logo
أمريكا.. نجاح سياسة توظيف الأزمة

أمريكا.. نجاح سياسة توظيف الأزمة

ياسمين السيد هانى - محمد جمال الزهيري - سميحة شتا - مروى حسن حسين - نوال سيد عبدالله -محاسن الهوارى
غاب (الحسم العسكرى وتحقيق النصر) فى حرب استمرت اكثر من اللازم، حيث مر عليها ثلاث سنوات وبعض اشهر وبدأت فى فبراير ٢٠٢٢ فانفتح الطريق مرحلة (الاستنزاف) لطرفى الصراع والداعمين لهما زاد معدلات الخسائر على كل الاصعدة البشرية والاقتصادية فكان (البحث عن نهاية) مقبول للطرفين.
عن الحرب الروسية الاوكرانية اتحدث، التى عادت من جديد لتتصدر واجهة الاحداث العالمية خلال الاشهر القليلة الماضية ترافقت مع فوز رونالد ترامب برئاسة امريكا ودخوله مكتبه فى البيت الابيض الذى ساهم فى تغيير معادلة الصراع والتحالفات، التى استقرت فى عهد سلفه بايدن على قيادة تحالف اوربى لدعم اوكرانيا ضد العدوان الروسى وفقا للرؤية الغربية ترامب خارج السلطة روج لفكرة انه لو كان رئيسا لامريكا ما اندلعت الحرب اساسا وايضا قدرته على انهاء الصراع خلال ٢٤ ساعة وسرعان ما غادر مرحلة ترويج الاوهام واكتشف بعد دخوله مكتبه البيضاوى ان الامور ليست بتلك البساطة وانها معقدة فوق التصور يدخل فيها التاريخ والجغرافيا، الامال والتطلعات وبدأت واشنطن محاولاتها للوساطة الحقيقية بعد ان جربت ممارسة اقصى انواع الضغوط على الرئيس الاوكرانى برزينسكى بعد اللقاء العاصف مع ترامب فى نهاية شهر فبراير الماضى وشهدت مواجهة كلامية وتهديدات امريكية ونتج عنه تجميد المساعدات العسكرية وبدا الامر كما لو كان انحيازا من واشنطن للموقف الروسى لم تستمر الازمة طويلا.
وشهدت الاشهر الماضية جهودا امريكية للتوصل الى اتفاق يضع نهاية للحرب عبر العديد من المحطات منها استضافة الرياض فى ١٨ فبراير الماضي.
اول اجتماعات روسية امريكية وبمشاركة الامير فيصل بن فرحان الوزير السعودى وهو ما تكرر فى نهاية نفس الشهر رافقها مباحثات امريكية اوكرانية لنفس الغرض، كما سعت واشنطن إلى تنشيط الدور التركى وهى احد الفاعلين فى الازمة بحكم الجوار الجغرافي، حيث سبق لها أن استضافت جولات تفاوض بين موسكو وكييف فى مارس ٢٠٢٢ كما نجحت فى التوصل فى يوليو من نفس العام الى اتفاق الحبوب، الذى سمح للاخيرة فى تصدير الحبوب عبر البحر الاسود رغم الحرب وكان من المفروض عقد اول قمة روسية اوكرانية فى منتصف هذا الشهر ولكن الرئيس بوتين قرر الغياب وارسل مستوى تمثيل اقل وبعدها انفتح الطريق امام اول مباحثات مباشرة بين الطرفين الروسى والاوكرانى منتصف هذا الشهر الذى اثمر اتفاقا على تبادل للاسرى وآخر الجهد الامريكى اللقاء الذى جمع بين ترامب وزيلينسكى على هامش حضورهما معا جنازة بابا الفاتيكان السابق، حيث تم التوافق على استضافتها لحوار مباشر.
وفى هذا الملف محاولة للاقتراب من التطورات الاخيرة ورؤى العديد من اطراف الازمة موسكو وكييف والاتحاد الاوروبى الذى يشعر بالتهميش والاستبعاد من الملف رغم انه الاكثر تأثيرا بالسلب والايجاب بالطبع إلى واشنطن اللاعب الرئيسى فى هذا الملف ونتوقف عند احد توابع هذه الحرب حيث اسرعت لندن إلى العودة الى الاتحاد الاوروبى عبر توقيع شراكة استراتيجية بينهما وإلى مزيد من التفاصيل.
يبدو مع الوقت كم التشابك بين ملفات السياسة الدولية، وهو الذى يعد أيضًا سيفا ذا حدين.. فمن ناحية يملى حسابات معقدة ومتعددة على صانع القرار غالبا ما تثنيه عن التهور، لكنه أيضًا يجعل من الحلول النهائية أمرًا فى الغالب بعيد المنال. وتعد الحرب الجارية فى شرق أوكرانيا أحد أبرز الأمثلة على ذلك.
وبعد جولات قتالية غير حاسمة، تعرض الصراع لهزات سياسية زلزالية مع قدوم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للحكم مجددا.
اقرأ أيضًا |
فما سياسة ترامب تجاه الأزمة؟ وما خياراته مع تصاعد وتيرة الصراع؟
جاء ترامب للحكم برؤية تفترض أن الحرب أذكاها سلفه جو بايدن بمعاونة الأوروبيين وأن موسكو كانت فى حال دفاع عن النفس، وأن الحرب أحدثت كوارث اقتصادية امتدت هزاتها إلى الاقتصاد الأمريكى وأنه يجب إنهاؤها فى «٢٤ ساعة».
لكن تحقق ذلك ليس هينا.. فحل الأزمة يتشابك مع ملفات أخرى بالنسبة للولايات المتحدة وهى العلاقات مع أوروبا وكذلك الاستقرار فى الشرق الأوسط. وبالنسبة لترامب، فإن إنهاء الحرب بالشروط الروسية المتمثلة بشكل رئيسى فى الإبقاء على منطقة شرق أوكرانيا تحت السيادة الروسية، أمر سيفسد العلاقات مع أوروبا، والتى ترى أن أمريكا تخلت عنها تماما أمام موسكو.
حاول ترامب سابقًا حل الأزمة عبر تشجيع ودعم الساسة اليمينيين داخل أوروبا، بوصفهم أكثر تعاطفًا مع الجانب الروسى وتشككا فى الوحدة الأوروبية.
أما الآن، فترامب يركز فى تصريحاته على طمأنة الأوروبيين بأن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين هو «رجل يريد السلام» وأنه سأم الحروب وأنه شخص لطيف.
وإن كان الأوروبيون سيضعون نهاية للأمر الواقع ويقبلون بضمانات أمنية ربما تنهى الحرب تمامًا، فإن المدة الزمنية حتى التوصل لذلك الاتفاق هى أيضًا محل استغلال وتوظيف سياسى لترامب، وهو ربما ما يجعله غير متعجل لإنهاء الحرب سريعًا كما كان يتحدث قبل عودته للحكم. فكيف يستغل ترامب هذه الفترة الحالية سياسيًا؟
