logo
بصدد النظام الدولي

بصدد النظام الدولي

صحيفة الخليجمنذ 6 ساعات

«النظام الدولي» «متعدد القطبية»، حالياً، تعلو هرمه ثلاث قوى عالمية كبرى: الولايات المتحدة وروسيا والصين، وهناك دول «متوسطة» القوة في طور النماء كقوى «تَعْديلية»، قادرة على تغيير قواعد النظام الدولي، وتكون في عِداد «القوى الكُبرى» في المستقبل المنظور أو البعيد.
الولايات المتحدة، مازالت، في هذا النظام الدولي «التعددي» تملك زمام المبادرة الدولية، كقوة كبرى، مؤثرة في العالم، لأسباب عسكرية واقتصادية ومالية وسياسية وثقافية وتكنولوجية ونفسية، أي أن «النظام الدولي» مازال «أُحادي القطبية»، على الأقل في جوانب معينة. مكمن قوة الولايات المتحدة قدرتها على استقطاب وجذب «حلفاء» و«أصدقاء» و«شُركاء» لها وتشكيل «تحالفات»، تَدعمها وتُعزز قوتها «الشاملة»، وذلك طبقاً لنظرية «التهديد» و«بِناء التحالفات»، التي تطورت بجامعات أمريكية وانتشرت.
نظرية «التهديد» و«بناء التحالفات» ترى أن الدول تَعقِد تحالفاتها بناءً على تصوّر لديها بوجود تهديد لها، سواء كان حقيقة أو وَهْماً. الدول تتحالف لموازنة أو مواجهة أو احتواء هذا «التهديد» الذي يتمثل في عناصر: القوة (العسكرية وغيرها)، والقُرب الجغرافي، والقُدرات الهجومية، و«النِيّات»، – «نِيّات» الآخرين، اهتماماتهم وأفكارهم وعقائدهم، وتَبني «الدول» على ذلك تَصوّرها. لذا، الولايات المتحدة عاملت الاتحاد السوفييتي السابق أثناء الحرب الباردة (1945 – 1991) كعنصر تهديد لها، كونه يملك القوة العسكرية، والتميز الجغرافي، والقدرة الهجومية.
استقطبت «نظرية التهديد وبِناء التحالفات» دُولاً، لتكون في صف الولايات المتحدة، كحُلفاء أو أصدقاء أو شركاء، ترى ذات التَصوّر بوجود التهديد الخارجي لها أيضاً. لذا، نشأت تحالفات، عالمية، تقودها الولايات المتحدة، مِنها «حلف الناتو»، لموازنة أو لمواجهة أو لاحتواء الاتحاد السوفييتي وأصدقائِه وحُلفائِه وشُركائِه. الاتحاد السوفييتي، بِدوره، أنشأ تحالفات مُضادة لموازنة أو مواجهة أو احتواء «التهديد الأمريكي». ولكن، واقعاً، تحالفات الولايات المتحدة كانت «مُستقرة» و«أقوى» فقد انهار الاتحاد السوفييتي ومنظومة تحالفاته العسكرية والسياسية العالمية في 1991.
«نظرية التهديد وبناء التحالفات» أثبتت فاعليتها، فالاتحاد السوفييتي، بدأ من عام 1985، مع وصول، ميخائيل غورباتشوف، للرئاسة، في تغيير «التَصوّر» السوفييتي تجاه الولايات المتحدة بنقلها من «خانة الأعداء» و«الخصوم» إلى «خانة الأصدقاء»، باعتبار الولايات المتحدة «غير مُهَدِّدة» للاتحاد السوفييتي، وإنما «صديق»، لذا يُمكن للاتحاد السوفييتي أن يتقارب ويتفاهم مع الولايات المتحدة. فكان تغييراً استراتيجياً مُذهلاً، أحدث غورباتشوف تغييرات جوهرية في السياسة الخارجية السوفييتية فاقترب بها من الولايات المتحدة كثيراً فاستورد إصلاحات «ليبرالية» غربية داخل بنية الاتحاد السوفييتي، أدت لتفكك منظومة تحالفاته، وانهياره في نهاية الأمر، فانفردت الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة في العالم.
