
الأحزاب والمفسدين من الحماية الى الشراكة
حماية الأحزاب السياسية العراقية للفاسدين لم تعد استثناءً، بل أصبحت نمطًا ثابتًا يكشف عن عمق الأزمة البنيوية التي تعاني منها الدولة. ما لم تتم معالجة هذه الظاهرة بشكل جذري، فإن كل حديث عن محاربة الفساد سيظل خطابات جوفاء، وسيبقى المواطن هو الخاسر الأول...
دخل العراق مرحلة جديدة من مراحل العمل السياسي والانفتاح الديمقراطي الذي يعني المشاركة في الحكم من قبل الأحزاب والكتل السياسية، اذ غيرت هذه الأحزاب النظرة العامة عن السياسة من الناحية النظرية على الأقل، ومن الطبيعي بمثل هذه الحالة او الظروف المناخية السائدة، يكون التنافس بين هذه الأحزاب على الإدارة الجيدة والتسابق نحو تقديم الأفضل.
لكن ومع مرور الوقت تحوّلت هذه الأحزاب الى شبكات داخلية بصبغة سياسية لحماية المفسدين والمهيمنين على المال العام، حيث برزت هذه الظاهرة نتيجة الحاجة الفعلية لهذه الأحزاب في تسيير امورها المادية، فعمدت الى حماية المتعاملين معها او المنتمين فكريا اليها بوصفهم أدوات مالية.
واخذت هذه الظاهرة بالتنامي مع تنامي الإيرادات والشروع بخطة الاستثمارات وتحسين البنى التحتية للبلاد، فعن طريق المقاولات وإحالتها بطرق غير قانونية او شرعية، بدأت الخزانات المالية الحزبية بالانتفاخ، مع الحماية او التحصين الحزبي لهؤلاء المتنفذين ولنا بهذا الصدد العديد من الأمثلة وآخرها.
هي ما وصفت بصفقة او سرقة القرن وعرابها الذي اخرجه القضاء بكفالة مالية نور زهير.
زهير لم يكن شخصية اعتيادية بالمرة، وجميعنا تابع مجريات احداث القضية منذ انتشارها على وسائل الإعلام ولغاية جلسات الحكم من قبل القضاء العراقي، ومن يركز في بعض التفاصيل لحديث المتهم، يجد ان العملية أكبر بكثير من حصرها في نطاق هذه الشخصية البسيطة مقارنة بحيتان الفساد المختبئة خلف الكواليس.
اليك مثال آخر يؤكد ان المفسدين يحتمون او يستضلون بمضلات سياسية، فقضية عبد الفلاح السوداني وزير التجارة في زمن حكومة المالكي، الذي اختلس 4 مليار دولار من تخصيصات الوزارة المرصودة للبطاقة التموينية، انتهت في المحصلة النهائية بقبول كفالته مقابل مبلغ 50 مليون دينار عراقي، بينما عشرات المواطنين لا يزالون على ذمة التحقيق لعدم وجود حزب سياسي يحميهم او يدافع عنهم.
واضح جدا امام المراقب للشأن السياسي العراقي وتحديدا ملفات الفساد يلحظها ترتبط بشخصيات سياسية أو مسؤولين مدعومين من قِبل أحزاب نافذة، وبدل أن تكون هذه الأحزاب جزءًا من منظومة محاسبة داخل الدولة، فإنها كثيرًا ما تتحول إلى مظلة تحصّن المتورطين وتمنع وصول يد القانون إليهم.
مثل هذه الحماية او التحصين قد تكون مباشرة، كالتدخل لمنع إصدار مذكرات توقيف أو تأخيرها عبر الضغط السياسي، أو عن طريق غير مباشرة عبر التلاعب بمسارات التحقيق وتبديل القضاة أو نقل الملفات بين الهيئات، في محاولة لكسب الوقت والبحث عن مخارج لخفيف الحكم او تغيير مادة الحكم.
الأحزاب السياسية المتبنية لهذه الشخصيات غالبا ما تبرر في خاطبها هذه الحماية من منطق الحفاظ على التوازن السياسي أو "الابتعاد عن التصعيد الطائفي"، وهي ذرائع تخفي تحتها مصلحة واضحة، منها حماية مصادر التمويل والنفوذ، إذ أن الفاسدين غالبًا ما يكونون في مواقع إدارية عليا أو يتمتعون بشبكات نفوذ داخل المؤسسات، ما يجعلهم أدوات مهمة في تعزيز سلطة الحزب أو الكتلة التي يتبعون لها.
ولكل غرض وسيلة للوصول، ومن أكثر الطرق وصولا الى حماية مطلقة تستخدمها الأحزاب في حماية الفاسدين هي تسييس المؤسسات الرقابية والقضائية، وفي هذا الاتجاه تم تحويل بعض الهيئات المستقلة "نظريا" مثل هيئة النزاهة أو ديوان الرقابة المالية، إلى أدوات تُستخدم في التصفيات السياسية أو تُشل حركتها عند المساس بأحد 'المحميين'.