يعرف وقت المفاوضات بأنه فرصة لانتزاع التنازلات من كل الأطراف.. أما أوكرانيا فقد تنازلت لأمريكا باتفاق الحصول على المعادن النادرة.. وأما روسيا فوظيفتها المحددة تبدو بالأساس متعلقة بالشرق الأوسط، وبالتحديد فى المفاوضات النووية الإيرانية، وهو ما جعل بعض المحللين يربطون القضيتين بالمصير المشترك، سواء بإيجاد حل أو بالتصعيد.
فموسكو تعرف بأنها الداعم السياسى والعسكرى الأهم لإيران. وعلاقات الجانبين ذى منفعة متبادلة.. فإيران دعمت الجيش الروسى بالمسيرات المتطورة التى تصنعها، وفى المقابل دعمت موسكو طهران بالصواريخ المتطورة وفرط الصوتية التى أرعبت الإسرائيليين فى أكتوبر الماضى فى تبادل جولات إطلاق النار. وطالما بقى الدعم الروسى لإايران، طالما شعرت إسرائيل بالردع عن ضرب المنشآت النووية الإيرانية، وبقيت فرص المفاوضات أفضل، وهو الخيار الذى يفضله ترامب نهاية بالنسبة لإيران.
أما إذا تم حل الصراع مع روسيا حول أوكرانيا، فقد لا تشعر موسكو بأنها مضطرة لدعم إيران بنفس القوة حال اندلاع مواجهة بين طهران والغرب.
وهذا الاحتمال قد تستغله إسرائيل فى تهورها المحتمل تجاه طهران ومن ثم قد تورط الجانب الأمريكى معها. وبالتالى فتباطؤ التوصل لاتفاق مع روسيا يبقى الدعم الروسى لإيران على أشده وهو ما يسهل على ترامب رفض الضغوط الإسرائيلية بشأن إيران فى الوقت الحالى ويحدث ردعًا تلقائيًا لإسرائيل فى التصرف منفردة.
ومع كل ذلك، فإن ترامب أيضًا يبدو مستغلًا لذات الموقف الروسى، فحاجة روسيا إلى إنهاء حرب أوكرانيا سريعا تجعلها من ناحية أخرى تبادر إلى المساهمة فى تسهيل التفاوض بين أمريكا وإيران. وبدا ذلك بعرض روسى سابق لحفظ مخزون اليورانيوم المخصب الإيرانى، وهو نقطة محورية للجانب الأمريكى.
وأخيرًا، ربما يرى ترامب أنه لا ينبغى التعجل بإنهاء حرب أوكرانيا كما وعد.. فبقاء الحرب يقدم منافع سياسية فى ملفات متعددة، ومن ثم فالأهم بالنسبة له انتزاع أقصى قدر من التنازلات من كل الأطراف، ولتحقيق ذلك، فينبغى له بين الحين والآخر التلميح والتصريح بصعوبة المحادثات وضرورة التنازلات.
أوروبا.. مخاوف من الإقصاء والتهميش
تعيش أوروبا حالة من القلق العميق منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض فى ظل الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ فبراير 2022، خاصة أن أوروبا تعتمد بشكل كبير على الدعم الأمريكى من حيث المساعدات العسكرية والمظلة الأمنية التى يوفرها حلف شمال الأطلنطى (الناتو)، كما يخشى الجانب الأوروبى من تقليص دوره كطرف أصيل فى جهود حل الأزمة الروسية الأوكرانية، حيث تلعب أوروبا دورا أساسيا فى دعم أوكرانيا منذ بداية الأزمة بين البلدين، من خلال فرض عقوبات على موسكو وتقديم الدعم السياسى والعسكرى لكييف.
وبعد شهور قليلة من تولى ترامب رئاسة الولايات المتحدة للمرة الثانية، أعلن الرئيس الأمريكى الأسبوع الماضى أن روسيا وأوكرانيا ستبدآن «فوراً» مفاوضات لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، عقب مكالمة هاتفية أجراها مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، استمرت ساعتين، ووصفها ترامب بأنها سارت «بشكل جيد للغاية»، وأكد ضرورة التفاوض بين الطرفين على شروط السلام.
وأبدى ترامب تفاؤله بمحادثاته الأخيرة مع بوتين، إلا أنه لم يُشر إلى موعد بدء مفاوضات السلام، كما ذكرت التقارير الصحفية أن الرئيس الروسى لم يتطرق خلال المكالمة الهاتفية إلى مطالب الولايات المتحدة والدول الأوروبية بوقف إطلاق نار غير مشروط بين موسكو وكييف لمدة 30 يوماً.
وأعرب بوتين عن استعداده للعمل مع أوكرانيا على مذكرة تفاهم بشأن اتفاق سلام مستقبلى محتمل، بينما قال الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى إن «هذه لحظة حاسمة»، ودعا الولايات المتحدة إلى مواصلة الجهود، وأثار التقارب بين الولايات المتحدة وروسيا والذى بدأ منذ تولى ترامب منصبه، قلق الدول الأوروبية وأوكرانيا خصوصا بعدما أعلن ترامب رفضه إطلاق مصطلح «العدوان أو الغزو» على هذه الحرب، ودعوته المتكررة لكييف لضرورة تقديم بعض التنازلات من أجل إنهاء الحرب، وهو ما دفع دول مثل ألمانيا وفرنسا للتعبير عن قلقها من تهميش دور الحلفاء التقليديين لواشنطن كما زادت المخاوف من تراجع الالتزام الأمريكى بأمن أوروبا.
وفور عودته إلى البيت الأبيض، أجرى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وفريقه جولات من المباحثات مع نظرائهم الروس بدأت بدون إشراك أوكرانيا أو أية أطراف أوروبية، بحثًا عن تسوية تنهى الحرب، إلا أن هذه الجهود لم تسفر عن نتائج ملموسة، ثم دخل ترامب فى أعقاب هذه المحادثات فى سجالات علنية مع الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى وصلت إلى حد وصفه بـ»الديكتاتور» وتحميله المسئولية عن اندلاع الحرب واحباط جميع الجهود الرامية للسلام، وذلك فى موقف معاكس تماما للسياسة التى اتبعتها إدارة الرئيس الأمريكى السابق جو بايدن والتى تبنت نهج الدعم غير المشروط لكييف.
