
حين يصير الوعي لعنة ونقمة.. مريض وسائق يرويان الحكاية على خشبة «الفجيرة للمونودراما»
لم تكن ليلة مهرجان الفجيرة الخامسة مجرد يوم مسرحي عابر، بين أرمينيا وتونس ارتحل الجمهور لعيش تجربتين على درجة لافتة من التميّز، ليس فقط لناحية الجودة المسرحية، بل لكونهما تحملان قدراً وافراً من التحديات والمقترحات على صعيد شكل الفرجة والأداء، والمنطق الاختباري، والتجريبي في المقترحات الفنية واللعبة البصرية بشكلها العام، ولأنهما تحملان السؤال المحير: هل يصير وعي الإنسان نقمة ولعنة عليه؟
وبينما خاض العرض الأرميني الذي حمل عنوان «تأثير ألجيرنون-جوردون» تجربة شديدة التعقيد، مستقاة من أجواء أدب الخيال العلمي، وتبحث نفسياً في شخصية شاب يعاني إعاقة ذهنية، ذهب العرض التونسي، الذي حمل عنوان «وحدي»، في رحلة وجودية مثقلة بالخذلان والتهكم، وكأننا كنا أمام محاولة لتحليل الخيبة وتعرية تفاصيلها، خصوصاً حين تكون من أوطان لا تعرف أن تكون إلا مراوغة، متحايلة، وبمعنى أدق ليس لها أن تكون أوطاناً بكل ما تعنيه هذه الكلمة.
الذكاء والإنسانية
ماذا يمكن أن تفعل داخل عقل شاب لديه إعاقة ذهنية؟ ماذا يوجد هناك في تلك المساحة التي تسمى عقلاً مضطرباً ويعاني أزمات؟ هي أسئلة منطقية كانت قبل دخول العرض الأرميني «تأثير ألجيرنون-جوردون»، من إخراج إيلغا شاهابازيان، وأداء أرمان مارتيروسيان، لكن المفاجأة كانت في أن العرض لم يناقش مأساة الإعاقة الذهنية، بل مأساة الوعي والإدراك حين تنجح رحلة علاج الشاب المريض، ويبدأ باكتشاف سوء وتعقيدات وبشاعة عالم لم يكن يعرفه جيداً.
إذن نحن في هذا العرض كنا أمام أزمات الوعي، وليس راحة الجنون.
العمل الذي يعرض ضمن مسابقة المهرجان الرسمية، يستند إلى رواية الخيال العلمي الشهيرة: «زهور ألجيرنون» لدانيال كيز.
في هذا العرض كنا في حضرة قصة إنسانية، سرعان ما تجاوزت منطقها العلمي لمصلحة تحليل القيمة الحقيقية للمعرفة، وهل يكون الجهل نعمة وميزة وسط عالم كالذي نعيشه؟ المسرحية تدور حول تشارلي جوردون، الذي يعاني إعاقة ذهنية، ويتم اختياره للخضوع لعملية جراحية تجريبية تهدف إلى تعزيز ذكائه، لكن حياة تشارلي تتحول، بشكل جذري، عندما يبدأ استكشاف القيم التي تحكم هذا العالم وعلاقاته الإنسانية.
وسط تعقيدات هذه اللعبة، كان على الممثل أن يحمل أثقال العرض المركّب، الذي حولته مخرجته إلى طبقات مركبة بين الهذيان والوعي المأزوم والذكاء الحاد، وصراع خيبات ونتائج هذا الوعي، وانبنت رحلة تطور الشخصية وسط تفاصيل شديدة الدقة، ترسم مسار تطور شخصية تشارلي وتحولاته الداخلية العميقة بين شخص منبوذ عُرضة للتنمر والسخرية الاجتماعية في حالته الأولى، وبين عزلة وإقصاء العارف والعالم، واستطاع مارتيروسيان أن ينقل للمشاهد ليس فقط التحول الفكري، بل أيضاً التغيرات النفسية العميقة التي تصاحب هذه الرحلة المشوقة، رغم افتقار الممثل لأدوات المساعدة على صعيد السينوغرافيا التي اعتمدت حل الإظلام للانتقال من حالة إلى أخرى.
