
الذكاء الاصطناعي... ميدان جديد للصراع
يرى البعض في الـ15 عاماً المقبلة سنوات اضطراب وتوتر وظُلمة، تُذكر بمشاهد قاتمة من روايات الخيال العلمي، لكن ليس بالضرورة أن تكون وجهة نظر الجميع، فثمة من يرى في تلك الأعوام سنوات تعلم واستلهاماً للتجارب واستخلاصاً للعبر.
من بين هؤلاء أستاذ النظم الهندسية الرقمية والذكية الدكتور زياد يوسف الشباني، وهو ممن يروا أن ما شهدناه أخيراً في تطوير النماذج اللغوية، التي تتعلم ذاتياً وتُحسن أداءها من خلال تفاعلها مع الملايين من المستخدمين حول العالم، مثالٌ جلي على أن الذكاء الاصطناعي يخوض معنا رحلة التعلم هذه، لا يقفز فجأة إلى الكمال، بل ينضج معنا خطوةً خطوة.
قانون الذكاء الاصطناعي
في حديث لـ"اندبندنت عربية"، يلفت الشباني إلى ما فعلته المفوضية الأوروبية، حين أقرت مسودة قانون الذكاء الاصطناعي، لتكون أول إطار شامل في العالم يحدد مستويات الخطورة، ويفرض معايير الشفافية على الشركات، ويرى في ذلك سابقة تاريخية تُظهر أننا، بخلاف الماضي، نسعى منذ البداية إلى ضبط التقنية لا بعد فوات الأوان.
تناول الشباني هذا التوازن بين الأخطار والفرص في عديد المقالات، وخلص دوماً إلى أن الخوف وحده لا يبني مستقبلاً، إنما الذي يصنعه هو التعلم والتجريب والتحكم الواعي، ثم يمضي قائلاً "أرى المشهد من زاوية شمولية، فالذكاء الاصطناعي ليس جزيرة معزولة، بل هو رافد في منظومة أوسع، تضم إنترنت الأشياء، والحوسبة السحابية، وتحليل البيانات الكبرى. ومعاً تُنشئ هذه العناصر بيئةً أكثر كفاءة وأشد استدامة".
تجسد هذا التكامل مشروعات المدن الذكية في سنغافورة، إذ تتعاون أنظمة إنترنت الأشياء، كما يشير الشباني، مع التحليلات الفورية للبيانات، لتقليل الازدحام المروري، وخفض استهلاك الطاقة، وتحسين جودة الهواء، وكل ذلك بدعم من تقنيات الذكاء الاصطناعي في المراقبة والتحكم.
ويضيف قائلاً "مهما أطنبنا في الحديث عن المستقبل، فلا ينبغي أن نغفل عما نلمسه في الحاضر من ثمار، ففي التعليم منصاتٌ ذكية تقدم محتوى مُصمماً لكل طالب، وتسد ثغرات الفهم، وطورت كوريا الجنوبية هذا العام منصة تعليمية حكومية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، تقدم خططاً دراسية شخصية لكل طالب وفقاً لسرعة تعلمه ومستواه".
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتابع بقوله "في البحث العلمي هناك أدوات تكشف الأوراق المزيفة، وتُحاصر مصانع الأبحاث الوهمية... أوقفت جامعة ستانفورد، بفضل خوارزمية تدقيق متقدمة، عشرات الأوراق المزيفة قبل نشرها، مما حفظ سمعة المجلات العلمية... هناك أيضاً في البرمجة، فثمة مساعدون أذكياء يكتبون الشيفرات بدقة أعلى، وأخطاء أقل، وهو ما يتجلى في إعلان مايكروسوفت أن أدواتها الذكية في بيئة ڤيجوال ستوديو خفضت زمن كتابة الشيفرة بنسبة 40 في المئة لمطوريها".
في مجال الطب يشير الشباني إلى الأنظمة التشخيصية التي تفسر الصور الطبية بدقة مذهلة وفي ثوانٍ معدودة، إذ نجح نظام "ميدترونيك" المدعوم بالتعلم العميق في اكتشاف مؤشرات سرطان البنكرياس من صور الأشعة قبل أشهر من تشخيص الأطباء، في دليل حي آخر على أهمية الذكاء الاصطناعي.
