
في ذكرى تأسيس الجامع الأزهر.. عباس شومان: سيظل صوتًا للحق ومنارةً للوسطية ودرعًا حاميًا لمصر والمسلمين
أكد الدكتور عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء ورئيس مجلس إدارة المنظمة العالمية لخريجي الأزهر، اليوم الجمعة، أن الأزهر الشريف لم يكن مجرد مؤسسة تعليمية فحسب، بل كان على مدار تاريخه ركيزة أساسية في حماية الأمة علميا وفكريا، فدوره لم يقتصر على نشر العلوم الشرعية واللغة العربية، بل امتد إلى الدفاع عن قضايا الأمة، والتصدي لكل محاولات الهيمنة والاستعمار، مشددًا على أن الأزهر سيظل صوتًا للحق، ومنارةً للوسطية، ودرعًا حاميًا لمصر والمسلمين والعالم بأسره.
وقال خلال كلمته التي ألقاها في احتفالية الجامع الأزهر بمناسبة مرور 1085 عامًا على تأسيسه، إن الدساتير المصرية تُعرّف الأزهر بأنه مؤسسة تعليمية أولًا، ثم دعوية، وأنه يقوم بدور أساسي في تعليم الشريعة الإسلامية واللغة العربية للعالم أجمع، وقد اضطلع بهذه المهمة منذ نشأته وأدى أكثر منها، فكان قبلةً للطلاب والعلماء من شتى بقاع الأرض، وحصنًا منيعًا أمام محاولات التشويه والانحراف الفكري، ومنبرًا لمواجهة التحديات التي تعرض لها المسلمون عبر العصور.
وأوضح الدكتور عباس شومان، أن الأزهر الشريف لم يكن فقط منبرًا للعلم والدعوة، بل كان أيضًا في طليعة صفوف المدافعين عن الوطن وقضايا الأمة حينما تطلب الأمر ذلك، حيث وقف علماؤه وشيوخه وطلابه ضد كل محاولات الاحتلال، فكان الأزهر هو القائد الحقيقي للمقاومة ضد الحملة الفرنسية على مصر، ومن صحن الجامع الأزهر تحطّمت أحلام الفرنسيين، بعدما انطلقت منه الثورات الشعبية التي واجهت الاستعمار، فكان شيوخ الأزهر هم المخططين والموجهين والمحفزين لحركة النضال الوطني، ولم يكتفوا بدور التوجيه، بل حملوا السلاح بأنفسهم، وجمعوا أبناء مصر خلفهم للدفاع عن الوطن.
وأشار إلى أن الأزهر لم يتوقف عند مواجهة الفرنسيين، بل كان له دور بارز في التصدي للاستعمار البريطاني، حيث كانت ثورة 1919 خير شاهد على ذلك، فقد خرج علماء الأزهر وطلابه في طليعة صفوف الثورة، واحتضنت أروقته اجتماعات قادة الحركة الوطنية، وكان من بين رواده آنذاك الزعيم سعد زغلول، الذي نهل من علوم الأزهر، واستقى من فكره.
وأضاف أن الأزهر لم يكن مؤسسة مصرية بحتة، بل كان بيتًا للمسلمين جميعًا، حيث احتضن منذ نشأته طلاب العلم من شتى أنحاء العالم الإسلامي، بل إن أروقة الأزهر التي خُصصت للوافدين زادت على نظيرتها التي خُصصت للمصريين بأربعة أروقة، مما يدل على الدور العالمي للأزهر في نشر تعاليم الإسلام الوسطية.
وشدد على أن الأزهر الشريف كان دائمًا صمام الأمان لمصر والمصريين، فحين تعرضت البلاد للعدوان الثلاثي عام 1956، لم يجد الرئيس جمال عبد الناصر منبرًا أقوى من الأزهر الشريف ليحشد الشعب لمواجهة الاحتلال، ومنه انطلقت دعوات المقاومة، ووقف رجال الكنيسة المصرية يخطبون من على منبر الأزهر، وخطب شيوخ الأزهر في الكنائس المصرية، في مشهد يعكس عمق الوحدة الوطنية بين أبناء مصر.
وأشار إلى أن الأزهر كان حاضرًا في كل الأزمات، فحين تعرضت مصر لأحداث ما عُرف بالربيع العربي، كان الأزهر هو الكيان الوحيد القادر على جمع الفرقاء على طاولة واحدة، وسعى بكل قوة للحفاظ على استقرار البلاد ومنع الفوضى، وكان له دور بارز في حماية مؤسسات الدولة من الانهيار، والعمل على وأد الفتن وإخماد نيران الصراعات، مشيرًا إلى أن الأزهر لم يكن يومًا تابعًا لأي نظام سياسي، بل كان دائمًا مستقل القرار، ثابت الموقف، منحازًا لمصلحة الوطن والأمة.