وفى فبراير الماضى، بادر ترامب بالاتصال بالرئيس الروسى فلاديمير بوتين، واتفقا على عقد قمة فى العاصمة السعودية الرياض، جمعت مسؤولين أمريكيين وروس دون مشاركة أوكرانيا أو الاتحاد الأوروبى، وتضمنت المقترحات الأمريكية لوقف الحرب اعتراف أوكرانيا بضم روسيا لشبه جزيرة القرم التى ضمتها روسيا فى ٢٠١٤ وتخلى كييف عن الانضمام إلى حلف شمال الأطلنطى «الناتو»، فضلًا عن التخلى عن بعض الأراضى التى سيطرت عليها القوات الروسية، مقابل وقف إطلاق النار ورفع بعض العقوبات، وهو ما قوبل برفض أوكرانى وأوروبى واسع حيث اعتُبرت «تنازلاً عن السيادة الأوكرانية ومكافأة للعدوان الروسى». واتفقت الولايات المتحدة وروسيا على عدة مبادئ عقب المحادثات فى فبراير، ومنها إعادة تأسيس وظائف البعثات الدبلوماسية فى واشنطن وموسكو وتعيين فريق رفيع المستوى للتفاوض والعمل على إنهاء حرب أوكرانيا بشكل دائم ومقبول لجميع الأطراف، كذلك تعزيز التعاون الجيوسياسى والاقتصادى بين البلدين.
وفى مارس، علقت إدارة ترامب المساعدات العسكرية والاستخباراتية لأوكرانيا، مما زاد من مخاوف كييف من تخلى واشنطن عنها فى مواجهة العدوان الروسى، كما طالب ترامب أوكرانيا بإعادة المساعدات الأمريكية العسكرية التى قدمتها سواء من خلال النفط أو المعادن، مشيرًا إلى أن الدول الأوروبية دفعت لأوكرانيا 100 مليار دولار، وفى المقابل دفعت الولايات المتحدة 350 مليار دولار دون ضمانات، قائلًا إن بلاده كانت تحت قيادة «رئيس غبى وغير كفء»، فى إشارة للرئيس السابق جو بايدن.
ويوجد تباين بين الدول الأوروبية فى كيفية التعامل مع قضية روسيا، حيث تميل بعض الدول إلى موقف أكثر تشددًا، فى حين تدعو دول أخرى إلى إبقاء قنوات الحوار مفتوحة، مما يعقّد الموقف الأوروبى الموحد فى ظل استراتيجية ترامب التى تسعى إلى تقليص الالتزامات الأمريكية التقليدية تجاه حلف (الناتو) والاعتماد على الدبلوماسية الفردية بدلاً من التعاون المتعدد الأطراف. وأثارت استراتيجية ترامب غضبًا فى العواصم الأوروبية، حيث دعت فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة وإيطاليا وبولندا وإسبانيا ودول أخرى إلى اجتماع طارئ لمناقشة استراتيجيات الرد على التحركات الأمريكية، وقد شكلت الدول الأوربية تحالفًا تحت مسمى «مجموعة فايمار»، يضم فرنسا وألمانيا وبولندا إلى جانب المملكة المتحدة وإسبانيا وإيطاليا والمفوضية الأوربية بهدف تعزيز الاستقلال الاستراتيجى لأوروبا وإعادة تقييم علاقاتها الدفاعية مع الولايات المتحدة، كما تسعى المجموعة إلى لعب دور أكثر نشاطًا فى أى محادثات مستقبلية بشأن أوكرانيا، لضمان عدم التفريط فى المصالح الأوروبية أو ترك الملف بالكامل بين يدى موسكو وواشنطن.
أوكرانيا.. بين «مطرقة» الحرب و«سندان» الدبلوماسية
مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية عامها الرابع، يتزايد القلق فى أروقة السلطة فى كييف من أن الضغوط الدولية المتنامية قد تفضى إلى «تسوية مؤلمة» تُجبر أوكرانيا على تقديم تنازلات تمس سيادتها ووحدة أراضيها، فى إطار صفقة دبلوماسية تهدف إلى إنهاء الصراع الذى استنزف موارد البلاد وأعاد رسم موازين القوى العالمية.
رغم الدعم العسكرى والمالى الهائل الذى تتلقاه أوكرانيا من الدول الغربية، خصوصًا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لكن مؤشرات متزايدة على ما يشبه «إرهاق أوكرانيا» بدأت تظهر فى الخطاب السياسى الغربى، فى المقابل تشدد الحكومة الأوكرانية على أن أى اتفاق لا يتضمن انسحابًا كاملاً للقوات الروسية من جميع الأراضى الأوكرانية المعترف بها دوليًا بما فى ذلك شبه جزيرة القرم هو بمثابة انتصار لموسكو وهزيمة للمبادئ الدولية.
ومع تزايد تعقيد المشهد الميدانى والدبلوماسى، زادت الولايات المتحدة الأمريكية من ضغوطها على كل من روسيا وأوكرانيا، ملوّحة بالانسحاب من جهود الوساطة إذا لم يُسجَّل أى تقدم ملموس فى المفاوضات.
وقد شهدت الأيام القليلة الماضية نشاطًا ملحوظًا فى عملية السلام بين روسيا وأوكرانيا، ولكن للأسف لم يُحرز أيٌّ منها أى تقدم يُذكر، وانتهت محادثات السلام الروسية الأوكرانية التى طال انتظارها فى إسطنبول، والتى وُصفت بأنها أول مفاوضات جادة منذ عام ٢٠٢٢، دون أى ضجة رمزية تُذكر.
وترى صحيفة «الجارديان» أنه بعد الفشل غير الحاسم للمحادثات المباشرة الأولى، وعلى الرغم من المكالمات الهاتفية المخطط لها بين الرئيس الأمريكى والرئيس الروسى فلاديمير بوتين والرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى، فإن الأوكرانيين لا يرون أى دليل على أن موسكو جادة بشأن السلام.
وأضافت الصحيفة أن البعض فى أوكرانيا يرى أن أفضل سيناريو للمفاوضات الحالية قد يكون وقف إطلاق نار يُجمّد الحرب على جبهات القتال دون أن يُحلّ بالضرورة المشاكل. وبينما يرى البعض أن ذلك سيفيد روسيا حتمًا فى الاستعداد لعودة الأعمال العدائية مستقبلًا، يرى آخرون أن أوكرانيا قد تستفيد أيضًا من توقف طويل يُمكّنها من إعادة تنظيم قواتها المسلحة، وتكثيف إنتاج الأسلحة، وتعزيز تحصينات خطوط المواجهة.
إن الحديث عن تسوية سياسية يعنى تلقائيًا الحديث عن الحدود، وهو أمر حساس للغاية فى السياق الأوكرانى، فقد أدت الحرب إلى تغيير الأمر الواقع الجغرافى فى الشرق والجنوب، حيث تسيطر روسيا على مساحات واسعة من الأراضى، وتعلن أنها جزء لا يتجزأ من الاتحاد الروسى بعد استفتاءات مثيرة للجدل اعتبرها المجتمع الدولى باطلة.
يرى المراقبون أن أوكرانيا تواجه ثلاث سيناريوهات محتملة:
1. استمرار الحرب دون أفق سياسى واضح، مع تزايد الاستنزاف البشرى والاقتصادى.
2. تسوية تفاوضية جزئية قد تتضمن هدنة واعترافًا غير مباشر بسيطرة روسيا على بعض المناطق، مقابل ضمانات أمنية لكييف.
