
الإمارات.. حين يتحوّل التخطيط إلى رسالة وصناعة الغد إلى التزام
الإمارات.. حين يتحوّل التخطيط إلى رسالة وصناعة الغد إلى التزام
في القمة العالمية للحكومات، حيث تلتقي العقول لصياغة رؤى المستقبل، تحدّث معالي محمد القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء، بكلمات عفوية وعميقة، عكست جوهر النموذج الإماراتي في الحكم، لا بوصفه إدارة يومية، بل مشروعاً وطنياً طويل الأمد. لم يكن حديثه خطاباً رسمياً، بل كان أشبه بنقل صورة من الداخل، من عقل الدولة الإماراتية، وكيف تفكّر وتخطط وتتحرك في واحدة من أكثر مناطق العالم اضطراباً.
هذا النهج الذي عبّر عنه معاليه، لم يكن وليد لحظة أو اجتهاد فردي، بل هو امتداد لرؤية متكاملة رسّخها القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي وضع الإنسان في قلب المشروع الوطني، وجعل من القيادة نموذجاً في الحكمة والرحمة والقرب من الناس. وتواصل هذا النهج بقوة تحت راية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، الذي جعل من الاستقرار والتخطيط والكرامة الوطنية عنواناً لنهجه، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، الذي بث في العمل الحكومي روح الطموح والميدان، ورفع سقف الأداء في كل مؤسسات الدولة. من هذا الأساس، جاءت كلمات القرقاوي لتكون ترجمة طبيعية لفكر قيادة تُدير الزمن لا تنتظر تحوّلاته.
في حديثه، لخص القرقاوي جوهر التجربة الإماراتية بجملة صريحة: «نحن نعيش في حيّ صعب، ولذلك نُفكر يومياً في ما هو الأصلح لنا» هذه العبارة وحدها تختصر فلسفة كاملة: أن التفكير الاستراتيجي في الإمارات ليس رفاهية، بل ضرورة، وأن البقاء لا يعني فقط النجاة، بل التقدّم وسط الأمواج.
في الإمارات، تبدأ كل خطة من فهم عميق للواقع: فهم الداخل أولاً، واستيعاب ما يحتاجه المجتمع، ثم مراقبة محيطها الإقليمي، وتحليل المتغيّرات الدولية، من الاقتصاد إلى الجغرافيا السياسية، ومن التحالفات إلى التحديات. ثم يأتي القرار، مبنياً لا على انفعال، بل على مصلحة وطنية محسوبة.
أشار القرقاوي في حديثه إلى محطات فارقة في العمل الحكومي: وزارة الذكاء الاصطناعي عام 2017 لم تكن استجابة للموضة، بل استعداداً لعصر جديد، ووزارة السعادة كانت إعلاناً بأن الإنسان ليس أداة إنتاج، بل محور الرفاه، وتعيين وزيرة شابة بعمر 21 عاماً لم يكن رمزاً، بل تأكيداً على أن صوت الشباب يجب أن يكون جزءاً من صناعة القرار.
ما يميّز هذه الرؤية أنها لا تعتمد على البريق، بل على البساطة والفطرة. قال القرقاوي: «الأمر بسيط… الأمر فيه كثير من الحسّ العام» وهذه البساطة ليست ضعفاً، بل نضجاً، حين تكون مدعومة بفريق يعمل ويبحث ويفكّر، ويملك شغفًا حقيقيًا بالمستقبل.
والأهم من ذلك أن الإمارات لا تبني المستقبل لنفسها فقط. فكما قال معاليه، الناس في العالم العربي ينظرون إلى ما تفعله الإمارات ويسألون: «لماذا لا نفعل مثلهم؟ إنهم يشبهوننا» وهنا تبدأ الرسالة الأهم: حين تنجح الإمارات، فإنها تفتح باباً من الأمل لمن حولها، وتؤكد أن النهوض ممكن حين تتوافر الرؤية والإرادة والعمل المستمر.
الإمارات لا تقول الكثير، لكنها تُنجز. لا تطرح شعارات، بل تبني واقعاً يفرض احترامه. وحديث القرقاوي كان مثالاً حياً على أن في هذا البلد من يُفكر، لا ليُعجب الآخرين، بل ليصون كرامة الإنسان، وليمنحه أسباباً حقيقية للإيمان بالغد.
