتباع القسّام قافلة من الشاحنات بين نابلس وطولكرم وقتلوا سائقين يهوديين، فردت منظمة الإرغون في اليوم التالي بقتل عاملَين فلسطينيين بالقرب من بيتح تكفا، ثم تلت ذلك اضطرابات دامية في تل أبيب ويافا. وفي 19 أبريل/نيسان، شُكّلت في نابلس لجنة وطنية اتُّفق فيها على إعلان الإضراب، كما شُكلت لجان وطنية في مدن أخرى دعت بدورها إلى الإضراب. وفي 25 أبريل/نيسان، تم تشكيل اللجنة العربية العليا من رؤساء الأحزاب الخمسة، و5 آخرين من رجالات البلاد. وكان أعضاء اللجنة هم: الحاج أمين الحسيني وراغب النشاشيبي و أحمد حلمي عبد الباقي والدكتور حسن الخالدي ويعقوب فراج و عوني عبد الهادي وعبد اللطيف صلاح وألفرد روك وجمال الحسيني ويعقوب الغصين، وانتخب أمين الحسيني رئيسا لتنسيق ودعم إضراب وطني عام انطلق في الثامن من مايو/أيار وشلّ النشاط التجاري والاقتصادي في فلسطين 6 أشهر. وفي تلك الأثناء كان الفلسطينيون في أنحاء الريف كافة يشكّلون مجموعات مسلحة لمهاجمة أهداف للسلطات البريطانية والحركات الصهيونية المسلحة، وكان عملهم في البداية عفويا ومتقطّعا، ثم انتظم بعد ذلك بشكل متزايد، وانضم إليه متطوعون عرب من خارج فلسطين، وإن بأعداد قليلة. واستخدم البريطانيون أساليب وتكتيكات مختلفة لوقف الإضرابات وقمع العصيان المسلّح في المناطق الريفية، وزادوا أعداد رجال الشرطة البريطانيين واليهود، وتعرّضت المنازل للتفتيش والمداهمات الليلية، وأهلها للضرب والسجن والتعذيب والترحيل. ووصل القمع البريطاني إلى حد هدم أحياء واسعة في مدينة يافا القديمة، وتزامنت تلك العمليات العسكرية والتدابير القمعية مع إرسال الحكومة البريطانية لجنة برئاسة اللورد بيل للتحقيق في الأسباب الجذرية للتمرد. وفي 11 أكتوبر/تشرين الأول 1936، وتحت وطأة ضغوط السياسات القمعية البريطانية، وضغوط بعض الملوك والأمراء العرب من خلال وعود وتطمينات، وكذا العواقب الاقتصادية للإضراب على السكان الفلسطينيين، أوقفت اللجنة العربية العليا الإضراب ووافقت على التعاون مع لجنة بيل. بدأت لجنة بيل عملها، وانخفضت التوترات مؤقتا، وبعد إعلان نتائج تحقيقها، الذي صدر في يوليو/تموز 1937، أوصت اللجنة بتقسيم فلسطين إلى دولتين، واحدة لليهود وأخرى للعرب، فثار الشعب الفلسطيني مجددا وأطلق تمردا مسلّحا أكثر شدة من سابقه، وبدأت المرحلة الثانية من الثورة الفلسطينية. وامتدت من يوليو/تموز 1937 إلى خريف 1938، وحققت فيها الثورة مكاسب كبيرة، إذ سيطرت على مساحات شاسعة من الأراضي الجبلية، بما في ذلك البلدة القديمة في القدس لفترة من الزمن، فأحلوا فيها مؤسسات وطنية محل تلك التي كانت تابعة للانتداب البريطاني، مثل المحاكم وخدمة البريد وغيرها. وكان حادث اغتيال لويس يلاند أندروز -حاكم لواء الجليل- على يد جماعة القسام يوم 26 سبتمبر/أيلول 1937 المؤشر البارز على بدء المرحلة الثانية من الثورة الفلسطينية. وقد اعتبر مقتل أندروز صدمة كبيرة للسلطات البريطانية، إذ كان أول اغتيال لشخصية مدنية كبيرة، واعتبر إعلانا صريحا للثورة ضد الحكم البريطاني. فما كان من البريطانيين إلا أن اتخذوا