كتبت رواية «زهور ألجيرنون» في ستينات القرن الماضي، وكانت ضرباً من الخيال العلمي المفرط، وهي اليوم في هذا العرض الذي يستعيدها ليس لإحياء منطقها العلمي، وتأكيد ممكناتها في ظل عالم الذكاء الاصطناعي، بقدر ما هي محاولة إحياء سؤال شديد الإلحاح والضرورة في الزمن الحاضر: كيف نظل بشراً في عالم مادي عنيف ومتوحش؟
وجع كل واحد منا
انتصر العرض التونسي «وحدي»، الذي كتبه وأخرجه وليد دغسني، وجسده، باقتدار، الفنان أسامة كشكار، للفرجة الممتعة والمشوقة، العمل وإن كان حمّالاً لرحلة إنسانية قاسية ومضنية، إلا أنه لم يرم أدواته الفنية في السوداوية، بل كان شديد الحرص على أن يضعنا، بكل مهارة، وسط رحلة تتنوع عناصرها وفضاءات مدلولاتها بين الشخصي والوطني، الفردي والجمعي، لنكون أمام حكاية وطن بمعناه الواسع، ولندرك أن آلام هذا الرجل الذي أمامنا هي وجع شخصي لكل واحد منا.
إنها حكاية سائق شاحنة ثقيلة، قرر أن يروي لنا حكايته أو حكاياه التي لا تنتهي، وبين الضحكة والدمعة، القسوة المفرطة والشعرية الساحرة، الأنا والآخر، تحفر هذه المونودراما مسار حكاية صارمة من حيث الأداء، رغم أنها تعتمد منطق الحكاية السردية، هذه الصرامة تتبدى في انضباط، وسط انتقالاته وتحولاته في تعقب وتجسيد شخصيات متعددة، في فضاء مسرحي متقشف، اعتمد بشكل أساسي وجوهري على إمكانات الممثل وليس الأدوات الفنية المساعدة، فعلى الخشبة ليس هناك إلا فراغ واسع، كان مساحة وحاضناً لحكاية تروي حكاية عمر مضطرب تتنازعه الخيبات.
تتكامل في العرض مساحة القول والفعل، وعلى الرغم من مساحة الخطاب الأدبي في العرض، إلا أنه لم يخل بالعمل الذي حافظ على تناغم مميز بين القول والفعل، وكانت سينوغرافيا العمل وأدواته الفنية منسوجة وحاضرة لتعطي التأثير الوجداني المزيد من القوة التي كانت تدفع العمل بلمسات مبدعة قدماً إلى الأمام.
قائد الرحلة.. المحزنة والمبهجة
قدم الممثل أسامة كشكار عرضاً كبيراً في «وحدي».. بحيوية ومهارات جسدية وذهنية وأدائية قادنا في رحلة محزنة ومبهجة، عشنا معه خذلانه، تحركنا بصحبته في شاحنة النقل بين بلاد وجبال، وواجهنا معاً قطاع الطرق، وتعاطفنا مع قصة حبه، ورقصنا وتحسّرنا على كل خيبات الأمل الوطنية، على أمل أن تتحقق دعواه لنصير مثل طائر الفينيق في القدرة على التجدد والانبعاث.
. العرض الأرميني خاض تجربة شديدة التعقيد، مستقاة من أجواء أدب الخيال العلمي.
. بين الضحكة والدمعة، القسوة المفرطة والشعرية الساحرة، تحفر مونودراما «وحدي».

