logo
الذكاء الاصطناعي واقتصاد الانتباه

الذكاء الاصطناعي واقتصاد الانتباه

الجزيرة٢٢-٠٤-٢٠٢٥

لقد ناهز حجم سوق الإعلان الرقمي العالمي عبر الإنترنت 237 مليار دولار عام 2022، ويتوقع أن يصل معدل النمو السنوي المركب له إلى 15.7% بحلول 2030. ولعل أبرز عوامل هذا النمو:
زيادة استخدام الإنترنت والهواتف الذكيةفي العالم.
تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي،وتحليل البيانات لاستهداف الإعلانات بدقة.
انتشار منصات التواصل الاجتماعيمثل فيسبوك، إنستغرام، تيك توك، و(X).
التحول الكبير نحو التجارة الإلكترونية، ما زاد من الطلب على الإعلانات الرقمية.استخدام الفيديو والإعلانات التفاعلية كأدوات تسويقية فعالة.
ومن المتوقع أن يستمر السوق في التوسع مستقبلا بفضل:
التطورات فيإعلانات الذكاء الاصطناعي والتخصيص الفائق.
نموالإعلانات عبر البث المباشر (Live Streaming) والواقع المعزز (AR).
زيادة الاستثمار فيإعلانات البحث المدفوعة (PPC) والتسويق بالمحتوى.
يُعد سوق الإعلان الرقمي أحد أسرع القطاعات نموًّا، حيث يقود التحول الرقمي عالميًّا مع تطور إستراتيجيات التسويق التقني. وبالتدقيق في هذا الاقتصاد الكبير نجد أنه يقوم على الانتباه؛ فجذب انتباه الزبائن، ثم الاحتفاظ به وتوجيهه، عناصر لها أهمية دائمة في هذا الاقتصاد. ونود في هذا المقال بيان ذلك، وإيضاح دور الذكاء الاصطناعي في تسارع نمو هذا الاقتصاد.
هل فيكم من يذكر بدايات انتشار الإنترنت أواخر القرن العشرين؟ هل فيكم من يذكر متصفحًا مثل "مكتوب" أو"Netscape"؟ لم تكن تللك الفترة بداية الإنترنت (الذي استخدمته البحرية الأميركية منذ مطلع السبعينيات)، ولكنها كانت حقًّا بداية انتشاره بين شعوب الأرض. وكان إقبال الجماهير على هذه الظاهرة الجديدة قويًّا ومدفوعًا في الغالب بحب الاستطلاع والفضول، بينما كانت شركات تقديم الخدمة تستمتع بفترة ذهبية من جمع معلومات المستخدمين طوعًا وكرهًا.
كان الإقبال كبيرًا على الحصول على بريد ألكتروني واكتشاف مزاياه، وكان المستخدم مستعدًّا لقبول شروط مقدم الخدمة "المجانية"، بل كان متحمسًا لها؛ فكان مستعدًّا لملء استمارات طويلة ببياناته الشخصية واختياراته وهواياته، وما شاء مقدم الخدمة "المجانية" من معلومات.. وكان هذا المسكين مستعدًّا لانتظار يوم أو أكثر لـ"دراسة طلبه" والموافقة عليه!
أما اليوم، فيتنافس مقدمو هذه الخدمة "المجانية" على توزيع خدماتهم، لا يطلبون سوى رقم هاتف أو بريد ألكتروني يرسلون عليه رمزًا للتحقق من صلاحيته، ولا يتطلب الأمر من "المستفيد" سوى ثوانٍ معدودة. فما هو الثابت والمتغير خلال هذه العقود الثلاثة؟.. أما الثابت فهو أن مقدمي الخدمة يجتهدون في تحقيق مصالحهم، وأما المتغير فهو الوسائل والطرق المتبعة.