وأكد 'شومان' أن الأزهر لم يقتصر دوره على الساحة المحلية، بل حمل شيخه فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب عصا الترحال شرقًا وغربًا، ساعيًا إلى ترسيخ قيم السلام والتعايش بين الشعوب، ونشر ثقافة الحوار ونبذ العنف والتطرف، وكان آخر هذه المبادرات عقد مؤتمر الحوار الإسلامي – الإسلامي في العاصمة البحرينية المنامة، بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين، والذي أكد خلاله الأزهر أن الأمة الإسلامية كيان واحد، يجمعها مصير مشترك، وأن الحوار هو السبيل الأوحد لحل النزاعات.
وختم الدكتور عباس شومان كلمته بالتأكيد على أن الأزهر سيظل منارةً للعلم والعلماء، وملاذًا لكل من يبحث عن الوسطية والاعتدال، ودرعًا حاميًا لمصر والأمة الإسلامية، وأنه سيواصل جهوده في دعم السلام، وترسيخ مبادئ المواطنة، وحماية الشباب من التطرف والانحراف الفكري، داعيًا الجميع إلى التعاون والعمل المشترك من أجل مستقبل أكثر أمنًا واستقرارًا للأمة والعالم بأسره.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البوابة
١١-٠٥-٢٠٢٥
- البوابة
عباس شومان ينفي وفاة الدكتور نصر فريد واصل
كشف الدكتور عباس شومان أمين عام هيئة كبار العلماء بالأزهر، حقيقة الشائعات المتداولة حول وفاة الدكتور نصر فريد واصل. وكتب شومان من خلال صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك أنه لا صحة للشائعة المتداولة عن وفاة الدكتور نصر فريد وصل، مشددا: «على الكاذبين الخوف من الله». ولفت إلى أن الدكتور نصر فريد واصل عضو هيئة كبار العلماء والمفتي الأسبق قد حضر اليوم جلسة كبار العلماء، وغدا سيحضر اجتماع مجلس المجمع بالمشيخة، وهو بصحة جيدة والحمد لله.


البوابة
٠٧-٠٥-٢٠٢٥
- البوابة
الرعب القادم.. نشوب حرب عالمية ثالثة مدمرة أصبح وشيكًا خلال السنوات المقبلة
مع احتفال العالم بالذكرى الثمانين ليوم النصر فى أوروبا، كشف استطلاع رأى جديد أن نسبة كبيرة من سكان الولايات المتحدة وأوروبا الغربية يعتقدون أن احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة وشيك. ووفقًا لاستطلاع يوجوف، يخشى الكثيرون أن تؤدى التوترات مع روسيا إلى إشعال صراع عالمى خلال السنوات الخمس إلى العشر المقبلة. أظهر الاستطلاع، الذى شمل مواطنين من خمس دول أوروبية هى بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، أن ما بين ٤١٪ و٥٥٪ من المشاركين فى هذه الدول يعتبرون أن نشوب حرب عالمية أخرى أمر محتمل خلال العقد المقبل. وفى الولايات المتحدة، يشارك ٤٥٪ من المشاركين هذا الرأي. تؤكد نتائج الاستطلاع على تنامى الشعور بالقلق إزاء احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة، مع سيطرة المخاوف من حرب نووية وسقوط أعداد كبيرة من الضحايا على الوعى العام. ويُبرز التصور السائد بأن التوترات مع روسيا - وبدرجة أقل مع الولايات المتحدة - تُشكل تهديدات جسيمة للسلام العالمى التحديات الجيوسياسية المستمرة التى يواجهها العالم مع حلول الذكرى الثمانين ليوم النصر فى أوروبا. أعربت أغلبية كبيرة فى كل من أوروبا والولايات المتحدة عن مخاوفها بشأن الدور الذى ستلعبه الأسلحة النووية فى أى صراع مستقبلي. ويعتقد ما بين ٦٨٪ و٧٦٪ من المشاركين فى الدول التى شملها الاستطلاع أن أى حرب عالمية جديدة ستشمل على الأرجح استخدام الأسلحة النووية. علاوة على ذلك، تعتقد أغلبية المشاركين (٥٧٪ مقابل ٧٣٪) أن حربًا عالمية ثالثة ستسفر عن خسائر فى الأرواح أكبر بكثير من الحربين العالميتين السابقتين، مع مخاوف البعض من أن يتجاوز عدد القتلى أى عدد شهدناه فى الفترة ١٩٣٩-١٩٤٥. القدرات العسكرية على الرغم من هذه المخاوف، تتفاوت الثقة فى القدرات العسكرية الوطنية باختلاف الدول. ففى الولايات