
رسائل مؤثرة.. مراسلو الجزيرة نت في غزة يرثون زملاءهم الشهداء
بدا استشهاد طاقم الجزيرة مساء الأحد في خيمة فقيرة بجانب جدار يكاد أن ينقض من هول ما شهد في مستشفى الشفاء، وكأنه حزن عمومي؛ لم يحلّ في بيوت الشهداء أو أقاربهم أو أهالي غزة المحاصرين فحسب، بل في صدر كل صحفي وكل من سمع باسم غزة يستعصي على الموت بصمت من تقارير أنس الشريف، أو من عرف غزة وأمهاتها الحانيات في قصص محمد قريقع وصور طاقمهما الشهيد.
هكذا تحولت صفحات الصحفيين الفلسطينيين خاصة إلى مرثاة طويلة لأقمار بأعمار قصيرة، لم يسعفهم الجزار طويلا.
في هذه الرسائل القصيرة، يرثي مراسلو الجزيرة نت في قطاع غزة الطاقم الشهيد، ويستذكرون محطات جمعتهم بأنس الشريف ومحمد قريقع وزملائهم المصورين والفنيين الذين طالتهم المجزرة.
"كان مدرسة صحفية"
ياسر البنا
تعرفت على أنس الشريف خلال الحرب، عبر الإنترنت، حين كنت في جنوب القطاع وكان هو في شماله، دون أن تجمعنا أي معرفة سابقة أو لقاء وجاهي.
كثيرا ما كنت أطلب منه معلومات أو صورا عن أحداث الشمال لأغراض صحفية، وكنت أتوقع أن يطول الرد لانشغاله الكبير، لكن في كل مرة كان يفاجئني بسرعة تجاوبه، وإرساله ما طلبته من معلومات وصور، مرفقة برسالة لطيفة ودعوات صادقة، وعرض كريم لتقديم أي مساعدة في أي وقت، رغم أننا لم نكن أصدقاء ولا حتى معارف.
أكثر ما شدّني في أنس هو أدبه الجم، ورزانته، وأخلاقه العالية التي لم تتغيّر في أحلك الظروف. كان بحق مدرسة صحفية قائمة بذاتها، حفر اسمه بين عظماء المهنة، وتقدّم الصفوف لسدّ ثغرة كبيرة في التغطية الصحفية شمال القطاع. ولولاه، لكانت الصورة مختلفة تماما، فقد كشف جرائم الاحتلال وأدى واجبه الوطني على أكمل وجه.
"معاناة خاصة"
ربما لا يعلم كثيرون أن محمد قريقع، الذي كان ينقل معاناة الناس في مدينة غزة، كان يعيش في الوقت نفسه معاناته الخاصة وألمه العميق.
إعلان
هجّره الاحتلال من حي الشجاعية، وهدم منزله، ولاحقه مع والدته المسنّة من مكان إلى آخر. وبلغ الألم ذروته حين أعدم الاحتلال والدته برصاصة في رأسها وهي جالسة على الرصيف، بعد أن حاول إجبارها على النزوح وحيدة -وهي المريضة والمسنة- إلى جنوب القطاع.
ظلّ محمد يبحث عنها قرابة أسبوعين، حتى عثر عليها جثة هامدة، لتبقى تلك الحسرة جرحا مفتوحا في قلبه حتى استشهاده. ورغم فداحة ألمه، ظل وفيا لمدينته، ينقل صوتها ووجعها، حتى أصبح -بجدّه واجتهاده- مراسلا لقناة الجزيرة.
رحل محمد، لكنه ترك بصمة لا يمحوها الزمن، وأدى، برفقة أنس، الأمانة حتى آخر لحظة.
"الصحفي الفدائي"
رائد موسى
"والله إنك فدائي"، هكذا دأبت على وصف الزميل الشهيد أنس الشريف، الذي اختار طواعية وبإصرار كبير الصمود في مخيم جباليا للاجئين بشمال قطاع غزة، حيث ولد وترعرع، وقرر عدم النزوح جنوبا كأغلبية الغزيين والصحفيين، تحت وطأة التهديد والقتل.
كان أنس شابا فتيا، يكبر ابني البكر بـ5 أعوام فقط، وقد ولد عام 1996 لأسرة لاجئة من مدينة عسقلان (المجدل) وهي كبرى مدن جنوب فلسطين المحتلة، تفتحت عيناه ومداركه على حياة البؤس في شوارع وأزقة مخيم جباليا، وعرف عنه التزامه ودماثة خلقه منذ نعومة أظفاره.