في البداية كان المستخدم مهتمًّا ومندفعًا؛ فكان يركز انتباهه لـ"متطلبات الخدمة"، وكان مقدم الخدمة يتوسع في هذه المتطلبات فيحصل على ما يريد من بيانات، ثم يستخدمها في الكسب من الترويج أو التأثير، أو غير ذلك من الأنشطة المدرة للدخل. مثال ذلك أن يقول مقدم الخدمة لشركة تجارية: "أستطيع عرض بضاعتكم على مليون شخص بالصفات المناسبة لبضاعتكم، فكم تدفعون؟" ويقول مثل ذلك لحزب سياسي في حملة انتخابية، وهكذا..
أما اليوم، وفي عصر السرعة الفائقة، فقد تكفل الذكاء الاصطناعي بجمع المزيد من بيانات المستخدمين، من خلال الربط بين بروفايلاتهم والمواقع والصفحات التي يزورونها، والمدة الزمنية التي يقضونها أمام كل صفحة، وأنواع وعينات المحتويات التي يتفاعلون معها..
إذا نجح الموقع في الاحتفاظ بانتباه المستخدم استثمر ذلك الوقت في بناء الثقة بينهما؛ تمهيدًا للمرحلة الثالثة -وهي الأخطر- ألا وهي توجيه الانتباه
في البداية، كان المستخدم يقدم انتباهه مجانًا وبطيب خاطر لمقدم الخدمة، ويضعه تحت تصرفه فيفعل فيه ما يشاء. أما اليوم، فقد تكاثر مقدمو الخدمة، وازداد وعي المستخدم، وتوجسه من الجرائم السيبرانية وإساءة استخدام البيانات، وغير ذلك من العوامل التي قلصت بشكل كبير إمكانية ولوج مقدمي الخدمة إلى مساحة الانتباه لدى المستخدمين. ومع تقدم الزمن، أنشأ التجار والباحثون عن زبائن مواقعهم الألكترونية؛ فصاروا ينافسون مقدمي الخدمة التقليديين على انتباه المستخدمين.
وهكذا نشأ التنافس القوي بين كل هؤلاء على المستخدمين المساكين، وتطورت خوارزميات الذكاء الاصطناعي وتنافست في إنتاج مواد جاذبة للانتباه، قصيرة المدة سريعة الوصول واضحة الإيحاء والدلالة، تعرض نفسها على المستخدم من غير سابق طلب ولا علم بها. وفي كل الحالات، تمر معركة الانتباه بمراحل ثلاث: الجذب والاحتفاظ والتوجيه.
جذب الانتباه هو المرحلة الأولى، وهي الأساس، هدفها خطف انتباه المستخدم لينشغل بالمعروض، فيضغط زرًّا أو رابطًا يُدخله إلى موقع المحل أو المتجر، ويصرفه عن المنافسين؛ فيخرج من حلبة تنافسهم وينصرف عن معروضاتهم. بهذا تنتهي مهمة المرحلة الأولى وتبدأ مرحلة أصعب وأكبر تحديًا، وهي مرحلة الاحتفاظ بالانتباه… الاحتفاظ بالمستخدم داخل المتجر، والحرص على أن لا يخرج فيصطاده المنافسون. تتفنن خوارزميات الذكاء الاصطناعي في عرض البضائع الأقرب إلى ذوق المستخدم حسب بياناته في وسائل التواصل الاجتماعي، وإلى خصائصه البدنية والثقافية واهتماماته حسب المواقع التي يتصفحها والوقت الذي يقضيه أمامها، وغير ذلك من البيانات التي تمكن قراءتها من السلوك الألكتروني للمستخدم.
