
"السطو على المساعدات".. وصفة إسرائيلية لتدمير المجتمع الغزي
في غزة لا تصل المساعدات إلى الجياع، بل تُختطف في الطريق إليهم. خلف دخان القصف وهدير الطائرات، تدير دولة الاحتلال مسرحا خادعا، تُسدل فيه ستائر "الرحمة" على مشهد جريمة متقنة. تفتح المعابر لشاحنات المساعدات، وتستعرض أمام عدسات العالم مشاهد الإغاثة، لكنها في العمق تمنح السلطة على تلك المساعدات ليد خفية: لصوصٌ نبتوا فجأة من رماد الحرب والجوع، وأصبحوا حراس المجاعة لا منقذيها.
بسياسة محكمة، لا تترك دولة الاحتلال للفقراء إلا الخضوع لهؤلاء "اللصوص" إن أرادوا لقمة غذاء، مانحة إياهم الحماية، ومتغافلة عن سطوتهم، ليصبح السطو على المساعدات وصفة إسرائيلية جديدة لتدمير ما تبقى من المجتمع الغزي. مجتمع يُدفع عمدا نحو التفكك، بينما تبدو (إسرائيل) ـ زورًا ـ أنها تمد له يد النجاة.
"لم نذق الخبز منذ ثلاثة أيام"
في مخيم إيواء للاجئين في حي الرمال غرب مدينة غزة، جلست "أم فادي"، تحضن أبناءها الأربعة الذين تحلّقوا حولها جوعى، تشعل نارا هزيلة تحت وعاء لا يحتوي سوى القليل من الماء وبعض العدس.
بعيون ذابلة من التعب قالت لـ "فلسطين أون لاين": "لم نذق الخبز منذ ثلاثة أيام. لا دقيق، لا طحين، لا شيء. حتى الأطفال تعبوا من أكل الأعشاب وسؤالهم الدائم: متى سنأكل خبزا يا ماما؟".
كانت تنتظر وصول المساعدات إلى مخازن المنظمات الإغاثية الدولية، لكن كغيرها من عشرات العائلات، لم تحصل على شيء.
تقول: "كل يوم يقولون إن الدقيق دخل، وإن هناك توزيعا.. لكن الأسعار خيالية، كيلو الدقيق بـ٤٠ شيكلا! من يملك هذا المال؟! كل ما نملكه ذهب في شراء الطعام. أُجبرنا أن نعيش على أمل وهمي.. ثم اكتشفنا أن من يملك القوة هو من يحصل على المساعدات".
تحكي "أم فادي" عن مشهدٍ عايشته قبل يومين حين ذهبت مع نجلها إلى منطقة السودانية علها تحصل على قوت أطفالها: "رأيتهم بأم عيني.. لصوص مدججون بالعصي والأسلحة، مزقوا أكياس الدقيق عنوة، وتقاتلوا في وضح النهار على من يأخذ الكمية الأكبر. كان الدم والدقيق مختلطين على الأرض. المشهد لا يُنسى".
وتضيف: "لقد مزّقوا الكيس كي يحصلوا عليه، لا يهمهم أن يُهدر الطحين. المشهد كان وحشيا.. لا رحمة، لا نظام، لا عدالة. والجوعى، مثلنا، وقفوا يتفرجون.. بلا حول ولا قوة".
تتنهد أم فادي قبل أن تضيف بكلمات مشحونة بالغضب واليأس: "هذا ليس صدفة. (إسرائيل) تريد هذا المشهد. تريد أن تدمّرنا من الداخل.. أن نتقاتل على رغيف خبز. أن يتحكم اللصوص فينا. هي تُدخل المساعدات، لكنها تمنح السيطرة عليها لمن يرسّخ الجوع، لا لمن يُشبع الناس. هذه خطة لتدميرنا".
"طُعنت في ساقي.. وخبزي سُرق أمام عيني"
في حيّ مدمّر جنوب مدينة غزة، وقف "أبو طلال عايش"، يحمل عصا خشبية يتكئ عليها بعد إصابته، وينظر بحسرة إلى أطفاله الذين جلسوا إلى جوار خيمة مهترئة. يروي تفاصيل رحلته اليومية، التي باتت مزيجا من الخوف والجوع والخذلان.
يقول لـ "فلسطين أون لاين": "كل يوم أستيقظ مع أذان الفجر، أترك أطفالي نياما، وأركض نحو أماكن توزيع المساعدات.. أحيانا أنتظر تحت الشمس 12 ساعة. لكن في النهاية.. أعود صفر اليدين".
