
عُمان.. الشريك الحضاري الموثوق
عُمان.. الشريك الحضاري الموثوق
لم تكن زيارة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- إلى العاصمة الروسية موسكو حدثا دبلوماسيا عابرا، بل إعلان متزن عن حضور سياسي واقتصادي وفكري لعُمان في واحدة من أكثر اللحظات الجيوسياسية حساسية في التاريخ الحديث. وإذا كان السلطان هيثم -أيّده الله- قد وقّع في عام 1985 على أول بروتوكول للعلاقات الدبلوماسية بين سلطنة عُمان والاتحاد السوفييتي، فيما يمكن أن يُنظر إليه اليوم كعتبة أولى في مسار طويل، فإنه -حفظه الله- قد دشّن بهذه الزيارة تحولا نوعيا في علاقات نضجت على مدى أربعة عقود
وأسّس لمسار جديد من التعاون السياسي والاقتصادي والمعرفي، يخدم المصالح الاستراتيجية العُمانية والروسية على حد سواء، كما عبّر جلالته في كلمته من قاعة الكرملين.
لذلك يمكن القول إن زيارة جلالة السلطان المعظم قد أسهمت في بلورة لحظة «جيوبوليتيكية» فريدة، تلتقي فيها عُمان بكل موانئها المفتوحة على بحار العالم ومحيطاته، مع اليابسة الأوراسية التي تبدو موسكو في قلبها النابض، رغم كل التحديات التاريخية التي أحاطت بها.
وإذا كان كل من السلطان هيثم والرئيس بوتين قد أكدا في كلمتيهما على أهمية فتح شراكات اقتصادية في مجالات مثل الطاقة والزراعة والمواد الغذائية، فإن الموانئ العمانية تبرز كخيار جاذب للمستثمر الروسي، لا فقط لموقعها الجغرافي المتميز، بل أيضا لما توفره من استقرار سياسي وبيئة قانونية موثوقة.
لكن بوتين، الذي احتفى هو وبلاده بالسلطان هيثم، لا ينظر إلى عُمان بوصفها شريكا اقتصاديا أو محطة لوجستية ضمن سلاسل التوريد العالمية، بل بوصفها شريكا حضاريا قادما من الجنوب الجغرافي، لكنه يحمل وعيا معرفيا يعرف الشمال جيدا، ويدرك سيرورة تشكل الحضارات في فضائها وتاريخها.
أما السلطان هيثم -حفظه الله ورعاه- فرغم تركيزه البالغ على الجوانب الاقتصادية وتشجيع الاستثمارات الأجنبية، فإنه يقرأ بعمق مسار التحولات الكبرى التي يشهدها العالم، ويُدرك -أيّده الله- أن الدول اليوم لا تُقاس فقط بحجم إنتاجها أو قوتها العسكرية، بل بقدرتها على أن تقف في نقطة ينجذب إليها الجميع ويُحترم فيها الجميع، بعيدا عن تأجيج الصراعات أو توظيفها. وذلك لا يتحقق إلا بتراكم الفعل السياسي النابع من وعي تاريخي، وهو ما تملكه عُمان التي ظلّت، عبر تاريخها، بعيدة عن منطق المحاور، وحاضرة بمنطق الدولة التي لا تنتهك حقوق الدول ولا إنسانية الشعوب، والتي تملك إرادة سياسية صلبة قائمة على القيم، ونقاء في التعامل، وبراعة في بناء جسور السلام.
وبهذا المعنى، لا يمكن قراءة هذه الزيارة -وقد حققت ما حققته من نجاحات- باعتبارها مجرد محطة في مسار بناء شراكات جديدة، بل باعتبارها مفترق طرق، تؤكد فيه عُمان أنها، بكل ما تملكه من عمق وتجربة، قادرة على أن تكون رقما صعبا في لحظة تعاد فيها كتابة مسارات العالم، لا عبر الضجيج، بل عبر الفعل الهادئ الذي يعيد للسياسة معناها الأصيل وهو أن تكون فعلا مسؤولا في التاريخ، لا مجرد رد فعل في لحظة تتشظى فيها مراكز القوى، وتنهار فيها الحضارات عسكريا وأخلاقيا.
