
لماذا تشعر إسرائيل بالتهديد من الفيلم الفائز بالأوسكار؟
يوم الأحد الماضي، فاز الفيلم الوثائقي المشترك بين الفلسطينيين والإسرائيليين "لا أرض أخرى" بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي، وهو أوّل أوسكار في تاريخ فلسطين.
وقد أضيفت هذه الجائزة إلى قائمة تضم 45 جائزة حصل عليها الفيلم منذ إصداره عام 2024، من بينها جائزة أفضل فيلم وثائقي في جوائز الفيلم الأوروبي 2024، ومهرجان برلين السينمائي الدولي 2024، وجوائز جوثام 2024.
نال الفيلم إشادة نقدية واسعة وحصل على تقييمات "خمس نجوم" في وسائل الإعلام العالمية، كما عُرض في جميع أنحاء العالم ونفدت تذاكر عروضه المستقلة في الولايات المتحدة باستمرار. ومع ذلك، لم يوافق أي موزع أميركي على عرضه على نطاق واسع في البلاد، والسبب الوحيد وراء ذلك هو موضوعه: فلسطين.
يتتبع الفيلم حياة الفلسطينيين في مسافر يطا، وهي منطقة قريبة من الخليل في جنوب الضفة الغربية المحتلة، والتي أعلنها الجيش الإسرائيلي "منطقة عسكرية مغلقة". تحت هذا الادعاء، يتعرض السكان الفلسطينيون باستمرار للمضايقات من قبل الجيش والمستوطنين غير الشرعيين، وتُهدم منازلهم، مما يجعلهم بلا مأوى. يروي الفيلم القصة من خلال عدسة المخرجَين المشاركين، باسل عدرا، الناشط الفلسطيني، ويوفال أبراهام، الصحفي الإسرائيلي.
إن التصوير الواقعي والصادم للجرائم الإسرائيلية المستمرة هو أمر تخشى شركات التوزيع الأميركية عرضه. وهذا يحدث في دولة تتفاخر بأنها حامية لحرية التعبير بموجب دستورها.
يكشف هذا الخوف عن مدى حملة محو فلسطين في الولايات المتحدة، التي تؤثر على جميع جوانب الحياة العامة، من التعليم إلى الإعلام والفنون والسينما.
محو الرواية الفلسطينية في الغرب
لطالما تعرضت الثقافة والتاريخ الفلسطينيان لمحاولات طمس منذ عام 1948، حيث سعت إسرائيل إلى تبرير استيلائها على الأراضي من خلال الادعاء بأن الفلسطينيين لا وجود لهم ولا يحق لهم المطالبة بأرضهم. وقد سيطر هذا السرد على الرأي العام في الدول الغربية الداعمة لإسرائيل، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
المحافظة على هذا السرد أمر بالغ الأهمية لاستمرار الدعم السياسي الأميركي لإسرائيل. فإذا تعرض الشعب الأميركي لمزيد من المعلومات حول ما يحدث في فلسطين، وإذا ظهرت الرواية الفلسطينية في وسائل الإعلام السائدة، وإذا أُتيحت الفرصة للفلسطينيين لسرد معاناتهم من الإبادة الجماعية والفصل العنصري، فستتغير المواقف العامة بشكل كبير.
الرأي العام الأميركي بدأ بالتغير
أظهرت استطلاعات الرأي خلال العام الماضي أن الأميركيين، خاصة الديمقراطيين، لا يوافقون على سياسات حكومتهم تجاه إسرائيل وفلسطين. عندما كانت إدارة الرئيس جو بايدن ترفض دعم وقف إطلاق النار في غزة، كان غالبية الديمقراطيين يؤيدون ذلك. وقد أدى هذا الموقف في النهاية إلى خسارة كامالا هاريس عددًا لا يُحصى من الأصوات في الانتخابات الرئاسية.
أي تحول كبير في الرأي العام بشأن إسرائيل وفلسطين سيجعل من الصعب على الكونغرس الأميركي الاستمرار في تمويل الجيش الإسرائيلي بمليارات الدولارات ودعمه السياسي للاحتلال والفصل العنصري.
