logo
المجلس الرئاسي اليمني... تحدّيات السيادة والمصالح

المجلس الرئاسي اليمني... تحدّيات السيادة والمصالح

إيطاليا تلغرافمنذ 3 ساعات

بشرى المقطري نشر في 21 مايو 2025 الساعة 10 و 17 دقيقة
إيطاليا تلغراف
بشرى المقطري
كاتبة وناشطة يمنية
تفرض السلطات السياسية، أياً كانت مشروعيّتها، تأثيرها بقدرتها على تثبيت سلطتها السيادية في محيطيها، المحلي والإقليمي. وإذا كانت تحوّلات مراكز القوة بين الفاعلين المحليين في الساحة اليمنية باتت، في الوقت الحالي، تخضع لمسار التوتر الإقليمي، وفي مقدّمتها تطوّرات الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، فإن سلطة 'المجلس الرئاسي' باتت اليوم، وربما أكثر من أي وقت مضى، تتحرّك ليس على هامش التحوّلات الإقليمية فحسب، بل على هامش التأثير في مسارات الأزمة اليمنية، وربما مستقبلها أيضاً.
تكشف التجربة السياسية لسلطة المجلس الرئاسي عن اختلالاتٍ متأصلةٍ تعمل على تقييدها ودفعها إلى الهامش السياسي، ففي مقابل عجزها عن استثمار التحوّلات الإقليمية جرّاء انحسار نفوذ إيران وهزيمة وكلائها في المنطقة لاستعادة سيادتها على اليمن، فإن الفجوة الوظيفية المتمثلة بإعاقات إطار سياسي فضفاض قوضت إمكانية توحيد مواردها ضد جماعة الحوثي، إلى جانب خضوعها الكلي لاستراتيجية حلفائها الإقليميين، وفي حين دفع تنافر القوى المكونة لسلطة المجلس، على صعيد المرجعيات والأهداف، بما في ذلك تنافساتها البينية، إلى تعطيل أي إمكانية لتوليد حالة سياسية موحّدة ضد الجماعة، فضلاً عن شغلها موقعها سلطةً معترفاً بها دولياً، فإن هذه العوامل أسهمت في تحول معادلة التنازع على التمثيل السياسي في اليمن، بما في ذلك امتيازات السيادة لمصلحة الجماعة، وفي حين مثّل الردع الأميركي، سواءً في شقه العسكري في الأشهر الماضية، أو العقوبات الاقتصادية التي لا تزال سارية المفعول، استراتيجية متعدّدة المستويات لإضعاف الجماعة، بحيث أتاح لسلطة المجلس الرئاسي تحسين واقعها العسكري، والأهم موقعها التفاوضي مع الجماعة مستقبلاً، فإن إدارتها لهذه المعطيات يكشف عن سياسة موجهة تتجاوز الاعاقات الذاتية والتآكل المؤسسي في بنية سلطة المجلس الرئاسي، بما في ذلك الرضوخ لأولويات حلفائها إلى التماهي مع إبقاء الجماعة قوة تهديد عسكرية تضبط علاقاتهم البينية كقوى متجاذبة، والأهم كضامن لمأسسة مراكز نفوذهم وتثبيتها جغرافياً.
تظهر تعيينات الأهداف الموجهة لقوى سلطة المجلس الرئاسي في تحديد مسار العملية العسكرية تجاه جماعة الحوثي
