
مشوار بيرم (2) .. 'المسلة'.. و'الخازوق'
خاص: بقلم- طارق يوسف:
وِلَــمَّــا عِــدِمْــنَــا بِــمَـصْـرَ الْـمُـلُـوكْ
جَـابُـوكْ الِانْـجِـلِـيـزْ يَـا فُؤَادْ قَعَّدُوكْ
تِـمَـثِّـلْ عَـلَـى الْـعَـرْشِ دُورِ الْـمُـلُـوكْ
وِفِـيـنْ يِـلْـقُـوا مُـجْـرِمْ نَظِيرَكْ ودُونْ
وِخَــلُّــوكْ تِــخَــالِــطْ بَــنَـاتِ الْـبِـلَادْ
عَـلَـى شَـرْطِ تِـقْـطَـعْ رِقَـابِ الْـعِـبَـادْ
وِتِــنْــسَـى زَمَـانْ وَقْـفِـتَـكْ يَـا فُـؤَادْ
عَـلَـى الْـبَـنْـكِ تِـشْـحَتْ شِوَيِّةْ زَتُونْ
بَــذَلْــنَــا وِلِــسَّــهْ بِــنِــبْـذِلْ نُـفُـوسْ
وِقُـلْـنَـا عَـسَـى اللـهْ يِزُولِ الْكَابُوسْ
مَا شُفْنَا الَّا عَرْشَكْ يَا تِيسِ التُّيُوسْ
لَا مَــصْـرِ اسْـتَـقَـلِّـتْ وَلَا يَـحْـزَنُـونْ
بهذا الزجل تحت عنوان: (مجرم ودون)، استقبل 'بيرم' في منفاه، خبر تنصيب الإنجليز لـ'فؤاد' ملكًا على مصر، عقب تصريح 28 (شباط) فبراير 1926، الذي اعترفت فيه بريطانيا بالاستقلال الذاتي لمصر، وتحولت مصر بذلك من سلطنة إلى مملكة.
بعد أن أصدر السلطان 'فؤاد' الأمر بإغلاق جريدة (المسلة)، لم يستّكن 'بيرم'، قرر معاندته وأصدر جريدة جديدة بعنوان: (الخازوق)، والتي صدَّر منها عدد واحد فقط ثم أغلقت.
إبّان ثورة الشعب المصري عام 1919، وجّه 'بيرم' أزجاله لمناهضته الاستعمار الإنجليزي، كما انفرد بمهاجمته السلطان 'فؤاد'، عن طريق نشر فضائحه الشخصية.. فعندما أصدر جريدة (الخازوق) سنة 1920، بدأها بمهاجمة السلطان، عن طريق نشر فضائح أخته الأميرة 'فايقة'، بأسلوب ساخر فكاهي.. فقد صدَّر العدد بمانشيت كبير بعنوان: 'لعنة الله على المحافظ'، وفيها ساق 'بيرم' قصة موظف بسيّط وغلبان، ضاع راتبه في أول الشهر، فقد وضع الراتب في المحفظة وذهب لمولد السيدة زينب، وفي المولد، قام أحد النشالين بسرقة المحفظة بما فيها، فوقف الرجل في وسط الطريق يهتف بصوت عالٍ: 'ألا لعنة الله على المحافظ'، ويُلاحظ هنا التورية: 'المَحافِظ'؛ (جمع محفظة)، و'المُحافِظ' (الذي هو محافظ القاهر)..
وعلى الفور، تم مصادَّرة الجريدة وغلقها، لأن السلطان وصله المغزى من المانشيت، ذلك أن محافظ القاهرة وقتها كان 'محمود فخري باشا' زوج 'الأميرة فايقة' ابنة السلطان.. وكانت كثرت الأقاويل وقتها، وشاع بين الناس أن محافظ القاهرة 'حسين فخري' على علاقة غير شريفة بالأميرة، فطلب 'فؤاد' من المحافظ أن يتزوجها فرفض، فعرض الأمر على أخيه 'محمود فخري باشا'، وأغراه بتعييّنه في منصب مرموق فقبل..