3. تسوية شاملة قد تأتى بضغط دولى واسع، خاصة إذا تغيرت الإدارة فى الولايات المتحدة أو حدث تحول فى سياسة الاتحاد الأوروبى.
أيًا كان السيناريو، فإن كييف تدرك أن الحفاظ على الدعم الدولى يتطلب إدارة ذكية للتحالفات، ومرونة دون التفريط بالثوابت، كما تدرك أن أى تنازل قد يكون بداية سلسلة تنازلات أخرى فى المستقبل، إذا لم يُربط بضمانات قوية من المجتمع الدولى.
كما لا يمكن تجاهل دور الرأى العام الأوكرانى فى أى مسار تفاوضى، فقد باتت الحرب جزءًا من الهوية الوطنية الجديدة، وصمود الأوكرانيين فى وجه الغزو الروسى بات مصدر فخر وطنى، ولكن مع مرور الوقت، قد تتغير الأولويات، خصوصًا فى ظل الأعباء الاقتصادية والمعيشية.
تقول يوليا تيموشينكو، الزعيمة المعارضة السابقة، فى تصريح لإحدى القنوات المحلية: «الشعب تعب، لكنه لم ينهزم. علينا أن نتحدث بصدق عن الخيارات المتاحة، ولكن دون التفريط بثوابتنا الوطنية، لا سلام بلا عدالة، ولا عدالة مع الاحتلال».
إذا انتهت الحرب باتفاق سياسى، فإن المعركة الحقيقية قد تبدأ بعدها: معركة إعادة الإعمار، وتعويض الضحايا، وضمان السيادة، ومنع تكرار العدوان. ستكون أوكرانيا بحاجة إلى خطة مارشال حديثة، ودعم دولى مستدام، وليس فقط وعوداً آنية تنتهى بانتهاء المعارك.
وفى النهاية، لا تزال أوكرانيا تحاول التمسك بحلمها الأوروبى، وسعيها لأن تكون دولة مستقلة ذات سيادة ضمن حدودها المعترف بها دوليًا، لكن هذا الحلم أصبح اليوم مرهونًا بلعبة أمم كبرى، حيث المصالح قد تسبق المبادئ، والدبلوماسية قد تفرض تسويات لا تُرضى من ضحّوا بكل شىء.
روسيا.. الخروج بمظهر المنتصر
بين دويّ المدافع وصمت الغرف الدبلوماسية، تقترب حرب أوكرانيا من لحظة الحقيقة. فبعد ثلاثة أعوام من الصراع الدموي، بدأت معالم النهاية تلوح فى الأفق لا من خلال نصر ساحق، بل عبر حسابات معقدة للربح والخسارة، واستعدادات خلف الكواليس لرسم خريطة جديدة للمنطقة.
من بين كل الأطراف، تبدو روسيا الأكثر حرصًا على إنهاء الحرب بشروط تضمن لها الخروج بمظهر المنتصر، سياسيًا وعسكريًا.
ولكن كيف ترى موسكو الحل؟ وما السيناريو الذى يمكن أن يحقق لها أفضل النتائج فى اللحظات الأخيرة من هذا الصراع العالمى للخروج بأفضل النتائج من هذه الحرب الشرسة؟ فى هذا المقال، نستعرض الرؤية الروسية للحل، ونفكك سيناريوهات الخروج الممكنة، ونحلل نتائج كل مسار على مستقبل روسيا وأوكرانيا وأوروبا بأسرها.
حتى الآن لم يتم تحديد متى تنتهى الحرب بين روسيا وأوكرانيا؛ فمع اقتراب الصراع الروسى الأوكرانى مما يبدو أنه مراحله الحاسمة، بات واضحًا أن موسكو تسعى إلى إنهاء الحرب بطريقة تحقق لها أكبر قدر من المكاسب الاستراتيجية، مع الحفاظ على ماء الوجه أمام المجتمع الدولي.
تعتبر روسيا أن السيطرة على المناطق الشرقية والجنوبية لأوكرانيا (مثل دونيتسك، لوغانسك، زاباروجيا، وخيرسون) أمر غير قابل للتفاوض. وفى ظل تباطؤ الدعم الغربى لكييف وتصاعد الأصوات الداعية للحل السياسي، ترى موسكو أن الوقت مناسب لترسيخ مكاسبها على الأرض. من أجل ذلك يعمل الكرملين على ثلاثة محاور رئيسية:
1- الاعتراف بالحدود الجديدة: من خلال فرض أمر واقع يجبر أوكرانيا (ومن ورائها الغرب) على القبول بضم الأقاليم الأربعة.
2- ضمان حياد أوكرانيا: أى إخراجها من دائرة النفوذ الغربي، خاصة حلف الناتو.
3- رفع العقوبات التدريجي: كجزء من أى اتفاق شامل، تسعى روسيا إلى استعادة جزء من وضعها الاقتصادى والتجاري.
السيناريوهات المحتملة للحل
1. اتفاق شامل برعاية دولية: من خلال اتفاق يُبرم برعاية قوى كبرى (مثل الصين، تركيا، أو الأمم المتحدة)، يتضمن وقفًا دائمًا لإطلاق النار، وترسيم حدود، وضمانات سياسية واقتصادية.
2- تجميد النزاع (نموذج كوريا/جورجيا): يتم من خلاله توقف القتال دون اتفاق نهائي. كل طرف يحتفظ بمواقعه، ويظل الوضع على حاله سنوات، وربما عقودًا، دون اعتراف رسمي. وبذلك تستطيع روسيا الاحتفاظ بالمكاسب الميدانية دون ضغط لتقديم تنازلات، وتقوض فرص أوكرانيا للانضمام إلى الناتو والاتحاد الأوروبى فى المستقبل القريب، كما تعد فرصة لبناء نفوذ فى المناطق المحتلة وتوطيد سيطرتها.
3- حرب استنزاف طويلة: الاستمرار فى العمليات العسكرية بوتيرة منخفضة أو متقطعة بهدف إنهاك أوكرانيا تدريجيًا، دون نية لحل فوري. تعمل روسيا من خلال هذا السيناريو على إجبار أوكرانيا على التفاوض من موقع ضعف لاحقًا، وقد يتسبب هذا فى تعميق الانقسام داخل الغرب بشأن استمرار دعم كييف، مما يزيد من فرصة إعادة تنظيم القوات الروسية وتحقيق مكاسب ميدانية تدريجية.
من منظور الكرملين، أفضل سيناريو هو اتفاق شامل بشروط تحفظ «النصر الروسي»، لكن فى حال تعذّره، قد تُفضّل موسكو تجميد النزاع على الدخول فى تسويات كبرى.
يرى بعض المحللين أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين قد يصر على موقفه ويرفض الانخراط فى محادثات سلام جادة من مبدأ، أنه لا يزال يمتلك الموارد الضرورية للاستمرار فى الحرب وأن «الوقت فى صالحه»، خاصة أنه مقتنع بأن ترامب ليس مستعدًا لتخصيص أى موارد أمريكية كبيرة أخرى للدفاع عن أوكرانيا، وفى ظل سيطرة القوات الروسية على خُمس أوكرانيا وتقدمها، يعتقد بوتين أنه «لا يزال لديه فرصة جيدة للنصر إذا استمر فى إستراتيجية المكاسب التدريجية كما هو الحال الآن». وبالنسبة لبوتين، فإن «ترامب هو نوعه المفضل من الرجال»، مما يجعله يعتقد أن الرئيس الأمريكى «من المحتمل جدًا أن يسير بشكل جيد بالنسبة لروسيا». ولا يعتقد بوتين أن ترامب سيغضب منه لحد فرض عقوبات جديدة على موسكو.