تدابير أشد قسوة في محاولة لسحق الثورة، فأعلنت سلطة الانتداب عدم شرعية اللجنة العربية العليا والأحزاب السياسية الفلسطينية كافة، وألقت القبض على القادة السياسيين والأهليين، ونفت عددا من الشخصيات العامة رفيعة المستوى. كما لجأت إلى تصعيد الوسائل العسكرية لمكافحة التمرد، فنشرت الدبابات والطائرات والمدفعية الثقيلة في جميع أنحاء فلسطين، وطبّقت العقاب الجماعي في حق الفلسطينيين، فزجّت بآلاف منهم في "معسكرات الاعتقال"، كما دمرت أحياء سكنية وأغلقت مدارس وغرمت قرى بشكل جماعي وأجبرتها على إيواء الشرطة والقوات البريطانية. وأمام هول ما كان يحدث للشعب الفلسطيني، استفادت المنظمات العسكرية الصهيونية من الوضع لبناء قدراتها بدعم بريطاني، وبحلول أوائل سنة 1939 حصل 14 ألف رجل من "شرطة المستعمرات اليهودية" على الدعم والزي الرسمي والسلاح من الحكومة البريطانية. وكانت منظمة الهاغاناه تعمل خلف تلك الواجهة، إضافة إلى ما يسمّى الوحدات الليلية الخاصة المشكَّلة من يهود وبريطانيين، وكانت تنفذ "عمليات خاصة" ضد القرى الفلسطينية. واستمرت تقريبا من خريف 1938 حتى صيف 1939، إذ كان البريطانيون قد عينوا في يناير/كانون الثاني 1938 لجنة تحقيق أخرى بقيادة السير جون وودهيد لدراسة الجوانب الفنية لتنفيذ التقسيم. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1938، خلص تقرير لجنة وودهيد إلى أن التقسيم ليس عمليا، مما جعل البريطانيين يتراجعون بعض الشيء عن توصية بيل، إلا أنهم أطلقوا في الوقت ذاته هجوما شاملا على الفلسطينيين، فشهد عام 1939 قتل المزيد منهم وإعدام المزيد شنقا واعتقال ما يقارب ضعفي عدد معتقلي سنة 1938. وقد فرضت هذه الأوضاع ضغوطا هائلة على الثوار الفلسطينيين، مما أدى إلى تفاقم الخلافات بين قادة اللجنة العربية العليا من السياسيين المنفيين إلى دمشق وبين القيادة المحلية، ومن جهة ثانية بين مجموعات الثوار وسكان القرى الذين كان من المتوقع أن يدعموهم. ووقع الخلاف بشكل أساسي بين الفلسطينيين المستعدين للتوصل إلى تسوية مع البريطانيين وأولئك الملتزمين بالثورة، وتم تشكيل ما سمّي "فرق السلام" الفلسطينية بدعم بريطاني لمحاربة أنصار الثورة. وفي مايو/أيار 1939 نشرت الحكومة البريطانية الكتاب الأبيض الجديد الذي نص على "الوفاء بالتزامات بريطانيا تجاه فكرة الوطن القومي لليهود، واستمرار السماح بهجرة 75 ألف يهودي جديد إلى فلسطين في الأعوام الخمسة التالية، واستحواذ اليهود على الأراضي فيها (وهما بندان يتعارضان مع التزامات بريطانيا تجاه الفلسطينيين). كما نص الكتاب الأبيض على أنه "بعد انقضاء السنوات الخمس تصبح الهجرة اليهودية خاضعة للموافقة العربية ويسمح بنقل ملكية الأراضي في مناطق معينة فقط، فيما تكون العملية مقيدة ومحظورة في مناطق أخرى، وذلك لمنع حرمان الفلسطينيين من الأراضي، ويتم إنشاء دولة موحدة مستقلة بعد 10 سنوات، مشروطة بعلاقات فلسطينية يهودية مواتية". وفي أواخر صيف 1939، أوصلت الجهود البريطانية العسكرية والدبلوماسية المشتركة، الثورة إلى نهايتها، وفي السنوات الثلاث للثورة قُتل حوالي 