بعد إغلاق (الخازوق)، ضاق 'فؤاد' ذرعًا بـ'بيرم' وأزجاله التي لا ترحم، فلجأ إلى الإنجليز ليساعدوه في الطلب من السلطات الفرنسية بترحيل 'بيرم'؛ (حيث كان بيرم حماية فرنسية، فلم يكن لديه جنسية مصرية، بل تونسية).. وبالطبع رحب الاحتلال الإنجليزي بالمساعدة في ترحيل 'بيرم' لأنه كان يُشارك بأزجاله في مهاجمة الاحتلال وتأجيج روح الثورة لدى المصريين..
أزجال أقوى من القنابل
شارك 'بيرم' في الثورة المصرية عام 1919، ولكن على طريقته الخاصة كما يقول:
'اشتركت في الثورة على طريقتي الخاصة.. لم أقذف بالحجارة.. ولم أحطم مصابيح النور.. وإنما نظمت مقطوعات زجلية مناسبة للمقام.. فكانت أشد وأقوى من الحجارة.. بل ومن القنابل أيضًا'.
ففي زجل بعنوان: 'يامتعتع الحجر'، يُهاجم 'بيرم' الاستعمار، ويصف حالة الفلاح المصري وقت الاحتلال الإنجليزي.. نقتطف منه هذا الجزء:
بِعْت عفشي وبعت ملكي وبعت بابي
والطاحونة والحمار والبطانية
أسأل البنك العقاري وبنك رومة
تعرف المبلغ وشيكات العزومة
والتِلِم مش طالع إلا بالحكومة
إن كانت تنفع وبالقدرة القوية
قلت أنا في عرضك يا أبو العباس يا مرسي
زحلق البَلْوَة وحق الزيت عليا
ونقتطف أيضًا بعضًا مما كتب ضد الاحتلال الإنجليزي:
مزارع جوها دافي
وطولها وعرضها وافي
وليه يمشي ابنها حافي
يمد الإيد ويطويها
…………………….
اتركونا ننتفع من خير بلادنا…
مش بلادكم
اسمحوا نسبق حديدنا…
مش حديدكم
والسماد عايزين سمادنا…
مش سمادكم
ياللي ناوين تذبحون
……………………..
القطن برضُه لْمِزْرُاحِي ولْقِرْدَاحِي
وابن البلد يُقْعُد ماحِي في بلادُه يتيم
أقطانه هو إللي زرعها وإللي جَمَعْها
ما تلمِّلُه لما يبيعها حق البرسيم
وكتب في تحفيز الشعب والشد من أزره:
شد اللجام بزيادة كلام وامشي لْقُدَام
الساعد اللي بني الأهرام هُوّاه موجود
يخلق بدال الأنتيكا ميت فَبْريكَة
ويبيع لأمة أمريكا وبتوع فِري جود
……………………
قومي اقلعي الطرحة السودة يا ام الهَرَمين..
وركبي الورده الموضة.. بين النهدين..
يا أم الخصال المعبودة.. أنا أحطك فين !!
……………………
يا مصري ليه تِرْخِي دراعك.. والكون ساعك..
ونيل جميل حلو بتاعك.. يشفي اللهاليب..
خلق إلهك مَقْدونيا.. على سَرْدينيا..
والكل زايطين في الدنيا.. ليه انت كئيب..
ماتْحُطْ نفسك في العالي..وتتباع غالي..
وتْتِفْ لي ع اللي في بالي.. من غير ماتعيب
بيرم إلى المنفى
تم طرد 'بيرم' في 25 (آب) أغسطس 1920؛ ولم يُسمح له حتى بوداع أهله، وكان عمره وقتها 27 عامًا.. خرج من مصر في اليوم الذي كان فيه المسلمون يحتفلون بعيد الأضحى المبارك.