فعلى الرغم من دعوات القادة الغربيين إلى فرض عقوبات جديدة على روسيا، فإن ترامب أشار إلى أن الولايات المتحدة «ليست مستعدة للانضمام إلى جهود العقوبات الأوروبية».
وقد يأمل بوتين من وراء التلكؤ فى المفاوضات إلى أن يمل ترامب ويقول: «لقد سئمت من هذا، وقد جربت هذا، وليس لأمريكا أى مصلحة فى التدخل، لذا سنغادر من هنا». هذه النتيجة ستناسب بوتين لأنه «لا يعتقد أن أى كيان آخر يمكنه أن يسد الفجوة» التى ستخلفها الولايات المتحدة إذا انسحب ترامب من محادثات السلام مع أوكرانيا.
السؤال الذى يبقى هو: هل ستتمكن من تحقيق ذلك دون دفع ثمن دبلوماسى باهظ، أم أن ثمن النصر سيكون استمرارًا فى استنزاف لا نهاية له؟
ففى النهاية، تبقى الحرب لعبة معقّدة لا تُحسب فقط بالرصاص والدبابات، بل بالمواقف، والتحالفات، وتوازن المصالح.
روسيا تعلم جيدًا أن الساعات الأخيرة لا تُقاس بعدد الكيلومترات التى تكسبها على الأرض، بل بمدى قدرتها على تحويل تلك المكاسب إلى أوراق ضغط سياسية واستراتيجية طويلة الأمد.
فهل تنجح موسكو فى فرض رؤيتها على طاولة المفاوضات؟ أم أن الأمتار الأخيرة ستشهد مفاجآت تُعيد رسم المشهد من جديد؟
ترامب - بوتين.. بين الانسحاب والمكسب
«لا أحبه، ولا أكرهه»... بهذه العبارة الغامضة وصف الرئيس الأمريكى دونالد ترامب نظيره الروسى فلاديمير بوتين خلال أحد خطاباته الجماهيرية عام ٢٠١٦، فى جملة تعكس توازناً هشاً بين الإعجاب والبراجماتية، وبين السياسة والتجارة.
لكن خلف هذا التصريح المتحفظ، يتكشف اليوم موقف أكثر وضوحاً: ترامب لا يريد حرباً فى أوكرانيا... ولا يريد عقوبات على روسيا.
ففى تحول مفاجئ، يبدو أن ترامب تراجع عن الانضمام إلى الجهود الأوروبية لفرض عقوبات جديدة على روسيا، مبدياً رغبته الواضحة فى طى صفحة الحرب والانتقال إلى عقد صفقات تجارية مع موسكو.
ولسنوات، لوَّح ترامب بالانسحاب من مفاوضات وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا، التى وصفها مراراً بـ»المحبطة». وبعد مكالمة هاتفية أجراها منذ أيام مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، بدا أن الرئيس الأمريكى قد نفذ تهديده فعلاً. والسؤال الأكبر الآن هو ما إذا كان يتخلى أيضاً عن مشروع دعم أوكرانيا.
أبلغ ترامب نظيره الأوكرانى فولوديمير زيلينسكي، وقادة أوروبيين آخرين، بعد اتصاله ببوتين، أن على روسيا وأوكرانيا أن تجدا حلاً للحرب بأنفسهما، وذلك بعد أيام فقط من إعلانه: «فقط أنا وبوتين» قادران على التوصل إلى اتفاق.
كما تراجع عن تهديداته بالانضمام إلى حملة الضغط الأوروبية بفرض عقوبات جديدة على موسكو، وفقاً لما نقله ستة مسئولين مطلعين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم.
وتكشف روايتهم عن قرار ترامب رفع يديه عن عملية السلام، التى كان قد وعد سابقاً بحلّها فى غضون 24 ساعة. وإذا لم يغير موقفه مجدداً، فإن ما حدث يعد نصراً لبوتين: ليس فقط بتخفيف الضغط الأمريكي، بل بإحداث انقسام حاد داخل حلف الناتو بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، الذين أكدوا استمرارهم فى فرض العقوبات.
وقد بدا هذا القرار متوقعاً للبعض، بدءاً من لقائه النارى مع زيلينسكى فى المكتب البيضاوي، ثم باستقالة السفيرة الأمريكية فى كييف.
لكن ترامب اكتشف أن السلام لا يمكن شراؤه، لأن بوتين رفض عروضه.
حتى عندما أعلن وزير الدفاع الأمريكى بيت هيجسث أن أوكرانيا لن تنضم إلى الناتو ويجب أن تتخلى عن استعادة جميع أراضيها، وهما مطلبان رئيسيان لبوتين، لم يكن ذلك كافياً لإقناعه بوقف إطلاق النار.
ورغم أن ترامب معروف باستخدامه للضغوط المالية، من خلال التهديد بالعقوبات والرسوم الجمركية، إلا أن مسئولاً بالبيت الأبيض قال لـ«نيويورك تايمز» إن هذه الحالة مختلفة. فالعقوبات الإضافية على روسيا ستعيق فرص الأعمال، بحسب تعبيره، وترامب يريد تعظيم الفرص الاقتصادية للأمريكيين.
فى المقابل، أكد وزير الخارجية ماركو روبيو أن العقوبات المفروضة منذ 2022 ما تزال قائمة، وكذلك تبادل المعلومات الاستخباراتية والدعم العسكرى لأوكرانيا.
وفى تحول حاد، تراجع ترامب عن تهديداته السابقة بفرض عقوبات جديدة إذا لم تحترم الهدنة، والتى أعلنها فى 8 مايو بعد مكالمته مع زيلينسكي، وكررها فى حديث مع رئيس الوزراء البريطانى كير ستارمر والرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون والمستشار الألمانى فريدريش ميرتس.
لكن بعد مكالمته مع بوتين، تلاشت هذه الالتزامات. وألمح ترامب إلى أن الاتصال مع بوتين أسفر عن «انفراجة»، لكن الأوروبيين اكتشفوا بسرعة أن بوتين لم يقدم أى تنازلات حقيقية، باستثناء إرسال وفد ثانوى إلى محادثات فى إسطنبول.
وكان ترامب قد تعهد خلال حملته الانتخابية بحل الحرب خلال 24 ساعة، واصفاً نفسه بالمفاوض العبقري، لكنه اعترف لاحقاً أن هذا التصريح كان «ساخراً بعض الشيء». ومع تعثر التقدم، بدأ ترامب يتحدث علناً عن رغبته فى الانسحاب من المفاوضات، وقال فى منشور إنه يريد الانتقال إلى «عقد صفقات تجارية» مع روسيا.