إذا نجح الموقع في الاحتفاظ بانتباه المستخدم استثمر ذلك الوقت في بناء الثقة بينهما؛ تمهيدًا للمرحلة الثالثة -وهي الأخطر- ألا وهي توجيه الانتباه. في هذه المرحلة يكون المستخدم قد اطمأن للموقع وزاره وأعاد زيارته مرات؛ فيبدأ الموقع في اقتراح "بدائل" أو "معززات" أو ما إلى ذلك من التسميات الهادفة إلى توريط المستخدم في عادات استهلاكية جديدة، سواء كانت في الملبس أو المأكل أو المركب أوالترفيه، أو..
هنا أيضا يبرز دور الذكاء الاصطناعي في اقتراح تلك البدائل والمعززات، مستخدما ما يتاح له من بيانات في إقناع المستخدم؛ فتقنيات الذكاء الاصطناعي تتيح تتبع سلوك المستخدم جغرافيًّا وألكترونيًّا، فتتعرف على المواقع التي زارها، وتفاعله معها، والمدة التي قضاها في كل موقع، وتضيف إلى ذلك بيانات الطقس وعروض الموسم، وغير ذلك من المعلومات المتعلقة بالبيئة؛ فتطبخ من كل تلك البيانات عروضا "مناسبة"، بل "مغرية"، تدفع المستخدم لاقتناصها.
وأمام هذه الوضعية نتذكر مقولة شهيرة متداولة "إذا لم تدفع الثمن، فلست الزبون، بل أنت المنتج الذي يتم بيعه"… هذه العبارة الشهيرة (المنسوبة غالبًا إلى أندرو لويس أو ريتشارد سيرا) تلخص نموذج عمل العديد من المنصات المجانية مثل:
مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك، إنستغرام، تيك توك).
محركات البحث (جوجل).
التطبيقات المجانية التي تعتمد على الإعلانات.
أمنك من أمن بياناتك؛ فكلما حافظت على بياناتك حفظت أمنك وخصوصيتك
كيف يعمل هذا النموذج؟
أنت تقدم بياناتك مجانًا (اهتماماتك، سلوكك، تفاعلاتك، وحتى موقعك الجغرافي).
الشركات تبيع هذه البيانات للمعلنين لجعل الإعلانات أكثر استهدافًا وفعالية.
النتيجة: أنت "المنتج"، والمعلنون هم "الزبائن الحقيقيون".
كيف تحمي نفسك؟
قلل مشاركة البيانات الشخصية.
استخدم أدوات منع التتبع (مثل: VPN أو متصفح Brave).
اقرأ شروط الخصوصية قبل الموافقة عليها.
ويلاحظ المرء تكرر هذه الظاهرة مع نماذج الذكاء الاصطناعي وإن باختلاف طفيف؛ فعند ظهور شات جي بي تي كان "المجاني" محصورًا كمًّا وكيفًا، إذ كان "طعمًا" لدفع المستخدمين إلى الاشتراك المدفوع، وبمجرد أن ظهرت نماذج أخرى مثل ديب سيك اهتزت سوق الذكاء الاصطناعي واشتد التنافس، وها هي النماذج تظهر تباعًا، منها المتخصص والعام، ولعل الأيام ستكشف قريبًا عن التوازن الذي ستستقر عليه السوق ومدى ذاك الاستقرار.
والخلاصة، إن أمنك من أمن بياناتك؛ فكلما حافظت على بياناتك حفظت أمنك وخصوصيتك. ويؤثر عن الدكتور مصطفى محمود (رحمه الله) قوله: "الخصوصيّة قوّة، فالناس لا يستطيعون تدمير ما لا يعرفون، أنت سيّد ما تخفيه، وأسير ما تفشيه".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