بعيداً عن مفاعيل استراتيجية الحلفاء وأولياتهم السياسية في إدارة الملف اليمني، والتي تحرص إلى تثبيت خريطة الصراع المحلي كما هي، فإن المتغيرات العسكرية على الأرض وفرت لقوى سلطة المجلس الرئاسي هامشاً لتجاوز أي تقييدات من حلفائهم، إلى جانب، وهو الأهم، أن مركزية قضية دحر الانقلاب الحوثي، واستعادة الدولة اليمنية، يلزم قوى سلطة المجلس الرئاسي سياسياً، ناهيك عن أخلاقياً، ومهما كانت قدراتها العسكرية توحيد مواردها لخوض معركة مفصلية ضد الجماعة، إلا أن تعدّد أهدافها وتضارب أجنداتها هو من حدّد اتجاهات المعارك، ومن ثم عطّلها عن تحقيق أي غاية عسكرية، وهو ما يتضح جلياً إبان العمليات العسكرية الأميركية في اليمن، التي استهدفت الجماعة سواء من حيث مسار قواعد الاشتباك في جبهات القتال الرئيسية او خط سير المعارك ونتائجها العسكرية، ففي حين حيدت معظم القوات الجنوبية قدرتها القتالية في الجبهات اليمنية الجنوبية التي تتماس مع المناطق التي تسيطر عليها الجماعة، مقابل تموضعها دفاعياً في المناطق الجغرافية التقليدية التي تفصل شمال اليمن عن جنوبه، فإنه وعدا عن جبهات مدينة مأرب التي شهدت تصعيداً عسكرياً من وقت إلى آخر، سواءً من القوات الحكومية أو مقاتلي الجماعة، فقد ظلت معظم الجبهات الشمالية تحكمها سياقات عسكرية تأرجحت ما بين سعي الجماعة إلى تخفيف الضغط العسكري الذي تواجهه في جبهات استراتيجية كمدينة صعدة ومأرب، أو تحريكها من القوات التابعة للحكومة لأهداف سياسية، حتى مع سعي بعض المجاميع القتالية إلى تحقيق اختراق في مناطق التماس مع الجماعة، فإنها ظلت هامشية وغير مؤثرة في المشهد العسكري الكلي.
المتغيرات العسكرية على الأرض وفّرت لقوى سلطة المجلس الرئاسي هامشاً لتجاوز أي تقييدات من حلفائهم
تظهر تعيينات الأهداف الموجهة لقوى سلطة المجلس الرئاسي في تحديد مسار العملية العسكرية تجاه جماعة الحوثي، حيث تتداخل أسباب عديدة تختلف تبعاً لكل طرف سياسي، فإلى جانب أن خطوط التمايز بين سلطة المجلس الرئاسي وسلطة الجماعة غير واضحة، والتي تتغذّى على إشكالية الانقسام السياسي في اليمن وامتيازاته أيضاً، بحيث تعمل مراكز القوى المتشابكة على تعطيل إمكانية توحيد الجبهات وخوض عملية عسكرية ضد الجماعة، فإن التوافق العقائدي حول محورية القضية الفلسطينية، حيد كما يبدو بعض الجبهات الرئيسية والتي أتت في اطار تفاهمات سياسية غير معلنة بين الفاعلين العسكريين ومع الجماعة، فضلا عن فشل سلطة المجلس الرئاسي في انضاج رؤية موحدة للتعاطي مع أي متغيرات عسكرية ناجمة عن استراتيجية الردع ضد الجماعة، سواء الأميركي سابقاً أو الإسرائيلي في الوقت الحالي، بيد أن العامل الأبرز هو مخاوفها من منافسيها أكثر من الجماعة نفسها، والتي تحركها بالإضافة إلى الحرص على الامتيازات الاقتصادية المتبادلة والمتأتية من استقرار جغرافية الصراع، اعتبارات عسكرية وسياسية، فبالنسبة للمجلس الانتقالي الجنوبي والقوى العسكرية التابعة له، فإن تغيير المعادلة العسكرية في الجبهات الشمالية يحسّن فرص منافسيها، وفي مقدمتهم حزب التجمّع اليمني للإصلاح، ومن ثم فإن هزيمة الجماعة عسكرياً قد يؤدّي إلى