اندلعت الحرب على غزة عقب عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام 2023، وبمرور أسبوعها الأول، أنذرت قوات الاحتلال أكثر من مليون فلسطيني في مدينة غزة وشمال القطاع بضرورة الإخلاء فورا والتوجه جنوبا، وكان قرار أنس -المواطن والصحفي- أن يبقى، وألا يكرر تجربة أجداده إبان النكبة في العام 1948.
ومنذ ظهوره الأول على قناة الجزيرة، أثبت أنس على حداثة عمره وخبرته أنه على قدر المسؤولية، وسرعان ما تحول إلى أيقونة وصار صوتا للمحاصرين في شمال القطاع، لم توقفه آلة التهديد والتحريض الإسرائيلية، ولم يغادر الميدان، ولم يتوارَ عن الأنظار.
تعرفت على أنس منذ نحو 6 أعوام، كان دائما متفانيا في خدمة زملائه والناس، يسعى في حاجة كل من يقصده، وخلال الحرب حيث نزحت مع أسرتي إلى مدينة رفح جنوب القطاع، تواصلت معه غير مرة، طلبا لمعلومة أو للتحقق من خبر أو للوصول إلى مسؤول ما، وفي كل مرة كان حاضرا متفانيا.
"شكرا يا فدائي" كنت أنهي كل اتصال أو تواصل مع أنس، ويجيبني مرحّبا "يعطيك العافية والتغطية مستمرة".
وباغتياله الغادر يخلّد الاحتلال ذكر اسمه في العالمين، الصحفي الشهيد أنس الشريف، الذي اختار لموته سببا، ولحياته القصيرة هدفا ومعنى، عشق غزة وعشقته.
وكان ونيسا شريفا، أنهكته التغطية والمجاعة، وآن لجسده أن يرتاح، لروحه المغفرة والسلام.. وله ولرفاقه الشهداء محمد قريقع وطاقم التصوير ولمن سبقوهم من صحفيين شهداء على مذبح الحرية الوفاء بتغطية مستمرة.
وداعا أيها الحاضرون في وجدانِنا
بهاء طوباسي
في غزة حيث تختلط رائحة التراب برائحة البارود وحيث يصرخ الحجر باسم فلسطين، رحلتم وأنتم تحملون القلم والكلم والكاميرا كمن يحمل قلبَه بين يديه. الحبيب أنس الشريف، ومحمد قريقع، وإخوتُكم الشرفاء من طاقم الجزيرة، نمتم على وسادة الأرض، وعيونُكم نحو السماء، لتصعد أرواحُكم الطاهرة شاهدة على أن الكلمة يمكن أن تكون شهيدة.
إعلان
كنتم أبطال الصورة والحرف، شهود الحق في زمن الباطل، تمضون في شوارع الموت وبين خرائب البيوت، تجمعون أنين الأمهات ونبض الأطفال؛ لتكتبوا للعالم رواية لا تحجبها جدران الحصار ولا يطمسها صمت المتواطئين، جهدكم ومجاهدتكم كانت صلاة في محراب المهنة، وصرخة في وجه القتلة بأن فلسطين ليست وحيدة.
لكن رصاص الغدر القادم من يد احتلال لا يعرف حرمة للإنسان امتدَّ إلى خيمة الصحفيين في جريمة لا تمحوها الأعذار ولا تغطيها البيانات، جريمة تسقط كل الأقنعة عن وجه يكره الحقيقة، ويخشى عدسة الكاميرا أكثر مما يخشى المدفع، لقد أرادوا أن يطفئوا الصوت فأوقدتموه بدمائكم.
رحيلُكم أيها الأحبة، هو فراغ في القلب والميدان، لكنه فراغ يملؤه العهد: لن نغلق الكاميرا، لن نطوي الدفاتر، وسنحمل عنكم الرسالة، سنروي للعالم أنكم مشيتم على خطى شيرين أبو عاقلة ومن سبقكم، وأن دمكم حبر يكتب ما لم يسعفه الوقت لتصويره.
نمتم وأنتم على العهد، وتركتم خلفكم ميراثا من الصدق والشجاعة، أمانة في أعناقنا، ووصية لا تسقط بالتقادم، سنذكركم كلما أضاءت صورة وسط الظلام ووصل خبر من غزة، ورفع طفل حجرا في وجه الاحتلال.
سلام على أرواحكم.. سلام على وجوهكم التي واجهت الموت بابتسامة في الميدان، سلام على خطواتكم التي بقي صداها في أزقة غزة.
نسأل الله أن يتقبلكم مع الصديقين والشهداء، وأن يجعل من دمائكم الطاهرة شمسا لا تغيب عن سماء الحقيقة.
"رحل الراوي وبقيت الرواية"
إياد قطراوي
رحل أنس، ولم ترحل الذاكرة، رحل الراوي وبقيت الرواية، سيبقى إرث أنس يمشي في شوارع غزة، يقتنص من تحت الغبار ما يشهد أننا هنا، ستبقى الكاميرا تحمل الراية، وتبقى عدستها موجهة نحو الأرض والحقيقة.