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الإمارات اليوم
١٧-٠٤-٢٠٢٥
- الإمارات اليوم
حين يصير الوعي لعنة ونقمة.. مريض وسائق يرويان الحكاية على خشبة «الفجيرة للمونودراما»
لم تكن ليلة مهرجان الفجيرة الخامسة مجرد يوم مسرحي عابر، بين أرمينيا وتونس ارتحل الجمهور لعيش تجربتين على درجة لافتة من التميّز، ليس فقط لناحية الجودة المسرحية، بل لكونهما تحملان قدراً وافراً من التحديات والمقترحات على صعيد شكل الفرجة والأداء، والمنطق الاختباري، والتجريبي في المقترحات الفنية واللعبة البصرية بشكلها العام، ولأنهما تحملان السؤال المحير: هل يصير وعي الإنسان نقمة ولعنة عليه؟ وبينما خاض العرض الأرميني الذي حمل عنوان «تأثير ألجيرنون-جوردون» تجربة شديدة التعقيد، مستقاة من أجواء أدب الخيال العلمي، وتبحث نفسياً في شخصية شاب يعاني إعاقة ذهنية، ذهب العرض التونسي، الذي حمل عنوان «وحدي»، في رحلة وجودية مثقلة بالخذلان والتهكم، وكأننا كنا أمام محاولة لتحليل الخيبة وتعرية تفاصيلها، خصوصاً حين تكون من أوطان لا تعرف أن تكون إلا مراوغة، متحايلة، وبمعنى أدق ليس لها أن تكون أوطاناً بكل ما تعنيه هذه الكلمة. الذكاء والإنسانية ماذا يمكن أن تفعل داخل عقل شاب لديه إعاقة ذهنية؟ ماذا يوجد هناك في تلك المساحة التي تسمى عقلاً مضطرباً ويعاني أزمات؟ هي أسئلة منطقية كانت قبل دخول العرض الأرميني «تأثير ألجيرنون-جوردون»، من إخراج إيلغا شاهابازيان، وأداء أرمان مارتيروسيان، لكن المفاجأة كانت في أن العرض لم يناقش مأساة الإعاقة الذهنية، بل مأساة الوعي والإدراك حين تنجح رحلة علاج الشاب المريض، ويبدأ باكتشاف سوء وتعقيدات وبشاعة عالم لم يكن يعرفه جيداً. إذن نحن في هذا العرض كنا أمام أزمات الوعي، وليس راحة الجنون. العمل الذي يعرض ضمن مسابقة المهرجان الرسمية، يستند إلى رواية الخيال العلمي الشهيرة: «زهور ألجيرنون» لدانيال كيز. في هذا العرض كنا في حضرة قصة إنسانية، سرعان ما تجاوزت منطقها العلمي لمصلحة تحليل القيمة الحقيقية للمعرفة، وهل يكون الجهل نعمة وميزة وسط عالم كالذي نعيشه؟ المسرحية تدور حول تشارلي جوردون، الذي يعاني إعاقة ذهنية، ويتم اختياره للخضوع لعملية جراحية تجريبية تهدف إلى تعزيز ذكائه، لكن حياة تشارلي تتحول، بشكل جذري، عندما يبدأ استكشاف القيم التي تحكم هذا العالم وعلاقاته الإنسانية. وسط تعقيدات هذه اللعبة، كان على الممثل أن يحمل أثقال العرض المركّب، الذي حولته مخرجته إلى طبقات مركبة بين الهذيان والوعي المأزوم والذكاء الحاد، وصراع خيبات ونتائج هذا الوعي، وانبنت رحلة تطور الشخصية وسط تفاصيل شديدة الدقة، ترسم مسار تطور شخصية تشارلي وتحولاته الداخلية العميقة بين شخص منبوذ عُرضة للتنمر والسخرية الاجتماعية في حالته الأولى، وبين عزلة