
إعلام إسرائيلي: كمين بيت حانون يكشف عن عبثية الحرب وتطور المقاومة
وقد اعترف المتحدث باسم الجيش آفي ديفرين بمقتل 4 من كتيبة "نيتسح يهودا" التي تضم يهودا متطرفين، وآخر من لواء الشمال في هجمات نفذت بعبوات ناسفة على أوقات متقاربة.
وتم تفخيخ المكان بعبوات ناسفة قبل وصول القوة الإسرائيلية إليها، وبعد تفجير العبوة الأولى فُجرت العبوة الثانية في فرقة الإخلاء قبل الاشتباك معها، حسب ما قال مراسل الشؤون العسكرية في القناة 14 هيلل روزين.
ورغم قيام الجيش بتدمير كافة المنازل الموجودة في هذه المنطقة، فإن مقاتلي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لا يزالون يعملون بها بواقع فصيلة وربما كتيبة، كما يقول روزين.
واستخدم المقاتلون البيوت المدمرة واشتبك 10 من مقاتلي المقاومة بالأسلحة الخفيفة فأصابوا 14 جنديا بينهما اثنان في حالة خطرة، وفق محلل الشؤون العسكرية في قناة "كان" روعي شارون الذي قال إن الكمين كان محكما ويبدو أنه جهز في اليوم السابق للهجوم.
إحباط أسر جنود
ونقل شارون عن مسؤولين أن الحدث كان يمكن أن يكون أسوأ بكثير لولا التعامل السريع من القوات، والذي أحبط عملية "اختطاف" محتملة لجنود كانت ستنفذ من داخل الأنفاق.
وهناك تقديرات إسرائيلية بأن المقاتلين رصدوا حركة الطائرة التي كانت تمهد الطريق، فحللوا العملية وتوقعوا المسار الذي ستسلكه القوة البرية وقاموا بتفخيخه، وهو ما يعكس تطور خبراتهم وقدراتهم التي أدت إلى نتيجة فتاكة، وفق شارون.
بدوره، قال مقدم البرامج السياسية في القناة 14 يوتام زمري إن الجنود سيدفعون أثمانا قاسية ومؤلمة لأي صفقة يتم التوصل إليها، لأن هناك الكثير من الوجوه غير المعروفة، في إشارة إلى احتمال استغلال الهدنة في تجهيز الأرض لمواجهات جديدة إذا تجدد القتال.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 6 دقائق
- الجزيرة
مغردون يتساءلون: لماذا حذف الأزهر بيانه حول إنقاذ غزة
اشتعلت منصات التواصل الاجتماعي بالجدل بين المغردين عقب قيام الأزهر الشريف بحذف بيانه المطول الذي وجه فيه شيخ الجامع الأزهر أحمد الطيب نداء عالميا للتحرك الفوري لإنقاذ غزة من المجاعة القاتلة. وأكد بيان الأزهر أن الضمير الإنساني بات على المحك في ظل استمرار قتل الفلسطينيين في غزة، محذرا من أن كل من يدعم إسرائيل بالسلاح أو يساندها بالقرارات يعد شريكا مباشرا في الإبادة. لكن هذا البيان لم يظل منشورا سوى دقائق معدودة قبل أن يتم حذفه من حسابات الأزهر على منصات التواصل الاجتماعي، الأمر الذي أثار دهشة واسعة بين رواد العالم الافتراضي. وتساءل مغردون عن سبب حذف الأزهر منشور النداء العالمي لنصرة أهل غزة في مواجهة المجاعة، بعد دقائق فقط من نشره. وبدأ المدونون بالتفاعل مع الحادثة، إذ كتب أحدهم يقول "حذف بيان الأزهر الشريف، الذي استصرخ الضمائر لإنقاذ غزة، عمل غير مبرور، ومسعى غير مأجور، بل محاولة يائسة لحجب صوت الضمير الإنساني