يوم الدبايح كان آخر مواعيدك
وقفت لك فرحان أنصب رايات عيدك
وافرش لك الريحان واسمع زغاريدك
زعق غراب البين فصلت أكفاني
خيبة أمل ومرام واعد ومِتْعَسر
ياريتهُ كان في منام يصبح ويتْفَسر
أو حلم بالإعدام ع الناس بيتسطر
ماكان تشوف العين حالي اللي بكاني
ع السين يا مصر مشيت اياكِ تسليني
عليه عبد جولييت تركي على صيني
يا ما لقيت ورأيت جمال ينسيني
واتفكر الهرمين تجري الدموع تاني
ويذهب 'بيرم' إلى المنفى؛ ليقضي به 20 عامًا بعيدًا عن مصر، قضى معظمها متنقلًا بين مدن فرنسا، بحثًا عن الرزق في أشق الأعمال وأكثرها قسوة ومرارة..
وفي مشوار بيرم (3)
نتتبع رحلته المضنية والشاقة في المنفى..
فإلى لقاء

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


موقع كتابات
منذ 8 ساعات
- موقع كتابات
مشوار بيرم (2) .. 'المسلة'.. و'الخازوق'
خاص: بقلم- طارق يوسف: وِلَــمَّــا عِــدِمْــنَــا بِــمَـصْـرَ الْـمُـلُـوكْ جَـابُـوكْ الِانْـجِـلِـيـزْ يَـا فُؤَادْ قَعَّدُوكْ تِـمَـثِّـلْ عَـلَـى الْـعَـرْشِ دُورِ الْـمُـلُـوكْ وِفِـيـنْ يِـلْـقُـوا مُـجْـرِمْ نَظِيرَكْ ودُونْ وِخَــلُّــوكْ تِــخَــالِــطْ بَــنَـاتِ الْـبِـلَادْ عَـلَـى شَـرْطِ تِـقْـطَـعْ رِقَـابِ الْـعِـبَـادْ وِتِــنْــسَـى زَمَـانْ وَقْـفِـتَـكْ يَـا فُـؤَادْ عَـلَـى الْـبَـنْـكِ تِـشْـحَتْ شِوَيِّةْ زَتُونْ بَــذَلْــنَــا وِلِــسَّــهْ بِــنِــبْـذِلْ نُـفُـوسْ وِقُـلْـنَـا عَـسَـى اللـهْ يِزُولِ الْكَابُوسْ مَا شُفْنَا الَّا عَرْشَكْ يَا تِيسِ التُّيُوسْ لَا مَــصْـرِ اسْـتَـقَـلِّـتْ وَلَا يَـحْـزَنُـونْ بهذا الزجل تحت عنوان: (مجرم ودون)، استقبل 'بيرم' في منفاه، خبر تنصيب الإنجليز لـ'فؤاد' ملكًا على مصر، عقب تصريح 28 (شباط) فبراير 1926، الذي اعترفت فيه بريطانيا بالاستقلال الذاتي لمصر، وتحولت مصر بذلك من سلطنة إلى مملكة. بعد أن أصدر السلطان 'فؤاد' الأمر بإغلاق جريدة (المسلة)، لم يستّكن 'بيرم'، قرر معاندته وأصدر جريدة جديدة بعنوان: (الخازوق)، والتي صدَّر منها عدد واحد فقط ثم أغلقت. إبّان ثورة الشعب المصري عام 1919، وجّه 'بيرم' أزجاله لمناهضته الاستعمار الإنجليزي، كما انفرد بمهاجمته السلطان 'فؤاد'، عن طريق نشر فضائحه الشخصية.. فعندما أصدر جريدة (الخازوق) سنة 1920، بدأها بمهاجمة السلطان، عن طريق نشر فضائح أخته الأميرة 'فايقة'، بأسلوب ساخر فكاهي.. فقد صدَّر العدد بمانشيت كبير بعنوان: 'لعنة الله على المحافظ'، وفيها ساق 'بيرم' قصة موظف بسيّط وغلبان، ضاع راتبه في أول الشهر، فقد وضع الراتب في المحفظة وذهب لمولد السيدة زينب، وفي المولد، قام أحد النشالين بسرقة المحفظة بما فيها، فوقف الرجل في وسط الطريق يهتف بصوت عالٍ: 'ألا لعنة الله على المحافظ'، ويُلاحظ هنا التورية: 'المَحافِظ'؛ (جمع محفظة)، و'المُحافِظ' (الذي هو محافظ القاهر).. وعلى الفور، تم مصادَّرة