ماتت النفس، وبقيت أنفاس المدينة تحتضن الأطفال الذين يلعبون بين الركام، النساء اللواتي يربطن الجراح بقطع القماش، والرجال الذين يشيّدون من بقايا الجدران عزيمة لا تنكسر.
سقط الجسد، لكن الصورة بقيت حيّة، تُطارد القتلة وتفضح صمت العالم.
رحل أنس لكن القصيدة لم تكتمل، ستبقى صورته علما، وصوته أذانا للحقيقة.
أنس لم يمت، بل توزّع في آلاف العيون التي رأت بعدسته، وفي آلاف القلوب التي أيقنت أن الكاميرا قد تكون سلاحا أشرف من كل السلاح الصامت في مخازنه، ترك لنا وصية مكتوبة بدمه، "لا تخونوا الحكاية."
مات أنس، وظلت غزة، شاهدة لا تموت. يرحل أنس، ويولد ألف أنس ليبقى حارسا للذاكرة والتاريخ.
ويمتد ظل أنس في الأزقة كما يمتد الفجر في عيون الصابرين، تسير خطاه فوق الإسفلت المتشقق، حيث الحكايات مكتوبة بالطبشور والدم، وتنبت على أطراف صوره أزهار لا يراها إلا من صدّق أن الحياة تولد حتى في قلب الحصار.
وستبقى عدسته جسرا بين القلوب الموجوعة، ومرآةً تكشف الحقيقة كما هي، بلا تزييف ولا أقنعة، وسيبقى اسمه مثل دعاء يردده الناس في صلاتهم، ومثل نداء يعلو فوق ضجيج الطائرات، ليقول للعالم: نحن هنا.. كنا وما زلنا وسنبقى.
كل صورة التقطها صارت بيتا من قصيدة، وكل بيت صار جدارا من جدران الذاكرة، فإذا حاولوا هدمها، بنتها دموع الأمهات وضحكات الأطفال من جديد.
أنس ليس فردا رحل، بل فكرة تمشي، ونبض يتكرر، وصوت لن يسكت، حتى تُكتب آخر سطر من الحكاية التي أقسم ألا تُروى إلا بصدقها.
كانت جريمة استهداف أنس على يد إسرائيل اغتيالا للصورة قبل أن يكون اغتيالا للروح. كانوا يعرفون أن صواريخهم لن تقتل جسدا فقط، بل ستطفئ عينا كانت ترى ما لا يريدون للعالم أن يراه. لكنهم نسوا أن الصور التي التقطها أنس سبقت الصاروخ، وأن ذاكرة الشعوب لا تُمحى باغتياله.
اغتالوه لأنه كان جسرا بين غزة والعالم، وكانت عدسته تفضح الاحتلال وهو يحوّل البيوت إلى رماد، وكانت كلماته تفضح الصمت المريب الذي يغطي على الدماء.
إعلان
إنها ليست جريمة ضد صحفي فقط، بل ضد الحق والكلمة الصادقة، وضد الإنسانية كلها. وستبقى جريمة اغتياله شاهدا على أن إسرائيل لا تكتفي بقتل الأجساد، بل تقتل الرواية، وتحاصر الذاكرة. لكنها هذه المرة أخطأت الحساب، فأنس صار آلاف العدسات التي لا يمكن أن تُستهدف كلها، وصار آلاف الأصوات التي لا يمكن إسكاتها.
"وداعا صوت الشارع"
محمد أبو قمر
في أحد أيام الشتاء عندما كانت العملية البرية الإسرائيلية على أشدها داخل مخيم جباليا شمالي قطاع غزة نهاية العام 2023، كان أنس الشريف يجلس في الطريق يحاول التقاط إشارة إنترنت، حينها كان المخيم منقطعا عن العالم الخارجي بسبب محاصرته واشتداد القصف عليه.
وكان أنس عنوانا لنساء ورجال المخيم في معرفة الأخبار واطلاعهم على تفاصيل الحرب، حيث يكرر المارة سؤالهم له: "شو آخر الأخبار يا أنس؟" منذ ذلك الوقت المبكر من الحرب تحول أنس إلى صوت الشارع، وصديق المحاصرين المكلومين في شمال قطاع غزة.
صار أنس أيقونة يعرفه الجميع في شوارع غزة، لكنه كان يخفي بداخله مشاعر حبيسة تجاه أطفاله الذين انقطع عنهم مضطرا بسبب انشغاله بالتغطية وخشيته على أن يصيبهم أذى بسبب زيادة التهديدات الإسرائيلية بقتله.
