
إحياء ذكرى فيلم "الرسالة" بالعراق.. تكريم المخرج مصطفى العقاد بمهرجان بابل الثقافي
بغداد – واع – محمد الطالبي
مهرجان بابل هو فعالية ثقافية فنية تنظم سنوياً بمدينة بابل التاريخية، التي تعد من أعرق المدن في العالم، بهدف جمع الشعر والفن في ملتقى إبداعي ، ويشارك في هذا المهرجان العديد من الشعراء والفنانين من مختلف البلدان، حيث يتم عرض أعمالهم الفنية والشعرية.
وقال الشاعر، أنمار مردان ، لوكالة الأنباء العراقية (واع): إن "مهرجان بابل يعد فسحة وسياحة ثقافية، إذ يتم فيه التقاء الأدباء والشعراء ، لقضاء وقت ممتع بأروقة الثقافة"، مشيراً إلى أن "بابل هي مدينة عريقة، وعلمت العالم الكتابة، حيث سجلت أول مسلة قانونية فيها، وهي مصدر إشعاع ثقافي دائم ، إذ نحاول أن نسحب الثقافة العراقية نحو هذه المدينة العريقة".
وأضاف أن "النصوص التي شاركت بها في المهرجان هي من المجموعة الأخيرة إملاء الفراغات الماضية التي صدرت من الاتحاد العام للأدباء والكتاب قبل شهرين حيث سأطرح نصف المجموعة الشعرية التي صدرت حديثاً"، مبيناً أن "النصوص تأتي نتيجة تراكمات ، فقد يكون موقفا عابرا ، يثير في المستقبل القريب".
وتابع أن "الشعر العربي هو شعر عراقي، وهناك مقولة لأودنيس يقول: إن العراق يمتلك الشعراء بعدد نخيله وهنا منبع الشعر من يقرأ في العراق ويتم إعجاب الجمهور العراقي بشعره فهو شاعر"، منوهاً بأن "الشاعر العراقي لا يقتنع بالنصوص التي تكتب بسهولة، شاعر صعب المزاج ومتلقٍ متذوق للجملة والمفردة المهمة".
بدوره، ذكر الفنان والمخرج اللبناني، منير معاصيري الذي قدم دور جعفر الطيار في فيلم الرسالة ، لوكالة الأنباء العراقية (واع)، أن "إدارة مهرجان بابل قررت هذا العام تكريم المخرج، مصطفى العقاد، بعد مرور 60 عاماً على عرض فيلم (الرسالة)"، مبيناً أن "العقاد، الذي عاش ودرس في الولايات المتحدة الأمريكية، كان يشعر بالانزعاج من التشويه الإعلامي المتكرر لصورة العرب هناك، ما دفعه إلى السعي لتقديم أفلام تصحح الصورة في ذهن الأجنبي عن حقيقة الصورة العربية".
وأضاف ان "العقاد خطط لإنتاج سلسلة أفلام عن شخصيات تاريخية بارزة، منها، خالد بن الوليد، وصلاح الدين الأيوبي، وصقر قريش، وكان ينوي إنتاج فيلم كل خمس سنوات، إلا أن فيلم (الرسالة) وحده استغرق قرابة 15 عاماً من التحضير والتنفيذ، لصعوبة التمويل ومعارضة الدول العربية للفكرة آنذاك".
وأوضح أن "العقاد واجه تحديات في إنتاج الفيلم، خاصة وأن موضوعه كان عن النبي محمد (صلى الله عليه وآل وسلم)، ما اضطره لتصوير مشاهد مكة في المغرب، بعد أن منحه ملك المغرب الإذن بذلك، فيما تم استكمال تصوير باقي المشاهد في ليبيا" ،لافتاً إلى ان "العقاد كان يعتزم بعد فيلم (الرسالة) تنفيذ فيلم عن صلاح الدين الأيوبي، إلا أنه عمل فيلم (عمر المختار)، الذي جسد نضال البطل الليبي ، واستُشهد في تفجير بالأردن وكان يحضر لفيلم عن صلاح الدين الأيوبي".