إرباك موازين القوى السياسية المستقرة في الساحة الجنوبية، وبالتالي يؤثر على سلطتها الفعلية، فضلاً عن تداعياتها السياسية على الملف اليمني في المستقبل، والتي قد تدفع الفاعلين الدوليين إلى فرض إطار سياسي يوحد اليمن تحت سلطة توافقية موحّدة، وهو ما يتعارض مع أجندات المجلس الانتقالي المنادي بالانفصال؛ وبالنسبة للقوى الشمالية، التي يشكل محورَيها القواتُ التابعة للعميد طارق صالح، أي حزب المؤتمر الشعبي العام الموالي للإمارات، والقوى التابعة لحزب الإصلاح، فإن أهدافاً مختلفة تحكمها، ففي حين تلتزم القوى التابعة للمؤتمر بأجندات حليفها الإماراتي، أي التموضع في مناطق الساحل الغربي وباب المندب، ومن ثم تثبيت حدود سلطتها، فإن القوات التابعة للإصلاح، مع تصعيد بعض مجاميعها في جبهات ثانوية في مدينة تعز، وإن إضعاف الجماعة وتدميرها يعنيان تحسين فرص المؤتمر، منافسها التقليدي والبديل السياسي المتاح لوراثة الجماعة في اليمن عموماً.
يقاس فشل أي سلطة لا في تناقضات رؤاها السياسية حيال التحديات الداخلية التي تواجهها، بل عجزها عن استثمار أي فرص تمكنها من تثبيت سلطتها السيادية، وفي حالة سلطة المجلس الرئاسي فإن مستويات العجز تتعدى العسكري إلى السياسي والدبلوماسي، حيث فشلت بوصفها سلطة في تبني خطاب موحد يدير الملف اليمني ويحيد اليمن عن تداعيات الصراع الإقليمي، بحيث تحولت إلى الطرف الأضعف في المعادلة المحلية وبالطبع الإقليمية، وإذا كانت نتائج الهدنة العسكرية الأميركية مع جماعة الحوثي قد رسمت، إلى حد كبير، معادلة القوة المحلية لمصلحتها، فإنها أكّدت ضعف سلطة المجلس الرئاسي، وتحوّلها إلى عبء سياسي ليس على حلفائها الإقليميين فحسب، بل على نفسها، كما أن استمرار زج الجماعة في اليمن، عبر تصعيد معركتها ضد إسرائيل، يعني استمرار مصادرتها الجغرافية اليمنية في حروبها الإقليمية، والتي تعني الخصم من رصيد المجلس الرئاسي، كسلطة معترف بها، إلى جانب وهو الأهم الأبعاد السياسية لجولة الصراع الأميركي مع الجماعة، والتي قد تتعدى نتائجها الراهن السياسي إلى المستقبل، فتبعاً لمنطق أن الفاعلين الدوليين يتعاطون مع القوة الفاعلة على الأرض، أيا كان مشروعيتها، وهو ما يعني تقليص فرص سلطة المجلس الرئاسي لتحسين مركزها السياسي، ففي ظل استمرار اختلال موازين القوى لمصلحة الجماعة، واستثمار التوتر الإقليمي، قد يترتّب عليه فرض شروطها في أي تسوية سياسية مقبلة، ومن ثم تهميش سلطة المجلس الرئاسي التي لم تكتف فقط بإطلاق النار على أقدامها، بل تمضي في سياستها الملتوية من إيهام اليمنيين البسطاء بأنها تخوض معركة استعادة الدولة اليمنية والقضاء على الجماعة، فيما تطالب الحلفاء بخوض حروبها.
السابق
إصابة فلسطيني برصاص الاحتلال عقب اقتحام مخيم العين
التالي
الجيش السوداني يعلن سيطرته على 'كامل ولاية الخرطوم'