ولعل السلطان هيثم -أيّده الله- وهو يعبر الساحة الحمراء التي مرّ بها القياصرة والثوار والأباطرة، لم يكن يعيد فقط وصل ما انقطع بين ضفتي أوراسيا والعالم العربي، بل كان يضع حجر الأساس لمسار حضاري جديد، لا يقوم على أنظمة تحكمها الغرائز ولا على تحالفات تُملى بالقوة، بل على عقل إمبراطوري هادئ، يدرك أن الجغرافيا وحدها لا تصنع التاريخ، بل تصنعه الإرادة التي تختار أين تقف ومتى تسير.
لقد حمل السلطان إلى موسكو أكثر من اتفاقيات، حمل معها توازنا نادرا في زمن فاقد للاتزان، وحين غادر، ترك في جدران الكرملين صدى لصوت مختلف.. صوت دولة تعرف كيف تصنع لنفسها مكانا حين تضيع الموازين، لا بالولاء لمحور، ولا بالتحدي الأرعن، بل بالحكمة التي تدرك أن من يُحسن العبور بين حضارتين، هو وحده من يملك أن يبني طريقا سالكا نحو المستقبل.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشبيبة
منذ 6 ساعات
- الشبيبة
بعد غدٍ.. رئيسُ إيران يقوم بزيارةٍ رسميّةٍ لسلطنة عُمان
مسقط - العمانية أعلت وكالة الأنباء العمانية منذ قليل أن فخامةُ الرئيس الدّكتور مسعود بزشكيان رئيسُ الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة بزيارةٍ رسميّةٍ لسلطنة عُمان ابتداء من بعد غدٍ الثلاثاء. جاء ذلك في بيانٍ صادرٍ من ديوان البلاط السُّلطاني فيما يأتي نصُّه: //توطيدًا لعلاقات الصّداقة الطيّبة الممتدّة بين سلطنة عُمان والجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانية، ودعمًا لأوجه التّعاون الثنائيّة القائمة بينهما، وانطلاقًا من حرص قيادتي البلدين على كلّ ما من شأنه تعزيزها وتطويرها نحو آفاقٍ أرحب لمستقبلٍ أكثر إشراقًا ونماءً وازدهارًا، سيقوم /بمشيئةِ اللهِ تعالى/ فخامةُ الرئيس الدّكتور مسعود بزشكيان رئيسُ الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة بزيارةٍ رسميّةٍ لسلطنة عُمان لمدة يومين ابتداءً من يوم الثلاثاء الموافق السابع والعشرين من مايو لعام ٢٠٢٥م، وسيتم خلال هذه الزيارة بحثُ عددٍ من المجالات والجوانب ذات الاهتمام المشترك؛ خدمةً لمصالح البلديْن الصديقيْن وبما يحقّق تطلّعات وآمال شعبيْهما، إضافة إلى بحث بعض الموضوعات التي تهمّ الجانبين في ضوء المستجدّات الإقليميّة والدّولية. وفّق الله سعي القيادتين الحكيمتين، وكلّل جهودهما لما فيه الخير والرّخاء لبلديْهما، وللأمّة الإسلاميّة والعالم أجمع، إنه سميعٌ مُجيب//.


جريدة الرؤية
منذ 6 ساعات
- جريدة الرؤية
نيابة عن جلالة السلطان.. السيد أسعد يترأس وفد سلطنة عُمان في قمتي كوالالمبور
مسقط – العمانية نيابةً عن حضرةِ صاحبِ الجلالةِ السُّلطان هيثم بن طارق المعظَّم – حفظه الله ورعاه – يترأس صاحبُ السُّموّ السيِّد أسعد بن طارق آل سعيد، نائبُ رئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي والممثل الخاصّ لجلالة السُّلطان، وفد سلطنة عُمان المشارك في أعمال قمة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، وقمة مجلس التعاون ودول الآسيان وجمهورية الصين الشعبية، والمقرر عقدهما في العاصمة الماليزية كوالالمبور بعد غدٍ الثلاثاء. وتأتي المشاركة العُمانية في هاتين القمتين في إطار تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين دول الخليج وآسيان من جهة، وتعميق التعاون السياسي والاقتصادي والتنموي مع جمهورية الصين الشعبية من جهة أخرى، بما ينسجم مع توجهات سلطنة عُمان في ترسيخ الحوار الدولي وتوسيع أطر التعاون متعدد الأطراف. كما تُجسد هذه المشاركة حرص السلطنة على دعم مسارات التعاون الإقليمي والدولي، وتعزيز مكانتها كشريك فاعل في القضايا الإقليمية والدولية، وكمساهمٍ في دفع جهود الاستقرار والتنمية في المنطقة.