هذه هي الإمارات… دولة لا تنتظر الفرص، بل تصنعها، ولا تخشى التحدي، بل تُقبِل عليه. تقودها قيادة تعرف أن مهمتها لا تنتهي عند حدود الوطن، بل تبدأ منها لتصل إلى كل من يرى في التجربة الإماراتية أملاً جديداً.
*لواء ركن طيار متقاعد.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشارقة 24
منذ ساعة واحدة
- الشارقة 24
نهيان بن مبارك يستقبل المبعوث الخاص لرئيس وزراء بنغلاديش
الشارقة 24 – وام: استقبل معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش، في مجلسه بمدينة أبوظبي، السيد لطفي صديقي، المبعوث الخاص لكبير المستشارين (رئيس الوزراء) لحكومة جمهورية بنغلاديش، الذي يزور الدولة في إطار تعزيز التواصل الثنائي بين البلدين الصديقين. وفي بداية اللقاء، رحّب معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان بالضيف، مشيداً بعمق العلاقات الإستراتيجية التي تربط دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية بنغلاديش، والتي أرساها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي آمن بأهمية مدّ جسور التعاون مع دول جنوب آسيا، ولا سيما بنغلاديش التي تجمعها بالإمارات روابط إنسانية وثقافية واقتصادية عميقة. وأكد معاليه أن هذه العلاقات المتينة التي وضع أسسها القائد المؤسس تواصل تطورها وازدهارها في ظل القيادة الحكيمة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة "حفظه الله"، والتي تعتمد على الانفتاح والتعاون البناء واحترام السيادة وتعزيز المصالح المشتركة، مشيرا إلى التطور الملحوظ الذي تشهده العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات، وهو ما يعكس رغبة الجانبين في الارتقاء بها نحو شراكة أكثر شمولا وفعالية. من جانبه، أعرب السيد لطفي صديقي عن بالغ شكره وامتنانه لمعالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان على حفاوة الاستقبال، مشيدا بمكانة دولة الإمارات ودورها الرائد في دعم جهود التنمية المستدامة إقليميا ودوليا، بالإضافة إلى التزامها بقيم التعايش والاعتدال والانفتاح الثقافي. وأكد المبعوث الخاص أن جمهورية بنغلاديش تولي اهتماما كبيرا بتعزيز علاقاتها مع دولة الإمارات، مشيرا إلى أن هذه الزيارة تأتي في إطار حرص بلاده على تطوير التعاون العملي وتوسيع نطاقه بما يخدم تطلعات الشعبين الصديقين، كما شدد على أن علاقات البلدين تمثل نموذجا يحتذى به في التعاون الدولي القائم على القيم المشتركة والتفاهم المتبادل. واختتم اللقاء بالتأكيد على أهمية مواصلة التنسيق والتشاور بين الجانبين في مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، والسعي لاستكشاف مجالات جديدة للتعاون الإستراتيجي، بما ينسجم مع رؤية البلدين لمستقبل يعمه السلام والاستقرار، ويعزز الازدهار الإقليمي والدولي.


البوابة
منذ 3 ساعات
- البوابة
محافظ الشرقية يستقبل أسقف ميت غمر ودقادوس وبلاد الشرقية والوفد الكنسي المرافق
استقبل المهندس حازم الأشموني محافظ الشرقية نيافة الأنبا صليب أسقف ميت غمر ودقادوس وبلاد الشرقية والوفد الكنسي المرافق له، لتقديم التهنئة بمناسبة عيد الأضحي المبارك، وذلك بمكتبه بديوان عام المحافظة. الأشموني: جميعنا ابناء وطن واحد أعرب المحافظ عن شكره وامتنانه بزيارة نيافة الأنبا صليب والوفد الكنسي المرافق له لتقديم التهنئة بمناسبة عيد الأضحي المبارك، مؤكداً أن تلك الزيارة تعكس مدي قوة الروابط والمشاعر الأخوية والسماحة الدينية التي يتميز بها المصريون، وتؤكد أننا جميعاً أبناء وطن واحد تجمعنا أواصر المحبة والصداقة والعمل المشترك لإستكمال مسيرة التنمية والبناء التي يقودها الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية. أكد محافظ الشرقية أن مصر بمسلميها ومسيحييها ستظل منارة للإخاء والمحبة ونموذجاً للتسامح والتعايش بين أبنائها، مشيراً إلى أن مظاهر الود والتآخى خلال الأعياد والمناسبات المختلفة تعد ملحمة لروح المشاركة الوطنية بين نسيج الأمة الواحدة. ومن جانبه عبر نيافة الأنبا صليب عن أمنياته بأن يحفظ الله مصر ويحميها من كل مكروه وسوء مشيداً بالعلاقة القوية التي تجمع المسلمين بالمسيحيين، مؤكداً أن الأديان جاءت من أجل المحبة والسلام، وبناء ثقافة الود والتحلي بالفضيلة.