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

انقلاب أوروبي ملفت على إسرائيل المنبوذة
انقلاب أوروبي ملفت على إسرائيل المنبوذة

إيطاليا تلغراف

timeمنذ 3 ساعات

  • إيطاليا تلغراف

انقلاب أوروبي ملفت على إسرائيل المنبوذة

إيطاليا تلغراف مصطفى عبد السلام صحافي مصري المتابع لمواقف دول العالم من حرب غزة يلحظ أنّ هناك ما يشبه حالة انقلاب أوروبي على إسرائيل المنبوذة بسبب مجازرها المروعة في غزة وتصاعد حرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأنّ هناك حالة غضب أوروبية متصاعدة ضد دولة الاحتلال بسبب جرائمها ضد القطاع، وأنّ دول الاتحاد بدأت تتخلى عن الأساليب الدبلوماسية والشجب والادانات والانتقادات إلى اتخاذ إجراءات اقتصادية وعقابية لإسرائيل ربما تكون واسعة وموجعة هذه المرة، خاصة وأن اقتصاد دولة الاحتلال يعاني من نزيف حاد وعجز مالي كبير وتدهور في الأنشطة المختلفة. فهناك 17 دولة أوروبية وافقت على مراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل التي تعاني عزلة عالمية، وهو ما يزيد فرص فرض عقوبات تجارية على دولة الاحتلال. هذا التحرك دعا الإعلام العبري إلى وصف ما يحدث بأنه بمثابة تسونامي سياسي واقتصادي في أوروبا وعواصم غربية، بسبب ارتكاب إسرائيل جرائم حرب بحق الفلسطينيين، وتوجيه اتهامات لحكومة نتنياهو بأنّها تمارس هواية قتل الأطفال في غزة. ولأنّ العالم لم يعد قادراً على الصمت تجاه المجازر اليومية وحرب التجويع والتدمير والتهجير التي يمارسها الاحتلال ضد أهالي غزة، فقد تحرك وزراء الخارجية في الاتحاد الأوروبي لمناقشة مقترح هولندي لإعادة النظر في اتفاقية الشراكة بين الاتحاد وإسرائيل. هناك 17 دولة أوروبية وافقت على مراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل التي تعاني عزلة عالمية، وهو ما يزيد فرص فرض عقوبات تجارية على دولة الاحتلال وفي حال إقرار المقترح فإنه يمثل ضربة عقابية عنيفة للاقتصاد الإسرائيلي، إذ إنّ حجم التجارة بين دول الاتحاد الأوروبي وإسرائيل بلغ 46.8 مليار يورو في عام 2022، مما يجعل الاتحاد أكبر شريك تجاري لدولة الاحتلال. كما أنّ اتفاقية الشراكة بين الطرفين التي دخلت حيز التنفيذ في يونيو/حزيران 2000، تمنح إسرائيل العديد من الامتيازات في سوق الاتحاد الأوروبي، ومنها السماح بتصدير منتجاتها إلى دول الاتحاد دون دفع رسوم جمركية، أو برنامج 'هورايزون' الذي يتيح لإسرائيل التعاون بشكل واسع مع الاتحاد في مجالات العلوم والتكنولوجيا. وهناك إشارات قوية على توجه أوروبا نحو معاقبة تل أبيب اقتصادياً، فوفق تصريحات مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس، فإنّ اتفاقية التجارة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، ستخضع للمراجعة في ظل الوضع الكارثي في غزة، وأنّ 'أغلبية قوية' من وزراء خارجية الاتحاد يؤيدون المراجعة لاتفاقية الشراكة في ضوء ما يجري في غزة من مجازر. وعلى مستوى المواقف الثنائية الأوروبية، فإنّ موقف بريطانيا بدا لافتاً في توجيه ضربة قوية للاقتصاد الإسرائيلي، فقد استدعت سفيرة إسرائيل في لندن، وعلّقت مبيعات الأسلحة ومفاوضات التجارة الحرة مع إسرائيل رفضاً لتوسيع حرب غزة، كما فرضت عقوبات على مستوطنين وكيانات في الضفة الغربية مرتبطين بأعمال عنف ضد الفلسطينيين. وشملت العقوبات أفراداً وكيانات منها حركة نحالا، وشركة ليبي للإنشاءات والبنية التحتية المحدودة، ومزرعة كوكو. وانضمت بريطانيا إلى فرنسا وكندا في التحرك اقتصادياً ضد إسرائيل واتخاذ إجراءات ملموسة إذا واصلت حربها بغزة، وذلك ضمن تصاعد الضغوط الدولية على الاحتلال، مع شن حكومة نتنياهو هجوماً عسكرياً جديداً على غزة. تحرك أوروبي ودولي مكثف لمعاقبة إسرائيل اقتصادياً وسياسياً، فهل تنجح الخطوة هذه المرة، أم أنّ جيش الاحتلال سيحرق غزة عن آخرها، وبعدها يبدي العالم الندم، لكن بعد فوات الأوان؟ وكان موقف فرنسا لافتاً أيضاً، فقد دعا وزير خارجيتها جان نويل بارو يوم الاثنين إلى مراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل على خلفية استمرار جيش الاحتلال في حرب الإبادة ضد أهالي غزة ومنعه إدخال المساعدات إلى القطاع. وجدد بارو تصميم بلاده على الاعتراف بدولة فلسطين. وهذا الموقف مهم إذ إنّ فرنسا دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن ولها حضورها الدولي. وفي مدريد، خرج علينا رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، بتصريح لافت، قال فيه: 'نحن لن نتبادل التجارة مع دولة تنفذ إبادة جماعية'. وطالبت كلٌّ من إسبانيا وأيرلندا وهولندا بإجراء تحقيق عاجل في ما إذا كانت الهجمات الإسرائيلية على غزة تنتهك الاتفاقيات التجارية الموقعة مع الاتحاد الأوروبي، التي تتضمن بنوداً تتعلق بحقوق الإنسان. كما طالبت كل من إيطاليا وإسبانيا وألمانيا إسرائيل بوقف هجومها العسكري على غزة. بل إن قادة يهود أوروبا خرجوا علينا قبل أيام بتصريح أكدوا خلاله أنّ 'دعم إسرائيل أصبح عبئاً'. وأكد المجلس الأوروبي أنّ المدنيين في غزة يتضورون جوعاً، وحذرت الأمم المتحدة من احتمالية وفاة 14 ألف طفل في غزة خلال 48 ساعة. يصاحب تلك التحركات تحرك مهم من الصندوق السيادي النرويجي، وهو أكبر صندوق استثمار في العالم، بسحب استثماراته من دولة الاحتلال والتي تزيد قيمتها عن ملياري دولار. تحرك أوروبي ودولي مكثف لمعاقبة إسرائيل اقتصادياً وسياسياً، فهل تنجح الخطوة هذه المرة، أم أنّ جيش الاحتلال سيحرق غزة عن آخرها، وبعدها يبدي العالم الحر الندم، لكن بعد فوات الأوان؟