ويبدى ترامب رغبة قوية فى فتح الاستثمارات الأمريكية فى مجالات مثل الطاقة والمعادن النادرة فى روسيا، وإن كان مستشاروه يؤكدون أن هذا لن يحدث قبل التوصل إلى اتفاق سلام.
ويبدو أن بوتين فهم هذا التوجه، ووجه معظم محادثاته مع ترامب نحو إمكانيات التعاون الاقتصادي. وفى الوقت الذى تتجه فيه أوروبا لتشديد العقوبات، يبدو أن الولايات المتحدة تتجه إلى الاتجاه المعاكس.
هذا الانقسام داخل الناتو هو بالضبط ما سعى بوتين إليه منذ عقدين. ومن المتوقع أن تتصاعد الخلافات بين واشنطن وأوروبا خلال قمتين متتاليتين: قمة مجموعة السبع فى كندا منتصف يونيو، تليها قمة الناتو فى لاهاي. وستركز القمة الثانية خصوصاً على دعم أوكرانيا على المدى الطويل، وتحديد ما إذا كان ترامب سيلتزم بالدفاع عن أى عضو بالحلف حال تعرضه لهجوم، وهو الاختبار الأبرز لموقفه من التزامات حلف شمال الأطلنطي.
بريطانيا.. العودة إلى «الحضن الأوروبى»
فى تحول لافت بعد 5 سنوات من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، استضافت العاصمة البريطانية لندن مؤخرا قمة جمعت كبار القادة الأوروبيين والبريطانيين لمناقشة ملفات محورية تتعلق بالدفاع، والتجارة، وحقوق صيد الأسماك.
وأسفرت القمة عن توقيع «شراكة استراتيجية جديدة» بين الطرفين، ركزت بشكل رئيسى على تعزيز التعاون الدفاعي، فى وقت يواجه فيه العالم تحديات أمنية متزايدة.
وقد أعلنت الحكومة البريطانية والمفوضية الأوروبية فى بيان مشترك عن إطلاق «شراكة إستراتيجية للأمن والدفاع» تشمل آليات تنسيق وتبادل معلومات استخباراتية، وتدريبات عسكرية مشتركة، وإمكانية وصول المملكة المتحدة إلى صندوق الدفاع الأوروبي، وهو تطور غير مسبوق منذ مغادرة بريطانيا للاتحاد.
ويشمل الاتفاق الجديد جدولًا زمنيًا للتنفيذ يمتد على 3 سنوات، يبدأ بإنشاء وحدات تنسيق مشتركة بين وزارة الدفاع البريطانية والمجلس الأوروبى للشئون الخارجية، إلى جانب ورش عمل تدريبية للقوات المشتركة، وخطط لتوحيد أنظمة الاتصالات العسكرية، وتسهيل حركة الجنود والمعدات عبر الحدود.
وقد أُدرج الاتفاق ضمن إطار أوسع لإعادة صياغة العلاقة الأوروبية البريطانية، ويتضمن بنودًا تتعلق بإشراك المملكة المتحدة فى مبادرات أمنية أوروبية، بما فى ذلك مساهمتها فى عمليات حفظ السلام، وبرامج التصنيع الدفاعى المشترك، وتمويل الأبحاث العسكرية.
ويُعد بند السماح لبريطانيا بالوصول إلى مشاريع الدفاع الأوروبية الممولة من صندوق الدفاع الأوروبى الذى تصل قيمته إلى 150 مليار يورو أحد أبرز جوانب الاتفاق، وهو ما اعتُبر إنجازًا كبيرًا لصناعات الدفاع البريطانية التى ظلت تطالب لسنوات بعودة الروابط مع بروكسل. فقد ضغطت شركات الصناعات العسكرية البريطانية، وعلى رأسها «بى إيه إى سيستمز»، من أجل ضمان إمكانية الوصول إلى التمويلات الأوروبية المخصصة للمجال الدفاعي. وذكرت صحيفة التايمز البريطانية أن الاتحاد الأوروبى قد أنشأ هذا الصندوق مؤخرا لتقوية قاعدة صناعاته العسكرية، وتوطين التكنولوجيا الدفاعية الأوروبية، وتنسيق الإنفاق بين دول الاتحاد.
ومع التحديات المتزايدة على حدود أوروبا الشرقية، وغياب اليقين بشأن استمرار الحماية الأمريكية، سعت دول أوروبية عديدة إلى تعزيز القدرات الذاتية وتعميق الشراكات الداخلية.
وقد رحب المسئولون الأوروبيون بالاتفاق، معتبرين إياه خطوة ضرورية لملء الفجوة الاستراتيجية التى خلفها خروج بريطانيا، وخاصة فى ظل امتلاك لندن لقدرات استخباراتية وتقنية متقدمة، وقوات مسلحة ذات خبرة عالمية. وقال جوزيب بوريل، مفوض الاتحاد الأوروبى للعلاقات الخارجية، إن الاتفاق يعكس رغبة متبادلة فى طى صفحة التوتر السياسى والعمل المشترك لمواجهة تهديدات مثل الإرهاب والهجمات السيبرانية والتوسع الروسي. ومن الجانب البريطاني، أعلن مكتب رئيس الوزراء أن الاتفاق يعيد لندن إلى موقع مؤثر فى المعادلات الأمنية الأوروبية دون التنازل عن السيادة الوطنية، مشيرًا إلى أن التعاون مع الاتحاد الأوروبى لا يعنى عودة تحت مظلته، بل يعكس منطقًا براغماتيًا فى التعامل مع التحديات الدولية. وفى المقابل، أشار عدد من المحللين إلى أن الاتفاق لا يخلو من حساسية سياسية داخل بريطانيا، خاصة لدى التيارات المتشددة المؤيدة للـ»بريكست»، التى تعتبر أى انخراط جديد مع مؤسسات الاتحاد الأوروبى تراجعًا عن جوهر الانفصال.
وتبدو هذه المقاربة متوافقة مع المزاج الشعبى المتغير، حيث أظهرت استطلاعات رأى نشرتها صحيفة «فاينانشال تايمز» مؤخرًا أن غالبية البريطانيين يدعمون تنسيقًا أكبر مع أوروبا فى ملفات الأمن والدفاع، خاصة بعد تصاعد التهديدات من روسيا. أما بريطانيا، فترى فى الاتفاق فرصة لتأكيد دورها كقوة عالمية مسئولة، تجمع بين الاستقلال السياسى والانخراط العملي، بما يتناسب مع مكانتها وتاريخها كأحد أبرز اللاعبين فى الأمن الأوروبى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وهكذا يعكس هذا الانفتاح المتبادل إدراك الطرفين أن تحديات العصر لا يمكن مواجهتها بوسائل تقليدية أو سياسات انكفائية.
كما أن الاتفاق يحمل بعدًا رمزيًا، فى ظل سعى الطرفين لإظهار الوحدة الغربية فى مواجهة التهديدات الروسية والصينية، خاصة مع توتر العلاقات عبر الأطلسى منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