البوابة
منذ 3 ساعات
- البوابة
الإرهاب النووى.. هل سعت الجماعات الجهادية لامتلاك أسلحة الدمار الشامل؟
على مدار العقود الماضية، شهد العالم تحوّلًا جذريًا في طبيعة التهديدات الأمنية، لا سيما مع بروز الجماعات الإسلامية المتطرفة التي لم تكتفِ باستخدام وسائل القتال التقليدية، بل شرعت في البحث عن أسلحة أكثر فتكًا ورعبًا، من بينها الأسلحة النووية. هذا التحول يعكس تصاعدًا في وتيرة الصراعات العالمية، حيث تتداخل التوترات النووية بين الدول الكبرى مع التهديدات الإرهابية التي لم تعد تقتصر على حدود الجغرافيا والسياسة، بل باتت تهدد الأمن والسلم الدوليين بشكل مباشر. في ظل هذا الواقع المتشابك، تبرز جماعات جهادية مثل تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية «داعش» كجهات تسعى إلى فرض هيمنتها عبر نشر الرعب وتوسيع نطاق نفوذها بطرق غير تقليدية. إن امتلاك هذه الجماعات لسلاح نووي، أو حتى قنبلة نووية قذرة تعتمد على تفريق المواد المشعة، قد يمثل تحوّلًا استراتيجيًا خطيرًا، يرفع من مستوى الخطر على المجتمعات العالمية ويضع القوى الكبرى أمام معضلة أمنية غير مسبوقة. تشكل هذه الفرضية الجديدة تحديًا حقيقيًا للأجهزة الأمنية والاستخباراتية، التي يجب أن تتعامل مع تهديد نووي لا يشبه التهديدات التقليدية، إذ إن الجماعات الجهادية قد تلجأ إلى أساليب انتحارية في استخدامها للأسلحة النووية، مما يجعل ردعها وإحباط هجماتها أكثر صعوبة. ولذلك، من الضروري أن نفهم بعمق العلاقة بين هذه الجماعات ومفهوم الصراع النووي العالمي، خصوصًا في ظل تزايد احتمالات تسرب التكنولوجيا النووية إلى أيدٍ غير حكومية. من هنا، يبرز السؤال المركزي حول كيفية إدارة المجتمع الدولي لهذا التهديد المزدوج: الإرهاب النووي والصراع الدولي على الأسلحة النووية. فالتقاطع بين الإرهاب والجغرافيا النووية يشكل منعرجًا خطيرًا يمكن أن يعيد تشكيل قواعد الأمن العالمي. لهذا، يحتاج الباحثون وصناع القرار إلى تبني استراتيجيات متكاملة تجمع بين الإجراءات الأمنية، التوعية، والدبلوماسية الدولية لمنع وقوع كارثة قد تكون أشد فتكًا من أي تهديد عرفه العالم سابقًا. البُعد الأيديولوجي للجماعات الجهادية تجاه السلاح النووي تُعتبر الأيديولوجيا الدينية للجماعات الجهادية المتطرفة إطارًا رئيسيًا لفهم مواقفها تجاه استخدام العنف، بما في ذلك السلاح النووي. تستند هذه الجماعات في خطابها إلى تفسيرات دينية متشددة تبرر العنف ضد أعداء الإسلام باعتباره جهادًا في سبيل الله. في هذا السياق، تناول عدد من قادة هذه الجماعات موضوع استخدام أسلحة الدمار الشامل، مثل الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والنووية، كوسائل مشروعة في المعركة ضد ما يرونه الظلم والاحتلال من قبل القوى الغربية. على سبيل المثال، في وثيقة القاعدة المعروفة التي أصدرتها قيادة التنظيم في مطلع الألفية، تحدث أسامة بن لادن عن وجوب استخدام كل الوسائل المتاحة لإلحاق الضرر بالأعداء، مع الإشارة الضمنية إلى إمكانية استخدام أسلحة دمار شامل. رغم ذلك، لا توجد فتوى دينية موحدة أو إجماع فقهِي رسمي يصدر عن كبار العلماء في الجماعات الجهادية يجيز