"هذه ليست وعوداً مؤجلة"
ثم ها هو يشير إلى صناعة القرار، التي تحتاج إلى تحليلات ضخمة تمكن الساسة والاقتصاديين من بناء استراتيجيات أمتن وأوثق، وليس أدل على ذلك من استخدام وزارة الزراعة الأسترالية تحليلات الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بموجات الجفاف، والتي ساعدتها في تعديل خطط الري وتوزيع الموارد قبل وقوع الأزمة.
"إن هذه ليست وعوداً مؤجلة بل حقائق ماثلة أمامنا اليوم، وقد يقول قائل: إن ما نشهده اليوم ليس إلا إرهاصات، وإن الأخطار المقبلة أفدح.
وأقول: نعم، هناك أخطار، لكن هناك أيضاً وعيٌ، وآليات رقابة، ومجتمع علمي عالمي يشارك في صياغة القواعد" يضيف الشباني.
ويعاود المتحدث الإشارة إلى مقال سابق في "اندبندنت عربية" بعنوان "الذكاء الاصطناعي: وجهٌ آخر للصراع"، والذي أبان فيه كيف يمكن أن تتحول التقنية إلى ساحة تنافس دولي، ومع ذلك، فإن إدراك الأخطار، هو الخطوة الأولى نحو تحويلها إلى فرص، بحسب ما يقول.
معايير استخدام الذكاء الاصطناعي
ويتناول الشباني التجربة اليابانية، إذ جمعت الحكومة بين شركات التقنية والجامعات لوضع معايير استخدام الذكاء الاصطناعي في الروبوتات المساعدة لكبار السن، فتحولت المخاوف من فقدان الخصوصية إلى ابتكارات تحافظ على بيانات المستخدمين وتقدم لهم خدمات آمنة.
وليس المستقبل يُكتب بالحتميات، بل بالقرارات التي نتخذها اليوم، كما يقول الشباني مستذكراً تلك المقولة حين ذكرها في إحدى محاضراته، ويؤكد أن الذكاء الاصطناعي ليس وحشاً يختبئ خلف الشاشات، بانتظار أن ينقلب علينا، إنه أداة، وأي أداة رهنٌ بكيفية استعمالها.
ويتحدث الشباني عن مبادرات "الذكاء الاصطناعي من أجل الأرض" التي أطلقتها "مايكروسوفت" لدعم مشاريع بيئية في أكثر من 70 دولة، والي تؤكد أن الأداة حين توجه بحكمة، تصبح رافداً لحلول كبرى في مواجهة التحديات الإنسانية، مضيفاً "فلننظر إلى الأعوام المقبلة، لا كسنوات حالكة، بل كمرحلة تدريبٍ وتجريبٍ ونضج، ولنكتب قصتنا مع الذكاء الاصطناعي بألوان الأمل لا بسواد المخاوف".
يؤمن أستاذ النظم الهندسية الرقمية والذكية بأن "المستقبل ليس قدراً مفروضاً، بل مشروعٌ نصنعه نحن خطوةً خطوة، ومثلما صغنا قواعد المرور قبل أن نغرق في فوضى السيارات، فإننا اليوم نصوغ القواعد التي ستجعل الذكاء الاصطناعي يسير في طرقٍ آمنة، تُفضي بنا إلى مستقبل أفضل إن شاء الله".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرجل
منذ 2 ساعات
- الرجل
كيف تقاوم وظائف الياقات الزرقاء هيمنة الذكاء الاصطناعي وتجذب الشباب؟
كشفت تقارير حديثة أن وظائف ذوي الياقات الزرقاء (أي المهن الحرفية)، باتت تحظى بجاذبية متزايدة في ظل تزايد المخاوف من التهديد الذي يمثله الذكاء الاصطناعي على الوظائف المكتبية. فقد صرّح عالم الحاسوب الحائز على جائزة نوبل، جيفري هينتون، الملقب بـ"عرّاب الذكاء الاصطناعي"، أن المهن اليدوية مثل السباكة أكثر أمانًا من المهن القانونية أو المساعدة الإدارية التي قد تزول قريبًا. الوظائف المعرضة للخطر تقرير مايكروسوفت الأخير أظهر أن أبرز المهن المهددة بالزوال مع تطور الذكاء الاصطناعي تشمل: المترجمين والمؤرخين وكتّاب المحتوى وممثلي خدمة العملاء. وعلى النقيض، تظل الوظائف اليدوية مثل عمال البناء، عمال الدهانات، وعمال إزالة المواد الخطرة في مأمن نسبي، إلى جانب وظائف في القطاع الصحي مثل التمريض وسحب عينات الدم. ويرى خبراء أن سبب ذلك هو صعوبة أتمتة المهام التي تتطلب تدخلًا بشريًا مباشرًا وقرارات لحظية غير متوقعة، مثل تركيب المعدات أو إصلاح الأعطال، وهي أعمال يصعب على الآلات والروبوتات مجاراتها في الوقت الحالي. استطلاع أجرته منصة "Resume Builder" شمل أكثر من 1400 شاب من جيل "Z"، كشف أن 42% منهم يعملون بالفعل أو