‫ «قطر للمال» يشارك في استضافة ملتقى سيتي واير الشرق الأوسط
‫ «قطر للمال» يشارك في استضافة ملتقى سيتي واير الشرق الأوسط

العرب القطرية

timeمنذ 2 ساعات

  • العرب القطرية

‫ «قطر للمال» يشارك في استضافة ملتقى سيتي واير الشرق الأوسط

الدوحة - العرب ساهم مركز قطر للمال باستضافة ملتقى سيتي واير الشرق الأوسط 2025، الذي نُظم بالتعاون مع منصة سيتي واير المتخصصة بتغطيتها الشاملة لقطاع إدارة الثروات حول العالم من خلال مقرها في لندن. وقد جمع هذا الحدث البارز، نخبةً من خبراء الاستثمار وقادة القطاع، مما يعزز مكانة الدوحة كمركز متنامي لاستقطاب الاستثمار والثروات. وشكل هذا الملتقى، الذي عُقد لأول مرة في الدوحة، واستمر ليومين، فرصة استثنائية جمعت بين 12 من أبرز مدراء الأصول وأكثر من 70 مستثمرًا محليًا وإقليميًا، أجروا خلالها مناقشات عميقة ومكثفة حول المشهد الاستثماري المتنامي في المنطقة. كما شاركوا في ورش عمل واجتماعات مصغرة ضمّت خبراء اختيار الصناديق الاستثمارية، ورؤساء الاستثمارات الدولية، والمستشارون، والمدراء التنفيذيين لعدد من المؤسسات المرموقة، الى جانب مدراء الأصول الذين يمثلون إجمالي أصول مُدارة تقدر بنحو 11 تريليون دولار أمريكي. وبهذه المناسبة، صرّح السيد يوسف محمد الجيدة، الرئيس التنفيذي لمركز قطر للمال، قائلاً: «تعزز منطقة الشرق الأوسط مكانتها كمركز استراتيجي في النظام المالي العالمي. وبفضل تركيزها على التنويع الاقتصادي، وتطوير البنية التحتية، وتعزيز الانفتاح والتعاون الدولي، تتمتع المنطقة بمكانة متميزة لقيادة مستقبل الابتكار والنمو المالي.» وأضاف: «تلعب الفعاليات المؤثرة مثل ملتقى سيتي واير للشرق الأوسط دورًا محوريًا في ترسيخ هذا الواقع، من خلال تفعيل الحوار، وتبادل الخبرات، ودعم مستقبل الاستثمار». وتعليقًا على الملتقى، قال السيد نيك كولارد، الرئيس التنفيذي لشركة سيتي واير: «سعدنا باستضافة ملتقى سيتي واير الشرق الأوسط لأول مرة في الدوحة، وبالشراكة مع مركز قطر المالي بصفته الراعي الرئيسي لهذه الفعالية. يُعد مؤتمرًا استثماريًا رائدًا، انطلق لأول مرة عام ٢٠١٨، وجمع هذا العام اثني عشر من مدراء الأصول العالميين مع أكثر من ٧٠ خبيرًا متخصصًا في تقييم واختيار الصناديق الاستثمارية من جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي. تأسس مركز قطر للمال لينشط داخل الدولة ويقع تحديداً في مدينة الدوحة حيث يوفر منصة أعمالٍ متميزة للشركات الراغبة في التأسيس ومزاولة أنشطتها في قطر أو المنطقة بوجهٍ عام. كما يتمتع مركز قطر للمال بإطار قانوني وتنظيمي خاص ونظام ضريبي وبيئة أعمال راسخة تجيز الملكية الأجنبية بنسبة تصل إلى 100% وترحيل الأرباح بنسبة 100% وضريبة على الشركات بمعدل تنافسي بنسبة 10% على الأرباح من مصادر محلية. ويرحب مركز قطر للمال بجميع الشركات المالية وغير المالية سواء كانت قطرية أو دولية.

تأثير محادثات إيران وأميركا على استقرار أسعار النفط
تأثير محادثات إيران وأميركا على استقرار أسعار النفط