وإقصاء العارف والعالم، واستطاع مارتيروسيان أن ينقل للمشاهد ليس فقط التحول الفكري، بل أيضاً التغيرات النفسية العميقة التي تصاحب هذه الرحلة المشوقة، رغم افتقار الممثل لأدوات المساعدة على صعيد السينوغرافيا التي اعتمدت حل الإظلام للانتقال من حالة إلى أخرى. كتبت رواية «زهور ألجيرنون» في ستينات القرن الماضي، وكانت ضرباً من الخيال العلمي المفرط، وهي اليوم في هذا العرض الذي يستعيدها ليس لإحياء منطقها العلمي، وتأكيد ممكناتها في ظل عالم الذكاء الاصطناعي، بقدر ما هي محاولة إحياء سؤال شديد الإلحاح والضرورة في الزمن الحاضر: كيف نظل بشراً في عالم مادي عنيف ومتوحش؟ وجع كل واحد منا انتصر العرض التونسي «وحدي»، الذي كتبه وأخرجه وليد دغسني، وجسده، باقتدار، الفنان أسامة كشكار، للفرجة الممتعة والمشوقة، العمل وإن كان حمّالاً لرحلة إنسانية قاسية ومضنية، إلا أنه لم يرم أدواته الفنية في السوداوية، بل كان شديد الحرص على أن يضعنا، بكل مهارة، وسط رحلة تتنوع عناصرها وفضاءات مدلولاتها بين الشخصي والوطني، الفردي والجمعي، لنكون أمام حكاية وطن بمعناه الواسع، ولندرك أن آلام هذا الرجل الذي أمامنا هي وجع شخصي لكل واحد منا. إنها حكاية سائق شاحنة ثقيلة، قرر أن يروي لنا حكايته أو حكاياه التي لا تنتهي، وبين الضحكة والدمعة، القسوة المفرطة والشعرية الساحرة، الأنا والآخر، تحفر هذه المونودراما مسار حكاية صارمة من حيث الأداء، رغم أنها تعتمد منطق الحكاية السردية، هذه الصرامة تتبدى في انضباط، وسط انتقالاته وتحولاته في تعقب وتجسيد شخصيات متعددة، في فضاء مسرحي متقشف، اعتمد بشكل أساسي وجوهري على إمكانات الممثل وليس الأدوات الفنية المساعدة، فعلى الخشبة ليس هناك إلا فراغ واسع، كان مساحة وحاضناً لحكاية تروي حكاية عمر مضطرب تتنازعه الخيبات. تتكامل في العرض مساحة القول والفعل، وعلى الرغم من مساحة الخطاب الأدبي في العرض، إلا أنه لم يخل بالعمل الذي حافظ على تناغم مميز بين القول والفعل، وكانت سينوغرافيا العمل وأدواته الفنية منسوجة وحاضرة لتعطي التأثير الوجداني المزيد من القوة التي كانت تدفع العمل بلمسات مبدعة قدماً إلى الأمام. قائد الرحلة.. المحزنة والمبهجة قدم الممثل أسامة كشكار عرضاً كبيراً في «وحدي».. بحيوية ومهارات جسدية وذهنية وأدائية قادنا في رحلة محزنة ومبهجة، عشنا معه خذلانه، تحركنا بصحبته في شاحنة النقل بين بلاد وجبال، وواجهنا معاً قطاع الطرق، وتعاطفنا مع قصة حبه، ورقصنا وتحسّرنا على كل خيبات الأمل الوطنية، على أمل أن تتحقق دعواه لنصير مثل طائر الفينيق في القدرة على التجدد والانبعاث. . العرض الأرميني خاض تجربة شديدة التعقيد، مستقاة من أجواء أدب الخيال العلمي. . بين الضحكة والدمعة، القسوة المفرطة والشعرية الساحرة، تحفر مونودراما «وحدي».


