
ما وراء الصور المزيفة.. معارك التضليل الإعلامي بين إيران وإسرائيل
أحمد هريدي
أحمد هريدي
عندما تتصارع الروايات العسكرية على الشاشات، لا تقلّ الحرب الإعلامية خطرًا عن تلك التي تُخاض بالمدافع والطائرات. ومع كل صاروخٍ يُطلق، هناك صورة تُبث، ومع كل انفجارٍ على الأرض، انفجارٌ آخر في الفضاء الرقمي. ومع بدء الغارات الإسرائيلية على الأراضي الإيرانية، انطلقت بالتوازي موجة تضليل إعلامي تُحدث تشويشًا واسعًا على الحقيقة، بسيلٍ من الصور والفيديوهات المزيفة والمصطنعة.
فمن يقف خلف هذه الحملات؟ وكيف أثّرت على الرأي العام؟ وما هي أبرز نماذج الصور المزيفة التي انتشرت خلال الأسابيع الأخيرة؟ وهل ينبغي أن نُصدّق كل ما يُعرض علينا دون تحقّق؟
في الثالث عشر من يونيو 2025، بدأت الغارات الإسرائيلية على عدة مناطق وأهداف حيوية في إيران، وخلال الساعات الأولى، انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي صور وفيديوهات قيل إنها توثّق "حجم الدمار" أو "احتفالات النصر" أو "سقوط ضحايا مدنيين"، أو ترصد صواريخ أطلقتها إسرائيل صوب إيران، بينما قال آخرون عن ذات الصور والفيديوهات إنها صواريخ أطلقتها إيران على إسرائيل، لكن في الواقع، كانت إما مفبركة عبر أدوات الذكاء الاصطناعي، أو قديمة سبق نشرها في تغطيات حروب أو كوارث أخرى.
معهد الحوار الاستراتيجي في المملكة المتحدة رصد، خلال الأيام الأولى للحرب، أكثر من 34 مادة مرئية مضلّلة، حصدت معًا أكثر من 37 مليون مشاهدة على منصة X وحدها، وكشف أن 77% من الحسابات التي نشرت هذا المحتوى كانت "موثقة"، تم شراؤها لخداع المستخدمين ومنحهم مصداقية زائفة.
تصدّرت حملات التضليل صورٌ مولّدة بالذكاء الاصطناعي. وكانت الصورة الأولى الأكثر انتشارًا لما قيل إنه "مبنى الموساد" بعد تعرّضه للقصف الإيراني، وأعاد عشرات الآلاف من أصحاب الحسابات على فيسبوك وX نشر الصورة، رغم أن اسم "الموساد" المكتوب باللغة الإنجليزية يخالف النطق الصحيح للكلمة، ورغم أن أعلام إسرائيل المعلّقة على المبنى بطريقة ساذجة تبدو نظيفة وجديدة. فلم يسأل أحد: لماذا لم تحترق هذه الأعلام بنيران القصف المتكرّر؟
وجاءت الصورة الثانية، المولّدة بالذكاء الاصطناعي، لما قيل إنها "عملية تنفيذ حكم الإعدام في عميل إسرائيلي داخل إيران، بتقييده بالحبال في صاروخ وإرساله إلى تل أبيب". ورغم سخرية الكثيرين من الصورة، فإن البعض واصل نشرها دون تفكير، بل إن بعضهم شارك صورة أخرى بذات المحتوى، تبدو من النظرة الأولى أنها مصطنعة.
انتشر فيديو يُظهر أضواءً نارية كبيرة وانفجارات وسط مدينة، مع تعليق يقول إنه "ضربة إسرائيلية ناجحة على العاصمة الإيرانية"، لكن تبيّن أن المقطع يعود إلى هجوم جوي على بغداد في عام 2003، وحقّق مشاهدات كبيرة، بُنيت عليها تحليلات لا أساس لها من الصحة.
انتشرت صورة يُقال إنها تُظهر لبنانيين "يحتفلون بتعرض إسرائيل للقصف"، إلا أن تحليل المحتوى أظهر أنها مُركّبة جزئيًا باستخدام الذكاء الاصطناعي، وأن الصورة الأصلية تعود إلى حفل موسيقي في بيروت قبل سنوات، أُضيفت إليها مؤثرات بصرية مثل الألعاب النارية لتبدو انفجارات حقيقية.