لماذا يُنظر إلى "لا أرض أخرى" على أنه تهديد؟
الرقابة على الفيلم لا تقتصر على كونه وثائقيًا فلسطينيًا، بل لأنه يروي القصة من خلال تعاون فلسطيني- إسرائيلي. لم يكن الصوت الفلسطيني وحده هو الذي تحدث عن المعاناة، بل ظهر أيضًا صوت إسرائيلي يعارض الاحتلال.
في خطاب قبوله جائزة الأوسكار، قال يوفال أبراهام:
"عندما أنظر إلى باسل، أرى أخي، لكننا لسنا متساويَين. نحن نعيش في نظام يُخضعه للقانون العسكري الذي يدمر حياته، بينما أعيش أنا بحرية في ظل القانون المدني. هناك طريق آخر: حل سياسي بدون تفوق عرقي".
إن سماع إسرائيلي ينتقد الفصل العنصري والاحتلال أمر غير مقبول بالنسبة للمؤسسات الإسرائيلية وداعميها في الغرب، حيث يتناقض ذلك مع السردية السائدة التي تصور إسرائيل كـ"بوصلة أخلاقية"، وتدعي أن كل الفلسطينيين يسعون إلى إبادة اليهود.
رد فعل عنيف ضد المتضامنين مع الفلسطينيين
اليهود الأميركيون الذين يشاركون رؤية أبراهام ويتحدثون ضد إسرائيل يتعرضون للمضايقة والرقابة والاتهام بمعاداة السامية، بل والاعتقال خلال التظاهرات.
حتى أبراهام نفسه تعرض لعداء في ألمانيا، حيث تم اعتباره "غير مرحب به" بعد خطابه في مهرجان برلين السينمائي العام الماضي. سارع السياسيون الألمان إلى وصفه بـ "المعادي للسامية"، وزعمت بلدية برلين أن فيلمه يُظهر "نزعات معادية للسامية".
كما هو الحال في الولايات المتحدة، ضاعفت ألمانيا دعمها لإسرائيل منذ بداية عدوانها على غزة. وبهذا، تحولت الدول الغربية الداعمة لإسرائيل إلى عقبة أمام تحقيق السلام، كما أشار أبراهام في خطابه حين قال:
"السياسة الخارجية الأميركية هي التي تُعيق تحقيق السلام".
الفيلم حقق نجاحًا رغم كل شيء
على الرغم من كل التحديات، فقد حقق فيلم "لا أرض أخرى" نجاحًا غير مسبوق.
ورغم عدم وجود موزع أميركي، قرر صانعو الفيلم عرضه ذاتيًا في عدد من دور السينما المختارة، ويمكن معرفة أماكن العرض من خلال موقعه الإلكتروني.
إنه فيلم يجب أن يشاهده الأميركيون. كما أشار باسل عدرا في مقابلة مع "ديموكراسي ناو":
"نحن جميعًا مسؤولون. أموال الضرائب الأميركية تمول تدمير مجتمعي، الذي تسارع بوتيرة غير مسبوقة خلال العام الماضي".
إعلان
مأساة مسافر يطا تتفاقم
قبل أسابيع قليلة من فوزه بجائزة الأوسكار، كتب عدرا على وسائل التواصل الاجتماعي:
"كل من اهتم بفيلم "لا أرض أخرى"، يجب أن يهتم بما يحدث على الأرض.. مسافر يطا تختفي أمام عينيّ".