الشبيبة
منذ 10 ساعات
- الشبيبة
الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي: مسيرة مجلس التعاون نموذج رائد في وحدة الصف والتكامل والتعاون البناء
أكد معالي جاسم محمد البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية أنه على الرغم من كافة التحديات والمتغيرات الإقليمية والدولية، ظلت مسيرة مجلس التعاون مثالا يحتذى في وحدة الصف، والتكامل الفاعل، والتعاون البناء، حتى غدت نموذجًا رائدًا على المستويين الإقليمي والدولي، وعلى كل الأصعدة ومختلف المجالات. جاء ذلك خلال حفل أقامته الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الليلة الماضية، بمناسبة الذكرى الرابعة والأربعين لتأسيس المجلس، في مقر الأمانة بمدينة الرياض. وأوضح الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية أن الاحتفال بمرور أربعة وأربعين عامًا على انطلاقة مسيرة مجلس التعاون المباركة، يمثل مناسبة لاستحضار الرؤية الحكيمة للقادة المؤسسين –رحمهم الله– الذين أسسوا بكل فخر وامتنان هذا الكيان العريق على أسس راسخة من عمق الروابط الأخوية، ووحدة المصير، والتاريخ المشترك بين شعوب دول المجلس. وأضاف أن القادة الحاليين يواصلون هذه المسيرة بعزم لا يلين، مع تركيز مستمر على تعزيز أواصر الأخوة بين الشعوب، وترسيخ دعائم العمل الخليجي المشترك، بما يحقق الخير والنماء لدولهم ومجتمعاتهم. ونوه إلى أن مسيرة مجلس التعاون شهدت، محطات مضيئة وإنجازات نوعية أسهمت في ترسيخ التكامل الخليجي في شتى المجالات، حتى غدت دول المجلس نموذجًا يُحتذى به في العمل الجماعي، وشريكًا يعتمد عليه إقليميًّا ودوليًّا، وأصبحت محط أنظار العالم بفضل رؤيتها الاستراتيجيّة وسياساتها المتزنة التي ترتكز على إعلاء قيم الأمن والسلم، وتعزيز مسارات التنمية المستدامة والازدهار. ولفت إلى أن هناك مشهدًا يعكس ثقل المجلس المتنامي، حيث عُقدت خلال الأشهر الماضية القمة الخليجية – الأوروبية، وتلتها قبل أيام القمة الخليجية – الأمريكية، وبعد أيام قليلة قمم مرتقبة مع رابطة دول الآسيان والصين، في تأكيد واضح على مكانة مجلس التعاون ودوره المحوري في رسم ملامح العلاقات الدولية. وأكد على أن هذه القمم الرفيعة لأصحاب الجلالة والسُّمو قادة دول المجلس مع نظرائهم في هذه الدول، بالإضافة إلى عقد 15 اجتماعًا وزاريًّا مع دول أخرى، تبرز قدرة المجلس على مدّ جسور التعاون مع الشرق والغرب، وبناء شراكات متوازنة تحقق المصالح المشتركة، كما تعكس ما تحظى به دول الخليج من تقدير واحترام عالمي، ورغبة صادقة من مختلف دول العالم في تعميق العلاقات معها على أسس من الثقة المتبادلة والمصالح الاستراتيجية. كما أشار الأمين العام لمجلس التعاون إلى ما حققته دول المجلس من طفرة نوعية في أدائها الاقتصادي، نتيجة التنوع الاقتصادي، والاستغلال الأمثل للموارد، وتعزيز مكانتها الاقتصادية على الساحتين الإقليمية والدولية. وفي هذا الصدد، استعرض معاليه بعض مما تحقق من إنجازات اقتصادية خلال الفترة الماضية، حيث احتلت دول المجلس المرتبة 11 كأكبر اقتصاد على مستوى العالم بإجمالي ناتج محلي يصل الى 2.1 تريليون دولار أمريكي، كما بلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي حوالي 36.8 ألف دولار، وهو ما يفوق ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي، مما يعكس ارتفاع مستوى الدخل وتحسن نوعية الحياة للمواطن الخليجي. ووضح أنه من المتوقع أن يستمر النمو الاقتصادي لدول المجلس بوتيرة أعلى في عام 2025م ليصل إلى 4.5% مع نمو في القطاع غير النفطي يناهز 3.3% في نفس العام، لتصبح دول المجلس مجتمعة ضمن قائمة أكبر سبع مناطق مالية عالمية، حيث بلغت القيمة السوقية الإجمالية لأسواق المال الخليجية أكثر من 4.3% من إجمالي القيمة السوقية العالمية. وفي مجال التنمية المستدامة، قال إن دول المجلس شهدت نموًّا كبيرًا في قدرتها الإنتاجية من مصادر الطاقة النظيفة، فقد بلغت قدرة إنتاج الكهرباء من المصادر المتجددة في دول المجلس نسبة 30% من إجمالي إنتاج الشرق الأوسط، كما بلغت 54.5% من إنتاج طاقة الرياح، وهو ما يعد 30% من الإنتاج العالمي. كما نوه إلى أن التجارة البينية بين دول مجلس التعاون شهدت نموًّا ملحوظًا، حيث بلغ حجم الصادرات البينية 131.6 مليار دولار أمريكي بنسبة نمو قدرها 67%، مما يعكس عمق التكامل الاقتصادي وتيسير حركة السلع بين الدول الأعضاء، كما بلغ إجمالي رؤوس أموال الشركات المساهمة العامة المسموح تداول أسهمها من قبل مواطني دول مجلس التعاون الأخرى 520.4 مليار دولار أمريكي بنسبة نمو قدرها 226.9%، بما يدل على انسياب رؤوس الأموال الخليجية وسهولة النفاذ إلى الأسواق. وفي مجال التعليم العالي، وضح أن عدد الطلاب الخليجيين الملتحقين بمؤسسات التعليم العالي في دول مجلس التعاون غير دولهم بلغ نحو 12.8 ألف طالب، ما يعزز تبادل الكفاءات ويرسخ مبدأ المواطنة الاقتصادية والتعليمية المشتركة، كما تعد دول المجلس من بين أكثر الدول في العالم جاهزية لتطبيق الاقتصاد الرقمي، حيث تجاوز مؤشر جاهزية الحكومة للذكاء الاصطناعي المتوسط العالمي، ويتوقع إسهام الذكاء الاصطناعي 34% من الناتج المحلي الإجمالي لدول المجلس بحلول 2030. وفي هذا السياق، قال إنه مواكبة للتحول الرقمي والتكنولوجي فقد دشن التطبيق المشترك لوكالات أنباء دول مجلس التعاون، كما أطلقت الأمانة العامة من خلال المركز الإحصائي الخليجي، تطبيق الهاتف الذكي لإحصاءات مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي يفتح نافذة موثوقًا بها عن واقع دول مجلس التعاون بالأرقام والحقائق، ويقدم مؤشرات دقيقة عن التنمية والاقتصاد والمجتمع والبيئة، بما يعكس حجم الإنجازات الطموحة والنهضة الشاملة التي تشهدها دول المجلس. وأكد الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية على أنه بناء على توجيهات قادة دول المجلس في تمكين وإبراز دور المرأة والشباب الخليجي، فقد أقامت الأمانة العامة لمجلس التعاون خلال الفترة السابقة، فعاليتين كانت الأولى للمرأة الخليجية تحت مسمى (خليجية ملهمة) في إطار الاحتفال بيوم المرأة العالمي للتركيز على منجزات المرأة الخليجية وجهود دول مجلس التعاون في مجال تمكين المرأة، والفعالية الثانية هي يوم الشباب الخليجي لدعم وتحفيز الشباب، وإبراز إبداعاتهم وإنجازاتهم في مختلف الميادين، مؤكدين للجميع على دعم الأمانة العامة لجميع فئات المجتمع الخليجي وإبراز جهودهم ومبادراتهم.