يقول "أبو طلال" إن مجرد الاقتراب من شاحنات المساعدات بات مخاطرة، في ظل سطوة مجموعات منظمة من اللصوص الذين يسيطرون عليها بالقوة، ويمنعون المحتاجين الحقيقيين من الوصول إليها "هؤلاء اللصوص لا يتركون لنا فرصة، يقفون حول الشاحنات، يتقاسمون الحِمل قبل أن يُوزع، ويطردون الفقراء مثلي. مرات كثيرة تُفرغ الشاحنات، ولا يصلنا شيء. ثم نفاجأ أن الطعام يُباع بعد ساعات بأسعار نار".
يحكي "أبو طلال" عن الحادثة التي لن ينساها، عندما استطاع لأول مرة منذ أيام أن ينتزع كيس دقيق من إحدى الشاحنات، وسط الزحام والفوضى، لكن فرحته لم تدم "حين أمسكت كيس الدقيق شعرت أنني نجوت بأطفالي ليومين.. ركضت به كأنني أحمل كنزا. لكن قبل أن أبتعد، ظهر رجل ضخم، صرخ بي: أترك الكيس. رفضت. فجأة شعرت بشيء حاد يدخل ساقي.. سكين! طعنني وسحب الكيس وهرب".
سقط "أبو طلال" أرضًا، والدماء تسيل من ساقه، بينما وقف الناس يتفرجون، بعضهم حاول مساعدته، وآخرون خافوا من مصير مشابه.
ويتابع: "أنا أب.. أبحث عن لقمة لأطفالي، لكنني طُعنت. أُهنت. وسُرق طعام أطفالي أمام عيني. كيف لنا أن نعيش بهذا الذل؟!".
يقول إن هذا المشهد لم يكن مجرد اعتداء فردي، بل يعكس واقعا أوسع: "الطعام لم يعد يصلنا. نحن نشتري طعامنا المسروق من اللصوص. كيس الدقيق الذي يدخل مساعدات.. يُباع بأكثر من ١٠٠٠ شيكل! من أين لي هذا؟! دولة الاحتلال تعلم بكل هذا.. لكنها تغض الطرف. هي تريد أن تقتلنا جوعا، أو تجعلنا نموت على أيدي اللصوص الذين صنعتهم الحرب".
"تحطيم النسيج الاجتماعي"
يقول الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل لـ "فلسطين أون لاين" إن قضية السطو على المساعدات في قطاع غزة ليست ظاهرة عفوية أو نتيجة فقط لانهيار المنظومة الأمنية والاجتماعية بسبب الحرب، بل هي جزء من مخطط إسرائيلي أوسع يهدف إلى تحطيم المجتمع الفلسطيني من الداخل.
وأضاف "ما يجري في غزة اليوم هو صورة دقيقة لحالة الانفلات التي تريد دولة الاحتلال أن تدفع المجتمع الفلسطيني إليها، ليس فقط من أجل ترسيخ الجوع والفقر، بل من أجل تفكيك المجتمع ذاته، وتدمير روابطه وقيمه وأعرافه التي طالما شكّلت حصنا في وجه الاحتلال".
وتابع عوكل أن (إسرائيل) تدير هذا المشهد بدقة، وتوظف أدوات متعددة لخلق بيئة فوضى مقصودة: "إسرائيل تتحكم في كميات المساعدات، توقيت دخولها، وأماكن توزيعها. ثم تلاحق من يحمي هذه المساعدات، وهي تعلم تماما أن هذا يفتح الباب لصراع داخلي، ولسقوط الناس في مستنقع التقاتل على لقمة العيش. هذا جزء من إدارة الحصار بشكل جديد... حصار فوضوي، يُسلم الضحية للمجهول".
وحول الأهداف السياسية لهذا المشهد، يوضح عوكل: "إسرائيل لا تريد فقط تجويع الغزيين، بل تسعى إلى شيطنة المجتمع الفلسطيني أمام الرأي العام العالمي. عندما تُعرض مشاهد السطو والعنف على شاشات العالم، سيتشكل انطباع أن غزة باتت ساحة فوضى، لا تحكمها قيم ولا قانون. وهذا يخدم (إسرائيل) التي تروّج لفكرة: لا شريك فلسطيني، ولا مجتمع يستحق الحياة".
ويضيف: "من منظور سياسي، فإن مشهد الفوضى يسهم أيضا في إضعاف أي سلطة محلية. عندما تتحكم العصابات في الغذاء، تضعف الثقة في المؤسسات، وتُلغى أي مرجعية قانونية. وهذا يسهّل لإسرائيل مستقبلاً فرض حلول أمنية أو سياسية قسرية تحت ذريعة: (الفلسطينيون لا يحكمون أنفسهم.. دعونا نفعل ذلك بطريقتنا)".