استخدام القنابل النووية بشكل صريح. لكن الملاحظ أن بعض التيارات داخل هذه الجماعات بدأت تتبنى خطابًا أكثر تطرفًا يُروج لفكرة الإرهاب النووي كجزء من الجهاد المعاصر، مُعتبرين أن امتلاك أو حتى تهديد استخدام هذه الأسلحة هو شكل من أشكال الردع التي يمكن أن تحمي أهدافهم وتحافظ على وجودهم. ويعكس ذلك تحولًا في طبيعة الخطاب الجهادي من مجرد المقاومة التقليدية إلى اعتماد أساليب راديكالية تستند إلى خلق توازن رعب مع الخصوم. يُشير الباحث في شئون الإرهاب ستيفن إمرسون في تقاريره مع مركز مكافحة الإرهاب الدولي إلى أن الجماعات الجهادية تسعى إلى استخدام السلاح النووي كأداة لإحداث رعب شامل، بحيث لا تحتاج حتى إلى استخدامه فعليًا، بل يكفي التهديد لفرض تأثيرها السياسي والاستراتيجي. هذا التهديد النووي غير التقليدي يهدف إلى إرغام القوى الكبرى على الدخول في مفاوضات مع الجماعات أو على الأقل إعادة النظر في سياساتها الأمنية تجاه المناطق التي تنشط فيها هذه الجماعات. كما تعكس هذه الأيديولوجيا تحولًا في مفهوم الردع الذي كان حكرًا على الدول، إذ تحاول الجماعات الجهادية استيراد منطق الردع النووي وتحويله إلى أداة بيد فاعل غير دولة، وهو ما يمثل تحديًا جديدًا لمنظومة الأمن الدولي. ففي حين ترتكز الدول على قواعد الردع المتبادل واحترام قواعد الحرب، تستند الجماعات الجهادية إلى استعدادها للقيام بأعمال انتحارية نووية، مما يجعل الردع التقليدي أقل فعالية، ويرفع من مستوى التهديد الأمني العالمي. في هذا السياق، يُعتبر توجه الجماعات الجهادية نحو تبني أو تهديد استخدام أسلحة نووية مؤشرًا على توسع طموحاتها في الساحة الدولية، حيث لا تكتفي بالقتال التقليدي فقط، بل تسعى لفرض وجودها عبر خلق حالة رعب نووي. ومن الأمثلة على هذا التوجه، التحذيرات المتكررة التي أطلقها قادة تنظيم القاعدة في فترات مختلفة من العقد الماضي بشأن إمكانية استخدام سلاح دمار شامل، وأيضًا خطابات داعش التي أشارت إلى رغبتها في اقتناء أسلحة نووية أو إشعاعية لتوسيع دائرة تأثيرها عبر ما يسمى الحرب النفسية. محاولات فعلية تُشير تقارير متعددة إلى أن تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية «داعش» يسعيان بجدية إلى الحصول على مواد مشعة وتقنيات نووية من خلال شبكات السلاح السوداء والأسواق غير الرسمية، التي تُعد مصدرًا رئيسيًا للأسلحة والمواد الحساسة في العالم. تستهدف هذه الجماعات، في المقام الأول، تطوير ما يُعرف بـ«القنبلة القذرة» أو السلاح النووي الإشعاعي، الذي يعتمد على تفريق مواد مشعة سامة في مناطق مدنية أو عسكرية، مما يُحدث تلوثًا بيئيًا واسع النطاق وإرهابًا نفسيًا أكثر منه تدميرًا نوويًا تقليديًا. ويعتبر هذا النوع من الأسلحة خيارًا أكثر واقعية للجماعات الإرهابية مقارنة بالقنابل النووية الكاملة التي تتطلب موارد تكنولوجية ومعرفية متقدمة. وكالات الاستخبارات الغربية، وعلى رأسها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية «CIA» والمخابرات البريطانية «MI٦»، وثقت عبر تقاريرها السنوية لمحاربة الإرهاب وجود محاولات مستمرة من هذه الجماعات لاستقطاب علماء سابقين أو مهندسين كانوا