إيران.. أطياف أزمة وظلال حل
ينتقل المشهد في أزمة الملف النووي الإيراني، من طور عضّ الأصابع، الى طور قضم الأصابع، فيما يواصل الايرانيون صباحاتهم المعتادة، مستقبلين عوامل التوتر بهدوء كاذب، أو مكذوب.
ينتظر الرئيس الأميركي دونالد ترامب رداً من إيران على خطته بشأن برنامج إيران النووي، بحلول الأحد المقبل، يتمنى أن يكون شافياً وقاطعاً، لكنه لن يجد ما يريد بانتظاره، فإيران تملك رصيداً هائلاً من خبرات البازار في المساومات والمفاوضات، كذلك فإن لديها في التقية الشيعية مخزون تستدعي منه ما يعينها على نوائب الدهر كلما إدلهمت الحوادث.
ترامب لا يقف عند منعطفات الانتظار يقضم أظافره، وإنما يستدعي مشاهد التحفز الأميركي، ببعض غموض يطمع أن يغلف به نوايا الفعل، فيعلن الاستنفار في مقار بعثاته الدبلوماسية في المنطقة، ويخفض أعداد بعضها، وينصح أسراً أميركية بمغادرة المنطقة إلى ملاذات آمنة، أو العودة إلى الولايات المتحدة.
المهم لدى ترامب الآن، هو تصدير مشهد التحفز الكامل، والاستنفار التام لضربة كبرى وشيكة ضد منشآت إيران النووية، فكلما بدا مشهد الاستنفار الأميركي حقيقياً وجاداً ووشيكاً، كلما أصبح ترامب على وشك قطف ثمار نصر بلا حرب، أو انتصار بتكلفة أقل بكثير، وهذا أكثر ما يعني ترامب، وأكثر ما يخيفه من قرار الحرب ضد ايران، في إقليم يفور بكل عوامل التفجير الذاتي.
الذين يراهنون على إمكانية تبريد الأزمة، وتفكيك عوامل التفجير، يعولون على حصافة ملالي إيران مراراً في التهرب من استحقاقات كانت تبدو ملحة وحازمة، أو على مخاوف لدى الولايات المتحدة والغرب من مشهد حرب يستدعي خبرات صمود إيراني أسطوري امتد لثماني سنوات، عندما ظنّ صدام حسين أن الظرف مواتٍ لشن حرب خاطفة ضد طهران، لكنها دامت ثماني سنوات، رغم أنف الجميع، ولم تتوقف تداعياتها حتى لحظة كتابة هذه السطور.
غير أن المسرح الإقليمي قد تغير كثيراً، والعلاقة بين ملالي ايران وبين حلمهم النووي المخبوء في ثنايا عماماتهم، قد أصبحت أكثر عمقاً.
تقنياً، يعني تخلي إيران عن احتفاظها بما تعتبره (الحق في تخصيب اليورانيوم) هزيمة كاملة بنظر شعبها، يفقد بعدها النظام كله مبررات استمراره، وتتحرك بعدها، على الفور، عوامل تفكيك إيران ذاتها، بالجغرافيا، وبالسكان، وبالقدرات، وبالولاءات، والثقافات.
وبسبب هذا التلازم النظري الكامن لدى الوعي الشعبي الإيراني العام، بين الاحتفاظ بالقدرة على امتلاك خيار نووي، وبين استمرار النظام، الذي تبنى رؤية مفادها، أن إيران بدون قدرات نووية (معرفية وتقنية) أمة مرشحة للضياع، تبدو فرصة إيران بعيدة في التراجع بكلفة أقل.
الدراما المتصاعدة التي احترفها ترامب، وهيمنت على أسلوبه في ادارة أكثر الملفات سخونة، ربما لا ترشّح الوضع في ملف إيران النووي لانفجار وشيك، لكن ذلك سوف يعتمد إلى حد بعيد على قدرة أطراف الازمة المباشرين (إسرائيل والولايات المتحدة وإيران) على إدارة الوقت أو حتى على شرائه إن لزم الأمر.