قبل أشهر التقيت أنس الشريف داخل خيمته بمستشفى المعمداني وسط مدينة غزة، كان المتحدث باسم جيش الاحتلال قد بث في ذلك الوقت مقطع فيديو تحريضي ضده، حينها قلت له ممازحا (أفيخاي مش ناسيك، دعنا نلتقط صورة للذكرى).
في خضم حديثنا وصلت فجأة والدته المسنة وطفلاه للاطمئنان عليه، فقفز أنس من مكانه يقبل يد أمه ويحتضن طفلته شام، وصغيره صلاح الذي ولد في الحرب.
كان مشهدا مؤثرا عندما بكى الطفل ابن الأشهر القليلة لما احتضنه والده لأنه لم يتعرف على وجه أبيه "الغريب" ولم يهدأ صلاح حتى عاد لحضن عمه الذي اعتاد عليه.
قبل يومين فقط من استشهاده، جمع عدد من صحفيي شمال غزة نقاشا عبر مجموعة واتساب حول تهديد الجيش الإسرائيلي باحتلال قطاع غزة، فقال أنس "اللي بيستشهد بيرتاح".
استشهد أنس، وارتاح جسده بعدما أنهكته التغطية، لكن صدى صوته ما يزال يتردد في كل شوارع غزة.
الوصية الأخيرة لصحفي أرعب دولة
يسرى العكلوك
بعدما قرأ أنس الشريف تقريري الأخير على موقع الجزيرة نت بعنوان "نساء بلا سند"، هاتفني في مكالمة طويلة بدأها بالسؤال "أخبارك يا زعيمة؟"، وبعد حديث جانبي عن معاناة الأرامل في غزة، وحلول يمكن أن تخفف من مأساتهم، باغتني بقوله "أوصيك بزوجتي إن حدث لي مكروه". فقاطعته "لن يحدث لك شيء"، ضحك وقال "لا والله قرّبت"!.
ثم صمتنا، وانتهت المكالمة.
لم أكن أعلم أنها كانت وصيته الأخيرة يحمّلني إياها قبل يوم من رحيله! لذلك، في صباح استشهاده، وجدت نفسي أهرول إليها بلا وعي "لا تقلقي.. أنا معك".
رأيتها تتشح بالسواد وتستند إلى الحائط، ترخي رأسها الثقيل، التائه بمكالمته لها قبل دقيقتين من الاستهداف، وبزيارته الأخيرة الخاطفة قبل يومين من الفراق.
لم يكن أنس مراسلا حربيا ولا بطلا صلبا فحسب، بل كان أخا صغيرا لي حين حوصرنا في الشمال، يتحسس ما ينقصني، ويهرع إذا احتجت حاجة، ويُسهّل مهامي، وبقدر ما كنا نتوقع قدوم هذا اليوم، لم أستطع أن أتحمل رؤية جثمانه يُحمل، وهو الذي حمل جثامين أصدقائه واحدا واحدا.
واحدا واحدا يا غزة.. نخسر وجوها تُشبهك في الوجع والقهر والخذلان والعناد والرحيل، ونتساقط كأحجار الدومينو، في عالم لا يجيد إلا البكاء على الميت بعدما يرفعه بطلا..
منذ عامين يصرخ أنس "نحن هنا"، فيهددونه "قف". لكن وصية صديقه إسماعيل كانت أثمن من أن يُلقيها أرضا!
هددوه بالقتل على الملأ، فبدا كمعلّق على حبل المشنقة، يناشدكم الخلاص، ماذا فعلتم؟!
ثم لم يكن اغتياله إلا بصقة في وجه العالم العربي والإسلامي، الذي انتفض الآن لنعيه، عالم لا يجيد إلا البكاء وتقديس الأبطال حين يموتون!