وأكد أن "المهرجان احتضن الجميع في هذه الثقافة من شعراء وكتاب وسينمائيين ومسرحيين" ،معرباً عن "أمله بأن يستمر هذا المهرجان للأبد ليظهر وجه الثقافة أمام العالم".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


موقع كتابات
منذ 20 ساعات
- موقع كتابات
حمزة فيصل المردان شاعر يتقاطع فيه النبض العمودي والهمّ الحداثي
في مدينة الحلة، حيث يمتزج عبق التاريخ بجريان الفرات، وُلد الشاعر حمزة فيصل مردان في الأول من كانون الثاني عام 1968م. هناك، في قلب الفرات الأوسط، بدأت ملامح التجربة الشعرية لهذا الصوت الشعري تتكوّن، متأثرة بمزيج من التراث وقلق الحداثة، ومنذ بداياته المبكرة اتجه نحو الشعر كخيار وجودي لا ترف إبداعي، ممارسًا الكتابة خلال سنوات دراسته، ومعلنًا حضوره منذ تسعينيات القرن الماضي عبر الصحف والمجلات العراقية. تخرج من معهد الشؤون الإدارية سنة 1983، لكنه لم يجعل من العمل الإداري حاجزًا يحول بينه وبين صوته الشعري، بل استمر يكتب وينشر، متتبعًا أثر الشعر في التكوين والهوية. انتمى إلى الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العراقيين – فرع بابل سنة 2011، وشارك في العديد من المهرجانات الشعرية، أبرزها مهرجان الجواهري في ثلاث دورات، ومهرجانات بابل الدولي، والمربد في البصرة، والحبوبي في الناصرية، وفرسان العمود الثقافي، مما يدلّ على موقعه الحاضر في المشهد الشعري العراقي. تميّزت تجربة حمزة فيصل المردان بتنوّعها الفني، فهو شاعر يكتب العمودي والتفعيلة والنثر والسرد الشعري، وهي سمة تميّز شعراء التجريب الحقيقي، الذين لا يضعون القالب فوق الرؤيا. ففي ديوانه الأول 'حتى تستريح الأسئلة' (2007)، يقدّم نماذج شعرية تتأرجح بين التفعيلة والنثر، حيث اللغة مشبعة بالقلق والأسئلة، وقد كتب عنه الشاعر عبد الهادي عباس مشيدًا بهذا الانفتاح على أفق المعنى. في ديوانه الثاني 'لا ظل له بمزايا دائرة الضوء' (2011)، تماهى مع النص المفتوح، عابرًا الأشكال التقليدية، ليخطّ نصوصًا نثرية ذات طابع فلسفي وتأملي، وقد توقف عندها الناقد محمد أبو خضير، مشيرًا إلى طاقة النص على التوليد الدلالي، وتعدد المستويات داخل القصيدة الواحدة. أما في ديوانه 'ما بين الغياب والحضور'، فقد جمع بين التفعيلة والنثر، في تنوّع دال على اقتدار لغوي ومرونة جمالية، ثم جاء ديوانه 'إنها تجري من دوني' ليكمل هذا المنحى السردي النثري بلغة ناعمة وحزينة، وصفها الشاعر جبار الكواز بأنها 'تشبه نواح الأنبياء المجهولين'. على الرغم من توجهه المتعدد، لم يقطع حمزة فيصل المردان الصلة بالشعر العمودي، بل عاد إليه بروح مجددة، متخذًا من هذا الشكل وسيلة لتفريغ همومه الوطنية والإنسانية، وهو ما يضعه في تقاطع بين الذائقة الكلاسيكية العراقية المألوفة، وهموم الحداثة التي تقتضي التمرد. كتب عنه عدد من النقاد المعروفين، منهم: باقر جاسم محمد الذي نشر دراسة عن شعره في جريدة المدى سنة 2004، حيث رأى أن شعر المردان يتصف بـ'العمق التأملي والانفتاح على الأسطورة'. سعدية السماوي التي رأت في نصوصه النثرية 'لغة مضمخة بالجرح الجمالي'. وغانم عمران المعموري ووسام العبيدي وسعد الساعدي، الذين سلطوا الضوء على التقنيات الأسلوبية والصور البلاغية في شعره، مركزين على البُعد الصوتي والإيقاعي في نصوصه العمودية. لم يكن حضور المردان محليًا فحسب، بل تعدّى حدود العراق إلى صحف ومجلات عربية ودولية: من الراية القطرية وأخبار الخليج البحرينية والقبس الكويتية، إلى الزمان المصرية والجديد الجزائرية، ومعارج الفكر في ألمانيا، مما يعكس قدرة شعره على ملامسة همّ الإنسان العربي في كل مكان. وقد تُوّج هذا الحضور المبكر بفوزه بالمركز الأول في مسابقة مديريات التربية العراقية عام 1984م، في إنجاز يعدّ بمثابة إعلان أوليّ عن شاعر قادم من بعيد، لكنه مشبع بروح المكان وتاريخه. والشاعر حمزة فيصل المردان يكتب بدمه لا بحبره، شاعرًا يعبر الحقول كلها دون أن يُحرق خلفه المراكب، متنقّلًا بين العمود والنثر والتفعيلة، راسمًا لنفسه دربًا خاصًا وسط زحام الشعراء. ومن شعره هذه القصيدة: عندما تهت في عينيك صادفتني اشياء لم تكن في الحسبان الغابات على مرمى النظر ترفل بالمطر الايائل التي تجري قرب نهر الحياة لا تثير ضجيجا الهدوء زقزقات الحبّ تحفّ بي حانية ترحيب الضوء الذي لم يحدث ان رحّب بغيري مسبقاً.. وما يحدثه الترحال فالهوى جدل. وهذه القصيدة تشكّل قصيدة نصًا وجدانيًا يتكئ على الرمز والتأمل، وينطلق من تجربة حبّ تنفتح على عوالم مدهشة وغير متوقعة. يعبر الشاعر عن حالة انخطاف شعوري مفاجئ، حيث يقوده التوغل في نظرات الحبيبة إلى فضاء جديد، أشبه بعالم خيالي ممتلئ بالسكينة والجمال.وهي ترسم لوحة منسوجة من الطبيعة الهادئة والمشاعر العميقة، حيث تختفي الضوضاء وتحلّ محلها الطمأنينة والدهشة، وكأن الكون يحتفي بهذه التجربة الخاصة. تتوالى الصور التي تعكس الإحساس بالفرادة، فكل ما يحيط بالشاعر يبدو وكأنه لم يوجد إلا من أجله. حيث تنتهي القصيدة بتأمل فلسفي في الحبّ باعتباره ترحالًا دائمًا وجدلاً لا ينتهي، مما يضفي على النص بعدًا فكريًا إلى جانب شحنته العاطفية. أما لغة القصيدة فهي هادئة، شفافة، مشحونة بالإيحاء، وتعتمد على صور طبيعية توظّف لترجمة أحاسيس داخلية.وذات بنية منفتحة على التأويل، والنبرة أقرب إلى التأمل منها إلى الانفعال.


موقع كتابات
منذ يوم واحد
- موقع كتابات
'محمد القبانجي'.. أول قارئ مقام عراقي تسجل له أسطوانة
خاص: إعداد- سماح عادل 'محمد القبانجي' فنان ومطرب عراقي، أحد الرواد المبدعين في مجال المقام العراقي، ومن أشهر قارئي المقام في العراق. إبداع.. في مقالة بعنوان (محمد القبانجي.. سيرة مختصرة وإبداع) كتبت 'د. إيمان نوري الجنابي': 'مطرب المقام الأول في العراق في القرن الماضي، عاش ما بين 1904 و1989. اسمه محمد عبد الرزاق الطائي، لقب بالقبانجي وهو لقب يطلق على من يمتهن وزن المحاصيل الزراعية بالقبان أي الميزان، والتي كانت مهنة والده ومهنته في صباه، أجاد غناء الموشحات والمقامات والبستات، نوع من الغناء البغدادي، وهو بعمر 12 سنة، وجدد حسب ما ذكره بعض العارفين في المقامات العراقية ذلك اللحن من الموسيقى العراقية التراثية. لقب بمطرب العراق الأول في المؤتمر الثاني للموسيقى الشرقية في القاهرة سنة 1932م بحضور الملك فؤاد ملك مصر. وقد تنافس مع الفنانة أم كلثوم والفنان محمد عبد الوهاب. مارس محمد القبانجي في أيام شبابه التمثيل المسرحي في فرقة حقي الشبلي عام 1927. أصر أن يكون فيما بعد تاجراً في الحبوب لئلا يعتمد في معيشته على الغناء ولأجل أن يحافظ على موقعه الاجتماعي والاكتفاء المادي. ولد محمد القبانجي في الثامن والعشرين من شهر كانون الثاني سنة 1907 في جانب الرصافة من بغداد وقد اختلفت الآراء في تاريخ ميلاده، ما بين 1897 إلى تاريخ 1907 ولكن الاعتقاد الأرجح أن الميلاد الدقيق هو 1901. تزوج بابنة عمه عبد الجبار الذي شمله برعايته وتوجيهاته الحكيمة وقد رزقه الله منها ولدين هما (قاسم وصبحي) وعدداً من البنات»، أما عن كنيته وملامحه فقال: «كنيته (أبو قاسم) نسبة إلى ابنه الكبير، أما لقبه فهو (القبانجي- الكبنجي) وهو لقب عائلته إذ كان معظم رجالها يزاولون التجارة