الإمارات اليوم
٠٣-٠٣-٢٠٢٥
- الإمارات اليوم
5 جوائز «بريت» للمغنية تشارلي إكس
نالت المغنية البريطانية، تشارلي إكس سي إكس، خمساً من جوائز «بريت» الموسيقية البريطانية التي وُزعت، أمس، في لندن، مؤكدةً بذلك أنها أصبحت نجمة البوب الجديدة، بعد ألبومها الناجح «برات» Brat. وحصلت المغنية، البالغة 32 عاماً، على جائزة ألبوم العام، الأبرز بين «بريت أووردز» التي أقيم احتفال توزيعها السنوي الـ45 في «أو 2 أرينا» بلندن، بعدما نالت ثلاث جوائز «غرامي» هذه السنة. وأصبحت تشارلي إكس سي إكس من أبرز نجمات الموسيقى عام 2024، بفضل ألبومها «برات» الذي أصدرته في يونيو الفائت، وهو السادس لها، وينتمي الألبوم، ذو الغلاف الأخضر الليموني، إلى نوع الهايبر بوب، ويدعو إلى أسلوب حياة فَرِح ومريح. وأصبح «برات» (الكلمة تعني «طفل شقي») ظاهرة ثقافية عالمية وُصِفت بـ«الصيف الشقي».


موقع 24
٠١-٠١-٢٠٢٥
- موقع 24
نصائح مُضللة ونتائج مشبوهة.. إخفاقات الذكاء الاصطناعي في 2024
كانت الأشهر الـ12 الماضية، حافلة بالأحداث والتطورات بالنسبة لمجال الذكاء الاصطناعي، فقد شهد العام الماضي، إطلاق عدد من المُنتجات والأدوات الناجحة التي حققت طفرات هائلة في جميع المجالات. وعلى الرغم من ذلك، لم تكن الأمور دائماً سلسة، فمن برامج المحادثة الآلية التي تقدم نصائح غير قانونية إلى نتائج البحث المشبوهة، نستعرض أكبر إخفاقات الذكاء الاصطناعي في 2024، وفقاً لما نشره موقع "MIT Technology Review". انتشار فيروسي فوضوي مع ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي (Gen- Ai)، وانتشاره في كل ركن من أركان الإنترنت عبر النصوص والصور ومقاطع الفيديو وأنواع أخرى من المواد المولدة اصطناعياً، والتي لا تستغرق سوى بضع ثوانٍ حتى يتمكن النموذج الذي تختاره من إخراج نتيجة بمجرد إدخال مطالبة، فقد أصبحت هذه النماذج طريقة سريعة وسهلة لإنتاج المحتوى على نطاق واسع. ورغم الإتاحة وانتشار الوسائط على نطاق واسع، إلا أن جودتها كانت "رديئة"، ما خلق حالة من فوضى الذكاء الاصطناعي. تحريف توقعاتنا للأحداث الحقيقية تميز العام الماضي، بتسرب تأثيرات صور الذكاء الاصطناعي السريالية إلى حياتنا الحقيقية، ومنها تجربة ويلي للشوكولاته - وهي حدث غامر غير رسمي مستوحى من رواية "تشارلي ومصنع الشوكولاته" لروالد دال. غمر الحادث عناوين الأخبار في جميع أنحاء العالم في فبراير (شباط)، بعد أن أعطت مواد التسويق التي أُنشئت بواسطة الذكاء الاصطناعي للزوار الانطباع بأنها ستكون أعظم بكثير من المستودع المزخرف بشكل بسيط الذي أنشأه منتجوها. وبالمثل، اصطفّ مئات الأشخاص في شوارع دبلن لحضور عرض "هالوين" لم يكن موجوداً، إذ استخدم موقع ويب، مقره باكستان، الذكاء الاصطناعي، لإنشاء قائمة بالأحداث في المدينة، التي تمّت مشاركتها على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل 31 أكتوبر (تشرين الأول)، وهو عيد "الهالوين". كلا الحدثين السابقين يوضحان كيف يمكن للثقة العامة بالمواد التي أُنشئت بواسطة الذكاء الاصطناعي عبر الإنترنت، أن