دعوة للتحرك
يتعين على الأميركيين اتخاذ موقف، حيث لم تعد وسائل الإعلام الغربية قادرة على إخفاء الحقائق إلى الأبد، ولم يعد بإمكانها طمس الرواية الفلسطينية التي أصبحت أكثر وضوحًا وتأثيرًا على الرأي العام.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
١٤-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
رحيل روبرت بينتون.. السينمائي الذي أعاد تعريف الطلاق ومعاناة المهمشين
توفي المخرج وكاتب السيناريو الأميركي روبرت بينتون، الذي يعد أحد أبرز صُنّاع السينما في هوليود خلال النصف الثاني من القرن الـ20، أمس الثلاثاء عن عمر ناهز 92 عاما، بحسب ما أكدت محاميته هيلاري بيبيكوف. بينتون اشتهر بفيلمه "كرايمر ضد كرايمر" (Kramer vs. Kramer)، الذي جسد مأساة الطلاق من منظور إنساني حساس، ورسم قصة زوجين يتصارعان على حضانة ابنهما. لم يكن هذا العمل مجرد نجاح جماهيري في شباك التذاكر عام 1979، بل حصد 5 جوائز أوسكار، منها أفضل فيلم، أفضل إخراج، أفضل سيناريو مقتبس (لبينتون)، وأفضل أداء تمثيلي لكل من داستن هوفمان وميريل ستريب. ووُلد بينتون في ولاية تكساس، وتميز بمزج التأثيرات الأوروبية وخاصة الفرنسية في أعماله، إذ كان من المعجبين بالموجة الجديدة في السينما الفرنسية، لدرجة أن صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية وصفته بأنه "الوريث الأميركي لفرنسوا تروفو". وقد عُرض على تروفو أصلا إخراج "كرايمر ضد كرايمر"، لكنه رفضه، ليترك المجال لبينتون ليحوّله إلى علامة فارقة في السينما الأميركية. وقبل أن يشتهر كمخرج، صنع بينتون اسمه في عالم الكتابة السينمائية، من خلال مشاركته في تأليف سيناريو فيلم "بوني وكلايد" (Bonnie and Clyde) سنة 1967، الذي تناول قصة الثنائي الخارجين عن القانون خلال الكساد الكبير، والذي يُعتبر من العلامات الفارقة في التحوّل الذي شهده السرد السينمائي الأميركي في نهاية الستينيات. وأبدع بينتون أيضا في فيلم "أماكن في القلب" (Places in the Heart) عام 1984، حيث تناول قصة أرملة من تكساس تكافح للحفاظ على أرضها خلال فترة الكساد الاقتصادي، مسلطا الضوء على صراع المرأة والتمييز العنصري في الجنوب الأميركي. هذا الفيلم رشّح بدوره لعدة جوائز أوسكار، ما عزز من مكانة بينتون كمخرج إنساني الطابع. ورغم أن بينتون أخرج نحو 10 أفلام روائية فقط طوال مسيرته، إلا أن تأثيره في هوليود كان كبيرا، إذ عُرف بموهبته العميقة وتواضعه الشديد. وقد قال ذات مرة عن نفسه "هناك مخرجون يعرفون كيف يستخرجون أفضل ما لدى الممثلين، لكني لست واحدا منهم".


أخبار قطر
١٣-٠٥-٢٠٢٥
- أخبار قطر
4 أفضل عمل الأفلام يتدفقون على هولو
closeVideo فوكس نيوز فلاش أعلى عناوين الترفيه عن 7 أيار / فوكس نيوز فلاش أعلى الترفيه والمشاهير العناوين هنا. تحقق من ما هو النقر اليوم في الترفيه. لا شيء يتحول مملة فيلم ليلة في مثيرا تماما مثل جودة الفيلم العمل. في حين أن العديد من يتحول إلى هولو أن الإفراط في مشاهدة التلفزيون المفضلة لديك ويظهر بعض الأحيان ننسى أن شعبية خدمة البث لديها مجموعة رائعة من الأفلام في المكتبة. من بين تلك المجموعة هي بعض من الأكثر إثارة العنف و القلبية أفلام الحركة في هذا النوع. إذا كنت من محبي الخيال العلمي أو التاريخ أو الحديث حكايات من الانتقام ، هولو لديه شيء للجميع في محاولة لتلبية حاجتهم إلى مشاهدة بعض جيدة من الطراز القديم عمل السينما من الراحة من منازلهم. النساء الحوامل في خطر الفيروس ؟ لمساعدتك على خطة المقبل فيلم الليلة التي سوف أترك لكم الغوص لتغطية وراء الأريكة الخاصة بك أدناه ملخصا أفضل 5 أفلام الحركة حاليا يتدفقون على هولو: ''كتاب إيلي '' دينزل واشنطن النجوم في مرحلة ما بعد المروع الغربية, 'كتاب إيلاي.' (وارنر بروس) هذا 2010 فيلم مثالية لكل من يبحث عن جيد في مرحلة ما بعد المروع الغربية مع كل عمل والعنف أي شخص يمكن التعامل معها. بطولة الجهات المعروفة مثل دينزل واشنطن, ميلا كونيس و غاري أولدمان, 'كتاب إيلاي' يلعب مثل أبطأ وأكثر الارض 'ماكس المجنون.' الفيلم يركز على الدؤوبة البعثة من رجل يدعى ايلي من الرحلات سيرا على الأقدام عبر القفار التي اعتادت أن تكون الولايات المتحدة 30 عاما بعد وقوع كارثة نووية. أثبت مهارة في كل بقاء بمفرده أخذ على مساحات كبيرة من اليأس اللصوص. عندما تصل إلى مدينة يحكمها رجل يدعى كارنيجي أن هاجس الحصول على يديه على كتاب معين ، ايلي المخاوف أنه نفس الكتاب انه تم تكليف مع تقديم إلى الساحل الغربي في جميع التكاليف. فيروس كورونا: كيف تختلف البلدان التي ردت على اندلاع ؟ ما يلي هو مغامرة يرى ايلي محاولة لدرء كارنيجي محاولات عديدة لسرقة الكريمة له كتاب كما انه لا يزال له من المستحيل تقريبا السعي الغربية. 'باتريوت' ميل جيبسون النجوم في ترشح لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم 'باتريوت.' (سوني بيكتشرز) ميل جيبسون النجوم في هذه رشح لأوسكار 2000 التاريخية فيلم الخيال أثناء الثورة الأمريكية. في حين جيبسون هو نجم الفيلم ، فإنه يمكن أيضا تباهى ممتاز العروض من النجوم المشاركين هيث ليدجر, Jason Isaacs, دونال لوغ وغيرها الكثير. الفيلم يحكي قصة النقيب بنجامين مارتن ، المخضرم من الحرب الفرنسية الهندية الذي يرفض في البداية الانضمام إلى زملائه في ولاية كارولينا الجنوبية المقيمين في ارتفاع ضد الحكم البريطاني خوفا من آخر حرب دموية. ومع ذلك ، عند ابنه البكر ينضم إلى الجيش القاري عن غير قصد يجلب المعركة إلى منزل عائلته ، مارتن على العودة إلى القتال في محاولة مجانا منزله من المستبد الحكم البريطاني. على وجه التحديد, من الكولونيل وليام تافنجتون من الجيش البريطاني ، من دون إفساد أي شيء ، البغيض إلى مارتن المنزلية. هي حزم من فيروس كورونا-ضرب الصين آمنة التعامل معها ؟ في حين أن الفيلم هو فقط مقتبس عن الأحداث التاريخية ، فإنه يقوم بعمل رائع من تتبع الثورة الأمريكية من البداية حتى النهاية المريرة حين يحكي قصة عاطفية من الرجل يائسة أن تكون خالية من الصراع. 