انتهت الحكاية يا أنس.. لكن اسمك سيحفظه التاريخ في صدر صفحة معنونة بـ"صحفيون أرعبوا دولة".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 27 دقائق
- الجزيرة
صحفي إسرائيلي يكشف عن "خلية استخباراتية" لشرعنة قتل الصحفيين
كشف الصحفي والمخرج الإسرائيلي يوفال أبراهام أن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية شكلت خلية هدفها إضفاء الشرعية على عمليات استهداف واغتيال جيش الاحتلال للصحفيين في قطاع غزة. وكتب يوفال الصحفي في موقع "972" الإسرائيلي في تدوينة على منصة إكس أن مديرية الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية شكلت بعد أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 فريق يُسمى "خلية إضفاء الشرعية" هدفها جمع معلومات من شأنها أن تساعد في "إضفاء الشرعية" على عمليات الجيش في غزة. وأضاف أن المهمة الرئيسية لهذه الخلية هي العثور على الصحفيين الغزيين الذين يمكن تصويرهم إعلاميا على أنهم عملاء سريون لحركة المقاومة الإسلامية (حماس). وقال "طاردوا الصحفيين وفتّشوا عنهم بنشاط، استغرق الأمر أياما كاملة دون العثور على أي منهم، وذلك لإضفاء "شرعية" إعلامية على عمليات قتل الصحفيين الحالية عموما". אחרי השבעה באוקטובר באמ"ן הוקם צוות שכונה "תא לגיטימציה". אנשי מודיעין שחיפשו מידע שיעזור להעניק "לגיטימציה" למעשי הצבא בעזה – שיגורים כושלים של חמאס, שימוש במגנים אנושיים, ניצול האוכלוסייה האזרחית, כל מה שאתם מכירים. משימה עיקרית של תא הלגיטימציה הייתה למצוא עיתונאים עזתים… — Yuval Abraham יובל אברהם (@yuval_abraham) August 11, 2025 وتابع يوفال في تغريدته قائلا "قتل الجيش 4 صحفيين في غزة الليلة الماضية، في حين أن الصحافة الإسرائيلية قد طبّعت القتل الجماعي والتجويع والإبادة إلى حد كبير، وخانت مهنتها، وتستمر الخيانة الآن بعناوين رئيسية تعلن عن مقتل (أنس) الشريف، متبنّية بيان المتحدث باسم جيش الدفاع الإسرائيلي بالكامل، والتي قدّم الجيش وثائق تزعم انضمام الشريف إلى حماس". ويضيف الصحفي الإسرائيلي "أعتقد أن إسرائيل قتلت أنس الشريف لمجرد أنه صحفي، الوثائق كانت الوسيلة، لنفس السبب الذي دفعهم للبحث بنشاط عن صحفيين يمكن تقديمهم على أنهم من حماس لـ"إضفاء الشرعية" على قتل الصحفيين عموما، فقد قتلنا نحو 230 صحفيا في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وللسبب نفسه الذي يمنعون من خلاله وسائل الإعلام الدولية من دخول غزة: حتى يروا أقل قدر من الجرائم". إعلان وكان الناطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي قد اتهم أنس الشريف بأنه مقاتل في حماس مثلما زعم سابقا أن حمزة الدحدوح مقاتل في حركة الجهاد الإسلامي. ولم ترق هذه الاتهامات ليوفال الذي كتب وقتها في حسابه على منصة إكس "الصحفي الذي لا يشكك في تصريحات المتحدث باسم الجيش في هذه المرحلة بعد أكاذيب لا تُحصى يخون مهنته". وأضاف "ولكن حتى لو افترضنا صحة ذلك فلا يهم، ففي النهاية -ووفقا لهذا المنطق- فإن الأغلبية العظمى من الصحفيين في إسرائيل -إن وُجدت أي وثيقة تثبت أنهم كانوا في الجيش أو خدموا في قوات الاحتياط- هم أهداف مشروعة للتصفية. وتساءل أبراهام "لماذا قتلوه الآن؟ فمكانه معروف منذ أشهر"، قبل أن يجيب قائلا "الجواب واضح، عشية خطط السيطرة على غزة". ومساء أول أمس الأحد، انضم مراسلا الجزيرة أنس الشريف ومحمد قريقع إلى 236 صحفيا قتلتهم إسرائيل خلال حربها الوحشية على قطاع غزة بعدما قصفت خيمة طاقم الجزيرة بغزة في محيط مجمع الشفاء الطبي.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