وحرفة كيل الطعام بالقبان (الكبان ويلفظ بالكاف الأعجمية المضخمة)، وهو طويل القامة ولونه أبيض مصحوب باحمرار، ذو محيا بشوش وثغر لا تفارقه الابتسامة وله مظهر وقور يبعث في نفوس الناظرين إليه الغبطة والانشراح والمهابة والاحترام، وله صوت موسيقي النبرات وبوسعه أن يرفعه فيصدح صداح البلبل، أو أن يخفضه فيبدو غليظاً رصيناً، وقد أحرز بصوته الفريد قصب السبق في جميع مجالات الغناء في العراق وانتشر له صيت بعيد، وهذه الصفات الحميدة والمواهب الفريدة جعلته يعيش سعيداً مرفهاً، وكان فضل الله عليه عظيماً، ولم تكن له إقامة في مكان واحد ففي بادئ الأمر كان مقيماً مع عائلته في محلة شعبية تدعى (سوق الغزل) بجانب الرصافة من بغداد، ثم انتقل منها إلى محلة (حمام المالح) وبعد فترة قصيرة عاد إلى محلته الأولى ومنها إلى محلة (صبابيغ الآل) وهناك توفي والده وتوفيت شقيقته (صبيحة) فتألم كثيراً وباع هذه الدار بثمن زهيد وشد الرحال إلى محلة (السنك) ومنها إلى كرادة مريم، ولكنه ألقى عصا الترحال بداره الجديدة في حي (الحارثية) بجانب الكرخ من بغداد بالقرب من مسجده الذي شيده على نفقته الخاصة'. عصر ذهبي.. في مقالة بعنوان (سيرة حياة الأستاذ محمد القبانجي.. سيد العصر الذهبي في المقام والغناء العراقي) بحث وإعداد 'د. نجوى الكوتاني و فاطمة الظاهر' كتب: ' في اليوم الثالث من نيسان/ أبريل من كل عام يصادف الذكرى السنوية لرحيل مطرب العراق الأول الأستاذ محمد القبانجي (1901 – 1988)، هذا الاسم الكبير في عالم المقام العراقي والذي نال إعجابا منقطع النظير وشهرة عربية واسعة، وكان صاحب طريقة في هذا اللون تسمى (الطريقة القبنجية) صار لها أتباع ومريدون وعشاق، حتى صار يمثل جزء من ذاكرة العراق التراثية والشعبية، ويعد أشهر مغني للمقام في العراق وفق آراء الكثيرين ممن عاصروه. وحدثت في حياته وهو طالب في المدرسة العسكرية قصة غريبة هزت كيانه بعنف. فقد كان والده يدفعه إلى مواصلة التعليم حتى وصل إلى مدرسة كانت معدة لتخرج الضباط والعسكريين وفجأة أخرجه والده من المدرسة قبل أن يكمل دراسته. وظن أن الأسرة قد لحقت بها خسارة فادحة في التجارة، ولكنه وجد الأسرة تعيش في نفس المستوى المادي المعقول كما كانت تعيش من قبل ولم يلاحظ تغييراً في حالة التجارة والقبانة التي يمارسها والده، إلا أن الجيش العثماني اخذوا اثنين من أخوته للخدمة العسكرية في الحرب العالمية الأولي (السفر بر) ولم يعودا، وأفاق الشاب محمد القبانجي من الصدمة المزدوجة صدمة فقده اثنين من إخوته، وصدمة إخراجه من المدرسة العسكرية التي كانت ستجعل منه ضابطا، ورويدا رويدا أحس بالهدوء وبالسرور حيث أدرك أن المدرسة والخدمة العسكرية كانت ستحول بينه وبين ممارسة هوايته للغناء والموسيقى، وبدأ يعمل مع عمه في مهنة القبانة بسوق الجملة للفواكه في (علوة جبر) الواقعة في منطقة الشورجة، وبعد أن أصبح (قبانجيا) في خان الشابندر في الشورجة أخذ يتردد على المقاهى فأستهوته مقهى كان صاحبها اسمه قدوري العيشة المولود سنه (1861) وكان أغلب روادها هم من المغنين والموسيقيين من بينهم قدوري العيشة نفسه وسيد ولي ورشيد القندرجي ومحمود الخياط . حيث بدأ القبنجي يجالسهم ويستمع إليهم بشغف وينصت لأدائهم، وقد توثقت صداقته مع الأستاذ قدوري العيشة الذي كان في حينها الوحيد الذي يجيد القراءة والكتابة من بين بقية قراء المقام من جيله، وذلك ما جعل حفظه للشعر يزداد وتتسع دائرة معلوماته قياسا بزملائه، كان القبانجي يقول عنه: (كان العيشة يدندن ويلحن ويغني وأنا اقرأ له الشعر من نظمي وكان العيشة يستفيد مني في هذا المجال فيما