الجريدة وغلقها، لأن السلطان وصله المغزى من المانشيت، ذلك أن محافظ القاهرة وقتها كان 'محمود فخري باشا' زوج 'الأميرة فايقة' ابنة السلطان.. وكانت كثرت الأقاويل وقتها، وشاع بين الناس أن محافظ القاهرة 'حسين فخري' على علاقة غير شريفة بالأميرة، فطلب 'فؤاد' من المحافظ أن يتزوجها فرفض، فعرض الأمر على أخيه 'محمود فخري باشا'، وأغراه بتعييّنه في منصب مرموق فقبل.. بعد إغلاق (الخازوق)، ضاق 'فؤاد' ذرعًا بـ'بيرم' وأزجاله التي لا ترحم، فلجأ إلى الإنجليز ليساعدوه في الطلب من السلطات الفرنسية بترحيل 'بيرم'؛ (حيث كان بيرم حماية فرنسية، فلم يكن لديه جنسية مصرية، بل تونسية).. وبالطبع رحب الاحتلال الإنجليزي بالمساعدة في ترحيل 'بيرم' لأنه كان يُشارك بأزجاله في مهاجمة الاحتلال وتأجيج روح الثورة لدى المصريين.. أزجال أقوى من القنابل شارك 'بيرم' في الثورة المصرية عام 1919، ولكن على طريقته الخاصة كما يقول: 'اشتركت في الثورة على طريقتي الخاصة.. لم أقذف بالحجارة.. ولم أحطم مصابيح النور.. وإنما نظمت مقطوعات زجلية مناسبة للمقام.. فكانت أشد وأقوى من الحجارة.. بل ومن القنابل أيضًا'. ففي زجل بعنوان: 'يامتعتع الحجر'، يُهاجم 'بيرم' الاستعمار، ويصف حالة الفلاح المصري وقت الاحتلال الإنجليزي.. نقتطف منه هذا الجزء: بِعْت عفشي وبعت ملكي وبعت بابي والطاحونة والحمار والبطانية أسأل البنك العقاري وبنك رومة تعرف المبلغ وشيكات العزومة والتِلِم مش طالع إلا بالحكومة إن كانت تنفع وبالقدرة القوية قلت أنا في عرضك يا أبو العباس يا مرسي زحلق البَلْوَة وحق الزيت عليا ونقتطف أيضًا بعضًا مما كتب ضد الاحتلال الإنجليزي: مزارع جوها دافي وطولها وعرضها وافي وليه يمشي ابنها حافي يمد الإيد ويطويها ……………………. اتركونا ننتفع من خير بلادنا… مش بلادكم اسمحوا نسبق حديدنا… مش حديدكم والسماد عايزين سمادنا… مش سمادكم ياللي ناوين تذبحون …………………….. القطن برضُه لْمِزْرُاحِي ولْقِرْدَاحِي وابن البلد يُقْعُد ماحِي في بلادُه يتيم أقطانه هو إللي زرعها وإللي جَمَعْها ما تلمِّلُه لما يبيعها حق البرسيم وكتب في تحفيز الشعب والشد من أزره: شد اللجام بزيادة كلام وامشي لْقُدَام الساعد اللي بني الأهرام هُوّاه موجود يخلق بدال الأنتيكا ميت فَبْريكَة ويبيع لأمة أمريكا وبتوع فِري جود …………………… قومي اقلعي الطرحة السودة يا ام الهَرَمين.. وركبي الورده الموضة.. بين النهدين.. يا أم الخصال المعبودة.. أنا أحطك فين !! …………………… يا مصري ليه تِرْخِي دراعك.. والكون ساعك.. ونيل جميل حلو بتاعك.. يشفي اللهاليب.. خلق إلهك مَقْدونيا.. على سَرْدينيا.. والكل زايطين في الدنيا.. ليه انت كئيب.. ماتْحُطْ نفسك في العالي..