في صورةٍ أخرى، يظهر حطام مبانٍ في حيّ حضري، ويدّعي ناشرها أنها من "هجوم إيراني بصواريخ على تل أبيب"، لكنها مأخوذة في الأصل من زلزال تركيا في فبراير 2023، مع تلاعب بالألوان وإضافة أعمدة دخان لتناسب الرواية المضلّلة.
مقطع فيديو لجنود يرقصون في مركبة عسكرية مع موسيقى إيرانية قيل إنه "لجنود يحتفلون بعد إسقاط طائرة إسرائيلية"، لكن المقطع الحقيقي يعود لموكب تدريبي في باكستان عام 2021، وهو متاح على يوتيوب منذ ثلاث سنوات.
صورة مأساوية زُعم أنها من قصف إسرائيلي استهدف أطفالًا في أصفهان، وبالبحث السريع، نجد أن الصورة أصلها يعود إلى انفجار في حلب عام 2016. ومع أن المشهد الإنساني مؤثّر، فإن إعادة توظيفه في سياقٍ كاذب يضرّ ولا ينفع.
حصد مقطع مصوّر على تيك توك أكثر من 700 ألف مشاهدة خلال يومٍ واحد، زعم ناشره أنه يُظهر مواقع إيرانية تعرّضت للقصف والدمار جرّاء الهجمات الإسرائيلية، وتبيّن أن كل المشاهد في هذا المقطع جرى إنتاجها بالذكاء الاصطناعي، كما بثت إحدى القنوات التلفزيونية مقطعًا لحريق غابات في تشيلي على أنه دمار في حيفا،
نجم عن غارات إيرانية.
التضليل الإعلامي في هذا السياق كان كثيره عمدًا مع سبق الإصرار والترصّد.ووفقًا لتقارير دولية، فإن جهات متعددة تقف خلف هذه الحملات:
- أجهزة إعلام تابعة لإحدى الدول أعادت نشر مقاطع زائفة، في محاولة للتغطية على حقائق فاضحة كشفتها الغارات المتبادلة بين إسرائيل وإيران.
- منصات إلكترونية موالية لتنظيمات إرهابية استغلّت العواطف الطائفية لنشر محتوى متلاعب يخدم حملاتها التحريضية ضد دول عربية.
- حسابات وهمية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، تُدار بواسطة روبوتات تنتج وتعيد نشر المحتوى بشكلٍ آلي وسريع، لتشويه الحقائق وتوجيه أنظار الرأي العام بعيدًا عن واقع العمليات العسكرية.
- أفراد عاديون يسعون للانتشار، بادّعاء الانفراد حصريًا بأخبار وصور وفيديوهات العمليات العسكرية، ويتحدث كل منهم وكأنه يعيش في تل أبيب أو طهران، ويرصد العمليات العسكرية أولًا بأول من مواقع الأحداث، ويعيدون، مخدوعين، مشاركة الصور والفيديوهات المزيفة والمصطنعة. وقدّم هذا النوع من روّاد التواصل الاجتماعي خدمة غير مقصودة للإعلام العسكري، لهذا الطرف تارة، وللآخر تارة ثانية، داعمين لعمليات تزييف وعي ممنهجة.
في الحرب الإسرائيلية - الإيرانية، لم تكن السماء وحدها تشتعل، بل اشتعلت الشاشات أيضًا بسيلٍ من التضليل المُوجّه. وبين الانفجار الحقيقي والمفبرك، تضيع الحقيقة، ويُعاد تشكيل وعي الجماهير بما يُنشر من صور وشائعات ومعطيات مغلوطة.