يخططون للعمل في وظائف ذوي الياقات الزرقاء. المصدر | shutterstock وأرجع المشاركون ذلك إلى رغبتهم في تجنب الديون الدراسية، والبحث عن استقرار مالي بعيدًا عن خطر الاستبدال بالذكاء الاصطناعي، كما أشارت النتائج إلى أن الذكور أكثر ميلاً من الإناث لاختيار المهن الحرفية. ورغم الحماية المؤقتة التي تتمتع بها هذه المهن، فإن بعض الخبراء يرون أن الروبوتات قد تدخل تدريجيًا في مجالات مثل قيادة الشاحنات أو نقل المعدات، لكن لا يزال الطريق طويلًا قبل أن تحل محل العمالة البشرية في الأعمال المعقدة. ويؤكد كين غولدبيرغ، رئيس مؤسسة تعلم الروبوتات بجامعة كاليفورنيا، أن الاعتقاد بأن الروبوتات ستستبدل البشر بالكامل "مجرد خرافة". وفي صناعة السيارات، مثلًا، أصبح الذكاء الاصطناعي أداة مساعدة في تشخيص الأعطال، لكنه لم ولن يُغني عن دور الميكانيكي في الإصلاح الفعلي. كما أشار خبراء الاختبارات المهنية إلى أن التحدي الأكبر أمام الذكاء الاصطناعي يظل في التنفيذ المادي للأعمال، وهو ما يعزز قيمة المهن الحرفية لسنوات مقبلة. وفي ضوء هذه التطورات، يبدو أن وظائف ذوي الياقات الزرقاء لن تكون فقط خيارًا بديلًا أمام الشباب، بل قد تصبح الملاذ الأكثر أمانًا في سوق العمل المستقبلي، الذي يعاد تشكيله تحت تأثير الذكاء الاصطناعي.


الرجل
منذ 6 ساعات
- الرجل
الذكاء الاصطناعي يفتح فصلًا جديدًا في مسيرة مايكروسوفت
كشف ساتيا ناديلا، الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت، أن الشركة التي تأسست قبل 50 عامًا لم تعد قادرة على الاكتفاء بوصفها "مصنع برمجيات"، كما كان يتصور مؤسسها بيل غيتس، بل يجب أن تتحول إلى "محرك ذكاء" يقود المرحلة المقبلة من التكنولوجيا. وفي مذكرة داخلية وجهها للموظفين، أكد ناديلا أن فكرة "مصنع البرمجيات" التي صنعت أكبر شركة برمجيات في العالم أصبحت قديمة في ظل التغيرات التي فرضها الذكاء الاصطناعي. وأضاف أن مهمة مايكروسوفت الجديدة تتمثل في تمكين مليارات الأشخاص حول العالم من ابتكار أدواتهم الخاصة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، بدلاً من الاعتماد فقط على أدوات مصممة لأدوار محددة. وأشار ناديلا إلى مفارقة تعيشها مايكروسوفت، حيث تسجل الشركة نتائج مالية قياسية، لكنها في الوقت نفسه تضطر إلى تقليص القوى العاملة. واعتبر أن هذه المفارقة تمثل "لغز النجاح في صناعة لا تملك قيمة احتكارية دائمة"، موضحًا أن قطاع التكنولوجيا دائم التغير ويتطلب تكيفًا مستمرًا. اقرأ أيضًا: مايكروسوفت تكشف عن Crocs بتصميم ويندوز XP وأكد أن مايكروسوفت تعيد هيكلة أعمالها حول ثلاثة محاور رئيسية: الأمن والجودة والتحول بالذكاء الاصطناعي. ولفت إلى أن هذا التحول يشمل جميع طبقات البنية التقنية للشركة، من البنية التحتية مرورًا بالتطبيقات وصولًا إلى الوكلاء الذكيين. الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت: مايكروسوفت لم تعد مصنع برمجيات - AFP إعادة ابتكار شاملة لمايكروسوفت شدد ناديلا على أن اللحظة الحالية لا تقل أهمية عن ثورة الحواسيب الشخصية في التسعينيات، موضحًا أن مايكروسوفت تسعى إلى دمج قدرات الذكاء الاصطناعي في كل طبقاتها لتقديم تجارب متكاملة وشاملة. وأوضح أن التمايز الاستراتيجي للشركة سيكمن في قدرتها على الدمج بين البنية التحتية، التطبيقات مع الحفاظ على نهجها كمنصة مفتوحة تتيح فرصًا واسعة للشركاء والمطورين حول العالم. وأكد أن الهدف النهائي هو جعل الذكاء الاصطناعي متاحًا لمليارات الأشخاص ليكون في متناولهم "باحث أو محلل أو مساعد برمجي" بضغطة زر. وبينما تحتفل مايكروسوفت بمرور نصف قرن على تأسيسها، يبدو أنها تدخل مرحلة جديدة تتجاوز حدود البرمجيات التقليدية لتصبح لاعبًا محوريًا في إعادة رسم مستقبل الذكاء الاصطناعي عالميًا.