حفظته من الشعر مما جعلني استزيد من حفظ الشعر قبل الغناء وصولا لتحقيق حلمي في أن أكون مغنيا وقارئا للمقام على أساس جديد). لقد أعجب قدوري العيشة بالشاب محمد القبانجي لسببين وهما (جمال صوته وحفظه مئات الأبيات من قصائد الشعر النفيس) فقدمه قدوري العيشة لمشاهير المطربين والمغنين من قراء المقام الذين لم يبخلوا عليه بالتدريب وشرح أصول الغناء والموسيقى في مقابل أن يقرأ عليهم القصائد التي يحفظها لكبار الشعراء '. شخصيات عراقية.. يروي الأستاذ (ثامر العامري في صفحة 16 – 21 ) في كتابه 'شخصيات عراقية' محمد القبانجي، الذي صدر عن دائرة الشؤون الثقافية العامة في وزارة الثقافة والإعلام سنة 1987 بغداد. يقول: 'وفي مقهى قدوري العيشة طُلبَ ذات يوم من الشاب محمد القبانجي أن يغني شيئا مما حفظه من المقامات وكان السائل هو المطرب سيد ولي وقال بالحرف الواحد: 'يا محمد أنت لك خمس سنوات متابعة في هذه المقهى ماذا تعرف عن المقام نريد أن نسمعك' . فلبى الطلب وغنى، و بعد الانتهاء قيل له أنك احتفظت بالجوهر ولكن لماذا لم تتبع طريقتنا في الأداء؟، فرد عليهم قدوري العيشة 'أنه أحسن منا، دعوه يغني حسب طريقته الجديدة، وجميل أن يحتفظ بجوهر الغناء'. وعن هذه التساؤلات يعقب الأستاذ محمد القبانجي بقوله :' الحقيقة أنا لم أرفض طريقتهم في الغناء لكنني لم أتقيد بهم وكنت ولم أزل مقيماً للمطربين الذين ساروا على الطريقة القديمة للمقام البغدادي أمثال رشيد القندرجي والحاج نجم الشيخلي والحاج عباس طمبير والسيد جميل البغدادي'. ومن هنا تتوضح لنا أكثر فأكثر أخلاقية القبانجي وأدبه الرفيع الذي حببه إلى قلوب رواد المقهى وجلاسها من القراء و عشاق المقام على حد سواء'. ثم يضيف 'العامري في صفحة 28' من كتابه 'شخصيات عراقية' – مسيرة القبانجي، يقول فيها: 'للأستاذ القبانجي طريقته الخاصة المتميزة حتى في أدائه للمقامات الثابتة والمتعارف عليها وهي حالة تكمن في قراءته التي تحفزه على التجديد الهادئ بشئ من الثقة و الحذر، حتى استطاع أن يتجاوز الكثير من العقبات ويتخطاها بخطوات واثقة، وأستطيع القول أن القبانجي كان يعطي لكل مقام إضافات في الانعطافات الصوتية العذبة لدرجة أن الموسيقى كانت تلهث أحيانا وراء نبراته وتحويلاته الذكية التي لا يخرج بها لا على النغم ولا على أصول المقام الثابتة. وتشعر وأنت تصغي إليه بأنه يريد أن ينقلك إلى عوالم جديدة دون عقبات وهذا هو التجديد بحد ذاته، وانطلاقا من هذه الحقيقة بدأ البعض وبدافع من عدم الاستيعاب أو بدافع التزمت للمألوف بدأ هذا البعض يروج المقولات التي لا تملك الإثباتات أو الشواهد والأدلة التاريخية على صحتها، وحين نقول أن مرحلة القبانجي كانت بداية للانطلاق بالمقام إلى حالة صحيحة معاصرة بدليل أن الأستاذ القبانجي، استطاع بحكم حبه للمقام إلى درجة العشق و بذكاء مفرط أن يبحث عن القوالب الجديدة التي تحافظ على أصالة المقام وتضخه بدماء جديدة كانت السبب الأساس في تعلق الشباب بهذا اللون من الغناء الخالد الذي كاد أن ينقرض وتصدأ قوالبه القديمة التي يعتبر الخروج عليها خروجا على الموروث كله'. كنوز الموسيقي.. تحدث 'حمودي الوردي' عنه: 'بدأ القبنجي يدرس الفن الشعبي العراقي، عرف البستة ودرس القصائد وأجاد المواويل، ولم يكتف بالدراسة في بغداد والتتلمذ على أيدي كبار مطربيها بل قام بمغامرات أشبه بمغامرات الرواد والمكتشفين مخترقاً جبال الشمال والمناطق الشمالية ليستمع الى مطربيهم وباحثاً عن أصل كل أغنية شعبية مفتشاً عن كنوز الموسيقى العربية والعراقية ومع الدرس والتنقيب كان يغني فازدادت حلاوة صوته، ثم عادت ضغوط