يعملون في برامج نووية رسمية أو عسكرية، خاصة من دول ذات برامج نووية سابقة كروسيا وأوكرانيا وبعض دول الاتحاد السوفيتي السابق. في بعض الحالات، تم رصد خلايا نائمة تابعة للجماعات الإرهابية تحاول الدخول إلى مراكز نووية ومدنية حساسة من خلال الشبكات المحلية، بهدف سرقة أو الحصول على مواد مشعة أو معلومات تقنية. رغم هذه الجهود الكبيرة، ما تزال العقبات التقنية والمعرفية عائقًا رئيسيًا أمام تحقيق قنبلة نووية متكاملة بحوزة الجماعات الجهادية. فتصنيع قنبلة نووية تتطلب مستوى عالياً من الخبرة العلمية، موارد ضخمة، ومعدات متقدمة، إضافة إلى ضمان سرية العمليات، وهو أمر صعب للغاية خارج نطاق دولة ذات بنية تحتية نووية متطورة. لكن، يبقى السلاح النووي الإشعاعي القنبلة القذرة تهديدًا قائمًا لأنه يمكن تصنيعه باستخدام مواد مشعة متوفرة نسبيًا في المستشفيات أو المنشآت الصناعية، ما يجعل احتمالية وقوع هجوم إشعاعي واقعًا لا يمكن تجاهله. ومن الأمثلة التاريخية على محاولات استخدام أو الحصول على مواد مشعة، حادثة الكشف عن خلية داعش في تركيا عام ٢٠١٦، حيث ضبطت السلطات التركية مواد مشعة كانت الجماعة تخطط لاستخدامها في هجوم إشعاعي محتمل، كما وثقت أجهزة الأمن الفرنسية والإيطالية محاولات مجموعات إرهابية للحصول على يورانيوم مخصب عبر شبكات إجرامية في أوروبا الشرقية، هذه الحالات تؤكد جدية التهديد الذي يشكله الإرهاب النووي أو الإشعاعي، وتفرض تحديات أمنية كبرى على الدول والمجتمع الدولي. ختامًا، وعلى الرغم من صعوبة حصول الجماعات الجهادية على سلاح نووي متكامل، فإن توافر المواد المشعة وسهولة الوصول إلى التقنيات ذات الاستخدام المزدوج يجعل خطر الهجمات الإشعاعية حقيقيًا. لذلك، تواصل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الدولية تكثيف جهودها في مراقبة وتأمين المنشآت النووية، وتفكيك شبكات التهريب والتواصل التي تسهل وصول هذه المواد إلى أيدي الإرهابيين، في محاولة للحد من هذا التهديد الذي يفرض تحديات جديدة على الأمن العالمي. العلاقة بين الجماعات الجهادية والدول النووية: تقاطعات خطيرة تشكل العلاقة بين الجماعات الجهادية والدول التي تمتلك أسلحة نووية أو تسعى إلى تطويرها أحد أكثر المحاور حساسية وتعقيدًا في ملف الأمن النووي العالمي. على سبيل المثال، تعتبر باكستان حالة مقلقة بسبب وجود جماعات، مثل طالبان ولشكر طيبة التي تحظى بنفوذ واسع داخل البلاد، مما يثير مخاوف مستمرة من احتمال تسرب معلومات أو مواد نووية إلى أيدي هذه الجماعات. باكستان تمتلك ترسانة نووية تُعتبر رابع أكبر ترسانة نووية في العالم، وتحتفظ ببرنامج نووي عسكري متطور، إلا أن التحديات الأمنية الداخلية، لا سيما ارتباط بعض الأجهزة الأمنية بجماعات متطرفة، تُفاقم المخاوف الدولية. من جهة أخرى، تمثل إيران وكوريا الشمالية ساحات توتر دولي كبيرة، حيث تواصل كلتا الدولتين تطوير برامج نووية تتسبب في أزمات إقليمية وعالمية. في إيران، يُخشى أن تستغل الجماعات المتطرفة، مثل حزب الله وكتائب حزب الله التوترات الإقليمية للتوسع في نفوذها، مستفيدةً من الاضطرابات السياسية والاقتصادية في المنطقة. وكوريا الشمالية، بدورها، تصنف