أنس.. من الشاهد إلى الشهيد: تشريح إفلاس القاتل
"إن وصلتكم كلماتي هذه، فاعلموا أن إسرائيل قد نجحت في قتلي وإسكات صوتي".. بهذه الكلمات التي تخترق جدار الصوت والروح، لم يبدأ أنس الشريف، مراسل الجزيرة في غزة، نهاية قصته، بل دشن خلودها. لم تكن هذه وصية رجل يستسلم للموت، بل كانت نصا تأسيسيا لمعركة قادمة، إستراتيجية مضادة كُتبت باليقين في وجه صاروخ لم يكن يهدف إلى قتل جسد، بل إلى اغتيال حقيقة. إن استشهاد أنس الشريف وزميله محمد قريقع 10 أغسطس/ آب 2025 ليس مجرد جريمة حرب تُضاف إلى سجل طويل ومظلم؛ بل هو لحظة انكسار تكشف عن إفلاس إستراتيجي وأخلاقي كامل لـ"معسكر الاحتلال"، إنه ليس مجرد خبر، بل هو عارض مرضي لحالة تحتضر، وعلامة فارقة في معركة "الطوفان الثقافي" الذي يعيد تشكيل وعي العالم. هذا المقال ليس رثاء، بل هو تشريح دقيق لهزيمة القاتل في اللحظة التي توهم فيها أنه انتصر. تجريد أدوات المعركة: حين تصبح الكاميرا أخطر من الدبابة لفهم عمق ما حدث، يجب أن نجرد المعركة من أدواتها المادية ونتأمل في وظائفها الرمزية. في حروب القرن العشرين، كانت القوة تقاس بالحديد والنار، بالدبابات والطائرات. أما في حرب السرديات المعاصرة، حرب الوجود والهوية، فقد أصبحت "الكاميرا" هي خط المواجهة الأول، وسلاح الردع الأكثر فاعلية. في يد صحفي مثل أنس الشريف، لم تكن الكاميرا مجرد أداة نقل سلبية، بل كانت أداة "خلق للواقع" في وعي العالم، قوة فاعلة تُبطل مفعول آلة دعاية كلفت مليارات الدولارات. كل صورة بثتها، كل تقرير حي نقلته من قلب الدمار، كان يمثل طلقةَ حقيقةٍ في وجه سردية الخصم! لقد كشفت الكاميرا عن "عدم التوازن" الهائل بين قوة عسكرية غاشمة وحقيقة إنسانية مجردة، وأجبرت العالم على النظر إلى ما كان يُراد له أن يبقى في الظلام. هنا، لجأ المعسكر الآخر إلى أداته المضادة: الاغتيال! لكن، يجب أن نرى هذا الاغتيال على حقيقته، ليس كعمل عسكري تكتيكي، بل كعمل "معرفي" يائس. إنه إستراتيجية "اقتل الشاهد"، التي لا تهدف إلى القضاء على فرد، بل إلى القضاء على "زاوية الرؤية" التي يمثلها، إطفاء النور لخلق فراغ معلوماتي، صندوق أسود تُرتكب فيه الفظائع دون أن يراها أحد. إنه اعتراف صريح ومذل بالهزيمة في ساحة النقاش، والإقرار بأنهم لا يستطيعون مواجهة الصورة، فيلجؤون إلى تدمير العين التي تلتقطها. لكن، من رحم هذا العنف وُلدت الأداة الثالثة، الأقوى على الإطلاق: "الوصية" كسلاح للخلود. لقد ارتكب القاتل خطأ إستراتيجيا قاتلا؛ لقد حوّل الشاهد إلى شهيد، والشاهد يمكن إسكاته، أما الشهيد فهو شخصية لا تموت، تتجاوز الزمان والمكان. وصية أنس الشريف المسجلة أصبحت "نصا مقدسا" في هذه المعركة الثقافية، منشورا لا يمكن حذفه، وصوتا لا يمكن خنقه. فعل القتل، الذي هدف إلى الإنهاء، أطلق عملية "بعث" للسردية على مستوى أوسع وأكثر ديمومة، محققا بعمله ذاك عكس ما أراده تماما. البعد التاريخي: أصداء إستراتيجية اليائسين إن إستراتيجية "اقتل الشاهد" ليست ابتداعا جديدا، بل هي علامة مسجلة تاريخيا للأنظمة التي تبدأ بفقدان شرعيتها وتوازنها… إنها صدى يتردد عبر تاريخ الصراعات المظلمة. في فيتنام، لم تكن الطائرات الأميركية تخشى شيئا قدر خشيتها من عدسات مصورين مثل "نيك أوت"، الذي التقط صورة الطفلة الهاربة من جحيم النابالم، وهي الصورة التي فعلت ما لم تفعله الجيوش في تغيير الرأي العام الأميركي. وفي حصار سراييفو، كان قناصة الصرب يتعمدون استهداف الصحفيين؛ لأن تقاريرهم كانت تجلب التعاطف الدولي، وتحشد الضغط السياسي. وفي نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، كانت كبرى المعارك هي معركة منع الكاميرات من توثيق حقيقة القمع. النمط ثابت وواضح: اللجوء إلى استهداف الصحفي هو العرض الأخير لمرض "الاستبداد المعرفي"، وهو يأتي دائما عندما يعجز النظام عن تبرير أفعاله، فيلجأ إلى منع توثيقها. إنه ليس علامة قوة، بل هو تشنج ضعف، واعتراف بأن الحقيقة التي يحملها هذا الصحفي أصبحت خطرا وجوديا على سردية الدولة بأكملها. ما يميز لحظة أنس الشريف هو أن هذا الفعل اليائس يحدث في عصر رقمي لا يرحم، حيث تتضاعف تداعيات قتل الشاهد بشكل لا نهائي. الطوفان الثقافي والسد المنهار وهنا، تتحول فكرة "الطوفان الثقافي" من كونها مجرد مفهوم نظري، لتصبح حقيقة ملموسة وهادرة يؤكدها القاتل بفعلته. هذا الطوفان ليس شيئا مجردا، بل هو النتيجة الحتمية والمباشرة لمحاولتهم اليائسة إخفاء الحقيقة. فالطوفان يتجسد واقعا في آلاف عمليات إعادة نشر وصية أنس الشريف، وفي ملايين التغريدات التي حولت اسمه إلى وسم عالمي، وفي وجوه المتظاهرين من طوكيو إلى نيويورك الذين رفعوا صورته. كل مقطع فيديو يحلل جريمته، وكل مقال يُكتب عن إرثه، وكل ناشط يحمل قصته.. كل شيء من ذلك هو قطرة في هذا الطوفان الذي أطلقوه بأيديهم. لقد ظنوا أنهم باغتيال الشاهد يبنون سدا من الصمت، لكن الصاروخ الذي قتله لم يكن حجرا في هذا السد، بل كان الديناميت الذي نسفه بالكامل، مُطلقا موجة عاتية من الوعي الجمعي والغضب الإنساني. إنهم لم يواجهوا الطوفان؛ بل إنهم، بفعلتهم هذه، من استدعوه وأثبتوا وجوده وقوته التي لا يمكن السيطرة عليها. الإفلاس الكامل لمعسكر الاحتلال إن اغتيال أنس الشريف ليس مجرد جريمة، بل هو شهادة إفلاس شاملة للمعسكر الذي ارتكبها، ويمكن تشريح هذا الإفلاس على ثلاثة مستويات: إعلان الإفلاس الأخلاقي: إن الانتقال من مرحلة التكذيب (اعتبار ما تقوله الجزيرة كذبا) إلى مرحلة الاغتيال المباشر، مع تبريره السخيف باتهام صحفي معروف بأنه "قائد خلية"، هو إعلان صريح بالتخلي عن آخر قناع أخلاقي، أو أي ادعاء بالانتماء إلى عالم يحترم القانون الدولي وحرية الصحافة. الإفلاس الإستراتيجي: على المدى الطويل، هذا الفعل هو انتحار إستراتيجي؛ فلقد حولوا صحفيا محترفا إلى أيقونة عالمية خالدة، لقد منحوا خصومهم رمزا لا يُقهر وقصة ملهمة ستتردد لعقود.. لقد حققوا خسارة إستراتيجية فادحة مقابل مكسب تكتيكي، يتمثل في إسكات صوت واحد ليوم واحد. الإفلاس السردي: وهذه هي النقطة الأهم.. عندما تلجأ إلى القوة الغاشمة لإسكات حامل القصة، فأنت تعترف بشكل قاطع بأن قصته كانت هي الحقيقة، وأنك لا تملك قصة مضادة مقنعة أو حجة فكرية تواجهها، لقد خسرت "حرب الأفكار" فلجأت إلى "حرب الأجسام". إنه الإفلاس المطلق في سوق الشرعية العالمية، وإعلان الهزيمة في معركة العقول والقلوب. أرادوا قتل الشاهد، فحوّلوه بجهلهم إلى "الدليل" نفسه؛ دليل أبدي، لا يمكن دحضه، على الجريمة وعلى إفلاس مرتكبها إرث الشاهد نعود من حيث بدأنا: وصية أنس الشريف.. لقد فهم بعمق قوانين المعركة الجديدة، فهم أن جسده "أداة" مؤقتة، لكن "الشهادة" كفعل يمكن أن تصبح إرثا خالدا. لم يكن مقتله نهاية سردية الحقيقة في غزة، بل كان الدليل الأكثر دموية وإقناعا على صحة كل حرف تم بثه من هناك. أرادوا قتل الشاهد، فحوّلوه بجهلهم إلى "الدليل" نفسه؛ دليل أبدي، لا يمكن دحضه، على الجريمة وعلى إفلاس مرتكبها. وهذا هو قانون الكون الأزلي، حيث يولد من رحم الظلم المطلق- وبشكل حتمي- الضوء الذي يكشفه ويهزمه.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
الرفاق الأربعة.. أصوات الحقيقة لا تموت