الأسرة تلعب دورها في حياته، فقد تقدمت السن بوالده واعتزل العمل ثم لحق به عمه أيضا، وكان والده وكما ذكرنا قد ضغط عليه وأجبره على الزواج من ابنة عمه قبل أن يتجاوز السابعة عشرة من عمره، وهكذا فجأة وهو الفنان الرقيق أصبح ملتزم ومسئول عن معيشة عائله ضخمة العدد (والده ووالدته وزوجته وأربعة من الأخوة الصبيان والبنات ثم عمه وأسرته).. ومن محاسن الصدف ففي سنة 1925 وصلت الى بغداد بعثة من شركة (هزماستر فويس) البريطانية، كان هدفها تسجيل بعض أغاني مشاهير الفنانين في العراق، واستمع خبراء الشركة إلى الكثيرين الذين كانوا يكبرون محمد القبانجي سنا ومقاما وشهرة، ولكنهم توقفوا مبهورين وهم يسمعون صوت الشاب محمد القبانجي. وكان في أواسط العشرينات من عمره، فسجلت له الشركة مجموعة من الاسطوانات تفوق عدد ما سجلته للمطربين الآخرين ويبدو أن هذه الاسطوانات لاقت رواجا كثيرا خلال السنوات الثلاث التالية فقد فوجئ محمد القبانجي بدعوة من شركة بيضافون في عام 1928 لتسجيل جميع المقامات العراقية والأغاني التي تسمى بستات في أكثر من سبعين اسطوانة بصوته فقط دونا عن غيره من المطربين كان في السابعة والعشرين من عمره . وكانت هذه الفرصة التي أعدها له القدر مكافأة له على إخلاصه لأسرته ووفائه لأهله فقد انتهت مشاكله المادية وعادت الأسرة لتعيش في مستوى كريم، ونجح نجاحا كبيرا برغم أنه لم يكن قد درس الموسيقى والغناء في معهد متخصص أو في أي مدرسة وكان هذا الحدث حدثا مهما ليس في تاريخ محمد القبانجي وإنما في تاريخ الموسيقى العربية والعراقية بشكل عام'. قارئ مقام.. كان أول قارئ مقام عراقي تسجل له أسطوانة وهو أول من أدخل النهاوند في البيات، اشتهر له في البلدان العربية مقامان تأثر بهما الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب وهما: مقام اللامي الذي تاثر به في تلحين أغنيته المعروفة (ياللي زرعتو البرتقال)، وتأثره أيضاً بمقام حجاز غريب الذي لحن منه رائعته (جبل التوباد) . في مقالة ل'سمير الخالدي' كتب: 'كان كريما بصمته كريما بيده حتى أن الشاعر معروف الرصافي قال له 'يا كريم اللسان يا كريم اليد فما أشد إعجابي بك'، وقيل للمؤرخ الأستاذ عبد الرزاق الحسني كيف تؤرخ فنان من جيلك فرد على السائل 'الأستاذ محمد القبنجي ربيب نفسه عصير دماغه أبدع في قراءة المقام العراقي إبداعا كبير واعتمد على نبوغه في تكييف ما ينشده اعتمادا مشهودا، هو لم يقلد أحدا ولم يأخذ عمن سبقه في هذا الضرب كثيرا ما اطرب سامعيه بصوته الرخيم وهيج المشاعر بفنه العظيم، فإن المقام العراقي يدين للاستاذ القبنجي بما حفظه من فن المقام'. أما الأديب المصري الدكتور 'زكي مبارك' فيقول في كتابه الموسوم (ليلى المريضه في العراق): 'حضرت سهرة أقامها السيد عبد الأمير فوق سطح فندق العالم العربي على نهر دجله غنى فيها القبنجي مقامات عراقيه حتى أهاج ما في دجله من سمكات'. وذكر الأستاذ صافي الياسري عن المرحوم الأستاذ محمد القبانجي في مقالته: (محمد القبانجي – سيد المقامات العراقية)، قائلا: 'في تطوره اللاحق لم يعد القبانجي يكرر القوالب التي تعلمها والقصائد التي حفظها عن أساتذته، كما يفعل معاصروه من القراء، بل صار يرتجل الأداء ويتنقل بين الأنغام ومقاماتها بحرية، ويختار شعرا لم يقرأه من قبل أحد، بل أنه نظم الشعر بالفصحى مثلما نظمه بالعامية الدارجة، وتلك في الحقيقة ثورة لم يسبقه إليه أحد ولم يأت بعده أحد وهي التي قادته إلى جعل عدد من الوصلات القصيرة ذات الأنغام المميزة والداخلة في مقامات أصلية في أن تكون مقامات أصلية بحد ذاتها وهي 13 مقاما أشهرها مقام اللامي'.