5 آلاف فلسطيني وجُرح ما يقارب 15 ألفا، إضافة إلى نفي القيادات الفلسطينية واغتيالها وسجنها وتأليب بعضها ضد بعض. أما خسائر الإنجليز، فكانت مقتل 16 رجل شرطة و22 جنديا وجرح 10 رجال شرطة و148 عسكريا ومقتل 80 يهوديا وجرح 308 آخرين. أبرز معارك الثورة الفلسطينية الكبرى معركة نور شمس: وقعت يوم 23 مايو/أيار 1936. معركة عنبتا: وقعت يوم 21 يونيو/حزيران 1936. معركة وادي عزون: وقعت يوم 28 يونيو/حزيران 1936. معركة الفندقومية: وقعت يوم 30 يونيو/حزيران 1936. معركة باب الواد: وقعت يوم 29 يوليو/تموز 1936. معركة رأس عامر: وقعت في الثالث من أغسطس/آب 1936. معركة صفد: وقعت في التاسع من أغسطس/آب 1936. معركة بلعا الأولى: وقعت في العاشر من أغسطس/آب 1936. معركة عصيرة الشمالية: وقعت يوم 17 أغسطس/آب 1936. معركة وادي عرعرة: وقعت يوم 20 أغسطس/آب 1936. معركة عين دور: وقعت يوم 29 أغسطس/آب 1936. معركة بلعا الثانية: وقعت في الثالث من سبتمبر/أيلول 1936. معركة الجاعونة: وقعت في التاسع من سبتمبر/أيلول 1936. معركة ترشيحا: وقعت في التاسع سبتمبر/أيلول 1936. معركة حلحول: وقعت يوم 24 سبتمبر/أيلول 1936. معركة جبع: وقعت يوم 24 سبتمبر/أيلول 1936. معركة بيت مرين: وقعت يوم 29 سبتمبر/أيلول 1936. معركة الخضر: وقعت في السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1936. معركة كفر صور: وقعت في التاسع من سبتمبر/أيلول 1936.


الجزيرة
٢٦-٠٢-٢٠٢٥
- الجزيرة
تبادل وشيك للأسرى والجثامين في غزة وتوجه لتمديد المرحلة الأولى
يسود ترقب لعملية إفراج متزامن بعد قليل عن الأسرى الفلسطينيين ضمن دفعة التبادل السابعة وجثامين أسرى إسرائيليين، في الوقت الذي تحدثت فيه هيئة البث الإسرائيلية عن اتصالات بين الولايات المتحدة وإسرائيل لتمديد المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار لعدة أسابيع. وأعلن أبو عبيدة، المتحدث باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- أنه تقرر الليلة أن يتم تسليم جثامين الأسرى اتساحي عيدان وايتسيك الجريط وأوهاد يهلومي وشلومي منصور. وقال مراسل الجزيرة إن فريقين من الصليب الأحمر وصلا إلى مستشفى غزة الأوروبي ومعبر كرم أبو سالم استعدادا لاستقبال الأسرى الفلسطينيين. وتحدثت مصادر للجزيرة عن رصد تحرك لقوات وآليات الاحتلال في محيط سجن عوفر استعدادا لإطلاق سراح أسرى فلسطينيين. في المقابل، ذكرت القناة الـ12 الإسرائيلية أن تعليمات صدرت للشرطة الإسرائيلية بالاستعداد لاحتمال استلام جثث 5 محتجزين أجانب. إفراج متزامن وقالت مصادر للجزيرة إن الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين سيتم بشكل متزامن مع تبادل الجثث منتصف هذه الليلة بتوقيت مكة المكرمة. ومن جهته، قال مكتب إعلام الأسرى إن الاستعدادات بدأت في مستشفى غزة الأوروبي بخان يونس لاستقبال الأسرى المحررين ضمن الدفعة السابعة من صفقة التبادل. وقال مكتب إعلام الأسرى -في بيان- إن 620 أسيرا سيُحرّرون في الدفعة السابعة للمرحلة الأولى، بينهم 151 أسيرا من ذوي المؤبدات والأحكام العالية، ومن