الرئيس الروسي بوريس يلتسين (1991 – 1999) استكمل «تصوّر» غورباتشوف، بصداقة الولايات المتحدة والغرب، وبأنهم «غير مُهددين» لروسيا فتحالف «ضِمنياً» مع الولايات المتحدة والغرب بتحويل الاقتصاد الاشتراكي الروسي إلى اقتصاد سوق رأسمالي، وعالج الاقتصاد الروسي بالصدمات وتحرير الأسعار والخصخصة، فوقعت غالبية الممتلكات الوطنية والثروة في أيدي قِلة بسبب هذا التحول الجذري في الاقتصاد، فنشأت «الطبقة الرأسمالية» في روسيا – أُسوة بالنمط الأمريكي تماماً – فتمكنت الاحتكارات الدولية من أخذ الأسواق السوفييتية السابقة، وعانت روسيا التضخم والانهيار الاقتصادي ومشاكل سياسية واضطرابات اجتماعية، حتى قال نائب الرئيس الروسي، حينها، الكسندر روتسكوي عن «الإصلاحات» التي نفذها الرئيس بوريس يلتسن بأنها «إبادة اقتصادية».
حين وصل فلاديمير بوتين للرئاسة الروسية في عام 2000 بدأ في «التراجع» عن سياسة «التقارب»، و«التحالف» – الضِمني، مع الولايات المتحدة والغرب، التي كانت مُتبعة في عهد أسلافه، غورباتشوف ويلتسين. وإن كان لم يضع الولايات المتحدة والغرب في مرتبة «الأعداء» إلّا أنه لم يضعهم في مرتبة «الأصدقاء»، فظل مُتوجساً منهم، تنتابه «رِيبة» و«شَك» تِجاههم، ثم اتضح «التصوّر» الجديد لديه باعتبارهم «تهديداً» لأمن روسيا فهاجم أوكرانيا، حَليفة الغرب، في فبراير(شباط) 2022 لإبعاد حلف شمال الأطلسي – الأمريكي الغربي عن حدود روسيا، وقد صرح بوتين، مؤخراً، بأنه «لا يمكن الوثوق بالأعداء».
الولايات المتحدة، كذلك، «تتصوّر» بأن الصين ودولاً أخرى، إلى جانب روسيا، مُهَدِّدة لها، أي لمصالحها. التغيير «البراغماتي» الذي أحدثه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في فترة رئاسته الثانية منذ يناير 2025 تِجاه روسيا بالتقارب معها لا يُغير من أصل التَصَوّر الأمريكي بوجود «تهديد روسي»، كما كان ذات «التَصوّر» تجاه الاتحاد السوفييتي، كعنصر مُهدد للمصالح الأمريكية، فهدف الرئيس الأمريكي هو «احتواء» روسيا و«التهدئة» معها، و«الاحتواء»، في الحقيقة، ما هو إلاّ «عَدَاء» خَفِيّ، ضِمني، و«التهدئة»، مجرد حَرب أو مواجهات مُؤَجلة.
«نظرية التهديد وبِناء التحالفات» فاعلة في الشرق الأوسط، كذلك، فالولايات المتحدة، لديها تَصوّر بوجود تهديد لمصالحها بالمنطقة من قِبل دول ومنظمات مُعينة، وهؤلاء، بدورهم، لديهم ذات التَصوّر بتهديد الولايات المتحدة لهم. إذن، هو تَصوّر مُتبادل بالتهديد. لهذا، تنشأ «التحالفات» و«التحالفات المُضادة» بناءً على هذا التَصوّر المُتبادل بوجود تهديد.
على هذا الأساس النظري – تنشأ الحروب والمواجهات، فإذا ما أُريد للسلام الحقيقي أن يتحقق فلابد من توافر شرط مركزي، يغَيّر التَصوّر بالتهديد، أي زَواله، واقعاً، بشكل مُتبادل، مُتساوٍ، بين أطراف النزاع. لكن، عند عدم تحقق هذا الشرط، فإن العَداوات والحروب مستمرة والاستعدادات العسكرية لها متواصلة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ترامب: اتفاق هدنة غزة قريب جداً
ترامب: اتفاق هدنة غزة قريب جداً