كدولة راعية للإرهاب، وتُتهم بدعم فصائل متطرفة من خلال تهريب أسلحة وتقنيات نووية، ما يعزز احتمالية استفادة الجماعات الجهادية من تلك البرامج في حال تمكنوا من اختراقها. تُشير تقارير استخباراتية عديدة إلى وجود تقاطعات غير مباشرة بين هذه الدول والجماعات الجهادية، إذ قد توفر بعض الدول ملاذات أو دعمًا غير مباشر لجماعات معينة لتحقيق أهداف جيوسياسية، أو للاستفادة منها كورقة ضغط في نزاعات إقليمية ودولية. هذه العلاقة المعقدة تضفي على تهديد الإرهاب النووي أبعادًا جديدة، إذ يمكن لهذه الجماعات أن تتحول إلى أدوات غير تقليدية ضمن صراعات أكبر، من خلال استخدام الأسلحة النووية أو الإشعاعية لتحقيق أهداف سياسية أو دينية. مثال على ذلك، تقرير صادر عن الاستخبارات الأمريكية عام ٢٠٢١ أشار إلى أن بعض خلايا تنظيم القاعدة حاولت استغلال الاضطرابات في باكستان للوصول إلى مواقع حساسة في المنشآت النووية، كما أن مراقبين دوليين أكدوا وجود محاولات من جانب جماعات مرتبطة بإيران للتسلل إلى مجالات تصنيع أو تخزين المواد النووية، مما يبرز أهمية تعزيز التعاون الدولي لمراقبة هذه التداخلات ومنع تحولها إلى تهديد نووي حقيقي. الردع غير المتكافئ تختلف استراتيجية الردع التي تتبعها الدول عن تلك التي قد تعتمدها الجماعات الجهادية بشكل جذري. فالدول عادةً ما تبني نظام الردع النووي على أساس مبادئ الحرب التقليدية، حيث تقوم على مفهوم الردع المتبادل والاحتفاظ بالقدرة على توجيه ضربة مضادة في حال التعرض لهجوم نووي. هذه الاستراتيجية تفترض وجود عقلانية سياسية وعسكرية تسعى للحفاظ على التوازن وتجنب الدمار الشامل. أما الجماعات الجهادية، فتفتقر إلى هذه العقلانية التقليدية، حيث أن أيديولوجياتها تعتمد أحيانًا على مفهوم الشهادة أو التضحية بالنفس، مما يجعلها أكثر استعدادًا لاستخدام الأسلحة النووية في هجمات انتحارية، بغض النظر عن الخسائر الجسيمة التي ستلحق بها وبأهدافها. تُعد هذه الطبيعة الانتحارية واللامبالاة بالخسائر البشرية عاملًا يزيد من تعقيد التهديد النووي الذي تمثله الجماعات الجهادية. ففي عام ٢٠٠١، أكدت تقارير استخباراتية غربية أن تنظيم القاعدة سعى إلى تطوير أسلحة دمار شامل، بما في ذلك أسلحة نووية، كجزء من استراتيجيته لترويع خصومه وإحداث دمار هائل، كما تشير دراسة لمعهد الأمن الدولي إلى أن الجماعات المتطرفة ترى في الإرهاب النووي وسيلة لخلق رعب استثنائي لا يمكن معادلته بالأسلحة التقليدية، وهو ما يفرض تحديًا غير مسبوق على أجهزة الأمن العالمية. يمثل الإرهاب النووي تحديًا رئيسيًا لمنظومة الأمن الدولية، إذ يتطلب مواجهة هذا الخطر تنسيقًا استخباراتيًا وأمنيًا متعدد الأطراف. يجب على الدول والمنظمات الدولية مراقبة المواد النووية المشعة والأسلحة بعناية فائقة لمنع تسربها إلى أيدي الجماعات المتطرفة، فضلًا عن إحباط محاولات تهريب التكنولوجيا والأسلحة النووية عبر الأسواق السوداء وشبكات الجريمة المنظمة. وفقًا لوكالة الطاقة الذرية الدولية، فقد تصاعدت محاولات الجماعات الإرهابية الحصول على مواد نووية إشعاعية خلال العقد الماضي، مما دفع المجتمع الدولي لتعزيز آليات المراقبة والرقابة على المنشآت النووية حول العالم. في مواجهة هذا التهديد، تتعاون دول عدة عبر تحالفات أمنية واستخباراتية لتبادل المعلومات وتعزيز قدرات التصدي، مثل مجموعة العمل المعنية بالإرهاب النووي «NTWG» التابعة للأمم المتحدة. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة بسبب الطبيعة السرية والمعقدة لشبكات الجماعات الجهادية، وصعوبة التنبؤ بخطواتها، فضلاً عن ضعف بعض الدول في السيطرة على أراضيها ومنشآتها النووية. كل ذلك يجعل الردع النووي التقليدي غير كافٍ في مواجهة تهديدات الجماعات الإرهابية، ويتطلب تطوير استراتيجيات أمنية متقدمة تجمع بين الاستخبارات والتقنيات الحديثة والتعاون الدولي المكثف. السيناريوهات المستقبلية والتوصيات في ظل تصاعد المخاوف الأمنية العالمية، يبقى احتمال تمكن جماعات جهادية من الحصول على سلاح نووي فعلي من السيناريوهات المعقدة التي تواجه المجتمع الدولي. رغم أن الحصول على قنبلة نووية متكاملة يتطلب قدرات تقنية وعلمية عالية يصعب على هذه الجماعات تحقيقها بسهولة، إلا أن التهديد الحقيقي يكمن في إمكانية استخدام ما يُعرف بالقنبلة القذرة أو السلاح النووي الإشعاعي، الذي يعتمد على تفريق مواد مشعة في مناطق مدنية بهدف إحداث رعب واسع دون الحاجة إلى تقنية تفجيرات نووية متقدمة. وهذا ما يجعل السيناريو واقعيًا يجب الاستعداد له، خاصة مع تقارير استخباراتية متعددة رصدت محاولات استحواذ على مواد نووية مشعة في أسواق السلاح السوداء، كما أكدت تقارير وكالة الطاقة الذرية الدولية «IAEA». تعتبر الرقابة الدولية على المواد النووية المشعة والمواد الانشطارية حجر الزاوية في التصدي لهذا الخطر. تتطلب مواجهة هذا التحدي تعزيز الآليات الرقابية والتفتيشية التي تتبعها المنظمات الدولية، خصوصًا وكالة الطاقة الذرية، مع ضرورة زيادة الموارد والدعم للدول التي تمتلك منشآت نووية ضعيفة البنية الأمنية. مثال على ذلك هو برنامج الأمم المتحدة لمنع انتشار الأسلحة النووية، الذي يركز على مراقبة وتحجيم التجارة غير القانونية في المواد النووية، وإحباط محاولات تهريبها عبر الحدود. كما تتطلب المرحلة المقبلة تطوير شبكات إنذار مبكر وتقنيات متقدمة للكشف عن محاولات التهريب أو استخدام المواد المشعة. على الصعيد الأمني والاستخباراتي، يتوجب توسيع التعاون الدولي بين الدول، وتبادل المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بتحركات الجماعات الإرهابية. التحالفات مثل مجموعة العمل المعنية بالإرهاب النووي «NTWG» ومنظمة التعاون الأمني الدولي تلعب دورًا محوريًا في تنسيق الجهود الرامية لمنع الإرهاب النووي، كما ينبغي دعم الدول ذات الأنظمة الأمنية الهشة، التي قد تكون أرضًا خصبة لتمركز هذه الجماعات، من خلال برامج تدريبية وتعزيز القدرات الأمنية المحلية. هذا بالإضافة إلى أهمية مراقبة مواقع النزاع التي تستغلها الجماعات الجهادية كأماكن للاختباء والتخطيط. لا يمكن تجاهل البعدين الاجتماعي والسياسي في مكافحة هذا التهديد، حيث يجب العمل على معالجة الأسباب الجذرية التي تؤدي إلى انتشار التطرف، كالفقر، والبطالة، والتهميش السياسي. من خلال برامج تنموية وإصلاحات سياسية، يمكن