لقد باتت الحرب الإعلامية سلاحًا يتسلّل إلى العقول قبل أن تصل القذائف إلى الأرض. ومع تصاعد المواجهة، لم يعد التحقّق رفاهية، بل ضرورة دفاعية. فالخطر لا يكمن فقط في الصواريخ، بل في الصور الخادعة والكلمات المُضلِّلة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


فيتو
منذ ساعة واحدة
- فيتو
يولد موجات إرهاب اليائسين، وزير الأوقاف السابق يحذر من استفزاز أمريكا وإسرائيل للعالم
حذّر الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف السابق، من التداعيات الخطيرة لما وصفه بـ"استفزاز" أمريكا وإسرائيل للعالم، مؤكدًا أن هذا النهج لا يخدم مصالح أي طرف، بل يهدد استقرار العالم بأسره. وقال جمعة، في منشور عبر صفحته الرسمية على موقع "فيس بوك"، إن التاريخ كان دائمًا شاهدًا على مصير الأمم التي تمادت في طغيانها وغطرستها، مشيرًا إلى أن نهايتها كانت دائمًا السقوط والخذلان. وزير الأوقاف السابق: محاولة إذلال أي أمة أو استضعافها بشكل ممنهج قد يؤدي إلى ولادة موجات عنيفة من الإرهاب وأضاف وزير الأوقاف السابق: "محاولة إذلال أي أمة أو استضعافها بشكل ممنهج قد يؤدي إلى ولادة موجات عنيفة من الإرهاب، أُسميها (إرهاب اليائسين)، وهو النوع الأخطر لأنه يولد من الإحساس بالقهر وفقدان الأمل". واختتم جمعة منشوره بدعاء قال فيه: "اللهم إنا نعوذ بك من أن نذل أو نُذل، أو نظلم أو نُظلم"، في إشارة إلى أهمية التمسك بالعدالة ورفض الظلم بكل صوره. وتأتي تصريحات جمعة في سياق حالة من التوتر الدولي، وتصاعد الغضب الشعبي في عدد من الدول جراء السياسات الأمريكية والإسرائيلية، لاسيما في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والتدخلات في شؤون الدول الأخرى. ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.


24 القاهرة
منذ 2 ساعات
- 24 القاهرة
سلاف فواخرجي تنعى ضحايا انفجار كنيسة دمشق: السلام لبلادي وأهل بلادي
نعت الفنانة سلاف فواخرجي ضحايا كنيسة مار إلياس، التي تم استهدافها بمنطقة الدويلعة في دمشق، وأسفر عنها سقوط 9 مدنيين و13 جريحًا، نتيجة الهجوم الإرهابي. وكتبت سلاف فواخرجي منشورا، عبر حسابها الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، قالت فيه: السلام لأرواح شهداء كنيسة مار الياس ضحايا التفجير الآثم.. السلام لبلادي وأهل بلادي.. الشفاء للجرحى والصبر كل الصبر للأهالي ولنا جميعا. سلاف فواخرجي تنعى ضحايا انفجار كنيسة دمشق ومنذ قليل، أعلنت زارة الصحة السورية، مقتل 9 مدنيين ووقوع 13 جريحا في حصيلة أولية للهجوم الإرهابي الذي استهدف كنيسة مار الياس بمنطقة الدويلعة، فيما أعلنت وزارة الداخلية السورية، أن انتحاري يتبع تنظيم داعش الإرهابي أقدم على الدخول إلى كنيسة القديس مار إلياس في حي الدويلعة بالعاصمة دمشق، حيث أطلق النار، ثم فجّر نفسه بواسطة سترة ناسفة، هذا بالإضافة إلى أن المعلومات الأولية تشير إلى مقتل عدد من المدنيين وإصابة آخرين بجروح، وسارعت الوحدات الأمنية إلى موقع الحادث، وطوّقت المنطقة بالكامل، وبدأت الفرق المختصة بجمع الأدلة ومتابعة ملابسات الهجوم. وفي هذا الصدد، قال وزير الإعلام السوري، في بيان له: ندين بشدة التفجير الإرهابي الذي استهدف كنيسة في الدويلعة بدمشق ونتقدم بأحر التعازي لذوي الضحايا، هذا العمل الجبان يتعارض مع قيم المواطنة التي تجمعنا جميعا. تكريم خاص لـ سلاف فواخرجي وأحمد شاكر بعد إزاحة الستار عن تمثال أسمهان في دار الأوبرا المصرية بعد شطب سلاف فواخرجي.. نقيب الفنانين السوريين يكشف موقفه من زيارة باسم ياخور إلى دمشق بعد سقوط بشار الأسد