'الموت' بروس ويليس النجوم في طبعة جديدة من 'الموت.' (MGM) غير أن تكون ارتباك مع الأصل 1974 فيلم من بطولة تشارلز برونسون ، 2018 طبعة جديدة من 'رغبة في الموت' من بطولة بروس ويليس هو أخذ الحديث على قصة كلاسيكية من الانتقام و التنظيمات التي من المؤكد أن إرضاء سعيكم عمل جيدة المحتوى. الفيلم يلي بول كيرسى جراح الذين يعيشون في شيكاغو أن مأساوي يفقد زوجته أثناء اقتحام منزل من قبل مجرمين أيضا أن يترك ابنته في غيبوبة. الحزن المنكوبة ، بول يحاول قصارى جهده للحصول على الشرطة من أجل حل القضية ، ولكن التقدم بطيء جدا بالنسبة له. وقال انه في نهاية المطاف يسرق بندقية ويبدأ إلى الشوارع و يطلق علامته التجارية الخاصة من العدالة الأهلية. ما مدى خطورة الفيروس ؟ فيلم كلاسيكي الانتقام حكاية أن يتبع الفيلم الأصلي إلى حد ما دقيق ولكن بالتأكيد يأخذ يتحول في اتجاه لتحديث القصة. 'مهمة مستحيلة: تداعيات' توم كروز النجوم في الدفعة السادسة في 'مهمة مستحيلة' امتياز 'تداعيات.' (Chiabella جيمس/الصور قصوى Skydance طريق AP) في مثال هولو تقدم أكثر محتوى الفيلم من الناس يدركون ، 2018 اقبال و الدفعة السادسة في الانتخاب ، 'مهمة مستحيلة: تداعيات' متاح تيار على منصة شعبية. بالنسبة لأولئك غير مألوف, أفلام التعامل مع المستحيل البعثات القوة (صندوق النقد الدولي) و أعلى من المنطوق ، إيثان هانت ، لعبت توم كروز. لسنوات فائقة منظمة تجسس قد أحبطت مختلف المروع التهديدات في جميع أنحاء العالم, الفيلم السادس هو استثناء. انقر هنا للحصول على فوكس نيوز التطبيق عندما جماعة إرهابية مطاردة وزمرته تعاملت في السابق مع تنظيم صفوفهم ومحاولة الحصول على الأسلحة النووية ، ومطاردة فريقه فشل في المحاولات الأولية لوقفها. عندما عميل جديد يتم إحضارها إلى الفريق الذي لديه القليل جدا من التسامح أو احترام الطريق الأسطوري وكيل وفريقه تعمل عادة. كما المعقد مطاردة قائمة من الحلفاء تتضاءل كما يصبح من الواضح أن الإرهابيين لم أكثر من تجميع صفوفهم ، أنها تسلل بعض من أعلى منظمة في العالم.


الجزيرة
٣٠-٠٤-٢٠٢٥
- الجزيرة
'جرائم مانسون'.. قائد طائفة جذاب مزج الجريمة بالموسيقى والغناء والحرية
'أنا رجل آلي ومن حولي عائلتي ثمة وقت للعيش فالزمن ملح ذائب يا له من عجب أن تعيش كل هذا الاضطراب والإحباط والشك هل تستطيع يوما أن تعيش بلا ألاعيب؟' من أغاني ألبوم 'مانسون' 1970 لا شك أن التعامل مع الجريمة بكل أشكالها في كثير من المجتمعات الرأسمالية، قد أدى إلى نوع من التعاطي المعتاد مع كون الجريمة تسير في موازاة التحولات الاجتماعية والاقتصادية، وكذلك التحولات الثقافية، واختلاف الوعي والمنظور الفكري، ونشأة عوامل متعددة مستحدثة، تتعلق بعلاقات وأخلاقيات، صارت تتشكل تباعا، وتشكل ملامح سلوك الجيل في كل حقبة زمنية. من هنا يمكننا النظر إلى هذا الوثائقي الجديد الذي يغوص فيه المخرج الكبير 'إيرول موريس'، وهو أحد أبرز أعلام السينما الوثائقية في العالم، ويتعمق هنا في جريمة الستينيات والسبعينيات التي هزّت المجتمع الأمريكي، وكان عنوانها الأبرز رجل يدعى 'تشارلز مانسون' (1934-2017)، جمع ما بين الغناء والتأليف الموسيقي والدعوة للتمرد والفوضى، وبين الجريمة والعنف والهوس الديني الممتزج بهوى طائفي وعرقي، اجتذب به كثيرا من الأتباع. كانت أمريكا تموج في حقبة استثنائية، تتعالى فيها موجات الحريات المدنية وحركات السود، ممثلة في حركة 'الفهود السود' الثورية الشهيرة، وخلال ذلك نمت الحركات الاجتماعية السلوكية الأكثر تطرفا، ممثلة في جماعات 'الهيبيز'، وكانت