
تونس بعد أربع سنوات من انقلاب قيس سعيّد
إيطاليا تلغراف
محمد كريشان
كاتب وإعلامي تونسي
تحل هذا الأسبوع الذكرى الرابعة لانقلاب قيس سعيّد على دستور البلاد لعام 2014 الذي أقسم على صونه واحترامه، قبل مضيّه لاحقا منفردا في تغيير المشهد السياسي للبلاد برمّته ليصبح الحاكم بأمره بلا حسيب ولا رقيب.
أربع سنوات تقهقرت فيها البلاد بشكل درامي على كل الأصعدة، لكن الكارثة الأكبر تبقى أن لا أحد يدري إلى أين المصير أو متى يمكن أن تتوقف عجلة الانحدار السريع والمخيف.
التبرير الأبسط والأقوى لأي استبداد هو أن هناك إنجازات يراها المواطن رأي العين ويمكن أن تشفع للحاكم، جدلا أو حقيقة، استهتاره بالديمقراطية والحريات. هنا يمكن أن يقال عن هذا الحاكم أو ذاك إنه، وإن كان ديكتاتورا إلا أن البلاد في عهده صارت أفضل اقتصاديا وتنمويا ومعيشيا، وبالتالي فهذا يمكن أن يشفع لذاك، مع أن الأمور لا تقاس بهذه الثنائية المتعسّفة.
المصيبة أن تونس، بعد هذه السنوات الأربع، أضاعت الديمقراطية ولم تظفر بشيء في المقابل بعد أن فقدت ما كان من حريات وانتخابات نزيهة وإعلام صاخب وبرلمان فاعل وحياة حزبية نشيطة ومؤسسات رقابية تحاول ترسيخ تقاليد جديدة، رغم ما اعترى كل ما سبق من فوضى وفساد ومزايدات وتوافقات انتهازية عطّلت جميعها أي سعي جدّي لنهضة اقتصادية ترتقي بحياة الناس اليومية.
لن يخرج الرئيس التونسي يوم الجمعة ليسرد إنجازات يمكنه أن يفخر بها ويخرس بها منتقديه، لسبب بسيط للغاية، وهو أنه لا يملك شيئا يمكن أن يقدّمه أو يفاخر به، لا على المستوى الاقتصادي ولا الاجتماعي ولا السياسي، لا المحلّي ولا الإقليمي ولا الدولي. لا شيء على الإطلاق!!
أربع سنوات لم نر فيها ولو بداية لمشروع واحد ضخم ملموس، سواء كان طريقا سريعة أو جسرا أو مستشفى أو جامعة أو تطويرا لمطار لم يعد لائقا أو أي شيء آخر. حتى الموالون للرئيس ما عاد بوسعهم أن يقولوا عكس ذلك حتى ذهب أحد نواب البرلمان الحالي مؤخرا إلى حد وصف قيس سعيّد بأنه «كسيح سياسيا لا يستمع لأحد، يريد أن يبدأ تحريرا لا برنامج له، لا مال، ولا رجال» واصفا البلاد في عهده بأنها «تسير إلى المجهول إلى اللاعنوان، فقط شعارات وكلاميات وبلاغيات». هذا مناصر للرئيس فما عسى يقول معارضوه؟!!
المصيبة أن الأمور لم تقف عند صفرية الإنجازات، فقد نجد لذلك ألف عذر وعذر، بل إن ما كان قائما أصلا هو بصدد التهاوي تدريجيا بسبب الإهمال ونقص الصيانة وغياب الاعتمادات المالية اللازمة لأي شيء، حتى وصل الأمر إلى حد الترحّم على سنوات حكم الراحل بن علي. وازداد التقهقر استفحالا أن امتد إلى فضاءات أخطر بكثير:
الإمعان في انتهاكات حقوق الإنسان دون رادع، وباستهتار كامل بالحد الأدنى من الإجراءات القانونية، وبتواطؤ فاقع من القضاء الذي بات خاضعا بالكامل لإرادة سلطة الأمر الواقع. لقد وصلت الأمور إلى عدم توقيع قضاة على رخص زيارة محامين لموكليهم في السجون، مع وفيات مريبة هناك لثلاثة من الشبان في عمر الزهور، فضلا عن نقل المعارض والوزير السابق غازي الشواشي إلى المستشفى لإجراء عملية جراحية عاجلة دون إعلام عائلته بل ومنعها من زيارته حين أبقي في المستشفى مكبّل اليدين على سريره!!