والديني في زمن الصمت والتواطؤ. ولكن بعون الله تعالى ستبقى كلمة الحق أرفع من أن تُحذف، وسيظل صوت الأزهر الحق منبرا للأمة مهما حاولوا إسكاته". كما كتب آخرون تعليقا على الأمر "بيان #الأزهر_الشريف حول المجاعة القاتلة في غزة حمل في سطوره كلمة الحق، وبين واجب الوقت وأدى بعض الفرض. لكننا فوجئنا بحذفه، فهل يمكننا معرفة سبب الحذف، ومن يقف وراء هذا الحجب؟". إعلان وعلق ناشطون بأن حذف نداء الأزهر الشريف خلال دقائق "ليس مجرد حذف منشور، بل طمس متعمد لصوت الضمير في لحظة تحتاج فيها الأمة إلى ما تبقى من نور". ورأى آخرون أن حذف بيان شيخ الأزهر بعد وقت قصير من نشره يكشف حقيقة مؤسفة هي أن الأزهر الشريف لم يعد مؤسسة مستقلة. وأشار مدونون إلى أن البيان استقطب عددا غير معتاد من التعليقات على صفحة الأزهر، معظمها ينتقد موقف شيخ الأزهر، بحجة أنه بحكم موقعه يستطيع قول وفعل أكثر بكثير من الاكتفاء بهذا البيان. بل إن بعض المعلقين اعتبروا أنه كان لا بد للأزهر من حذف البيان، إذ إن مثل هذه العبارات يمكن أن تصدر عن بابا الفاتيكان وليس عن شيخ الأزهر. وأضافوا أن الأزهر مطالب بقول الرأي الشرعي بصراحة ودون مواربة في هذه القضية، لا بالاكتفاء بمناشدة القوى العالمية لمساعدة غزة ونصرة المستضعفين، وتحذير الآخرين بأن الدور سيأتي عليهم بعد غزة.


الجزيرة
منذ 6 دقائق
- الجزيرة
لماذا لم تُعلن الأمم المتحدة حالة المجاعة في غزة حتى الآن؟
في عالمٍ تغمره الصور والبيانات والبلاغات اليومية، نادرةٌ هي اللحظات التي تُصبح فيها الكارثة أوضح من أن تُخفى، وأقسى من أن تُتحمّل. غزة، اليوم، لا تُحتَضر فقط تحت القصف، بل تختنق جوعًا. أطفالٌ يموتون في أحضان أمهاتهم، شيوخٌ يقتاتون على العشب، وعائلاتٌ تنتظر قوافل الإغاثة التي لا تصل. بل إن مئات الفلسطينيين قُتلوا وهم يقفون في طوابير انتظار المساعدات، برصاص من يُفترض به أنه وجد لمساعدتهم لا أن يُجهز على ما تبقى من أمل. أمام هذا المشهد الفاجع، يبرز سؤال مُلّح: لماذا لم تُعلن الأمم المتحدة حتى الآن أن ما يجري هو "مجاعة"؟ ليس السؤال لغويًا، ولا عاطفيًا، بل هو قانوني وإنساني في جوهره. إعلان المجاعة ليس مجرد وصفٍ مأساوي، بل أداة إنذار قصوى تُلزم المجتمع الدولي بالتحرّك. لكن حتى هذه اللحظة، ورغم تراكم الشهادات والتقارير والصور، لا تزال الأمم المتحدة تلتزم الصمت الرسمي حيال التوصيف الأخطر. هذا المقال يتناول حيثيات هذا التردد. نفكّك فيه المعايير الفنية التي تعتمدها المنظمة لإعلان المجاعة، ونستعرض الشهادات الميدانية الصادمة، ونحلل الأبعاد السياسية والقانونية التي قد تُفسر هذا الصمت. وأهم من ذلك، نحاول الإجابة: هل الأمم المتحدة عاجزة عن الإعلان؟ أم إنها، في لحظة الحقيقة، اختارت الحياد و"المهنية" على حساب الحياة؟ المعايير الفنية والإجرائية لإعلان المجاعة لفهم عدم إعلان الأمم المتحدة حتى الآن عن حالة المجاعة في غزة، يجب إدراك المعايير الفنية والإجراءات التي تعتمدها لتصنيف الأزمات الغذائية. طورت منظمة الأغذية والزراعة الأممية (FAO) 2004، ما يُعرف بنظام التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، "Integrated Food Security Phase Classification (IPC)" وهو إطار تحليلي معتمد دوليًا يُستخدم لتحديد درجة انعدام الأمن الغذائي بناءً على مؤشرات كمية ونوعية موحدة. يتكون النظام من خمس مراحل، تبدأ من المرحلة الأولى (وضع طبيعي) وتنتهي بالمرحلة الخامسة التي تُصنَّف كمجاعة وفق المعايير الثلاثة: انعدام غذائي حاد لدى ما لا يقل عن 20% من الأسر: بمعنى أن خُمس الأسر أو أكثر تعاني عجزًا بالغًا في الغذاء، ولا تجد ما يكفي لسد رمقها، مع عجز تام عن التأقلم. سوء تغذية حاد يصيب أكثر من 30% من الأطفال دون سن الخامسة: أي أن أكثر من ثلث الأطفال الصغار يعانون من الهزال أو سوء التغذية الحاد نتيجة نقص الغذاء. معدل وفيات مرتفع بسبب الجوع: أي تسجيل ما يزيد عن حالتي وفاة يوميًا لكل 10 آلاف شخص نتيجة المجاعة، أو بسبب التداخل بين سوء التغذية والأمراض. عندما تُستوفى جميع هذه المعايير الثلاثة معًا في منطقة معينة، يصنّف الوضع على أنه مجاعة (IPC) من المستوى الخامس. هذا التصنيف يعتمد على جمع بيانات دقيقة تشمل مسوحًا ميدانية لنمط استهلاك الأسر، ونسب سوء التغذية عبر الفحوص الطبية للأطفال، ومعدلات الوفيات في المستشفيات والمراكز الصحية. تشارك وكالات أممية كبرنامج الغذاء العالمي (WFP)، ومنظمة الصحة العالمية (WHO)، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، إلى جانب منظمات الإغاثة في جمع هذه البيانات، وتحليلها ضمن فرق عمل متعددة التخصصات. وفي العادة، تُتخذ قرارات التصنيف بشكل توافقي بين الخبراء والجهات المعنية عبر ما يُعرف بـ"الإجماع التقني متعدد الأطراف"؛ حيث تُناقش النتائج ضمن مجموعات عمل تضم وكالات الأمم المتحدة والسلطات المحلية (عند وجود حكومة معنية)، ثم تُرفع التوصية النهائية لإقرار التصنيف رسميًا. في بعض الحالات، تتشكل لجنة مراجعة مستقلة لضمان دقة التصنيف، كما حدث في حالة غزة؛ حيث أُنشئت لجنة مراجعة المجاعة لتقييم الوضع في ظل شُح البيانات. لكن إعلان المجاعة ليس قرارًا تقنيًا بسيطًا، بل تصطدم به عقبات منهجية، خصوصًا في مناطق النزاع. ففي غزة، يعزى تأخر الإعلان إلى نقص البيانات الميدانية الموثوقة، نتيجة الحصار والظروف الأمنية التي منعت الصحفيين وعمال الإغاثة من الوصول إلى المناطق المنكوبة. كما أدى انهيار النظام الصحي، وانقطاع الاتصالات إلى غياب التوثيق لحالات الوفاة المرتبطة بالجوع، إذ إن كثيرًا من الضحايا فارقوا الحياة خارج المستشفيات، بعيدًا عن أعين الإحصاءات. هذه الفجوات تجعل استيفاء معايير المجاعة أمرًا معقدًا من الناحية الشكلية، رغم أن الصور والروايات من الميدان تروي مأساة لا لبس فيها. وكما قال أحد عمال الإغاثة: "في شمال غزة، الناس لا