هؤلاء 43 أسيرا سيفرج عنهم إلى الضفة والقدس، و97 أسيرا سيتم إبعادهم إلى الخارج، و11 أسيرا اعتقلوا من قطاع غزة قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. وإضافة إلى هؤلاء، سيطلق سراح 454 أسيرا من معتقلي غزة بعد السابع من أكتوبر، إضافة إلى 24 من الأسيرات والأسرى الأطفال. وأوضح مكتب إعلام الأسرى أن الدفعة الثانية من الأطفال والنساء من أسرى غزة بعد السابع من أكتوبر سيتم نشرها لاحقا. المرحلة الثانية من ناحية أخرى، تحدثت هيئة البث الإسرائيلية عن اتصالات بين الولايات المتحدة وإسرائيل لتمديد المرحلة الأولى من صفقة التبادل لعدة أسابيع. وأضافت الهيئة أن الوسطاء وضعوا هدفا هو استمرار وقف إطلاق النار خلال رمضان ما يعني تمديد المرحلة الأولى. وذكرت أن إسرائيل تدرس إطلاق سراح مزيد من الأسرى الإسرائيليين مقابل الانسحاب من محور فيلادلفيا. وكانت الهيئة قد نقلت -في وقت سابق الأربعاء- عن مسؤول إسرائيلي أنه لم يتم اتخاذ قرار بعد إذا ما كانت إسرائيل ستبدأ الانسحاب من محور فيلادلفيا بموجب اتفاق وقف إطلاق النار. وقال المسؤول إن قرار الانسحاب من محور فيلادلفيا متعلق بما إذا كان سيتم تمديد وقف إطلاق النار كما ترغب إسرائيل والولايات المتحدة. وذكّرت هيئة البث أن الاتفاق ينص على بدء انسحاب الجيش من محور فيلادلفيا في اليوم الأخير من الاتفاق، أي يوم السبت المقبل. بدورها، قالت القناة الـ12 الإسرائيلية إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سيعقد قريبا اجتماعا لاتخاذ قرار بشأن إيفاد فريق مفاوضات إلى الدوحة أو القاهرة. وذكرت القناة أن التفويض الممنوح لفريق التفاوض سيقتصر على توفير حافز لاستمرار إطلاق سراح الأسرى، مشيرة إلى أن واشنطن وتل أبيب اتفقتا على ربط استمرار وقف إطلاق النار ودخول المساعدات بالإفراج عن مزيد من المحتجزين. وقالت القناة إن نتنياهو اتفق مع واشنطن على ذهاب إسرائيل إلى المفاوضات بعد انتهاء المرحلة الأولى. في هذه الأثناء، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه سيكون على إسرائيل اتخاذ القرار بشأن المرحلة الثانية من الاتفاق، مؤكدا أن وقف إطلاق النار في قطاع غزة "قرار يجب أن تتخذه إسرائيل". من جانبه، قال المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف إن "الرئيس ترامب لن يقبل مرة أخرى وصفات سياسية قديمة لم تنجح في الشرق الأوسط". وفي حين أكد ويتكوف على الحاجة إلى طريقة أفضل للتعامل مع غزة "التي أعيد بناؤها 3 أو 4 مرات"، فقد شدد على أن "حماس لا يمكن أن تكون جزءا من أي هيكل حكم في غزة، وهذا خط أحمر لنا ولإسرائيل". وذكر المبعوث الأميركي أن إسرائيل سترسل فريقا للدوحة أو القاهرة للتفاوض، وأنه سيزور المنطقة يوم الأحد "إذا سارت الأمور بشكل إيجابي". وأعرف ويتكوف عن أمله في وضع المرحلة الثانية من التفاوض على المسار الصحيح وإطلاق سراح المحتجزين. وقال إن شركاء الولايات المتحدة في المنطقة يريدون الاستقرار ويفهمون أن استمرار الحرب غير مقبول، مشيرا إلى أن "إسرائيل تُجنّد أشخاصا في سن الخمسين، وهذا يؤثر على اقتصادها".