وتتباع غالي.. وتْتِفْ لي ع اللي في بالي.. من غير ماتعيب بيرم إلى المنفى تم طرد 'بيرم' في 25 (آب) أغسطس 1920؛ ولم يُسمح له حتى بوداع أهله، وكان عمره وقتها 27 عامًا.. خرج من مصر في اليوم الذي كان فيه المسلمون يحتفلون بعيد الأضحى المبارك. يوم الدبايح كان آخر مواعيدك وقفت لك فرحان أنصب رايات عيدك وافرش لك الريحان واسمع زغاريدك زعق غراب البين فصلت أكفاني خيبة أمل ومرام واعد ومِتْعَسر ياريتهُ كان في منام يصبح ويتْفَسر أو حلم بالإعدام ع الناس بيتسطر ماكان تشوف العين حالي اللي بكاني ع السين يا مصر مشيت اياكِ تسليني عليه عبد جولييت تركي على صيني يا ما لقيت ورأيت جمال ينسيني واتفكر الهرمين تجري الدموع تاني ويذهب 'بيرم' إلى المنفى؛ ليقضي به 20 عامًا بعيدًا عن مصر، قضى معظمها متنقلًا بين مدن فرنسا، بحثًا عن الرزق في أشق الأعمال وأكثرها قسوة ومرارة.. وفي مشوار بيرم (3) نتتبع رحلته المضنية والشاقة في المنفى.. فإلى لقاء


موقع كتابات
منذ يوم واحد
- موقع كتابات
لقد اسقطتك الأمواج أيها الربان في عرض البحر
منذ أكثر من سنة ونيف، وأنت تخطط في دعوة أبناء عمومتك لمضيفك العامر، فقد بذلت الغالي والرخيص من أجل أن تكون مضيافاً رافعاً لرأسك بين أهاليك وسط رافديك الجميلين لاستقبالهم . لقد جلبت عواميد بيتكالشعري من بلاد الهند والسند، وأصواف جوادره من الشعرالمطعم بالأسود والبيجي والجوزي من وبر الإبل الإسترالي، وفراش سجاد أرضيتك من أصفهان عاصمة التأريخ الجميل، ووسادات مضيفك من قضاء الحي منأطراف الكوت الواسطي، وقهوتك العربية من صنعاء بلقيساليمن، وطعامهم من عنبر المشخاب المعطر، وسمك الزبيدي من خور عبد الله العراقي ! ورغم ذلك، فلم يلبوا دعوتك،ويكرموك بالزيارة المرتقبة! فقط ارسلوا مرسالهم مبررين ذلك بانشغالهم بأمور العشيرة والعباد والدنيا الفانية، والصلاة والتعبد، خوفاً من الله سبحانه وتعالى، لان محكمة العدالة قريبة جداً، التي لا تنفع فيها كل الدفوع القانونية التي تقدم من أي محام كان، مهما كان تصنيف هويته ودرجته . انت ونحن نعرف سبب غياب أبناء عموتك لبيتك، فقد زارهم …….!، واتعبهم بالرقص والتصفيق أمامه …..!،وامتص دمائهم بالحجامة الصحية، فلا طاقة لهم من ركوب خيولهم ، والقدوم اليك في شهر مايو الحار، وتحمل عناء السفر الى أبناء عمومتهم في مشرقها، ومع ذلك نقول : أهلاوسهلاً لمن قدم اليك، وليعلم الجميع ، تبقى بيوتنا مفتوحة لأبناء عمومتنا لا نغلقها أبد الدهر، فهذه ليست من أخلاقنا أو شيمنا، فنحن أبناء حمايل، مثلما تقول أمثالنا، ولكن لنا غصة في أفواهنا لعدم المجيء، لماذا، هذا الجفاء؟


موقع كتابات
منذ يوم واحد
- موقع كتابات
مجموعات المثقفين
ينظر كثير من الناس للمثقف على انه الشخص المتعلم او الحامل للشهادة العليا او السياسي او الشاعر او الكاتب او ذاك الذي يحفظ اسماء الكتاب والعلماء ويحفظ اقوالهم. هذه الفهم لمعنى المثقف هو فهم ساذج, لا ينم عن معرفة ودراية بالمعنى الحقيقي للثقافة والمثقف, فالثقافة هي سلوك اكثر مما هي علم, وهي منهج حياة اكثر مما هي دراسة, فقد تجد شخصا بسيطا ولم يحظى بتعليم جيد لكنه مثقف. يقول