انتقال عدوى خطاب الكراهية والتحريض، الذي أدمنه رئيس الدولة ضد معارضيه لتبرير كل الإخفاقات الواضحة للعيان دونما استعداد لأية مراجعات أو وقفة تأمل مع النفس لمعرفة موطن الخلل الحقيقي، إلى قطاعات من الشعب، على الأقل كما تفضحه مواقع التواصل الاجتماعي. لم يعد الكثير مثلا يتورّع عن إبداء الشماتة في المعتقلين والمساجين حتى ممّن يتعرّض إلى محنة حقيقية صحية وعائلية. إن تفشي أجواء الحقد والتباغض بين أفراد الشعب الواحد يمكن أن يكون مقدمة، لا سمح الله، إلى ما هو أخطر بكثير ويكفي أن نلقي نظرة إلى ما يجري حاليا في دول عدة.
تراجع مريع في مستوى ما يفترض أن تقدمه السلطات المحلية من خدمات أقلها الأمن العام في المجتمع ونظافة الشوارع والمرافق العامة والحفاظ على البيئة وصحة المواطن، خاصة بعد حل كل الهيئات البلدية، وهو ما استدعى تشهيرا من رئيس الدولة نفسه الذي تحدث مع مسؤولين محليين وقرّعهم في زيارات فجائية في ساعات الفجر، وكأنه معارض، مع أن كل ما عاينه ما هو إلا مسؤوليته كسلطة، ومن مسؤولية من عيّنهم هو بنفسه قبل أن يحوّلهم سريعا إلى أكباش فداء.
أربع سنوات ازدادت فيها الإدانات الحقوقية الدولية لتونس وازدادت عزلتها فلم يعد يزورها أحد إلا نادرا ولا رئيسها يزور أحدا، مع هشاشة إزاء اختراقات نفوذ أجنبية مريبة، واستمرار المالية العمومية في الاختناق مع اللجوء المتواصل للقروض لتسديد قروض سابقة، فيما تتصاعد معاناة الناس مع ارتفاع الأسعار وتدهور الخدمات المختلفة، لكن الخطاب السياسي الرسمي ما زال مكابرا ويتحدث بلغة الستيّنيات!!.
المضحك المبكي هنا أن الرئيس وأنصاره القلائل ما فتئوا يرددون بأن «لا رجوع إلى الوراء».. مع أن ما ينتظرهم في هروبهم الأعمى إلى الأمام ليس سوى جب سحيق… لم يعد بعيدا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف
السابق
جهة سوس ماسة .. 3400 طفلا يستفيدون من البرنامج الوطني للتخييم
التالي
تونس بعد أربع سنوات من انقلاب قيس سعيّد
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجمهورية
منذ 38 دقائق
- الجمهورية
الوزير الأول يستقبل سفير باكستان بالجزائر
استقبل الوزير الأول السيد نذير العرباوي, اليوم الثلاثاء, بقصر الحكومة, سفير جمهورية باكستان الإسلامية بالجزائر, السيد خالد حسين خان قودارو, حسب ما أفاد به بيان لمصالح الوزير الأول. وتم خلال المحادثات "التنويه بأواصر الأخوة وعلاقات التضامن التاريخية التي تجمع البلدين, مع التأكيد على ضرورة تعزيز التعاون والشراكة بينهما في مختلف المجالات بما يخدم المصالح المشتركة", وفق ذات المصدر.


النهار
منذ 38 دقائق
- النهار
رئيس الجمهورية يستقبل نظيره اللبناني اليوم
يستقبل رئيس الجمهورية ، عبد المجيد تبون، اليوم الثلاثاء، رئيس جمهورية لبنان الشقيقة، جوزيف عون، الذي يؤدي زيارة رسمية إلى الجزائر. وجاء في بيان لرئاسة الجمهورية: 'يستقبل اليوم رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون. رئيس جمهورية لبنان الشقيقة السيد جوزيف عون الذي يؤدي زيارة رسمية إلى الجزائر'.


الخبر
منذ 38 دقائق
- الخبر
زيارة مرتقبة لرئيس الجمهورية إلى ألمانيا
تلقى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، اليوم الثلاثاء، مكالمة هاتفية من رئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية فرانك شتاينماير. وأفاد بيان لرئاسة الجمهورية، أن الرئيسان تناولا العلاقات الثنائية بين الجزائر وألمانيا وسبل تعزيزها وتطويرها في مختلف المجالات. ومن جهته جدد الرئيس الألماني بالمناسبة دعوته لرئيس الجمهورية لزيارة جمهورية ألمانيا. وقبل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون دعوة نظيره الألماني موجها بدوره دعوة للرئيس الألماني فرانك شتاينماير لزيارة الجزائر. وبحثا الطرفين تطورات الأوضاع بغزة والضفة الغربية حيث أكدا على حل الدولتين كسبيل لإنهاء الصراع في الأراضي الفلسطينية المحتلة و تطرقا إلى قضايا إقليمية ودولية راهنة تهم البلدين الصديقين.