يموتون في المستشفيات، بل خارجها… دون أن يراهم أحد". يُذكر أيضًا أن إعلان المجاعة على المستوى الدولي خطوة نادرة وشديدة التحفظ، إذ لا يُلجأ إليها إلا في حالات استثنائية للغاية، وبعد تحقق معايير صارمة يصعب استيفاؤها بالكامل، خاصة في ظروف النزاع، ما يجعل الجهات الأممية تتوخى حذرًا شديدًا قبل إطلاق الوصف رسميًا. فلم تُعلن المجاعة إلا مرتين في السنوات الأربع عشرة الأخيرة (في الصومال2011، وجنوب السودان 2017)، مما يعكس مدى صرامة الشروط، وضرورة تحقق الأدلة الدامغة. ورغم أن إعلان "حالة المجاعة" لا يرتب تلقائيًا التزامات قانونية جديدة أو معاهدات ملزمة، فإنه يحمل وزنًا سياسيًا وأخلاقيًا كبيرًا باعتباره نداءً عاجلًا لتحريك المجتمع الدولي. هذا النداء قد ينعكس في زيادة المساعدات، وحشد الجهود الدبلوماسية للضغط على إسرائيل. ومع ذلك، فإن الحرص على المصداقية العلمية جعل الأمم المتحدة تتجنب استخدام مصطلح "مجاعة" في غزة، ما لم تصلها بيانات تفي بالمعايير المتعارف عليها. يتضح، إذن، ظاهريًا، أن السبب الفني الرئيسي للتردد الأممي هو غياب البيانات الموثقة الكافية- نتيجة الحصار والقتال- لإثبات المجاعة وفق معايير IPC الصارمة. وفي المقابل، يرى منتقدون أن الاعتبارات الإنسانية يجب أن تطغى على الاعتبارات التقنية الجامدة عندما تكون الأدلة الواقعية واضحة للعيان. هذا التناقض غير المبرر بين النهج الفني البحت والواقع الميداني المؤلم يكمن في صميم التساؤل حول تأخر إعلان المجاعة. كما لا يمكن إغفال احتمال وجود اعتبارات سياسية ضمنية تكبح صدور إعلان من هذا النوع. فالأمم المتحدة، رغم طبيعتها القانونية والإنسانية، ليست بمنأى عن التوازنات السياسية والضغوط الدولية. وقد أظهرت التجارب السابقة أن قرارات مجلس الأمن، أو إحالات المحكمة الجنائية الدولية، أو حتى بعض تقارير الأمم المتحدة ذاتها، كانت عرضة للمساومة أو التعطيل تحت وطأة صفقات سياسية أو ضغوط من الدول النافذة. وهو ما يثير مخاوف جدية من أن يكون تردّد المنظمة في إعلان المجاعة في غزة، ليس فقط نتيجة غياب البيانات الفنية، بل أيضًا نتيجة رغبة في تجنب الاصطدام بمنظومة المصالح الدولية، وفي مقدمتها إسرائيل وحلفاؤها. شهادات وتقارير المنظمات الإنسانية حول أزمة الجوع في غزة مع تفاقم الوضع الإنساني في غزة، توالت تقارير من وكالات الأمم المتحدة ومنظمات دولية، تؤكد وصول الجوع وسوء التغذية إلى مستويات حرجة، وتزيد الضغط على الأمم المتحدة؛ لإعلان المجاعة هذه بعضها: وكالة الأونروا (UNRWA) حذّرت مرارًا من انهيار الأوضاع الغذائية، وأكدت، 20 يوليو/ تموز 2025، أن أكثر من مليون طفل مهددون بالمجاعة. ووصفت ما يجري بأنه "مجزرة صامتة"، بعد تسجيل 86 وفاة بسبب الجوع منذ بداية الحرب، 76 منهم أطفال. كما أشارت إلى منع إدخال المساعدات واستهداف مراكز التوزيع، معتبرةً هذه الممارسات شكلًا من العقاب الجماعي الذي قد يرقى إلى جريمة