ويؤكد عوكل أن هذه الفوضى ليست انزلاقا عشوائيا بل هي "حرب ناعمة وقذرة" بأدوات بديلة "في الحروب التقليدية هناك دبابات وطائرات. اليوم هناك أدوات أخطر: التجويع، إضعاف الأخلاق، نشر الفوضى، وتحويل الناس إلى وحوش مضطرين للقتال من أجل البقاء. كل هذا يؤدي إلى تآكل فكرة المجتمع".
المصدر / فلسطين أون لاين
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


فلسطين أون لاين
منذ 13 دقائق
- فلسطين أون لاين
العمصي: 660 شهيدًا رياضيًا منذ بدء الإبادة على غزة
غزة/ مؤمن الكحلوت: طوى قبل 3 أيام شهر تموز صفحاته، ولم يكن المشهد أقل دموية مما بدأ عليه، فقد أستشهد فيه حوالي 42 رياضيا، على قارعة المجزرة المفتوحة، التي تنفذها قوات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني. ووصل عدد الشهداء إلى 660 شهيداً ويزيد من الأسرة الرياضية والشبابية والكشفية، منذ بدء حرب الإبادة، وهذا الرقم لا يحكي فقط عن خسارة أفراد، بل عن قتل مُمنهج لقطاع كامل يُفترض به أن يحمل راية الحياة في أزمنة الموت. وقال محمد العمصي، الأمين العام المساعد للجنة الأولمبية الفلسطينية، إن القيادة الرياضية وعلى رأسها اللجنة الأولمبية واتحاد كرة القدم، دقوا جدران الصمت بكل قوة، وفتحوا ملف جرائم الاحتلال بحق الرياضة الفلسطينية في أروقة الفيفا والمؤسسات الدولية، حتى قبل الحرب على غزة. وأضاف: "هذا الحراك حمل الحقيقة إلى ساحات العالم، وأحرج الاحتلال في أكثر من مناسبة، لكن ما يحدث اليوم ليس كسابقه، فبات الواقع مختلف، والرياضيون أصبحوا أمام قتل جماعي متواصل وهم يرتدون القمصان لا الزي العسكري". وأكد العمصي، أن ما يحدث الآن يفرض على الجميع فتح الأبواب على مصراعيها، لتوسيع الملف ومراكمة الأدلة، وتحويل الدم النازف إلى رافعة ضغط دولية تُحرج وتُحاصر وتقود إلى محاسبة. وأشار العمصي، إلى أن الكرة الآن في الملعبين العربي والدولي، والمطلوب قيادة حراك فلسطيني عربي رياضي مشترك، يطرق أبواب الدول الصديقة، وإصدار إدانات متتالية، يدفع نحو قرارات تضع اللجنة الأولمبية الدولية والفيفا أمام مسؤوليات لا يمكن التنصل منها. واختتم العمصي حديثه بالقول: "ما يُرتكب بحق الرياضيين في فلسطين وغزة تحديداً ليس أثراً جانبياً لحرب، بل استهداف صريح لجذور الحياة في المجتمع الفلسطينى، وعلينا تدوين وتوثيق سيرة هؤلاء الأبطال ونثر معلوماتهم فى فضاء العالم، وإن لم نستطع إعادتهم، فلنُعد لهم حقهم في عدالة تليق بالملعب لا بالمقبرة". المصدر / فلسطين أون لاين


فلسطين أون لاين
منذ 13 دقائق
- فلسطين أون لاين
مصير مجهول للطالب الفلسطيني مالك أبو سنينة بعد اعتقاله في مصر
متابعة/ فلسطين أون لاين لا يزال مصير الطالب الفلسطيني مالك نضال أبو سنينة، البالغ من العمر 21 عامًا، غامضًا بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على اعتقاله في مدينة المنصورة المصرية، وسط إنكار رسمي من قبل الجهات الأمنية المصرية، وعلى رأسها جهاز الأمن الوطني. وقالت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان إن قوة أمنية تابعة لجهاز الأمن الوطني اقتحمت منزل مالك في 28 مايو الماضي، واقتادته إلى جهة مجهولة دون إذن قضائي، فيما لم يُعرض على أي جهة تحقيق أو محاكمة منذ ذلك الوقت. وأكدت شهادات زملائه وشهود عيان حدوث الاعتقال، بينما تواصل السلطات المصرية إنكار وجود أي معلومات عن مكان احتجازه أو الاتهامات الموجهة إليه، ما يشكل انتهاكًا واضحًا للدستور المصري والمواثيق