يعرف الإيرانيون أن تقديم أول تنازل كبير في الملف النووي، سوف يفتح الباب على مصراعيه لتنازلات لاحقة لن تتوقف قبل سقوط النظام وتفكيك بنيته. التنازل الكبير بنظر طهران هو ذلك الذي ينطوي على تفكيك أجهزة الطرد المركزي الذي استغرق بناؤها عمر النظام كله على مدى أكثر من نصف قرن.
تسعى إيران إلى فك الارتباط بين تخصيب اليورانيوم، وبين تفكيك أزمة الملف النووي، ويعتمد الأمر بحسب رؤيتها على مقولة أن إيران باتت تملك المعرفة النووية الكاملة، وأن تفكيك البنية النووية القائمة أو حتى تفجيرها بالقوة، لن يمنع إيران من إعادة بنائها في أي وقت، وأن أي تسوية للأزمة ينبغي أن تقوم على حسابات إقليمية ودولية معقدة ينبغي أن يعترف أطرافها بإيران في نهاية المطاف، باعتبارها قوة إقليمية قائدة ضمن نظام إقليمي متعدد الرؤوس.
لا أحد في الإقليم مستعد للقبول بإيران كقوة إقليمية قائدة ضمن نظام شرق أوسطي جديد، ما لم تخضع إيران ذاتها لمعادلات قوة جديدة تقرّ فيها بأحقية أطراف إقليمية أخرى في قيادة النظام الجديد الذي يعتمد مبدأ توازن مصالح عبر توازن للقوى لا يسمح لأي من الأطراف الإقليميين باحتكار امتلاك رادع نووي، سيكون حاكماً في المستقبل لكل قضايا الإقليم.
مثل كل الأزمات الكبرى، يسعى أطرافها إلى تأهيل وسطاء محتملين، يمكنهم التدخل للجم الانفلات كلما قاربت الأزمة نقطة الانفجار. أكثر الأطراف الإقليميين جاهزية للتدخل في هذه الأزمة هي تركيا والسعودية. الأولى حافظت على خيط رفيع للتواصل مع إسرائيل، رغم مناطق تنافس داخل سوريا ومناطق صدام حول غزة، والثانية سعت لتطوير روابط وتعميق صلات مع طهران مؤخراً، تتيح لها إمكانية التدخل لنزع فتيل أزمة أو الحيلولة دون انفجار كبير.
لكن أكثر الأطراف جاهزية للوساطة في الأزمة، وقدرة على التأثير فيها إن أوشكت على الانفجار، هي روسيا التي تقدر على الوساطة، وترغب فيها، وتسعى اليها، فالرئيس الأميركي الذي يريد نصراً بلا حرب، قد استدعى وساطة بوتين الذي رأى في الاستدعاء فرصة، تحصل بموجبها روسيا على نقاط لصالحها في ملف الحرب الأوكرانية، وعكست تصريحات نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري ميدفيديف بشأن طلب الوساطة الأميركي تهافتاً روسياً واضحاً، حين تساءل ميدفيديف عن المقابل الذي ستقدمه واشنطن لموسكو ثمناً للوساطة مع ايران، وأغلب الظن أن ميدفيديف كان يمنّي النفس برفع بعض العقوبات المفروضة على روسيا منذ اندلاع حربها في أوكرانيا.