تعود إلى مطاردتنا والتأثير علينا. صور مُزيفة لمنع المستخدمين من إنشاء محتوى عنيف وصريح وغير قانوني وأنواع أخرى من الوسائط الضارة، وضعت مولدات الصور بالذكاء الاصطناعي، قواعد "حواجز" تملي ما يمكن لنماذج الذكاء الاصطناعي فعله وما لا يمكنها فعله، بجانب دورها في حماية الملكية الفكرية. إلا أن مساعد "غروك Grok"، الذي صنعته شركة الذكاء الاصطناعي التابعة لإيلون ماسك "xAI"، تتعمد تجاهل كل هذه المبادئ تقريباً بما يتماشى مع رفض ماسك ما يسميه "الذكاء الاصطناعي المتيقظ". في هذا السياق، انتشرت صور مزيفة جنسية صريحة للفنانة تايلور سويفت على الإنترنت، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وقد خدع أفراد مسجلون في "تلغرام" برنامج إنشاء الصور "AI Designer" من "مايكروسوفت" لإنشاء صور فاضحة؛ مما يوضح كيف يمكن التحايل على الحواجز الأمنية حتى عندما تكون موجودة. فرض هذا الأمر تحدي كبير، وهو عجزنا على محاربة المواد الإباحية المزيفة، في حين أن أدوات وضع العلامات المائية وتسميم البيانات يمكن أن تساعد، إلا أنها ستحتاج إلى تبنيها على نطاق أوسع بكثير لإحداث فرق. برامج الدردشة باتت شركات التكنولوجيا تتسابق لتبني أدوات توليدية لتوفير الوقت والمال، وتعظيم الكفاءة في الوقت الحالي، والمشكلة هي أن برامج الدردشة الآلية تخترع أشياء، ولا يمكن الاعتماد عليها لتزويدنا دائماً بمعلومات دقيقة. كمثال على ذلك، فقد اكتشفت الخطوط الجوية الكندية أن نصائح برنامج الدردشة الآلية الخاص بها، قد خدع أحد العملاء باتباع سياسة استرداد الأموال في حالات الحزن التي لم تكن موجودة. وفي فبراير (شباط) الماضي، أيّدت محكمة المطالبات الصغيرة الكندية الشكوى القانونية للعميل، رغم تأكيد شركة الطيران أن برنامج الدردشة الآلية كياناً قانونياً منفصلاً مسؤولاً عن أفعاله الخاصة. أدوات فاشلة رغم الأدوات الهائلة التي ظهرت في ظل هذا التطور التكنولوجي إلا هناك برامج أثبتت فشلها وانتكاستها، ومنها أداة شركة "Humane" التي سعت للترويج إلى "Ai Pin"، وهو كمبيوتر يمكن ارتداؤه، ولكنه فشل في تعزيز المبيعات الضعيفة حتى بعد خفض سعره. كما لاقى "Rabbit R1" - وهو جهاز مساعد شخصي قائم على "جي بي تي" مصيراً مماثلاً، بعد سلسلة من المراجعات النقدية والتقارير التي تفيد بأنه بطيء ومليء بالأخطاء. بحث خاطئ ونظراً لأن أنظمة الذكاء الاصطناعي لا يمكنها معرفة الفرق بين قصة إخبارية صحيحة فعلياً ومنشور لنكتة على "Reddit"، فقد تسابق المستخدمون للعثور على أغرب الاستجابات التي يمكن أن تولّدها ميزة AI Overviews من "غوغل" القائمة على الذكاء الاصطناعي. كما أدت ميزة جديدة في "آيفون"، تقوم على تجميع إشعارات التطبيقات معاً وتُنشئ ملخصات لمحتوياتها، إلى ظهور عنوان إخباري زائف على قناة "بي بي سي نيوز"، حيث ذكر الملخص كذباً أن لويجي مانجيوني، الذي اتُّهم بقتل الرئيس التنفيذي لشركة التأمين الصحي برايان تومسون، قد أطلق النار على نفسه. الخطر هنا أن هذه الملخصات يمكنها نشر معلومات مضللة وتقويض الثقة في المؤسسات الإخبارية.