نافذة على العالم
منذ 3 ساعات
- نافذة على العالم
ما وراء الصور المزيفة.. معارك التضليل الإعلامي بين إيران وإسرائيل
الأحد 22 يونيو 2025 07:50 مساءً نافذة على العالم - عندما تتصارع الروايات العسكرية على الشاشات، لا تقلّ الحرب الإعلامية خطرًا عن تلك التي تُخاض بالمدافع والطائرات. ومع كل صاروخٍ يُطلق، هناك صورة تُبث، ومع كل انفجارٍ على الأرض، انفجارٌ آخر في الفضاء الرقمي. ومع بدء الغارات الإسرائيلية على الأراضي الإيرانية، انطلقت بالتوازي موجة تضليل إعلامي تُحدث تشويشًا واسعًا على الحقيقة، بسيلٍ من الصور والفيديوهات المزيفة والمصطنعة. فمن يقف خلف هذه الحملات؟ وكيف أثّرت على الرأي العام؟ وما هي أبرز نماذج الصور المزيفة التي انتشرت خلال الأسابيع الأخيرة؟ وهل ينبغي أن نُصدّق كل ما يُعرض علينا دون تحقّق؟ في الثالث عشر من يونيو 2025، بدأت الغارات الإسرائيلية على عدة مناطق وأهداف حيوية في إيران، وخلال الساعات الأولى، انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي صور وفيديوهات قيل إنها توثّق "حجم الدمار" أو "احتفالات النصر" أو "سقوط ضحايا مدنيين"، أو ترصد صواريخ أطلقتها إسرائيل صوب إيران، بينما قال آخرون عن ذات الصور والفيديوهات إنها صواريخ أطلقتها إيران على إسرائيل، لكن في الواقع، كانت إما مفبركة عبر أدوات الذكاء الاصطناعي، أو قديمة سبق نشرها في تغطيات حروب أو كوارث أخرى. معهد الحوار الاستراتيجي في المملكة المتحدة رصد، خلال الأيام الأولى للحرب، أكثر من 34 مادة مرئية مضلّلة، حصدت معًا أكثر من 37 مليون مشاهدة على منصة X وحدها، وكشف أن 77% من الحسابات التي نشرت هذا المحتوى كانت "موثقة"، تم شراؤها لخداع المستخدمين ومنحهم مصداقية زائفة. تصدّرت حملات التضليل صورٌ مولّدة بالذكاء الاصطناعي. وكانت الصورة الأولى الأكثر انتشارًا لما قيل إنه "مبنى الموساد" بعد تعرّضه للقصف الإيراني، وأعاد عشرات الآلاف من أصحاب الحسابات على فيسبوك وX نشر الصورة، رغم أن اسم "الموساد" المكتوب باللغة الإنجليزية يخالف النطق الصحيح للكلمة، ورغم أن أعلام إسرائيل المعلّقة على المبنى بطريقة ساذجة تبدو نظيفة وجديدة. فلم يسأل أحد: لماذا لم تحترق هذه الأعلام بنيران القصف المتكرّر؟ وجاءت الصورة الثانية، المولّدة بالذكاء الاصطناعي، لما قيل إنها "عملية تنفيذ حكم الإعدام في عميل إسرائيلي داخل إيران، بتقييده بالحبال في صاروخ وإرساله إلى تل أبيب". ورغم سخرية الكثيرين من الصورة، فإن البعض واصل نشرها دون تفكير، بل إن بعضهم شارك صورة أخرى بذات المحتوى، تبدو من النظرة الأولى أنها مصطنعة. انتشر فيديو يُظهر أضواءً نارية كبيرة وانفجارات وسط مدينة، مع تعليق يقول إنه "ضربة إسرائيلية ناجحة على العاصمة الإيرانية"، لكن تبيّن أن المقطع يعود إلى هجوم جوي على بغداد في عام 2003، وحقّق مشاهدات كبيرة، بُنيت