موقع كتابات
منذ 2 أيام
- موقع كتابات
مشوار بيرم (2) .. 'المسلة'.. و'الخازوق'
خاص: بقلم- طارق يوسف: وِلَــمَّــا عِــدِمْــنَــا بِــمَـصْـرَ الْـمُـلُـوكْ جَـابُـوكْ الِانْـجِـلِـيـزْ يَـا فُؤَادْ قَعَّدُوكْ تِـمَـثِّـلْ عَـلَـى الْـعَـرْشِ دُورِ الْـمُـلُـوكْ وِفِـيـنْ يِـلْـقُـوا مُـجْـرِمْ نَظِيرَكْ ودُونْ وِخَــلُّــوكْ تِــخَــالِــطْ بَــنَـاتِ الْـبِـلَادْ عَـلَـى شَـرْطِ تِـقْـطَـعْ رِقَـابِ الْـعِـبَـادْ وِتِــنْــسَـى زَمَـانْ وَقْـفِـتَـكْ يَـا فُـؤَادْ عَـلَـى الْـبَـنْـكِ تِـشْـحَتْ شِوَيِّةْ زَتُونْ بَــذَلْــنَــا وِلِــسَّــهْ بِــنِــبْـذِلْ نُـفُـوسْ وِقُـلْـنَـا عَـسَـى اللـهْ يِزُولِ الْكَابُوسْ مَا شُفْنَا الَّا عَرْشَكْ يَا تِيسِ التُّيُوسْ لَا مَــصْـرِ اسْـتَـقَـلِّـتْ وَلَا يَـحْـزَنُـونْ بهذا الزجل تحت عنوان: (مجرم ودون)، استقبل 'بيرم' في منفاه، خبر تنصيب الإنجليز لـ'فؤاد' ملكًا على مصر، عقب تصريح 28 (شباط) فبراير 1926، الذي اعترفت فيه بريطانيا بالاستقلال الذاتي لمصر، وتحولت مصر بذلك من سلطنة إلى مملكة. بعد أن أصدر السلطان 'فؤاد' الأمر بإغلاق جريدة (المسلة)، لم يستّكن 'بيرم'، قرر معاندته وأصدر جريدة جديدة بعنوان: (الخازوق)، والتي صدَّر منها عدد واحد فقط ثم أغلقت. إبّان ثورة الشعب المصري عام 1919، وجّه 'بيرم' أزجاله لمناهضته الاستعمار الإنجليزي، كما انفرد بمهاجمته السلطان 'فؤاد'، عن طريق نشر فضائحه الشخصية.. فعندما أصدر جريدة (الخازوق) سنة 1920، بدأها بمهاجمة السلطان، عن طريق نشر فضائح أخته الأميرة 'فايقة'، بأسلوب ساخر فكاهي.. فقد صدَّر العدد بمانشيت كبير بعنوان: 'لعنة الله على المحافظ'، وفيها ساق 'بيرم' قصة موظف بسيّط وغلبان، ضاع راتبه في أول الشهر، فقد وضع الراتب في المحفظة وذهب لمولد السيدة زينب، وفي المولد، قام أحد النشالين بسرقة المحفظة بما فيها، فوقف الرجل في وسط الطريق يهتف بصوت عالٍ: 'ألا لعنة الله على المحافظ'، ويُلاحظ هنا التورية: 'المَحافِظ'؛ (جمع محفظة)، و'المُحافِظ' (الذي هو محافظ القاهر).. وعلى الفور، تم مصادَّرة الجريدة وغلقها، لأن السلطان وصله المغزى من المانشيت، ذلك أن محافظ القاهرة وقتها كان 'محمود فخري باشا' زوج 'الأميرة فايقة' ابنة السلطان.. وكانت كثرت الأقاويل وقتها، وشاع بين الناس أن محافظ القاهرة 'حسين فخري' على علاقة غير شريفة بالأميرة، فطلب 'فؤاد' من المحافظ أن يتزوجها فرفض، فعرض الأمر على أخيه 'محمود فخري باشا'، وأغراه بتعييّنه في منصب مرموق فقبل.. بعد إغلاق (الخازوق)، ضاق 'فؤاد' ذرعًا بـ'بيرم' وأزجاله التي لا ترحم، فلجأ إلى الإنجليز ليساعدوه في الطلب من السلطات الفرنسية بترحيل 'بيرم'؛ (حيث كان بيرم حماية فرنسية، فلم يكن لديه جنسية مصرية، بل تونسية).. وبالطبع رحب الاحتلال الإنجليزي بالمساعدة في ترحيل 'بيرم' لأنه كان يُشارك