الشرق السعودية
منذ 15 ساعات
- الشرق السعودية
مايكروسوفت تكشف عن رؤيتها لمستقبل نظام تشغيل "ويندوز"
كشفت شركة مايكروسوفت عن رؤيتها لمستقبل نظام تشغيل "ويندوز" (Windows)، والذي سيركز بشكل كبير على استخدام الذكاء الاصطناعي لتقديم تجربة فريدة ومختلفة للمستخدمين. وفي مقطع مصور نشرته الشركة على "يوتيوب"، قال مدير قطاع ويندوز في مايكروسوفت بافان دافولوري، إن تجربة الحوسبة ستكون أكثر محيطية بحيث تغمر المستخدم داخلها، إذ سيتمكن من التركيز بشكل أكبر على المحتوى الذي يتفاعل معه بشكل أكثر من تركيزه على أدوات التحكم والتفاعل نفسها. وأضاف دافولوري أن التحكم بالصوت سيكون هو الوسيلة الرئيسية لاستخدام الحواسيب الذكية، إلى جانب الاعتماد على قدرات نظام "ويندوز"، والتي ستكون مدعومة بالذكاء الاصطناعي، لفهم وتحليل ما يظهر على الشاشة، مما يسهل على المستخدم التفاعل مع المحتوى عبر مجموعة من الاختيارات التي يقترحها نظام التشغيل لكونه شبه واعي بطبيعة المحتوى. وتابع دافولوري: "واجهة الاستخدام الخاصة بويندوز ستختلف بشكل كامل عما هي عليه حالياً، حيث ستتحول بشكل كامل للاعتماد على الوكلاء الرقميين". ومضى يقول: "واجهات استخدام ويندوز بعد 5 سنوات من الآن ستتحول أكثر نحو الوكلاء الرقميين القادرين على فهم أشكال المدخلات التفاعلية من محتوى مسموع ومرئي.. لذلك نستثمر بشكل مكثف في هذا القطاع مما سيغير شكل المستقبل". ومن المرجح أن تعتمد الحواسيب في المستقبل، ليس فقط على ما هو متاح على جهاز المستخدم نفسه، وإنما ستعتمد أيضاً بشكل أكبر على التجارب السحابية. جدير بالذكر أن مايكروسوفت تتيح حالياً مساعدها الذكي "كوبايلوت" (Copilot) على نظام تشغيل ويندوز 11، ولكنه لا يزال بمثابة عامل مساعد في تجربة المستخدمين. كما قدمت الشركة في قلب متصفحها "إيدج" (Edge) تجربة جديدة تعتمد على "الوكيل الرقمي" (Copilot Mode)، والتي تسمح للمستخدم بإمكانية إجراء المهام على الويب. كما يتيح "الوكيل الرقمي" التعامل مع المحتويات في أكثر من علامة تبويب في الوقت نفسه عبر الأوامر النصية، ما يجعل تجربة التصفح أكثر ذكاء وسرعة وانسيابية، مع إمكانية الاستعانة به كرفيق لتصفح مواقع الويب عبر توجيه أوامر صوتية، ما يعكس سعي مايكروسوفت نحو التحول في جميع خدماتها نحو مستقبل قائم بشكل أكبر على التفاعل الصوتي والإيماءات الطبيعية.