صحيفة الخليج

timeمنذ 21 دقائق

  • صحيفة الخليج

ترامب: اتفاق هدنة غزة قريب جداً

أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأربعاء عن اعتقاده بأن «تقدّماً كبيراً» يتحقق في ما يتعلق بإنهاء الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في غزة. وقال: «أعتقد أن تقدماً كبيراً يتحقق في ما يتعلق بغزة وأعتقد أن السبب هو الهجوم الذي نفّذناه»، مشيراً إلى أن الضربات الأمريكية على إيران قد تنعكس إيجاباً على الوضع في الشرق الأوسط. وفي وقت سابق اليوم، أكد ترامب، أن الضربات الأمريكية ألحقت «دماراً شاملاً» بقدرات إيران النووية، ليعود برنامج الجمهورية الإسلامية النووي «عقوداً» إلى الوراء. وقال ترامب: «لن يصنعوا قنابل نووية لوقت طويل»، مضيفاً: أن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران يمضي «بشكل جيد جداً».

روبيو: إيران أصبحت «أبعد بكثير» عن صنع أسلحة نووية
روبيو: إيران أصبحت «أبعد بكثير» عن صنع أسلحة نووية

صحيفة الخليج

timeمنذ 36 دقائق

  • صحيفة الخليج

روبيو: إيران أصبحت «أبعد بكثير» عن صنع أسلحة نووية

رويترز قال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو لصحيفة بوليتيكو اليوم الأربعاء: «إن إيران أصبحت أبعد بكثير عن امتلاك سلاح نووي» بعد الضربة الأمريكية على المواقع النووية الرئيسية الثلاثة في إيران مطلع الأسبوع. وقال روبيو للصحيفة: «خلاصة القول، إنهم اليوم أبعد بكثير عن امتلاك سلاح نووي مما كانوا عليه قبل أن يتخذ الرئيس هذا الإجراء الجريء». وأضاف: «لحقت أضرار جسيمة، جسيمة جداً، بمجموعة متنوعة من المكونات المختلفة ونتلقى المزيد من المعلومات عنها».

إسرائيل: «من المبكر» تقييم الضربات على المنشآت النووية الإيرانية
إسرائيل: «من المبكر» تقييم الضربات على المنشآت النووية الإيرانية

صحيفة الخليج

timeمنذ ساعة واحدة

  • صحيفة الخليج

إسرائيل: «من المبكر» تقييم الضربات على المنشآت النووية الإيرانية

اعتبر الجيش الإسرائيلي أنه «من المبكر» تقييم الأضرار التي لحقت بالبرنامج النووي الإيراني جرَّاء الحرب مع الدولة العبرية والضربات الأمريكية. وقال المتحدث باسم الجيش إيفي ديفرين في مؤتمر صحفي متلفز: «ما زال من المبكر تقييم نتائج العملية»، مضيفاً «أعتقد أننا وجَّهنا ضربة موجعة للبرنامج النووي، يمكنني القول أيضاً أننا أعدناه أعواماً عدة إلى الوراء». يأتي ذلك بعدما خلص تقرير استخباري أولي أمريكي سرّي إلى أن الضربات الأمريكية أعادت البرنامج بضعة أشهر فقط إلى الوراء ولم تدمّره كما قال الرئيس دونالد ترامب الذي سارع إلى نفي صحة ما ورد في التقرير.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store