حرب. منظمة يونيسيف: (UNICEF) وصفت الوضع بـ"كارثة من صنع الإنسان"، وحذّرت في 22 يوليو/ تموز أن "الجوع منتشر والناس يموتون". سجلت مستويات كارثية من سوء التغذية بين الأطفال، مع انعدام الأمن الغذائي وشحّ المياه النظيفة. وجّهت نداءً مباشرًا: "كفى كفى. يجب إيصال المساعدات لكل العائلات فورًا". برنامج الأغذية العالمي (WFP): أعلن في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 وجود "خطر وشيك" للمجاعة، وفي مارس/ آذار 2024، أشار تقييم التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي (IPC) إلى أن شمال غزة ربما تجاوز بالفعل عتبة المجاعة. وأكد البرنامج أن 48% من الأسر هناك تقضي أيامًا بلا طعام. وحذر كبير اقتصادييه قائلًا: "عندما نُعلن المجاعة، يكون الأوان قد فات". أطباء بلا حدود: (MSF) وثّقت تصاعدًا مقلقًا في حالات الهزال الحاد بين الأطفال، إذ ارتفعت من 293 حالة في مايو/ أيار إلى 983 حالة في يوليو/ تموز، معظمهم دون السنتين. وقالت إن التجويع متعمد، مشيرة إلى مشاهد لأمهات بأوزان دون 40 كيلوغرامًا ورضّع خدّج. وطالبت بفتح ممرات إنسانية فورًا. تقييم نقدي لدور الأمم المتحدة بين التقاعس والعوائق في الختام لا بد من تقديم تقييم صريح لأداء الأمم المتحدة حيال المجاعة في غزة، وطرح السؤال الجوهري: هل كان تأخر المنظمة في إعلان المجاعة مجرد التزام بالمعايير الفنية؟ أم أنه ترددٌ يعكس فشلًا أخلاقيًا في مواجهة كارثة موثّقة بالصوت والصورة؟ إن الصورة قاتمة، لا بفعل الشعارات، بل بفعل المعطيات الميدانية الحية: أطفال يموتون جوعًا، عائلات تبحث عن الطحين في القمامة، ومراكز إغاثة تُقصف عمدًا. وكل ذلك موثق على شاشات العالم. ومع ذلك، تتردد المنظمة الأممية في إطلاق وصف "المجاعة"، وكأن الصور والشهادات ليست كافية ما لم تمر عبر فلاتر منهجية وبيروقراطية معقّدة. ومن الناحية الفنية، تُفهم رغبة الأمم المتحدة في احترام أدوات التصنيف العلمي، وضمان مصداقية بياناتها. لكن هذا الحذر، في ظل واقع إنساني بالغ القسوة، يتحول إلى عبء. إذ إن انتظار دلائل كمية "مثالية" في مناطق يُمنع فيها الوصول وتُقطع فيها الاتصالات، هو ضرب من الإنكار غير المبرّر. لقد تحوّلت المعايير الفنية إلى عذر يُعلّق عليه التأخير، رغم أن كل مؤشرات المرحلة الخامسة من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) قد تجسدت فعليًا على الأرض. الصور لا تكذب، ولا تنتظر استبانات. أما من الناحية السياسية، فالأمر أشد تعقيدًا. إعلان المجاعة في غزة يُعد بمنزلة إدانة صريحة لسياسات إسرائيل الإجرامية، بل قد يزيد من القناعة بضرورة مساءلة إسرائيل دوليًا بموجب القانون الدولي الإنساني. وهذه خطوة تدرك الأمم المتحدة أنها ستواجه بسببها ضغوطًا شديدة، خصوصًا من دول كبرى تدعم إسرائيل. لذلك، آثرت المنظمة حتى الآن استخدام لغة حذرة، فضفاضة، لا تضع الأمور في نصابها الكامل. لكن ماذا تبقى من دور أممي إذا كان الخوف من الصدام السياسي يجمّد الشهادة على الجرائم؟ الأمم المتّحدة ليست مجرد هيئة فنية؛ إنها حكومة عالمية تمثل ضميرًا دوليًا. وإذا اختارت الصمت أو التردد في لحظة كارثية كهذه، فإنها تهدر ما تبقى من مكانتها الأخلاقية. لكن في غزة، الزمن ليس سلعة. كل ساعة تأخير تعني موت طفل أو أم أو مسنّ. وكل عبارة حذرة تُصدرها الأمم المتحدة تُفسَّر في الميدان كرضا ضمني، أو على الأقل كعجز عن قول الحقيقة. الحقيقة أن الأمم المتحدة- رغم تحذيرات منظماتها كاليونيسيف والأونروا وبرنامج الغذاء العالمي- لم تجرؤ بعد على النطق بكلمة "مجاعة". وهي بذلك تُفرّغ تحذيراتها من مضمونها، وتفقد القدرة على تعبئة العالم لإنقاذ ما تبقى من الحياة في غزة. لا يكفي أن تقول المنظمة إنها "تشعر بالقلق"، بل عليها أن تُسمّي الأمور بمسمياتها، وأن تتحمّل تبعات إعلان الحقيقة، لا أن تساير مصالح الأقوياء. وإذا استمرت الأمم المتحدة في هذا المسار، فإنها لا تُفرّط فقط بواجبها في غزة، بل تُفرّط بمبرر وجودها ذاته. حياة مئات الآلاف من البشر، ومصداقية النظام الدولي، ومستقبل آليات الحماية الجماعية، كلها معلقة اليوم على شجاعة تسمية الواقع باسمه: إنها مجاعة.


الجزيرة
منذ 20 دقائق
- الجزيرة
زنغزور.. عقدة جيوسياسية جديدة في قلب القوقاز
بينما تقترب أرمينيا وأذربيجان من وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق سلامٍ طال انتظاره، عادت قضية ممرّ زنغزور إلى الواجهة، بعد إعلان نائب وزير الخارجية الأرميني عن احتمال منح إدارة هذا الممرّ الإستراتيجي لشركة أجنبية. هذه التصريحات، وإن قُدِّمت في قالب «دراسة فنية»، كشفت من جديد أنّ زنغزور لم يعد مجرد ملف حدودي بين يريفان وباكو، بل تحوّل إلى ساحة صراع بين القوى الإقليمية والدولية، من روسيا وإيران إلى تركيا والولايات المتحدة، وصولاً إلى الصين. التسريب الأرميني تزامن مع لقاء جمع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرمـني نيكول باشينيان في أبوظبي؛ لقاء اعتُبر على نطاق واسع محاولةً لإزالة العقبات أمام إعادة فتح هذا الممر الحيوي، الذي من شأنه أن يربط أذربيجان بجمهورية نخجوان من دون المرور بإيران، ويعيد تشكيل خريطة العبور في المنطقة. رغم تأكيد الحكومة الأرمينية تمسكها بالسيادة الكاملة على أراضيها، ورفضها لاستخدام مصطلح «ممرّ» بمعناه العابر للحدود، فإن طرح فكرة إشراك طرف ثالث أجنبي في الإدارة اللوجستية أثار كثيراً من التساؤلات. فالمعارضون في الداخل رأوا فيه تهديداً مباشراً للسيادة، في حين فسّرته أطراف خارجية باعتباره مقدّمةً لتدويل الممرّ، وإبعاده عن النفوذين الروسي والإيراني. تشير التقارير الغربية إلى أن خطة إشراك شركة أميركية في تشغيل الممر طُرحت أولاً خلال الولاية الأولى لدونالد ترامب، وأُعيد إحياؤها اليوم مع عودته إلى البيت الأبيض في ولايته الثانية. هذه الخطة تمنح باكو ضمانةً أمنية، وتسمح لها