المتحدة، أعرب ٧١٪ من المشاركين عن ثقتهم فى قدرة جيشهم على الدفاع عن الوطن. ومع ذلك، لم يشارك العديد من المشاركين الأوروبيين هذا الشعور. ففى إيطاليا، شعر ١٦٪ فقط من المشاركين أن قواتهم المسلحة قادرة على الدفاع عن أنفسهم بفعالية فى حالة نشوب صراع عالمي، مع مشاعر مماثلة فى فرنسا (٤٤٪) ودول أوروبية أخرى. يُسلّط الاستطلاع الضوء أيضًا على التهديدات المُتصوّرة للسلام العالمي. فى أوروبا، أشار ما بين ٧٢٪ و٨٢٪ من المُستجيبين إلى روسيا على أنها السبب الأكثر ترجيحًا لاندلاع حرب عالمية ثالثة، بينما أيّد ٦٩٪ من الأمريكيين هذا الرأي. فى المقابل، اعتُبر الإرهاب الإسلامى ثانى أكثر الأسباب ترجيحًا لاندلاع صراع عالمي. مع ذلك، أعربت نسبة كبيرة من الأوروبيين أيضًا عن مخاوفهم بشأن التوترات مع الولايات المتحدة. فى إسبانيا وألمانيا وفرنسا، رأت الأغلبية (بين ٥٣٪ و٥٨٪) أن العلاقات مع الولايات المتحدة تُشكّل تهديدًا مُحتملًا للسلام القاري. تاريخ الحروب مع اقتراب الذكرى الثمانين ليوم النصر فى أوروبا، استكشف الاستطلاع أيضًا الأهمية المُستمرة للحرب العالمية الثانية فى الجغرافيا السياسية الحديثة. تعتقد غالبية كبيرة من المُستجيبين فى كل من أوروبا والولايات المتحدة (بين ٨٢٪ و٩٠٪) أنه من الضروري أن تُدرّس المدارس أحداث الحرب العالمية الثانية وأهميتها فى البيئة السياسية العالمية الحالية. كشف الاستطلاع أن غالبية الناس فى الدول الأكثر تضررًا من الحرب، مثل المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، على دراية بتفاصيل الصراع، حيث زعم ٧٢٪ من الفرنسيين و٧٠٪ من الألمان معرفتهم الواسعة بالحرب. فى المقابل، كان المشاركون فى إسبانيا، التى التزمت الحياد خلال الصراع، أقل دراية، حيث لم يُبدِ سوى ٤٠٪ منهم إلمامًا بالحرب. الجرائم النازية أثار الاستطلاع أيضًا مخاوف بشأن احتمال وقوع فظائع مماثلة لتلك التى ارتكبها النظام النازي. يعتقد ما بين ٣١٪ و٥٢٪ من المشاركين فى الدول التى شملها الاستطلاع أنه من الممكن أن تحدث جرائم مماثلة لتلك التى ارتكبتها ألمانيا النازية فى بلادهم خلال حياتهم. كما أعربت نسبة كبيرة من المشاركين عن قلقها من احتمال وقوع مثل هذه الجرائم فى دول أخرى فى أوروبا الغربية أو الولايات المتحدة. وفى سياق التأمل فى المساهمات التى قدمتها مختلف الدول خلال الحرب العالمية الثانية، كشف الاستطلاع عن آراء متباينة. عزا أغلبية المشاركين (٤٠٪ مقابل ٥٢٪) فى خمس دول أوروبية المسئولية الأكبر فى هزيمة النازيين إلى الولايات المتحدة، بينما أرجعها ١٧٪ مقابل ٢٨٪ إلى الاتحاد السوفيتي. أما فى المملكة المتحدة، فقد أرجع ٤١٪ من المشاركين الدور الأهم إلى بريطانيا، وهو رأى لم يشاركه فيه الأمريكيون أو الأوروبيون الآخرون. وواجهت ألمانيا، على وجه الخصوص، تساؤلات حول تعاملها مع ماضيها النازي. يعتقد ما يقرب من نصف الألمان (٤٦٪) أن بلادهم قد أحسنت التعامل مع الجرائم المرتكبة خلال الحرب، لكن الكثيرين يرون أن هذا التاريخ كان مُفرطًا فى إدراكه، مما أعاق، فى رأيهم، استجابة ألمانيا للتحديات العالمية الأحدث. الأمم المتحدة بالنظر إلى حقبة ما بعد الحرب، أشادت أغلبية المشاركين فى جميع الدول الست التى شملها الاستطلاع بدور حلف شمال الأطلسى (الناتو) المهم فى حفظ السلام. كما حظيت الأمم المتحدة بتقدير كبير لجهودها فى حفظ السلام، حيث أشاد ما بين ٤٤٪ و٦٠٪ من المشاركين بمساهماتها. كما أشاد العديد من المشاركين (٤٥٪ إلى ٥٦٪) بدور الاتحاد الأوروبى فى الحفاظ على الاستقرار، لا سيما فى أوروبا. وكما يُظهر الاستطلاع، تظل دروس الماضى ذات أهمية بالغة، حيث يعتقد الكثيرون أن فهم التاريخ وتعزيز الجهود الدبلوماسية أمران حاسمان لمنع العواقب الوخيمة لأى صراع عالمى آخر.