بأزجاله في مهاجمة الاحتلال وتأجيج روح الثورة لدى المصريين.. أزجال أقوى من القنابل شارك 'بيرم' في الثورة المصرية عام 1919، ولكن على طريقته الخاصة كما يقول: 'اشتركت في الثورة على طريقتي الخاصة.. لم أقذف بالحجارة.. ولم أحطم مصابيح النور.. وإنما نظمت مقطوعات زجلية مناسبة للمقام.. فكانت أشد وأقوى من الحجارة.. بل ومن القنابل أيضًا'. ففي زجل بعنوان: 'يامتعتع الحجر'، يُهاجم 'بيرم' الاستعمار، ويصف حالة الفلاح المصري وقت الاحتلال الإنجليزي.. نقتطف منه هذا الجزء: بِعْت عفشي وبعت ملكي وبعت بابي والطاحونة والحمار والبطانية أسأل البنك العقاري وبنك رومة تعرف المبلغ وشيكات العزومة والتِلِم مش طالع إلا بالحكومة إن كانت تنفع وبالقدرة القوية قلت أنا في عرضك يا أبو العباس يا مرسي زحلق البَلْوَة وحق الزيت عليا ونقتطف أيضًا بعضًا مما كتب ضد الاحتلال الإنجليزي: مزارع جوها دافي وطولها وعرضها وافي وليه يمشي ابنها حافي يمد الإيد ويطويها ……………………. اتركونا ننتفع من خير بلادنا… مش بلادكم اسمحوا نسبق حديدنا… مش حديدكم والسماد عايزين سمادنا… مش سمادكم ياللي ناوين تذبحون …………………….. القطن برضُه لْمِزْرُاحِي ولْقِرْدَاحِي وابن البلد يُقْعُد ماحِي في بلادُه يتيم أقطانه هو إللي زرعها وإللي جَمَعْها ما تلمِّلُه لما يبيعها حق البرسيم وكتب في تحفيز الشعب والشد من أزره: شد اللجام بزيادة كلام وامشي لْقُدَام الساعد اللي بني الأهرام هُوّاه موجود يخلق بدال الأنتيكا ميت فَبْريكَة ويبيع لأمة أمريكا وبتوع فِري جود …………………… قومي اقلعي الطرحة السودة يا ام الهَرَمين.. وركبي الورده الموضة.. بين النهدين.. يا أم الخصال المعبودة.. أنا أحطك فين !! …………………… يا مصري ليه تِرْخِي دراعك.. والكون ساعك.. ونيل جميل حلو بتاعك.. يشفي اللهاليب.. خلق إلهك مَقْدونيا.. على سَرْدينيا.. والكل زايطين في الدنيا.. ليه انت كئيب.. ماتْحُطْ نفسك في العالي..وتتباع غالي.. وتْتِفْ لي ع اللي في بالي.. من غير ماتعيب بيرم إلى المنفى تم طرد 'بيرم' في 25 (آب) أغسطس 1920؛ ولم يُسمح له حتى بوداع أهله، وكان عمره وقتها 27 عامًا.. خرج من مصر في اليوم الذي كان فيه المسلمون يحتفلون بعيد الأضحى المبارك. يوم الدبايح كان آخر مواعيدك وقفت لك فرحان أنصب رايات عيدك وافرش لك الريحان واسمع زغاريدك زعق غراب البين فصلت أكفاني خيبة أمل ومرام واعد ومِتْعَسر ياريتهُ كان في منام يصبح ويتْفَسر أو حلم بالإعدام ع الناس بيتسطر ماكان تشوف العين حالي اللي بكاني ع السين يا مصر مشيت اياكِ تسليني عليه عبد جولييت تركي على صيني يا ما لقيت ورأيت جمال ينسيني واتفكر الهرمين تجري الدموع تاني ويذهب 'بيرم' إلى المنفى؛ ليقضي به 20 عامًا بعيدًا عن مصر، قضى معظمها متنقلًا بين مدن فرنسا، بحثًا عن الرزق في أشق الأعمال وأكثرها قسوة ومرارة.. وفي مشوار بيرم (3) نتتبع رحلته المضنية والشاقة في المنفى.. فإلى لقاء