هذا الربط بين الوساطة الروسية في الأزمة وبين الثمن الذي تريده موسكو لتلك الوساطة، ربما جعل الإيرانيين أقل حماسة للترحيب بوساطة روسيا، لكن شُحّ الأنصار على المسرح الدولي لا يدع أمام إيران خياراً آخر بديل لروسيا، ولهذا تخشى أيران في الأزمة من ظل بوتين لكنها لا تستغني أبداً عن طيف روسيا.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


بيروت نيوز
منذ ساعة واحدة
- بيروت نيوز
بداية حقبة جديدة في الشرق الأوسط
ذكرت صحيفة 'The Spectator' البريطانية أنه 'في الخامس من حزيران 1967، دمرت إسرائيل ثلاثة جيوش جوية عربية بضربة استباقية مدمرة في بداية ما أصبح يعرف بحرب الأيام الستة. وبين عشية وضحاها، نفذت إسرائيل ما يبدو أنه هجوم استباقي مدمر مماثل، هذه المرة على منشآت نووية وعسكرية إيرانية. لكن هناك فارق جوهري بين الضربتين، ففي عام 1967، كانت إسرائيل تقاتل دفاعًا عن نفسها فقط، ولم يكن لها حلفاء في المنطقة، ولم تكن مهتمة بما يحدث خارج حدودها. أما اليوم فلم تعد إسرائيل تعمل كوكيل للغرب فحسب، بل إنها تعمل ضد نظام استبدادي'. وبحسب الصحيفة، 'لقد احتجزت إيران شعبها، وكذلك لبنان وسوريا، رهينة، كما ونشرت السم في بقية أنحاء المنطقة، ومولت ووجهت حماس وحزب الله والحوثيين لإحداث الحرب والدمار في كل أنحاء المنطقة، وتسببت في مقتل مئات الآلاف من المسلمين في المنطقة على مدى العقود منذ أن تولى النظام السلطة في إيران. وحتى الليلة الماضية، كانت إيران على وشك تطوير سلاح نووي، وهو ما كان سيجعل عقود الإرهاب الإيراني الماضية تبدو وكأنها لا شيء مقابل ما سيأتي في المستقبل. لقد كان هناك اتفاق شبه إجماعي على أنه لا يمكن السماح لإيران بالحصول على سلاح نووي، وكانت القضية الوحيدة هي كيفية منعها من ذلك. من الواضح أن الاتفاق الأصلي الذي توصل إليه باراك أوباما، خطة العمل الشاملة المشتركة، لم ينجح، وقد كثفت إيران استعداداتها'. وتابعت الصحيفة، 'أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الخميس للمرة الأولى أن إيران تنتهك التزاماتها المتعلقة بمنع الانتشار النووي. ورفضت طهران الإجابة على أسئلة بشأن جزيئات اليورانيوم الموجودة في مواقع غير معلنة في البلاد وتخزين اليورانيوم المخصب إلى درجة تقترب من درجة صنع الأسلحة، وردت بالكشف عن أنها قامت بالفعل ببناء وتشغيل مركز جديد لتخصيب اليورانيوم كان سريا في السابق. وكانت الضربات الجوية الإسرائيلية التي شنتها ليل الخميس الجمعة، والتي شاركت فيها أكثر من 200 طائرة وهاجمت أكثر من 100 موقع، ضرورية ومحددة الهدف. لقد أصبحت الدفاعات الجوية الإيرانية مشلولة منذ تشرين الأول عندما دمرت إسرائيل بطاريات الدفاع الجوي التي تحمي الصواريخ الباليستية البعيدة المدى لدى إيران، الأمر الذي جعل منشآتها النووية عرضة لهجمات مستقبلية'. وأضافت الصحيفة، 'تشير التقارير إلى أن إسرائيل قصفت أهدافاً في قيطارية، ونيافاران، وتشيتجار، ومهرآباد، ونارماك، وسعادة آباد، وأندرزغو، وستار خان، وشهرك محلاتي، وشهرك تشمران، وكمرانية، وفرح زادي، وأوزغول، ومرزداران، ومقر القوات المسلحة، فضلاً عن أفراد مثل حسين سلامي، القائد العام للحرس الثوري الإسلامي، وعلي شمخاني، المستشار الرئيسي للمرشد الإيراني علي خامنئي. وشنت إسرائيل ضربات متعددة على مفاعل أراك للماء الثقيل، ومجمع بارشين العسكري، ومفاعل خونداب، وموقع نطنز النووي تحت الأرض، والذي يعتبر 'قلب' برنامج طهران النووي'. وبحسب الصحيفة، 'من الواضح أن ما سيحدث لاحقًا هو الأهم. ردت إيران، لكن قدرتها على الرد المدمر قد دُمرت بالتأكيد. سعى وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، إلى توضيح أن إسرائيل كانت تتصرف بمفردها، وهو أمر صحيح، حيث إن القوات الإسرائيلية فقط هي من شاركت. لكن الولايات المتحدة كانت تعلم ما سيحدث، ولو لم تكن مستعدة لرؤية إيران تتعرض للهجوم، لكانت أوقفته'. وختمت الصحيفة، 'لقد استعبد النظام الإيراني شعبه لعقود من الزمن، كما ساهم في زعزعة استقرار بقية المنطقة. فلقد كانت إيران مسؤولة عن الإرهاب والفوضى لعقود من الزمن، والآن ولأول مرة هناك أمل في تحقيق الاستقرار في المنطقة. ينبغي لأولئك الذين يناضلون من أجل إقامة دولة فلسطينية أن يشعروا بالارتياح، فلا يمكن أبداً أن تكون هناك دولة فلسطينية آمنة ومستقرة إذا ظلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية قادرة على تصدير إرهابها. قد يسجل التاريخ أن الثالث عشر من حزيران 2025 كان بداية عهد جديد في الشرق الأوسط'.