صدى مصر
١٤-٠٤-٢٠٢٥
- صدى مصر
الجامع الأزهر يحتفل بذكرى غزوة بدر الكبرى بحضور وكيل الأزهر ووزير الأوقاف ومفتي الجمهورية ولفيف من القيادات الدينية
الجامع الأزهر يحتفل بذكرى غزوة بدر الكبرى بحضور وكيل الأزهر ووزير الأوقاف ومفتي الجمهورية ولفيف من القيادات الدينية كتب – محمود الهندي عقد الجامع الأزهر، اليوم الاثنين، عقب صلاة التراويح، احتفالية كبرى بمناسبة ذكرى 'غزوة بدر الكبرى'، وذلك بحضور فضيلة الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، فضيلة الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، فضيلة الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية، فضيلة الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف السابق، فضيلة الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، فضيلة الدكتور عباس شومان، أمين عام هيئة كبار العلماء رئيس المنظمة العالمية لخريجي الأزهر، السيد محمود الشريف، نقيب الأشراف وكيل مجلس النواب، السيد عبدالهادي القصبي، شيخ مشايخ الطرق الصوفية، ونخبة من علماء وقيادات الأزهر الشريف . قال فضيلة الدكتور عبدالفتاح العواري، عميد كلية أصول الدين السابق عضو مجمع البحوث الإسلامية، إن غزوة بدر الكبرى سماها الله تعالى في كتابه 'يوم الفرقان'، لأنه قد فرق بها بين الحق والباطل، بين أهل التوحيد والإيمان وبين أهل الشرك والوثنية، هؤلاء الذين ترامت الأخبار وتطايرت الأنباء أن أصحاب محمد 'صلى الله عليه وسلم' استولوا على قافلتهم التجارية، فخرجوا جميعا دون مدارسة للأمر، وأقسم رائدهم أبو جهل 'عليه لعنة الله' أن لا يرجع أبدا حتى يرد بدر ويقيم فيها وينحر الجزور ويشرب الخمر، وتسمع العرب بخبرهم فيهابوهم إلى يوم القيامة، في منطق غلب عليه الغرور والكبر والخيلاء والصلف، أما نبينا 'صلى الله عليه وسلم' حين وصله خبر خروج قريش بجميع من فيها لكي يقضوا على الإسلام، عرض الأمر على أصحابه، فكانوا بين كاره للمواجهة، لأن المؤمن لا يحب القتال ويعلموا دائما أن القاعدة الكلية في الإسلام هي السلام، وأن الحرب استثناء، مصداقا لقوله تعالى: 'كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ'، فعمل نبينا 'صلى الله عليه وسلم' على الإعداد لهذه الحرب، ووضع التخطيط المطلوب لها، فوقف الحباب بن المنذر قائلا: 'يارسول الله، أهذا منزل أنزلكه الله أم هي الرأي والحرب و المكيدة، فقال له النبي: بل هو الرأي والحرب والمكيدة'، فقال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم، فننزله، ثم نغور ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم الرأي ما رأيت يا حباب'، فاستجاب النبي لرأي جندي من جنوده واستمع لمشورته، فهؤلاء هم القادة الذين تلتف حولهم القلوب وتهوى إليهم الأفئدة، خاصة إذا كان المقام مقام مصارعة ومواجهة للعدو . وبين عضو مجمع البحوث الإسلامية أن النبي 'صلى الله عليه وسلم' أراد أن يتحقق عنده الأمن والطمأنينة بمعرفة موقف المسلمين من هذه المعركة الحاسمة، فاستشار القوم فقام أبو بكر 'رضي الله عنه' فقال وأحسن، وقام سيدنا عمر بن الخطاب، فقال و أحسن، وقام المقداد بن عمروا وقال: 'يا رسول الله، امض لما أراك الله، فوالله لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون، ولكن نقول لك: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون'، كما حرص ' صلى الله عليه وسلم' أن يعرف موقف الأنصار، فقام سعد بن معاذ وقال يا رسول الله، 'كأنك تريدنا معشر الأنصار' قال نعم، فقال 'يارسول الله لقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، فامض على بركة الله إنا