المجلس الرئاسي اليمني... تحدّيات السيادة والمصالح
المجلس الرئاسي اليمني... تحدّيات السيادة والمصالح

إيطاليا تلغراف

timeمنذ 3 ساعات

  • إيطاليا تلغراف

المجلس الرئاسي اليمني... تحدّيات السيادة والمصالح

بشرى المقطري نشر في 21 مايو 2025 الساعة 10 و 17 دقيقة إيطاليا تلغراف بشرى المقطري كاتبة وناشطة يمنية تفرض السلطات السياسية، أياً كانت مشروعيّتها، تأثيرها بقدرتها على تثبيت سلطتها السيادية في محيطيها، المحلي والإقليمي. وإذا كانت تحوّلات مراكز القوة بين الفاعلين المحليين في الساحة اليمنية باتت، في الوقت الحالي، تخضع لمسار التوتر الإقليمي، وفي مقدّمتها تطوّرات الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، فإن سلطة 'المجلس الرئاسي' باتت اليوم، وربما أكثر من أي وقت مضى، تتحرّك ليس على هامش التحوّلات الإقليمية فحسب، بل على هامش التأثير في مسارات الأزمة اليمنية، وربما مستقبلها أيضاً. تكشف التجربة السياسية لسلطة المجلس الرئاسي عن اختلالاتٍ متأصلةٍ تعمل على تقييدها ودفعها إلى الهامش السياسي، ففي مقابل عجزها عن استثمار التحوّلات الإقليمية جرّاء انحسار نفوذ إيران وهزيمة وكلائها في المنطقة لاستعادة سيادتها على اليمن، فإن الفجوة الوظيفية المتمثلة بإعاقات إطار سياسي فضفاض قوضت إمكانية توحيد مواردها ضد جماعة الحوثي، إلى جانب خضوعها الكلي لاستراتيجية حلفائها الإقليميين، وفي حين دفع تنافر القوى المكونة لسلطة المجلس، على صعيد المرجعيات والأهداف، بما في ذلك تنافساتها البينية، إلى تعطيل أي إمكانية لتوليد حالة سياسية موحّدة ضد الجماعة، فضلاً عن شغلها موقعها سلطةً معترفاً بها دولياً، فإن هذه العوامل أسهمت في تحول معادلة التنازع على التمثيل السياسي في اليمن، بما في ذلك امتيازات السيادة لمصلحة الجماعة، وفي حين مثّل الردع الأميركي، سواءً في شقه العسكري في الأشهر الماضية، أو العقوبات الاقتصادية التي لا تزال سارية المفعول، استراتيجية متعدّدة المستويات لإضعاف الجماعة، بحيث أتاح لسلطة المجلس الرئاسي تحسين واقعها العسكري، والأهم موقعها التفاوضي مع الجماعة مستقبلاً، فإن إدارتها لهذه المعطيات يكشف عن سياسة موجهة تتجاوز الاعاقات الذاتية والتآكل المؤسسي في بنية سلطة المجلس الرئاسي، بما في ذلك الرضوخ لأولويات حلفائها إلى التماهي مع إبقاء الجماعة قوة تهديد عسكرية تضبط علاقاتهم البينية كقوى متجاذبة، والأهم كضامن لمأسسة مراكز نفوذهم وتثبيتها جغرافياً. تظهر تعيينات الأهداف الموجهة لقوى سلطة المجلس الرئاسي في تحديد مسار العملية العسكرية تجاه جماعة الحوثي بعيداً عن مفاعيل استراتيجية الحلفاء وأولياتهم السياسية في إدارة الملف اليمني، والتي تحرص إلى تثبيت خريطة الصراع المحلي كما هي، فإن المتغيرات العسكرية على الأرض وفرت لقوى سلطة المجلس الرئاسي هامشاً لتجاوز أي تقييدات من حلفائهم، إلى