أعترف أنه نادرا ما اضطربت الكلمات عندما أردت كتابتها، أو ارتجفت عندما قررت تنظيم حروفها، فأنا أمام حكاية مجد قد لا يتكرر بسهولة، مجد نادر بطعم الصدق، والنضارة، والعنفوان الأصيل الغض والقوي.. أمام حكاية تتجدد. حكاية الأربعة، أنس الشريف ومحمد قريقع وإبراهيم ظاهر ومحمد نوفل، هي حكاية الوجع الفلسطيني، وخريطته من مجدل كوكبا وديشوم بقضاء صفد حتى أم الرشراش جنوبا، مرورا بالجورة والمجدل وأسدود وعسقلان.. أمل العودة، وحكاية المسير الطويل، والعذاب. هب أنك، أيها الجلاد، قتلت أنس ومحمد وإبراهيم ومحمد، وطاردت عوائلهم، ومحوتهم كما محوت مئات العائلات من الجد السابع حتى الحفيد الرضيع، فهل ستُسكت الملايين حول العالم الذين باتوا يفهمون، ويدركون؟ حكاية الأربعة هي حكاية محاولة إسكات صوت الحق والحقيقة، الصوت الموجع الذي يؤلم الجلاد.. لماذا لا تزال الضحية قادرة على الحركة، وقادرة على الكلام؟ لماذا هي كذلك رغم أننا نطارد حناجرها الناطقة، وعيونها الكامنة خلف العدسات، محاولة اقتناص اللحظات، وتوثيق الجريمة؟ حكاية الأربعة هي حكاية استمرار استهداف الحق كلمة وصورة، وجعا وألما، حكاية إخلاء المسرح لما هو أشد وأنكى! ولكن، هل يمكن إسكات الحق؟ هل يمكن إخراس الذاكرة؟ هل يمكن حبسها عن الحديث والتذكر والاحتفاظ والاسترجاع؟ تقول بعض القصص إن الدماء البريئة الطاهرة لا تبتلعها الأرض، وسواء كان هذا صحيحا أم لا، فإن الثابت أن الأرض تحكي وتخبر وتدون، وستحكي، وهذا حتى قبل اليوم الآخر حين تخرج أثقالها، وتحدّث أخبارها، ويقول الإنسان: ما لها؟ قبل ذلك كله.. من قال إن الذاكرة تُمحى بسهولة؟ من قال إن الجذور يمكن اقتلاعها؟ من قال إن الناس تنسى؟ هب أنك، أيها الجلاد، قتلت أنس ومحمد وإبراهيم ومحمد، وطاردت عوائلهم، ومحوتهم كما محوت مئات العائلات من الجد السابع حتى الحفيد الرضيع، فهل ستُسكت الملايين حول العالم الذين باتوا يفهمون، ويدركون؟ هب أنك اقتلعت الأسر الغزيّة من أحيائها، ورميت بها إلى أقاصي الأرض، فهل سينسى الغزي أنه ابن غزة هاشم؟ هذه هي الحقيقة المرة.. يبدو أن الجلاد نسي تعلُّم الدرس القديم، إن ما قيل عن أن الكبار يموتون، والصغار ينسون، ثبت تماما فشله! فمن الذي نسي؟ الجلاد أم ضحيته الصامدة؟ الخلود لمن ارتقوا شهداء للأعالي، حيث ينتظرهم نهر بارق، ويرفرفون طيورا خضرا حيث شاؤوا في الوطن الأقدم، فإن لم يعودوا لمواطن آبائهم، فقد عادوا لمفهوم الوطن القدسي البعيد التجويع انتقلت صوره عبر الدنيا بسبب مصورين جريئين طاردهم الجلاد، وهاجمهم، وحاول تخويفهم فأخفق، فقرر تصفيتهم، ثم ماذا؟ قصة التجويع المروعة انتقلت عبر المايكات، نقلتها أصوات الحق فطاردها الجلاد وهاجمها وقتلها.. فكان ماذا؟ هب أننا نسينا، فهل سينسى الملايين الذين استيقظت فيهم الإنسانية، وتحركت بأصدق ما تكون الحركة لما سمعوا أصوات المراسلين تصدح بالأنين المكتوم خلف نقل الحقيقة كما هي؟ فلا داعي للوصف؛ فالواقع أسوأ من الخيال. 200 صحفي بين عشرات آلاف الشهداء ومئات آلاف الجرحى والمعاقين ليسوا أرقاما، بل لعنات ستطارد الجلاد، وتؤرق الطارئ، وتعذب المعتدي، وترهق ضمير الإنسانية. سيقول التاريخ دوما كلمته، سيبقى صاحب الحق ثابتا في أرضه، سيبقى صاحب القضية قابضا على جمرها. الخلود لمن ارتقوا شهداء للأعالي، حيث ينتظرهم نهر بارق، ويرفرفون طيورا خضرا حيث شاؤوا في الوطن الأقدم، فإن لم يعودوا لمواطن آبائهم، فقد عادوا لمفهوم الوطن القدسي البعيد. وعلينا أن نطلب من الله أن يرحمنا؛ فهو أعلم بما نقاسي في مواجهة مشاهد مهولة من القسوة، لا نجد معها للعيش طعما.