أمريكا الرسمية غارقة في وحل حرب فيتنام (1955-1975). كان دوي الرصاصات التي أُطلقت على الرئيس 'جون كينيدي' عام 1963 ما يزال يدوي عاصفا بالمجتمع بأسره، لتكتمل تلك الفوضى العارمة، التي كان المخرج 'إيرول موريس' محقا في جعلها عنوانا لهذا الفيلم الإشكالي، الذي يتعمق في كثير من الظواهر؛ ألا وهو 'الفوضى.. جرائم مانسون' (Chaos: The Manson Murders). ظواهر ضربت المجتمع الأمريكي خلال حقبة تتراوح ما بين مطلع الستينيات ومطلع السبعينيات، لا سيما أن المخرج مولع بتشريح القضايا الإشكالية المعقدة التي تضرب المجتمع الأمريكي، أو تلك التي تشكل ذاكرته ووعيه الجمعي. فاز 'موريس' بجائزة الأوسكار عن فيلمه 'ضباب الحرب' (The Fog of War) عام 2004، وعشرات الجوائز العالمية الأخرى، وكنا قد راجعنا في هذا الموقع فيلمه الشهير 'أس أو بي' (Standard Operating Procedure) تحت عنوان 'عذابات سجن أبو غريب'، وهو فيلم جدير بالأهمية، استخدم الصور الفوتوغرافية للغوص في التعذيب الذي مورس على السجناء العراقيين، إبان الغزو الأمريكي للعراق عام 2003. أجواء الستين الملتهبة في أمريكا يوظف المخرج 'إيرول موريس' نسقا تعبيريا وشكلا بصريا يرتكز في ركنيه على الحقيقة التاريخية الوثائقية، بموازاة ضخ التفاصيل في شكل تدفقات مقسمة على عدد من الفصول، ولهذا نجده يستهل الفيلم بمشهد افتتاحي وثائقي صادم، عن امرأة حامل في الشهر الثامن، تُقتل طعنا في جريمة تبعتها عدة جرائم، وهزّت ولاية لوس أنجلوس يومئذ. لكن الصدمة المضاعفة تمثلت في اكتشاف أن الضحية هي 'شارون بولانسكي' زوجة المخرج 'رومان بولانسكي'، وحين بدأت السلطات تحرياتها في المكان اكتشفت ضحايا آخرين من أصدقاء الضحية والمقربين منها. كانت جريمة طعن امرأة حامل وقتل الجنين في أحشائها عنوانا عريضا لحقبة مخيفة وغير مسبوقة، فيتوقف عنده السرد الوثائقي في استقصائه لتلك الحقبة المرعبة، التي صارت تجثم على صدور الأمريكان. كانت تلك الأجواء مشحونة وجدانيا، وفيها كثير من التأثر والمشاركة الصادقة لمحنة الضحايا وعائلاتهم، وكانت ترافقها حملة مسعورة، يتوقف الوثائقي عند أهم محطاتها، مبرزا كلمتي 'حرب' و'خنازير'، بوصفهما قاسمين مشتركين وكلمتين تكررتا وهما مكتوبتان بدم الضحايا على جدران مسرح الجريمة، وهو ما تكرر بعد ذلك على بعد أميال، وبعد وقت قصير من سلسلة الجرائم السابقة. هنا يمضي المخرج في توصيف طريقة ارتكاب الجريمة، مستعينا بما أتيح من وثائق، ومقابلة المدعي العام والشهود، في سرد استقصائي يتنقل بمرونة ورصانة بين كل تلك الوقائع، فيترك المشاهد في وسط دوامة لا نهاية لها من الدوافع الإجرامية، كما يقدم صورة مجتمع مطعون في وجدانه، وهو يعيش كل تلك الجرائم المتوالية. 'إنها الموسيقى والحركة والجاذبية التي لا أعرف سرها' أسست تلك الأرضية الإجرامية لتقديم شخصية استثنائية، ظهرت صورتها غلافا لمجلة 'لايف'، إنها صورة 'تشارلز مانسون' الذي سيصبح رمزا للعنف والجريمة، مصحوبا بولع شعبي في تتبع سيرته. وهذا ما يعزوه كاتب جرائمه وموثقها 'توم أونيل' إلى ولع شعبي بالغوص في عالم الخوف والمفاجآت، لا سيما مع شخصية استثنائية كـ'مانسون'، الذي صار يجمع بين قدرته الاستثنائية على استقطاب الأتباع