نيويورك تايمز: روسيا شنت أكبر هجوم مسيرات وصواريخ على أوكرانيا منذ بدء الحرب
نيويورك تايمز: روسيا شنت أكبر هجوم مسيرات وصواريخ على أوكرانيا منذ بدء الحرب

الدولة الاخبارية

timeمنذ ساعة واحدة

  • الدولة الاخبارية

نيويورك تايمز: روسيا شنت أكبر هجوم مسيرات وصواريخ على أوكرانيا منذ بدء الحرب

الأحد، 25 مايو 2025 05:37 مـ بتوقيت القاهرة قال مسئولون أوكرانيون، اليوم الأحد، إن روسيا استهدفت أوكرانيا ليلًا بواحدة من أكبر هجمات الطائرات المسيرة والصواريخ فى الحرب، مما أسفر عن مقتل 12 شخصًا على الأقل وإصابة العشرات فى هجمات استمرت لساعات فى جميع أنحاء البلاد، بحسب ما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز. وكان هذا ثانى هجوم واسع النطاق خلال ليلتين، فيما وصفته الحصيفة بجزء من تصعيد أوسع نطاقًا من جانب روسيا فى الأشهر الأخيرة، حتى مع سعى إدارة ترامب إلى وقف إطلاق النار. كما صعدت أوكرانيا هجماتها الجوية على الأراضى الروسية، وإن كان على نطاق أصغر وبخسائر مدنية أقل بكثير. وأعلنت القوات الجوية الأوكرانية أن روسيا أطلقت 69 صاروخًا باليستيًا وصاروخ كروز إلى جانب 298 طائرة هجومية مسيرة، مضيفةً أنه تم إسقاط حوالى ثلثى الصواريخ وجميع الطائرات المسيرة تقريبًا. وقال المتحدث باسم القوات الجوية، يورى إهنات، فى مقابلة إن هذا كان أكبر قصف فى الحرب من حيث عدد الأسلحة المستخدمة. ولم يتسن التحقق من هذه الأرقام بشكل مستقل. ووثقت صور ومقاطع فيديو نشرتها خدمات الطوارئ الأوكرانية حجم الدمار صباح الأحد. أظهرت الصور رجال إطفاء يرشون الماء على مبنى سكنى فى مدينة ميكولايف الجنوبية، وقد تحطم سقفه، وبرزت عوارضه المتناثرة فى السماء كأضلاع مكسورة. وفى منطقة كييف، سار عمال الطوارئ فى شارع التهمت النيران المنازل على جانبيه، وغطت الأنقاض الرصيف. وفى منطقة جيتومير الغربية، أظهرت الصور رجال الإنقاذ وهم ينتشلون جثث ثلاثة أطفال من منازل تحولت إلى أنقاض. جاء هذا فى الوقت الذى تبادلت فيه روسيا وأوكرانيا المئات من السجناء فى المرحلة الثالثة والأخيرة من تبادل هائل للأسرى بين البلدين بلغ ألفاً من كل بلد، والذى عكس لحظة نادرة من التعاون فى الجهود الفاشلة لوصف إطلاق النار بعد أكثر من ثلاث سنوات من الحرب.