بتقليص الاعتماد على طهران وموسكو، وفي الوقت ذاته تمثّل مكسباً جيوسياسياً للولايات المتحدة في نقطة يتقاطع فيها «حزام وطريق» الصيني مع مشاريع الممرات الروسية والإيرانية. ومن المهم الإشارة إلى أن النزاع حول زنغزور لا يمكن فصله عن السياق التاريخي الأوسع للصراع الأرميني- الأذربيجاني، ولا عن توازنات ما بعد حرب "قره باغ" الثانية عام 2020، فقد غيرت تلك الحرب موازين القوى على الأرض، ودفعت أرمينيا إلى موقع دفاعي، ما زاد من اعتمادها على قوى خارجية لضمان أمنها، ولا سيما مع التراجع النسبي في الدور الروسي بسبب انشغال موسكو بالحرب في أوكرانيا. في هذا الفراغ، تحاول الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تقديم نفسيهما كبديل سياسي وأمني، وهو ما يقابَل بتحفظ إيراني حاد، وقلق روسي متزايد. في المقابل، تنظر تركيا إلى ممرّ زنغزور بوصفه جزءاً من رؤيتها الأوسع لربط العالم التركي من أنقرة إلى آسيا الوسطى عبر جنوب القوقاز، فيما تسعى الصين إلى الحيلولة دون تهميش ممرات مشروع «الحزام والطريق» في المنطقة. أما بالنسبة لإيران، فإن فقدان الاتصال المباشر مع أرمينيا يُعَدّ تهديداً إستراتيجياً لمكانتها الجيوسياسية؛ ولذلك تبذل جهوداً مكثّفة لتمويل وربط شبكات نقلٍ بديلة عبر أراضيها، بما يضمن استمرار دورها كممرّ رئيسي بين الشرق والغرب. هذه الشبكة المعقدة من المصالح تجعل من زنغزور أكثر من مجرد مسار نقل؛ إنه ساحة حساسة تتقاطع فيها حسابات القوى الكبرى والإقليمية. ومع أن واشنطن ترى في إشراك شركة أميركية فرصة لتوسيع نفوذها في منطقة تميل تقليدياً نحو موسكو وطهران، فإن العقبات أمام ذلك ليست قليلة. فالقانون الأرميني يمنع تأجير الأراضي العامة لأطراف أجنبية لفترات طويلة من دون موافقة البرلمان، والمعارضة في يريفان أعلنت بوضوح رفضها هذا المسار. كما أنّ طهران تعتبر فتح «ممرّ زنغزور» على حساب حدودها مع أرمينيا خطاً أحمر، وقد أظهرت استعدادها للرد عبر المناورات العسكرية ومشاريع بديلة كـ«ممرّ أرس». أمّا موسكو، التي تمرّ علاقتها مع باكو بمرحلة توتر، فمن غير المتوقع أن تتقبّل بسهولة تقليص حضورها في منطقة تعتبرها مجالاً حيوياً لها. انطلاقاً من هذه المعطيات، يرى مراقبون أن التصريحات الأرمينية الأخيرة لا تمثّل قراراً نهائياً بقدر ما تشكّل اختباراً لردود فعل العواصم المعنية، من طهران وموسكو إلى بكين، وكذلك رسالةً إلى باكو بأن يريفان مستعدة للتفكير خارج الأطر التقليدية إذا ما توفرت ضمانات اقتصادية وأمنية كافية. زنغزور، إذن، لم يعد مجرد ممر جغرافي، بل غدا عقدة جيوسياسية تجسّد التحولات الكبرى في موازين القوى داخل القوقاز. وليس مُستبعَداً أن تحدّد كيفية إدارة هذا الممر مستقبل التوازن بين الشرق والغرب في هذه المنطقة الحساسة، ولا سيما في ظل تنافس المشاريع الصينية والروسية والأميركية على السيطرة على طرق التجارة والنفوذ السياسي في آسيا الوسطى ومحيطها.