من حوله، وكونه يعبر عن نفسه بالموسيقى والغناء، ثم ختم ذلك بنزعة إجرامية لها تخريج طوباوي مخادع، يربط الجريمة بالتطهير الديني والقدرات الخارقة. طبعت هذه المعطيات المثيرة الشكل البصري الذي اهتدى إليه المخرج في استخدام أسلوب التعليق الصوتي، الذي كان سائدا في تلك الحقبة، ناهيك عن شيوع الإطارات ذات الصبغة الحمراء، وانقسام الشاشة إلى قسمين وثلاثة أقسام وأكثر، وهي تحمل إنسانا يعلق أو يتحدث من جهة، ووثيقة رسمية أُفرج عنها من جهة أخرى. بعد ذلك يتتبع الفيلم بدقة مراحل تشكل فرقة من أتباع 'مانسون'، إنهم حشود من المريدين المطيعين لإرشاداته وقوانينه الصارمة، التي جعلته يتحكم بهم، وسوف يجيب هو عن سر جاذبيته وقدرته على استقطاب الناس، فيقول: إنها الموسيقى والحركة والجاذبية التي لا أعرف سرها، تلك التي تميزني. وهو ما يؤكده المدعي العام 'ستيفن كاي' بقوله إن ميزة 'مانسون' أنه ظهر في ظل موجة جارفة من التغيرات الاجتماعية والثقافية، وكان الغناء والموسيقى غطاء لتوليد حركة انتباه واقعية، ما لبث 'مانسون' أن مزجها بشعارات تقرب الناس من الخلاص الديني، فأدخل الأتباع والمريدين في نوع من الهوس الشخصي به، من خلال ذلك المزيج الغريب من هلوسات المخدرات، إلى إطلاق ألبومات الغناء والموسيقى، إلى محاضرات غسل الدماغ، إلى هجرة المجتمع والعيش في البرية، وهذه كلها استخدمها 'مانسون' لجلب أتباع جدد، ما لبثوا أن بدؤوا يتكاثرون من حوله تكاثرا ملحوظا. 'تشارلي وفتياته'.. نسوة خاضعات يتبعن صوت الإله وظّف المخرج تتابع الفصول في سرده الوثائقي، وكان جلّ ما أوردناه آنفا متضمَّنا في الفصل الأول 'إطلاق السراح'، وقد أوصلنا إلى أناس مستعدين للقتل بلا ندم ولا تردد، وبحسب ما يُطلب منهم، ثم وصولهم إلى نقطة أنهم لا يتذكرون كيف ولماذا قتلوا ضحاياهم، وإنما كانوا يعبرون عن طاعة مطلقة لمعلمهم الروحي، زعيم جماعة العبيد المطيعين المستعدين لتنفيذ الأوامر حرفيا. في قسم آخر من تلك السيرة، يُتتبع 'مانسون' وقد أمضى معظم عام 1967 في سان فرانسيسكو، في ذروة 'صيف الحب' والأزياء والترف واندفاع الشباب باتجاه عالم 'الهيبيين' الذين يتمركزون هناك، حيث يتكدس أكثر من 100 ألف إنسان لتقليدهم أو الإعجاب بهم، وخلال ذلك كانت 'عائلة مانسون' من أتباعه ومريدوه قد كبرت، وصار يُطلق عليهم 'تشارلي وفتياته'. كانت عنده فتيات محظيات ذوات طبيعة إجرامية، وكن يطعنه لدرجة أنهن لا ينطق إلا حين يخاطبهن، فقد كن خاضعات راضخات له ولإرادته، ويقلن إن صوته صوت الإله، وكان هو يردد: أنا لست إلا امرأ جاهلا خرج من الإصلاحية، لكن تلك الفتيات رأين فيّ شيئا لم أره في نفسي، فمثلا هنّ رأينني رجلا لطيفا، مع أنني لم أكن كذلك. يمتطي الوثائقي أداة مساعدة أخرى، كاشفا بُعدا آخر من أبعاد ذلك العالم المنغلق على نفسه، وذلك في شخصية الطبيب 'جولي ويست'، وهو خبير في التنويم المغناطيسي وغسل الدماغ، كان يستغل عيادته المجانية التي سماها 'عيادة الهيبيين'، لإجراء تجارب على المرضى. لم يكن ذلك إلا امتدادا لمشروع 'إم كيه ألترا' فائق السرية، الذي كانت تنفذه المخابرات الأمريكية بين 1953-1964، وهو مشروع استمر أكثر من 20 عاما، وكلف أكثر من 15 مليون دولار آنذاك، وكان