الدولية، خصوصًا اتفاقية الحماية من الاختفاء القسري التي وقعتها مصر عام 2010. عائلة مالك تقدمت بشكاوى متكررة إلى مكتب النائب العام المصري، طالبة الكشف عن مكانه وضمان سلامته، لكن حتى الآن لم تتلق أي ردود فعل جدية، مما أثار قلقًا واسعًا لدى منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية. مالك، الذي يدرس الطب في جامعة المنصورة، بالإضافة إلى العلوم الشرعية في جامعة الأزهر، معروف بين زملائه وأساتذته بتفوقه الدراسي وأخلاقه العالية، مما يزيد من التساؤلات حول دوافع اعتقاله والإخفاء القسري الذي يتعرض له. وأكدت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان أن هذه الحالة تمثل جزءًا من سياسة ممنهجة لأجهزة الأمن المصرية ضد المعارضين والمقيمين غير المصريين، محملة الحكومة المصرية المسؤولية الكاملة عن سلامته الجسدية والنفسية. وطالبت الشبكة والمنظمات الدولية، منها هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، السلطات المصرية بالكشف الفوري عن مكان احتجاز مالك، وتمكينه من التواصل مع أسرته ومحاميه، وفتح تحقيق قضائي مستقل، إلى جانب وقف جميع أشكال الإخفاء القسري والاحتجاز التعسفي في البلاد. وتتزايد الدعوات الدولية للضغط على القاهرة لإنهاء هذه الانتهاكات المتكررة، في وقت يشهد سجل حقوق الإنسان في مصر تراجعًا متزايدًا وقلقًا عالميًا متصاعدًا.


معا الاخبارية
منذ 24 دقائق
- معا الاخبارية
المستوى السياسي يندفع نحو توسيع الحرب والجيش يحذر: الخطر يهدد الأسرى
بيت لحم معا- يتجه المستوى السياسي في إسرائيل نحو توسيع العمليات العسكرية في قطاع غزة.ولكن بإدارة مدروسة، مع إضافة بُعد إنساني يُلحق بالمجهود العسكري تفادي للضغوط الدولية. الخيارات المطروحة، بحسب صحيفة معاريف الإسرائيلية احتلال كامل للقطاع، بما في ذلك الأراضي التي لم تُحتل بعد، أو أسلوب التطويق، بتمركز الجيش الإسرائيلي في نقاط محددة تُشنّ منها الغارات. في المقابل، تحذر المؤسسة العسكرية من أن تصعيد في مناطق لم يدخلها تدخلها الجيش بعد قد يدفع حركة حماس إلى تنفيذ تهديداتها بإعدام الأسرى. فيما تتصاعد الانتقادات الداخلية لقيادة نتنياهو، متهمة إياه بالاندفاع نحو الدمار. سيعقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جلسة نقاش أخرى يوم الثلاثاء لمناقشة الخطوات التالية. وصرّح رئيس الأركان إيال زامير في جلسة مغلقة: "لن أسمح بأي أعمال تُعرّض حياة الرهائن للخطر". وقال مصدر سياسي للقناة 13: "يتشكل تفاهم على أن حماس غير مهتمة بالتوصل إلى اتفاق، وأن رئيس الوزراء يضغط من أجل اطلاق سراح الرهائن ريثما يُتخذ القرار العسكري. والميل في تل ابيب، إلى توسيع نطاق الحملة العسكرية في قطاع غزة. بينما يعارض الجيش أي عملية كبرى خشية أن تبدأ حماس بقتل بعض الرهائن إذا توسع نطاق القتال في قطاع غزة. صرح مصدر سياسي للقناة 13 مساء اليوم: "نجري حوارًا مع الأمريكيين. هناك تفاهم يتشكل على أن حماس غير مهتمة بالتوصل إلى اتفاق، ولذلك يدفع نتنياهو باتجاه إطلاق سراح الرهائن بقرار عسكري، يقترن بإدخال مساعدات إنسانية إلى مناطق خارج مناطق القتال، وبقدر الإمكان إلى المناطق الخارجة عن سيطرة حماس". في تحرك لافت، دعا عدد كبير من كبار قادة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية السابقين، بينهم رؤساء أركان ووزراء جيش، إلى إنهاء الحرب فورًا والتوصل إلى اتفاق شامل لإطلاق سراح الأسرى، مؤكدين في فيديو مشترك أن "هذه الحرب لم تعد عادلة".