لصبر في الحرب، صدق عند اللقاء، والله لو أردت أن تخوض البحر فخضته لخضناه معك، فامض لما أردت'، عندها اطمأن النبي 'صلى الله عليه وسلم' وعلم أن الجبهة الداخلية جبهة قوية، فمضى للقتال، فكان نصر الله وكان توفيقه للمسلمين في هذه المعركة الحاسمة، مصداقا لقوله تعالى: 'وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا الله لعلكم تشكرن' . من جانبه، أوضح فضيلة الدكتور محمود الهواري، أنه في مثل هذه المناسبات الطيبة، يجدر بالأمة أن تجدد صلتها بالنبي 'صلى الله عليه وسلم' وأن تعيد قراءة واقعها في ضوء الهدي النبوي، التي تجسد واقعا وسلوكا عمليا حياتيا، ومن الأحداث التي يجب الوقوف أمامها طويلا، هذه الغزوة الثرية بالبركات والدروس والعبر، وحسبنا أن تتوقف الأمة عند بعض المشاهد من هذه السيرة المباركة، وأول هذه المشاهد، أننا حين ندخل مباشرة إلى بركات هذه السيرة الطيبة نعرف أن الجماعة المؤمنة الأولى التي خرجت لملاقاة أهل الشرك، بالقياس الحسابي وبمنطق العدد، كان لا يتجاوز عددهم حينئذ لا يتجاوز بضعة رجاء بعد الثلاثمائة، وعدة أهل الكفر وعددهم ثلاثة أضعاف أهل الإيمان، وبمنطق أهل الدنيا وحساباتها، فالنصر للعدد الأكبر، لكن الله تعالى حسمها بقوله: 'وما النصر إلا من عند الله'، فالنصر أولا بالله، فأول مشهد هو الإيمان بأن النصر من عند الله، وليس بعدة ولا عدد، وإن كان تحصيل العدة والعدد من الأسباب الضرورية المشروعة، ولكن يجب أولا أن نحصل الإيمان، مصداقا لقوله تعالى: ' فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى' . وأضاف الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية، أن المشهد الأخلاقي السلوكي الثاني، والذي لا ينبغي أن يغيب عنا، أن هذه الجماعة كان معهم من الإيمان بالله ما جعلهم في أعلى عليين، ويقص علينا هذا المشهد الطيب سيدنا حذيفة رضي الله عنه: ' ما مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إلَّا أَنِّي خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي حُسَيْلٌ، قالَ: فأخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ، قالوا: إنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا، فَقُلْنَا: ما نُرِيدُهُ، ما نُرِيدُ إلَّا المَدِينَةَ، فأخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إلى المَدِينَةِ، وَلَا نُقَاتِلُ معهُ'، فلما حضر حذيفة إلى نبينا 'صلى الله عليه وسلم' قص عليه الحكاية، وأن المشركون أخذوا عليهم عهدا بأن لا يكونوا معهم في قتال، فقال له النبي 'صلى الله عليه وسلم' انصرفا، نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم، مع أنه في وقت يحتاج إلى محاربين وعدة وعدد، لكنه الوفاء النبوي والأخلاق المحمدية التي نحن في أشد الحاجة لها، لافتا أن المشهد الثالث هو مشهد سلوكي أخلاقي، يحتاج إلى تأمل عميق ليأخذ بأيدينا كأمة إلى أن نلتف حول قياداتنا، فهذا رسول الله 'صلى الله عليه وسلم' يقف بين الصفوف ليسويها بقدح معه، مر بسواد بن غزية حليف بني عدي بن النجار وهو متقدم من الصف، فطعن في بطنه بالقدح، وقال: (استوِ يا سواد) فقال: يا رسول الله! أوجعتني، وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني (مكِّنِّي من القصاص لنفسي)، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه فقال: (استقد) (أي: اقتص)، قال: فاعتنقه، فقبَّل بطنه، فقال: (ما حملك على هذا يا سواد؟) قال: يا رسول الله! حضر ما ترى، فأردتُ أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك'، فما أجمل العدالة والأخلاق وما أجمل هذه المشاهد التي نحن في حاجة ماسة لها الآن .