أما القضاء، الذي يُفترض أن يكون ضامنا للعدالة، فقد أُخضع بدوره لتوازنات الكتل، ما أفرغ مبدأ استقلاليته من مضمونه في الكثير من الحالات.
هذا الواقع أدى إلى نتائج كارثية على المستوى المالي، فالدولة أصبحت عاجزة عن محاسبة المتورطين في سرقة المال العام، بل وأصبحت مواقع المسؤولية تُمنح كمكافآت للولاء السياسي وليس على أساس الكفاءة أو النزاهة، أما المواطن فلم يعد يرى في الدولة ملجأً لتحقيق العدالة، بل أصبح يزداد قناعة بأن النظام السياسي بأكمله متواطئ في إنتاج الفساد.
رغم الصورة القاتمة، لا يمكن القول إن الأمل معدوم، هناك جهود داخلية ودولية تضغط من أجل إصلاحات جدية، وهناك وعي شعبي متزايد بممارسات الطبقة السياسية، لكن أي إصلاح حقيقي يظل مشروطًا بتفكيك منظومة الحماية التي توفرها الأحزاب للفاسدين، وهو أمر يتطلب ليس فقط أدوات قانونية وقضائية مستقلة، بل إرادة سياسية لا تزال حتى الآن غائبة أو محدودة للغاية.
حماية الأحزاب السياسية العراقية للفاسدين لم تعد استثناءً، بل أصبحت نمطًا ثابتًا يكشف عن عمق الأزمة البنيوية التي تعاني منها الدولة. ما لم تتم معالجة هذه الظاهرة بشكل جذري، فإن كل حديث عن محاربة الفساد سيظل خطابات جوفاء، وسيبقى المواطن هو الخاسر الأول.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


النهار
منذ 42 دقائق
- النهار
هذا الفيديو لحديث الرئيس المصري عن تكلفة إعمار سوريا قديم FactCheck#
نشرت حسابات على موقع التواصل الاجتماعي الأشهر في مصر (فايسبوك) فيديو بمزاعم أنه لتصريحات أدلى بها أخيرا عن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بشأن تكلفة إعمار سوريا. الا ان هذا الزعم مضلل تماما. FactCheck# "النّهار" دقّقت من أجلكم فقد تداولت حسابات على فايسبوك فيديو يظهر فيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قائلا (من دون تدخل): "سوريا تحتاج إلى ما بين 300 مليار إلى تريليون دولار لإعادة بنائها... لا توجد أي دولة أو مجموعة دول يمكن أن تدفع هذه المبالغ على الفور". وتابع: "محدش هيديك 300 مليار تصلح بلدك بعد ما خربتها، مش انت اللي كسرتها؟ مش انت اللي خربتها؟ أصلحهالك انا ليه". ولكن البحث العكسي عن الفيديو قاد، بعد تفكيكه لصور عدة، إلى أن له قديم، اذ يعود الى عام 2018، وبالتالي لا علاقة بالأحداث الراهنة في سوريا. وقد جاءت تصريحات السيسي تلك في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2018، خلال مشاركته في جلسة "ما بعد الحروب والنزاعات: آليات بناء المجتمعات والدول"، ضمن فعاليات منتدى شباب العالم. ويمكن مشاهدة المقطع من الدقيقة 1:10:38 الى الدقيقة 1:11:34 في الفيديو أدناه. وقال فيها السيسي عن سوريا، وفقا لتقارير: "أوضحت أنها تحتاج الى ما بين 300 مليار دولار إلى تريليون دولار لإعادة إعمارها". لقطة من الفيديو المنشور في قناة أخبار ماسبيرو في يوتيوب، في 5 ت2 2018 واستبعد السيسي مساعدة أي دولة في العالم لسوريا بهذا المبلغ، لافتا إلى أن الدول تتصارع على 10 مليارات دولار. وتابع: "الصراع اليوم في العالم على النفوذ والأموال والمصالح"، بحسب ما نشرته جريدة الشروق المصرية (مستقلة). سوريا الشرع... جدال متجدد وتصاعد الجدل مجددا، بعدما كشف السفير الأميركي السابق لدى سوريا روبرت فورد أن جهّات دولية اختارت "هيئة تحرير الشام"، بقيادة أحمد الشرع المعروف سابقاً بـ"الجولاني"، كبديل سياسي في سوريا، بعد فشل المفاوضات مع نظام بشار الأسد. وقال خلال محاضرة دعا إليها مجلس العلاقات الخارجية في مدينة بالتيمور في ولاية ميريلاند الأميركية في 5 أيار (مايو)، إن "الهيئة خضعت لتدريبات مكثّفة على يد خبراء وسفراء وضباط استخبارات بريطانيين وأميركيين". Robert Ford, the former ambassador to Syria, revealed during an international lecture at the invitation of the Council on Foreign Relations in Baltimore on May 5, 2025, that he was part of a team selected by the Metropolitan Non-Governmental Organization to explain the… — Zack (@zackmousou) May 19, 2025 وذكر أنّه التقى الشرع مرتين لتدريبه على هذه المهمة عامي 2023 و2024 (قبل أشهر من دخوله دمشق). وفي المرة الثالثة، في كانون الثاني (يناير) 2025، التقاه لمدة 10 أيام في القصر الرئاسي. وأوضح أن "التدريبات شملت جوانب سياسية واستراتيجية، وجرى تنفيذها عبر سلسلة لقاءات في محافظة إدلب"، من دون تحديد تواريخ محدّدة. ولفت إلى أن "اختيار هيئة تحرير الشام يرجع إلى كونها الأكثر تنظيماً بين فصائل المعارضة". الخلاصة: الفيديو المتداول للرئيس السيسي قديم اذ يعود إلى عام 2018. ولم يتحدث أخيراً عن إعادة إعمار سوريا.