أخبار قطر

timeمنذ 8 ساعات

  • أخبار قطر

تأثير محادثات إيران وأميركا على استقرار أسعار النفط

فشلت أسعار النفط في تحقيق أي تغيير يذكر يوم الخميس، حيث أبقى المستثمرون على حالة من الحذر، مركزين على المحادثات النووية بين إيران والولايات المتحدة. على الرغم من الزيادات المفاجئة في مخزونات النفط الخام والوقود الأميركية التي أثارت مخاوف بشأن الطلب من أكبر مستهلك للنفط في العالم. تسببت الزيادات الغير متوقعة في مخزونات النفط الخام والوقود الأميركية في إثارة المخاوف بين المستثمرين. وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت بمقدار 4 سنتات لتصل إلى 64.95 دولار للبرميل، بينما ارتفع خام غرب تكساس الوسيط الأميركي بمقدار 10 سنتات ليصل إلى 61.67 دولار. تراجعت مخزونات النفط الخام بمقدار 1.3 مليون برميل لتصل إلى 443.2 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 16 مايو (أيار)، وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية. كان المحللون يتوقعون انخفاضاً قدره 1.3 مليون برميل. لم يتضح بعد كيف ستتأثر الأسواق العالمية بتلك الزيادات المفاجئة في المخزونات. إيران هي ثالث أكبر منتج للنفط بين أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وقد تؤدي أي هجوم إسرائيلي إلى اضطراب في إمدادات النفط من إيران. لا يزال المتداولون حذرين ومتجنبين المراكز الكبيرة في ظل تقييمهم للإشارات المتضاربة بشأن المحادثات النووية وتقارير الاستخبارات الأمنية. في الوقت نفسه، أشارت أوكرانيا إلى نية فرض عقوبات أشد على روسيا، مما قد يؤثر على تدفق النفط الروسي إلى الأسواق العالمية. قد تكون هذه التطورات الأخيرة سبباً في تباطؤ الاقتصاد العالمي، مما قد يؤدي إلى عواقب غير متوقعة. قد تكون هناك حاجة إلى متابعة عن كثب لتطورات السوق العالمية والتأثيرات المحتملة على أسعار النفط في الأسابيع القادمة.