تقليل فرص جماعات الإرهاب في استقطاب الشباب واستغلال مناطق النزاع لتحقيق أهدافها. وقد أثبتت دراسات عدة، منها تقرير البنك الدولي حول مكافحة التطرف، أن الاستثمار في التنمية الشاملة يقلل من احتمالية التحاق الأفراد بهذه الجماعات. أخيرًا، من الضروري وضع خطط استباقية متكاملة للطوارئ لمواجهة سيناريوهات الهجمات النووية أو الإشعاعية، يشمل ذلك تجهيز البنى التحتية الطبية لاستيعاب حالات التسمم الإشعاعي، وتعزيز قدرات الطوارئ المدنية في الكشف المبكر والتعامل مع الكوارث النووية. تجارب مثل الاستجابة لهجوم رادون في اليابان عام ٢٠١١ تقدم دروسًا مهمة في كيفية تنظيم عمليات الإخلاء والرعاية الطبية، كما ينبغي دعم البرامج التعليمية والتوعوية التي ترفع وعي المواطنين حول كيفية التصرف في حالة وقوع حادث نووي إرهابي، مما يسهم في تقليل الأضرار البشرية والمادية. تقاطع خطر يشكل التهديد النووي من قبل الجماعات الجهادية نقطة تقاطع خطيرة بين ظاهرة الإرهاب العالمي وأخطر أسلحة الدمار الشامل التي عرفها التاريخ. هذه التهديدات لا تقتصر على احتمال وقوع هجوم نووي تقليدي، بل تمتد لتشمل استخدام أسلحة نووية إشعاعية أو قنابل قذرة يمكن أن تسبب أضرارًا هائلة على المستويين الإنساني والبيئي، مع تداعيات سياسية وأمنية واسعة النطاق. بالتالي، فإن مواجهة هذا التهديد لا يمكن أن تتم بمعزل عن فهم عميق ومتعدد الأبعاد يشمل الأيديولوجيا التي تدفع هذه الجماعات، والقدرات التقنية التي تسعى إليها، بالإضافة إلى السياقات السياسية والأمنية التي تسمح لها بالتمدد. وفي ظل تعقيد هذا الملف، يصبح من الضروري تعزيز التعاون الدولي على كل الأصعدة الأمنية والاستخباراتية، لتشديد الرقابة على المواد النووية المشعة والتكنولوجيا المرتبطة بها، ومنع تهريبها أو تسريبها إلى أيدي الجماعات الإرهابية، كما لا يمكن إغفال أهمية دعم الدول ذات البنى التحتية النووية الضعيفة، ورفع قدراتها التقنية والأمنية لمنع الاستغلال من قبل هذه الجماعات، مع الاستمرار في تطوير آليات الكشف المبكر والتدخل السريع في حالات الطوارئ النووية. إلى جانب ذلك، لا يمكن تجاهل البعدين الاجتماعي والسياسي في هذا السياق، حيث أن مكافحة التطرف العنيف يشكل خط الدفاع الأول لمنع هذه الجماعات من الاستفادة من بيئات الضعف الأمني والسياسي. تعزيز التنمية الاقتصادية، وتحسين الخدمات التعليمية والاجتماعية، ودعم الحوكمة الرشيدة، هي عوامل حاسمة في تقليل الجذور التي تستند إليها هذه الجماعات لبناء نفوذها والتوسع. فغياب هذه المعالجات يعزز من مخاطر تسلل الجماعات الجهادية إلى المناطق المضطربة، ويزيد من احتمالات حصولها على موارد وقدرات قد تهدد السلم العالمي. في النهاية، يمثل التهديد النووي الذي قد تشكله الجماعات الجهادية تحديًا استثنائيًا يتطلب يقظة دائمة وعملًا دوليًا مشتركًا على عدة مستويات، تشمل الجانب الأمني والاستخباراتي والسياسي والتنموي. الوقت لم يعد يسمح بالتراخي أو التقاعس، فالمجتمع الدولي بحاجة إلى بناء منظومة شاملة ومتناسقة قادرة على منع وقوع كارثة نووية إرهابية، تحمي بها البشرية من أهوال ما قد يكون أخطر أشكال الإرهاب في العصر الحديث