جانب، وهو الأهم، أن مركزية قضية دحر الانقلاب الحوثي، واستعادة الدولة اليمنية، يلزم قوى سلطة المجلس الرئاسي سياسياً، ناهيك عن أخلاقياً، ومهما كانت قدراتها العسكرية توحيد مواردها لخوض معركة مفصلية ضد الجماعة، إلا أن تعدّد أهدافها وتضارب أجنداتها هو من حدّد اتجاهات المعارك، ومن ثم عطّلها عن تحقيق أي غاية عسكرية، وهو ما يتضح جلياً إبان العمليات العسكرية الأميركية في اليمن، التي استهدفت الجماعة سواء من حيث مسار قواعد الاشتباك في جبهات القتال الرئيسية او خط سير المعارك ونتائجها العسكرية، ففي حين حيدت معظم القوات الجنوبية قدرتها القتالية في الجبهات اليمنية الجنوبية التي تتماس مع المناطق التي تسيطر عليها الجماعة، مقابل تموضعها دفاعياً في المناطق الجغرافية التقليدية التي تفصل شمال اليمن عن جنوبه، فإنه وعدا عن جبهات مدينة مأرب التي شهدت تصعيداً عسكرياً من وقت إلى آخر، سواءً من القوات الحكومية أو مقاتلي الجماعة، فقد ظلت معظم الجبهات الشمالية تحكمها سياقات عسكرية تأرجحت ما بين سعي الجماعة إلى تخفيف الضغط العسكري الذي تواجهه في جبهات استراتيجية كمدينة صعدة ومأرب، أو تحريكها من القوات التابعة للحكومة لأهداف سياسية، حتى مع سعي بعض المجاميع القتالية إلى تحقيق اختراق في مناطق التماس مع الجماعة، فإنها ظلت هامشية وغير مؤثرة في المشهد العسكري الكلي. المتغيرات العسكرية على الأرض وفّرت لقوى سلطة المجلس الرئاسي هامشاً لتجاوز أي تقييدات من حلفائهم تظهر تعيينات الأهداف الموجهة لقوى سلطة المجلس الرئاسي في تحديد مسار العملية العسكرية تجاه جماعة الحوثي، حيث تتداخل أسباب عديدة تختلف تبعاً لكل طرف سياسي، فإلى جانب أن خطوط التمايز بين سلطة المجلس الرئاسي وسلطة الجماعة غير واضحة، والتي تتغذّى على إشكالية الانقسام السياسي في اليمن وامتيازاته أيضاً، بحيث تعمل مراكز القوى المتشابكة على تعطيل إمكانية توحيد الجبهات وخوض عملية عسكرية ضد الجماعة، فإن التوافق العقائدي حول محورية القضية الفلسطينية، حيد كما يبدو بعض الجبهات الرئيسية والتي أتت في اطار تفاهمات سياسية غير معلنة بين الفاعلين العسكريين ومع الجماعة، فضلا عن فشل سلطة المجلس الرئاسي في انضاج رؤية موحدة للتعاطي مع أي متغيرات عسكرية ناجمة عن استراتيجية الردع ضد الجماعة، سواء الأميركي سابقاً أو الإسرائيلي في الوقت الحالي، بيد أن العامل الأبرز هو مخاوفها من منافسيها أكثر من الجماعة نفسها، والتي تحركها بالإضافة إلى الحرص على الامتيازات الاقتصادية المتبادلة والمتأتية من استقرار جغرافية الصراع، اعتبارات عسكرية وسياسية، فبالنسبة للمجلس الانتقالي الجنوبي والقوى العسكرية التابعة له، فإن تغيير المعادلة العسكرية في الجبهات الشمالية يحسّن فرص منافسيها، وفي مقدمتهم حزب التجمّع اليمني للإصلاح، ومن ثم فإن هزيمة الجماعة عسكرياً قد يؤدّي إلى إرباك موازين القوى