قطر تكتب معادلة الاقتصاد العالمي الجديد
قطر تكتب معادلة الاقتصاد العالمي الجديد

جريدة الوطن

timeمنذ 17 ساعات

  • جريدة الوطن

قطر تكتب معادلة الاقتصاد العالمي الجديد

تحت الرعاية الكريمة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، انطلقت النسخة الخامسة من منتدى قطر الاقتصادي، الذي حمل هذا العام شعارًا محوريًا يعكس تغير موازين القوى الاقتصادية: «الطريق إلى 2030: تحوّل الاقتصاد العالمي.» شعارٌ يعكس التوجه الاستراتيجي لدولة لم تعد تكتفي بلعب دور الحاضن للمؤتمرات، بل تتجه نحو صياغة مضامينها، وتوجيه نتائجها. ورعاية سمو الأمير لهذا المنتدى ليست مجرد تكريم شكلي، بل هي امتداد لرؤية متكاملة ترى أن تمكين الاقتصاد الوطني يبدأ من الحضور الدولي المؤثر. منذ انطلاق رؤية قطر الوطنية 2030، عززت الدولة موقعها ضمن قائمة الدول الأكثر مرونةً واستباقًا في التعامل مع التحولات الاقتصادية، بدليل تصنيفها ضمن أعلى 25 اقتصادًا تنافسيًا عالميًا وَفق تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2024. وجاءت كلمة معالي الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية، لتؤكد أن قطر لا تنتظر التحولات بل تصنعها. معاليه قدّم خريطة طريق اقتصادية تقوم على خمسة أعمدة وهي رفع مساهمة القطاعات غير النفطية إلى 60 % من الناتج المحلي بحلول 2030. وتعزيز تمويل الاقتصاد الأخضر عبر أدوات كالتمويل المستدام والصكوك الخضراء، وهي التي بدأت قطر في تطبيقها عبر أول إطار تمويلي سيادي أخضر في المنطقة. وتطوير بيئة تشريعية جذابة للاستثمار، حيث ارتفع عدد الشركات الأجنبية الجديدة المسجلة بنسبة 33 % في عام 2024 مقارنة بالعام الذي سبقه. ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة محليًا، والتي تمثل اليوم أكثر من 96 % من إجمالي الشركات المسجلة. وما يُحسب لقطر في هذه النسخة هو التوظيف الذكي للشراكة مع بلومبيرغ. إذ تم دمج المحتوى الاقتصادي العميق مع البُعد الإعلامي المؤثر، مما منح المنتدى تغطية إعلامية في أكثر من 130 دولة. وليس صدفة أن تُجرى مقابلات خاصة مع وزراء وصنّاع قرار في استوديوهات حية داخل المدينة الإعلامية، تعكس انتقال قطر من «منصة نقل» إلى «مصنع محتوى استراتيجي». وضمّ المنتدى أكثر من 2000 مشارك، بينهم 60 رئيسًا تنفيذياً لشركات عالمية، وأكثر من 15 وزيرًا للمالية والاقتصاد، و10 محافظي بنوك مركزية. هذا الخليط من النخب الفكرية والمالية جعل من المنتدى ملتقىً للنفوذ الاقتصادي وصياغة السياسات، لا مجرد تبادل آراء. قراءة جريئة في الملفات الجلسات النقاشية للمنتدى غاصت في عمق ملفات حساسة، منها:التغير المناخي وأثره على سلاسل التوريد، مستقبل العملات الرقمية كأداة للسيادة النقدية. الذكاء الاصطناعي ومخاطر تسريح الوظائف مقابل خلق نماذج أعمال جديدة. ولم يكن المنتدى انعزالًا عن الواقع القطري، بل نافذة لاستعراض النجاحات المحلية كنماذج ملهمة. ففي قطاع الطاقة، رسّخت قطر موقعها كأكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال، ومع ذلك لم تقف عنده، بل أطلقت مشروعات لتعزيز إنتاج الهيدروجين الأخضر. أما في الاقتصاد الرقمي، فقد ارتفع عدد شركات التكنولوجيا الناشئة في الدولة بنسبة 41 % خلال عامين فقط، مدعومة بمبادرات مثل «واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا» وصندوق التحول الرقمي التابع لبنك قطر للتنمية. التوقعات والنتائج يتوقع أن تؤدي مخرجات المنتدى إلى: توقيع اتفاقيات استثمارية تتجاوز 4 مليارات دولار خلال الـ12 شهرًا القادمة. إطلاق تحالف إقليمي لدعم الاقتصاد الدائري في الشرق الأوسط. تطوير أدوات تمويل جديدة لمشاريع الابتكار في الخليج بالتعاون مع صناديق سيادية. التوصية بإنشاء منصة خليجية لتبادل البيانات الاقتصادية في زمن الذكاء الاصطناعي. إن منتدى قطر الاقتصادي لم يكن مجرد فعالية، بل تحوّل إلى أداة جيوسياسية واقتصادية لتشكيل خطاب اقتصادي عالمي عادل ومستدام. قطر لم تعد فقط تواكب التغيير، بل تصوغه وفق رؤيتها التنموية، في توازن نادر بين السيادة والانفتاح. ومع تقدمنا نحو 2030، ستتسع الدوحة أكثر كمحور حوار، ومركز قرار، ومنصة لاقتصاد جديد لا يُدار فقط بالأرقام، بل بالاستبصار. «منتدى قطر الاقتصادي 2025 ليس مجرد منصة للنقاش، بل هو تمرين سيادي على التأثير الدولي الناعم. قطر تقدم نموذجًا فريدًا في الجمع بين الاستقرار السياسي، والانفتاح الاقتصادي، وتمكين الإنسان. هذا المنتدى هو انعكاس واقعي لما تمثله قطر اليوم: دولة صغيرة بحجمها، كبيرة في تأثيرها، دقيقة في رسائلها، وواقعية في تموقعها الاقتصادي والسياسي». بقلم: د. بثينة حسن الأنصاري خبيرة تطوير التخطيط الاستراتيجي والموارد البشرية

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store