ليبانون ديبايت
منذ 2 ساعات
- ليبانون ديبايت
"وصمة عار"... ترامب: حرب أوكرانيا كان يجب أن تظل شأناً أوروبياً
أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مساء أمس الاثنين، أن الولايات المتحدة لا ينبغي أن تتدخل في الصراع الأوكراني، معتبرًا أن النزاع كان يجب أن يظل "قضية" تخص أوروبا وحدها. وفي تصريحات أدلى بها للصحافيين في البيت الأبيض، أضاف ترامب: "أعتقد أن شيئًا ما سيحدث، وإذا لم يحدث، فسأتنحى جانبًا وسيستمرون هم. هذه القضية هي قضية أوروبية، ويجب أن تظل أوروبية. لكننا (تدخلنا) لأن الإدارة الأميركية السابقة اعتقدت أنه من الضروري التدخل، وكان انخراطنا أكبر من أوروبا نفسها، سواء من حيث المال أو كل ما قدمناه". وتابع ترامب قائلاً: "لقد خصصنا مبالغ ضخمة، أعتقد أنها قياسية لدولة أجنبية. لم نشهد مثل هذا الإنفاق من قبل: أسلحة وأموال. أما أوروبا، فقد قدمت كثيرًا، لكنها لم تقترب مما قدمناه. ربما خصصنا ثلاثة أضعاف ما قدمته أوروبا. وهذا أمرٌ مخزٍ بكل بساطة، وهذه القصة برمتها وصمة عار". وأشار ترامب إلى أن الولايات المتحدة التزمت بتخصيص أكثر من 180 مليار دولار لأوكرانيا منذ اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا في عام 2022. وفي سياق آخر، أكد ترامب عدم وجود عسكريين أميركيين على الأرض في أوكرانيا، مشيرًا إلى أن هذا الأمر لم يحدث في الماضي ولن يحدث في المستقبل. وقال: "ليس لدينا جنود على الأرض هناك، ولا يمكن أن يكون لدينا قوات على الأرض، لكن لدينا نصيب كبير في الصراع. والمبلغ المالي الذي استثمرناه كان جنونيًا، إنه رقم قياسي". من جهة أخرى، كشف ترامب عن إجراءه اتصالًا هاتفيًا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لبحث إمكانية حل الصراع في أوكرانيا. ووصف الرئيس الأميركي نظيره الروسي بـ "الرجل اللطيف"، قائلًا في حفل عشاء لمجلس أمناء مركز "جون كينيدي للفنون المسرحية": "أجريت محادثة قصيرة مع رجل لطيف يُدعى بوتين. أجرينا محادثة جيدة وأحرزنا تقدماً". بدوره، وصف بوتين المحادثة بأنها "ذات معنى وصريحة ومفيدة للغاية"، مشيرًا إلى أنها استمرت لأكثر من ساعتين. وأعرب عن امتنانه لترامب لمساهمته في استئناف المفاوضات المباشرة بين روسيا وأوكرانيا.


النهار
منذ 2 ساعات
- النهار
سيدة أعمال مصرية تتهم حفيدها بسرقة 3 ملايين دولار و15 كلغ من الذهب
اتهمت سيدة الأعمال المصرية نوال الدجوي حفيدها بسرقتها، وتقدر المسروقات بنحو: 3 ملايين دولار و15 كلغ من الذهب و50 مليون جنيه مصري و350 ألف جنيه استرليني. وأشارت الدجوي الى أنها فوجئت بكسر بباب غرفة نومها وتغيير الأرقام السرية للخزائن داخل المنزل، الذي يحتمل أنها غابت عنه منذ أواخر عام 2023، حيث تقيم بمنزل آخر بحي الزمالك بالقاهرة. كما أكدت أن مفاتيح المنزل الذي تعرض للسرقة، كانت لدى عدد من الأقارب، ما يوسع من دائرة المتهمين. وشغلت الواقعة الشارع المصري نظرا لحجم المسروقات، حيث عبر الكثيرون عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن دهشتهم وتساؤلاتهم عن سبب الاحتفاظ بهذا الكم من الأموال والذهب داخل المنزل بعيدا عن البنوك. وتشغل الدجوي منصب رئيس مجلس أمناء جامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والفنون MSA.