المدعي العام في كاليفورنيا يدافع عن أبل من تهديد فرض رسوم جمركية على أيفون
المدعي العام في كاليفورنيا يدافع عن أبل من تهديد فرض رسوم جمركية على أيفون

اليوم السابع

timeمنذ ساعة واحدة

  • اليوم السابع

المدعي العام في كاليفورنيا يدافع عن أبل من تهديد فرض رسوم جمركية على أيفون

كتبت أميرة شحاتة حاول المدعي العام لولاية كاليفورنيا، روب بونتا، الدفاع عن أكبر وأشهر شركة مقرها في الولاية، وهى شركة آبل، حيث هدد الرئيس دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% أو أكثر على أجهزة آيفون غير المصنعة في الولايات المتحدة والتي تُشحن إلى البلاد. وفقًا لما ذكره موقع "phone arena"، شرح المدعي العام بونتا سبب شعوره بالحاجة إلى التهديد بمقاضاة إدارة ترامب، وأشار إلى أن آبل واحدة من الشركات القليلة التي جعلت اقتصاد كاليفورنيا رابع أكبر اقتصاد في العالم. أشار بونتا، إلى عبثية الاضطرار إلى الدفاع عن شركة أمريكية تعمل في ولاية أمريكية أمام رئيس الولايات المتحدة، وقال: "نحن فخورون بشركات كاليفورنيا، ونريد التأكد من عدم انتهاك حقوقها، وخاصة من جانب رئيس الولايات المتحدة، وهو أمر لا يُفترض عادةً حمايته". طالب ترامب شركة آبل بتصنيع هاتف آيفون في الولايات المتحدة، مع أن ذلك سيؤدي حتمًا إلى ارتفاع كبير في سعره. لن تجد آبل أمريكيين يعملون بنفس الأجور المنخفضة التي يتقاضاها عمال خطوط تجميع آيفون في الصين، كما أن محاولة بناء سلسلة توريد لآيفون في الولايات المتحدة قد تُشكل مشكلة. وقبل اتخاذ قرار بشأن مقاضاة إدارة ترامب، سيُجري المدعي العام بونتا مراجعة لسياسات ترامب المتعلقة بالرسوم الجمركية للتأكد من أنها لا تستهدف شركات كاليفورنيا. لم تُعلّق آبل بعد على منشور ترامب على موقع "تروث سوشيال" الذي ذكر أن الرئيس أبلغ الرئيس التنفيذي لشركة آبل، تيم كوك، أنه يتوقع أن تُصنع وحدات آيفون "المُباعة في الولايات المتحدة "في الولايات المتحدة، وليس في الهند أو أي مكان آخر". كما أنه إذا فرض ترامب رسومًا جمركية بنسبة 25% على هواتف آيفون المُتجهة إلى الولايات المتحدة، فقد يصل سعر هذه الوحدات إلى 3500 دولار، هذا ما يقوله دان آيفز، الرئيس العالمي لأبحاث التكنولوجيا في ويدبوش للأوراق المالية.

نيويورك تايمز: روسيا شنت أكبر هجوم مسيرات وصواريخ على أوكرانيا منذ بدء الحرب
نيويورك تايمز: روسيا شنت أكبر هجوم مسيرات وصواريخ على أوكرانيا منذ بدء الحرب

اليوم السابع

timeمنذ ساعة واحدة

  • اليوم السابع

نيويورك تايمز: روسيا شنت أكبر هجوم مسيرات وصواريخ على أوكرانيا منذ بدء الحرب

كتبت ريم عبد الحميد قال مسئولون أوكرانيون، اليوم الأحد، إن روسيا استهدفت أوكرانيا ليلًا بواحدة من أكبر هجمات الطائرات المسيرة والصواريخ فى الحرب، مما أسفر عن مقتل 12 شخصًا على الأقل وإصابة العشرات فى هجمات استمرت لساعات فى جميع أنحاء البلاد، بحسب ما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز. وكان هذا ثانى هجوم واسع النطاق خلال ليلتين، فيما وصفته الحصيفة بجزء من تصعيد أوسع نطاقًا من جانب روسيا فى الأشهر الأخيرة، حتى مع سعى إدارة ترامب إلى وقف إطلاق النار. كما صعدت أوكرانيا هجماتها الجوية على الأراضى الروسية، وإن كان على نطاق أصغر وبخسائر مدنية أقل بكثير. وأعلنت القوات الجوية الأوكرانية أن روسيا أطلقت 69 صاروخًا باليستيًا وصاروخ كروز إلى جانب 298 طائرة هجومية مسيرة، مضيفةً أنه تم إسقاط حوالى ثلثى الصواريخ وجميع الطائرات المسيرة تقريبًا. وقال المتحدث باسم القوات الجوية، يورى إهنات، فى مقابلة إن هذا كان أكبر قصف فى الحرب من حيث عدد الأسلحة المستخدمة. ولم يتسن التحقق من هذه الأرقام بشكل مستقل. ووثقت صور ومقاطع فيديو نشرتها خدمات الطوارئ الأوكرانية حجم الدمار صباح الأحد. أظهرت الصور رجال إطفاء يرشون الماء على مبنى سكنى فى مدينة ميكولايف الجنوبية، وقد تحطم سقفه، وبرزت عوارضه المتناثرة فى السماء كأضلاع مكسورة. وفى منطقة كييف، سار عمال الطوارئ فى شارع التهمت النيران المنازل على جانبيه، وغطت الأنقاض الرصيف. وفى منطقة جيتومير الغربية، أظهرت الصور رجال الإنقاذ وهم ينتشلون جثث ثلاثة أطفال من منازل تحولت إلى أنقاض. جاء هذا فى الوقت الذى تبادلت فيه روسيا وأوكرانيا المئات من السجناء فى المرحلة الثالثة والأخيرة من تبادل هائل للأسرى بين البلدين بلغ ألفاً من كل بلد، والذى عكس لحظة نادرة من التعاون فى الجهود الفاشلة لوصف إطلاق النار بعد أكثر من ثلاث سنوات من الحرب.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store