يشتمل على التحكم بالعقول، وشمل تجارب في عدة جامعات ومراكز أبحاث. التجسيد الوثائقي لبرنامج الفوضى السرّي حدث تحول آخر واكب تلك المجموعة الاستثنائية، ألا وهو إقدامها –بأمر من 'تشارلي'– على قتل أحد المتأثرين بحركة 'الفهود السود'، ولهذا لم يكن هناك مناص من إعلان 'تشارلي' أن حركة النمور السود هم أعداء. تُظهر مشاهد وثائقية دهم الشرطة بأعداد هائلة عصابة 'مانسون'، وقد وجدت كوارث من سيارات مسروقة وأسلحة ومخدرات وفتيات قاصرات، واعتقلت الجميع، لكنها ما لبثت أن أخلت سبيلهم بعد 3 أيام. تزامن ذلك مع فوضى عارمة بعد اغتيال الرئيس الأمريكي 'جون كينيدي'، وهرب المشتبه به في الجريمة خلال نقله من السجن. في الفصل الرابع الذي حمل عنوان 'إلقاء القبض'، وبعد أربعة أشهر من التحري والتحقيقات، أُلقي القبض على المجموعة والرجل الذي يقدسونه، وكان التفسير السائد أنهم ليسوا إلا قبيلة 'هيبية'، أفسدتها موجة الحريات الصاخبة والاستثنائية لحركة الستينيات، حتى صاروا وحوشا بانضمامهم إلى مجموعات تعاونية، من نشاطاتها التظاهر ضد الحرب، ثم أصبحوا قتلة مسعورين لا يحترمون الحياة. وهنا، كانت 'سي آي أيه' قد أنشأت برنامج 'فوضى 1967″، وهدفه اختراق المجموعات اليسارية والحركات المناهضة للحرب، وحركة الفهود السود، والحركات والمنظمات اليسارية والاشتراكية والنسائية، باتجاه تعطيلهم وإبادتهم، حتى إن عام 1969 شهد توقعات اندلاع حرب أهلية. هل كانت الجرائم ذات غطاء حكومي؟ أثيرت نظرية المؤامرة بعد سلسلة الجرائم المروعة، والسلوك العدواني المختلط بالشعوذة والانحرافات السلوكية، وأثيرت أسئلة جدية يسلط الوثائقي الضوء عليها، وخلاصتها سؤال محدد هو: هل كل ما جرى كان من تدبير الحكومة الفيدرالية بإطلاق يد 'مانسون' وعصابته لترويع المجتمع؟ لقد كان من أهم الخلاصات التي توقف عندها الوثائقي، هو القول إن ذلك الزلزال الذي أحدثه 'مانسون' وعصابته في المجتمع لم يكن إلا تحذيرا جديا وصارخا موجّها إلى النخبة والمشاهير، من مغبة مساندة اليسار، أو جماعات الحريات المدنية، أو المناهضين للحرب، وكذلك تيارات مثل الفهود السود. 'لا أستطيع التخلص من أفكاره وصوته' يُستهل الفصل الخامس 'المحاكمة' بدخول 'مانسون' المحكمة، وعلى جبينه علامة الصليب، وكذلك تفعل نساؤه وتكررن ما يقول، وحتى النسوة اللاتي كنّ في الخارج كانت له سيطرة عجيبة عليهن، أذهلت المجتمع الأمريكي، كما أذهلت الرئيس 'جونسون' نفسه. وها هو ذا يردد: إن عالمي عالم حزين، وكل شيء فيه يفضي إلى الجنون. كان ذلك في يناير/ كانون الثاني 1971، وكانت مساحة واسعة من الرأي العام لا ترى 'مانسون' إلا دمية استغلته الدولة، وكانت وقائع غرفة المحاكمة تتحدث عن رجل كان يلقي خطابا أو موعظة عن الحروب العرقية بعد كل عشاء، وكان أتباعه المتزايدون معزولين يؤمنون بالهرج والمرج، وكان كل منهم يردد: لا أستطيع التخلص من أفكاره وصوته الذي يلاحقنا، ونسمعه بلا انتهاء. تقول إحدى تابعاته قبل إسدال الستار على قصته: لقد تجاوزت نقطة اللاعودة، ومهما حاولت الخروج من عالمه أجد نفسي عاجزة، لقد شل إرادتي تماما. هنالك أسرار غامضة تجعله يتحكم بعقلك، ويجعلك إنسانا آليا مطيعا طاعة عمياء مطلقة، ينفذ ما يريد.