الاعلامي الدكتور نجم عبد الكريم 'إن المثقف هو من يقلص اكبر قدر من السلبيات, ويوسع دائرة الايجابيات, قد يكون فلاحا او قد يكون نجارا او قد يكون عامل او قد يكون وزيرا او قد يكون امير' هذه النظرة للمثقف جعلت بعض المتحذلقين من الذين يملكون مهارات لغوية او خطابية او شعرية او كتابية يتصدرون المشهد, ويصدروا انفسهم على انهم متنوروالمجتمع, وهم سادته وقادته, وان رأيهم السداد, وقولهم الفصل, وفهمهم النهاية, فصاروا يشكلون لوبيات ومجاميع تدعم بعضها البعض, وتقدم بعضها البعص في حلقات ضيقة وخاصة وانطوائية, ولا يسمحون لاحد ان يلجها, فكل من هو غيرهم هو قاصر, متندي المرتبة حسب رايهم, واخذ هؤلاء المتقمصين من التواصل الاجتماعي والمهرجات والفعاليات الخاصة والعامة وسيلة لدعم بعضهم البعض, فيعمدون لإنشاء حسابات وهمية, وينشرون نشاطات احدهم ويشاركونها, ويعلقون عليها حتى يظن الظان ان هذا الشخص هو فهيم الزمان, وطبيب العلل, وبلسم الجراح. اكاد اجزم اني اول من اطلق لقب شعراء الكيا بعد سقوط حكم البعث الدموي عام 2003, واجرم اني لي شهادة براءة اختراع هذا اللقب, والكيا لمن لا يعرفها هي سيارة نقل عام,بأحد عشر راكبا كانت قد عملت في العراق نهاية التسعينات, وخبا بريقاها بعد دخول السيارات الحديثة كالستاريكس واليوكن والهايس. ان فكرة شعراء الكيا هي ان يقوم شخص له قدرة بسيطة على كتابة الشعر, باستئجار سيارة نوع كيا ويأخذ فيها اصدقاءه للمنتديات, وحين يصلون الى مقاعد القاعة يتفرقون بينها, ويتوزعون وفقط خطة مرسومة ومتفق عليها مسبقا, وما ان يعتلي صاحبهم المنصة حتى تبدأ الفعاليات الكاذبة, حيث ينهض احدهم من هناك وبصورة انفعالية ويصيح 'الله الله' اعجابا بالشعر, ثم ينهض اخر من مكان اخر وينادي 'اعد اعد' مع تمثيل مشارع جياشة, واظهار الانفعال العاطفي الخدّاع. هذه الحالة ' شعراء الكيا' انتقلت الى كل مفصل من مفاصل الثقافة, حتى صارت لدينا كروبات للكتاب,وللمحللين السياسيين, ولعرفاء الاحتفالات, وللفنانين وغيرهم. ان مشكلة 'المثقف' في بلادنا تكمن في تعاليه على مجتمعه, بل الاساءة له والتنكر لحميد خصاله, والامعان في تشويهه, ولا يسعى هذا المثقف الى رفعة مجتمعه او اعلاء شانه, يقول الكاتب السوداني دفع الله حسن بشير 'أما في السياق الشرقي فإذا قابلتم شخصاً ينظُر إلى نفسه على أنه ينتمي إلى طبقة متميزة تعلو على طبقات الشعب الأخرى، وتظن أنها تمتلك وحدها حق تحديد مصائر العامة، وتدبير شؤون الحياة، ولا تمانع هذه الطبقة إذا اضطرتها الأوضاع في فرض وصايتها على الشّعب من خلال ممارسة نوع من الاستبداد المستنير، والأكثر من ذلك تمتلك هذه الطبقة قدراً من ازدراء الطبقات الأخرى خصوصا الطبقة العاملة، والاستعلاء عليها إلى درجة تمكّنها من التصريح بعدم أهلية تلك الطبقات للمشاركة في تحديد شؤون الحياة العامة، فأنتم أمام شخص يمكن أن تطلقوا عليه وبلا تردد لفظ 'مُثقّف'.