السياسية المستقرة في الساحة الجنوبية، وبالتالي يؤثر على سلطتها الفعلية، فضلاً عن تداعياتها السياسية على الملف اليمني في المستقبل، والتي قد تدفع الفاعلين الدوليين إلى فرض إطار سياسي يوحد اليمن تحت سلطة توافقية موحّدة، وهو ما يتعارض مع أجندات المجلس الانتقالي المنادي بالانفصال؛ وبالنسبة للقوى الشمالية، التي يشكل محورَيها القواتُ التابعة للعميد طارق صالح، أي حزب المؤتمر الشعبي العام الموالي للإمارات، والقوى التابعة لحزب الإصلاح، فإن أهدافاً مختلفة تحكمها، ففي حين تلتزم القوى التابعة للمؤتمر بأجندات حليفها الإماراتي، أي التموضع في مناطق الساحل الغربي وباب المندب، ومن ثم تثبيت حدود سلطتها، فإن القوات التابعة للإصلاح، مع تصعيد بعض مجاميعها في جبهات ثانوية في مدينة تعز، وإن إضعاف الجماعة وتدميرها يعنيان تحسين فرص المؤتمر، منافسها التقليدي والبديل السياسي المتاح لوراثة الجماعة في اليمن عموماً. يقاس فشل أي سلطة لا في تناقضات رؤاها السياسية حيال التحديات الداخلية التي تواجهها، بل عجزها عن استثمار أي فرص تمكنها من تثبيت سلطتها السيادية، وفي حالة سلطة المجلس الرئاسي فإن مستويات العجز تتعدى العسكري إلى السياسي والدبلوماسي، حيث فشلت بوصفها سلطة في تبني خطاب موحد يدير الملف اليمني ويحيد اليمن عن تداعيات الصراع الإقليمي، بحيث تحولت إلى الطرف الأضعف في المعادلة المحلية وبالطبع الإقليمية، وإذا كانت نتائج الهدنة العسكرية الأميركية مع جماعة الحوثي قد رسمت، إلى حد كبير، معادلة القوة المحلية لمصلحتها، فإنها أكّدت ضعف سلطة المجلس الرئاسي، وتحوّلها إلى عبء سياسي ليس على حلفائها الإقليميين فحسب، بل على نفسها، كما أن استمرار زج الجماعة في اليمن، عبر تصعيد معركتها ضد إسرائيل، يعني استمرار مصادرتها الجغرافية اليمنية في حروبها الإقليمية، والتي تعني الخصم من رصيد المجلس الرئاسي، كسلطة معترف بها، إلى جانب وهو الأهم الأبعاد السياسية لجولة الصراع الأميركي مع الجماعة، والتي قد تتعدى نتائجها الراهن السياسي إلى المستقبل، فتبعاً لمنطق أن الفاعلين الدوليين يتعاطون مع القوة الفاعلة على الأرض، أيا كان مشروعيتها، وهو ما يعني تقليص فرص سلطة المجلس الرئاسي لتحسين مركزها السياسي، ففي ظل استمرار اختلال موازين القوى لمصلحة الجماعة، واستثمار التوتر الإقليمي، قد يترتّب عليه فرض شروطها في أي تسوية سياسية مقبلة، ومن ثم تهميش سلطة المجلس الرئاسي التي لم تكتف فقط بإطلاق النار على أقدامها، بل تمضي في سياستها الملتوية من إيهام اليمنيين البسطاء بأنها تخوض معركة استعادة الدولة اليمنية والقضاء على الجماعة، فيما تطالب الحلفاء بخوض حروبها. السابق إصابة فلسطيني برصاص الاحتلال عقب اقتحام مخيم العين التالي الجيش السوداني يعلن سيطرته على 'كامل ولاية الخرطوم'

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store