صدى البلد
منذ 2 ساعات
- صدى البلد
متحدث جيش الإحتلال: استهدفنا مبنى ومختبرات لتخصيب اليورانيوم بإيران
قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: سنصل إلى كل مكان مطلوب منا من أجل الدفاع عن إسرائيل، وفق ما ذكرت وسائل إعلام متفرقة. أضاف المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: استهدفنا مبنى ومختبرات لتخصيب اليورانيوم لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية. أفاد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: نواصل عمل كل ما يلزم لمنع تهديدات إيران. ذكر متحدث الاحتلال: استهدفنا منشأة نووية إيرانية في أصفهان والأيام الأخيرة صعبة وندعو الإسرائيليين للالتزام بتعليمات الجبهة الداخلية. أردف: المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: سنواصل القيام بكل ما يلزم من أجل إعادة الرهائن في غزة.


صدى البلد
منذ 2 ساعات
- صدى البلد
تزامنا مع التصعيد الإسرائيلي الإيراني.. الجيش الأمريكي يحتفل بعيد ميلاد ترامب بعرض عسكري
ينطلق اليوم السبت العرض العسكري احتفالا بالذكرى الـ250 لتأسيس الجيش الأمريكي، في واشنطن والذي يتزامن مع عيد ميلاد الرئيس دونالد ترمب التاسع والسبعين. عيد ميلاد ترامب وينطلق مهرجان وموكب الرئيس دونالد ترامب العسكري، الذي تبلغ تكلفته ملايين الدولارات، احتفالاً بالذكرى الـ 250 لتأسيس الجيش الأمريكي، ويستمر حتى وقت متأخر من المساء - سواءً أكان الطقس ممطراً أم مشمساً، وفقاً للبيت الأبيض. يختتم العرض العسكري الكبير للجيش الأمريكي، الذي يُقام في الذكرى الـ 250 لتأسيسه، مهرجاناً استمر يوماً كاملاً، مليئاً بالموسيقى والألعاب النارية ومسابقة لياقة بدنية. قال ترامب في مقطع فيديو نُشر على موقع "تروث سوشيال" في أوائل يونيو: "على مدى قرنين ونصف، سيطر رجال ونساء الجيش الأمريكي على أعدائنا وحموا حريتنا في الوطن. يُحيي هذا العرض قوة جنودنا الاستثنائية وروحهم التي لا تُقهر. لا تفوتوه. فقط لا تفوتوه. سيكون رائعاً." يحتفل العرض العسكري بالذكرى الـ 250 لتأسيس الجيش الأمريكي في 14 يونيو 1775، صوت الكونجرس على تأسيس الجيش، كما يقول المنظمون، مُشكّلاً بذلك تأسيس أول قوة عسكرية وطنية أمريكية قبل أكثر من عام من إعلان الاستقلال. يأتي ذلك بعد اشتعال المواجهة بين إسرائيل وإيران، بعد الهجوم الذي شنته دولة الاحتلال فجر أمس، الجمعة، ضد عدد من المنشآت العسكرية الإيرانية، وتسبب في مقتل كبار قادة الجيش والحرس الثوري، إلى جانب عدد من العلماء، وأطلقت على العملية اسم "الأسد الصاعد"، لترد طهران بموجات صاروخية أسفرت عن دمار عدد من البنايات في تل أبيب إلى جانب مقتل وإصابة عشرات الإسرائيليين، في عملية "الوعد الصادق 3".