عليها تحليلات لا أساس لها من الصحة. انتشرت صورة يُقال إنها تُظهر لبنانيين "يحتفلون بتعرض إسرائيل للقصف"، إلا أن تحليل المحتوى أظهر أنها مُركّبة جزئيًا باستخدام الذكاء الاصطناعي، وأن الصورة الأصلية تعود إلى حفل موسيقي في بيروت قبل سنوات، أُضيفت إليها مؤثرات بصرية مثل الألعاب النارية لتبدو انفجارات حقيقية. في صورةٍ أخرى، يظهر حطام مبانٍ في حيّ حضري، ويدّعي ناشرها أنها من "هجوم إيراني بصواريخ على تل أبيب"، لكنها مأخوذة في الأصل من زلزال تركيا في فبراير 2023، مع تلاعب بالألوان وإضافة أعمدة دخان لتناسب الرواية المضلّلة. مقطع فيديو لجنود يرقصون في مركبة عسكرية مع موسيقى إيرانية قيل إنه "لجنود يحتفلون بعد إسقاط طائرة إسرائيلية"، لكن المقطع الحقيقي يعود لموكب تدريبي في باكستان عام 2021، وهو متاح على يوتيوب منذ ثلاث سنوات. صورة مأساوية زُعم أنها من قصف إسرائيلي استهدف أطفالًا في أصفهان، وبالبحث السريع، نجد أن الصورة أصلها يعود إلى انفجار في حلب عام 2016. ومع أن المشهد الإنساني مؤثّر، فإن إعادة توظيفه في سياقٍ كاذب يضرّ ولا ينفع. حصد مقطع مصوّر على تيك توك أكثر من 700 ألف مشاهدة خلال يومٍ واحد، زعم ناشره أنه يُظهر مواقع إيرانية تعرّضت للقصف والدمار جرّاء الهجمات الإسرائيلية، وتبيّن أن كل المشاهد في هذا المقطع جرى إنتاجها بالذكاء الاصطناعي، كما بثت إحدى القنوات التلفزيونية مقطعًا لحريق غابات في تشيلي على أنه دمار في حيفا، نجم عن غارات إيرانية. التضليل الإعلامي في هذا السياق كان كثيره عمدًا مع سبق الإصرار والترصّد.ووفقًا لتقارير دولية، فإن جهات متعددة تقف خلف هذه الحملات: - أجهزة إعلام تابعة لإحدى الدول أعادت نشر مقاطع زائفة، في محاولة للتغطية على حقائق فاضحة كشفتها الغارات المتبادلة بين إسرائيل وإيران. - منصات إلكترونية موالية لتنظيمات إرهابية استغلّت العواطف الطائفية لنشر محتوى متلاعب يخدم حملاتها التحريضية ضد دول عربية. - حسابات وهمية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، تُدار بواسطة روبوتات تنتج وتعيد نشر المحتوى بشكلٍ آلي وسريع، لتشويه الحقائق وتوجيه أنظار الرأي العام بعيدًا عن واقع العمليات العسكرية. - أفراد عاديون يسعون للانتشار، بادّعاء الانفراد حصريًا بأخبار وصور وفيديوهات العمليات العسكرية، ويتحدث كل منهم وكأنه يعيش في تل أبيب أو طهران، ويرصد العمليات العسكرية أولًا بأول من مواقع الأحداث، ويعيدون، مخدوعين، مشاركة الصور والفيديوهات المزيفة والمصطنعة. وقدّم هذا النوع من روّاد التواصل الاجتماعي خدمة غير مقصودة للإعلام العسكري، لهذا الطرف تارة، وللآخر تارة ثانية، داعمين لعمليات تزييف وعي ممنهجة. في الحرب الإسرائيلية - الإيرانية، لم تكن السماء وحدها تشتعل، بل اشتعلت الشاشات أيضًا بسيلٍ من التضليل المُوجّه. وبين الانفجار الحقيقي والمفبرك، تضيع الحقيقة، ويُعاد تشكيل وعي الجماهير بما يُنشر من صور وشائعات ومعطيات مغلوطة. لقد باتت الحرب الإعلامية سلاحًا يتسلّل إلى العقول قبل أن تصل القذائف إلى الأرض. ومع تصاعد المواجهة، لم يعد التحقّق رفاهية، بل ضرورة دفاعية. فالخطر لا يكمن فقط في الصواريخ، بل في الصور الخادعة والكلمات المُضلِّلة.