logo
قلب يُدفن تسع مرات: الإبادة أمر طبيعي في عيون "إسرائيل"

قلب يُدفن تسع مرات: الإبادة أمر طبيعي في عيون "إسرائيل"

الميادين٢٦-٠٥-٢٠٢٥

من بين الركام، كانت تقف بثوب العمل الأبيض الملطّخ بالغبار، لا بالدم. لم تكن هناك حين سقط الصاروخ على بيتها، لكنها كانت الأقرب إلى الجحيم.
كانت تُنقذ أطفالاً لا تعرف أسماءهم في مجمع ناصر الطبي، بينما كانت أسماء أطفالها التسعة تُمحى من السجلات، تُطمر تحت الإسمنت المحطم، بلا وداع، بلا بكاء أخير. اسمها آلاء النجار.
أم. طبيبة. ناجية؟ لا أحد ينجو بعد أن يُدفن قلبه تسع مرات. هذه ليست قصة فردية.
بل هو مشهد متكرر لغزة، التي تُباد قطعة قطعة، إنساناً إنساناً. في غزة، لم يعد الفقد يُقاس بعدد الشهداء فقط، بل بمدى العجز عن الحداد.
كل صباح يحمل مأساة جديدة، وكل ليل يُطفئ ضوء بيت آخر. صار الحزن متراكماً فوق الحزن، حتى لم يعد أحد يملك وقتاً للبكاء. في كل بيت، حكاية موت جديدة، مختلفة التفاصيل، لكن متشابهة النتيجة: الإبادة.
السؤال الذي لا يفارقني، رغم أنني قضيت سنوات أدرس المجتمع الإسرائيلي من الداخل، هو:
كيف يمكن لمجتمع بشري، مهما كانت دوافعه السياسية أو مخاوفه الأمنية، أن يفعل هذا... من دون أن يرتجف؟
أي عقول تلك التي تبرر قصف أطفال نائمين؟ وأي قلوب تلك التي لا يزلزلها صراخ أمّ تحت الأنقاض؟
ما الذي يجعل شعباً بأكمله يمضي في حياته اليومية، بينما يُباد شعبٌ آخر أمامه على يديه؟
هل هي الأيديولوجيا؟ أم الدين؟ أم الخوف؟
أم أن التجريد الكامل للضحية من إنسانيتها قد نجح إلى حدّ لم يترك مجالاً لأي شعور سوى... اللا شيء؟
وردت الإجابة – أو على الأقل تفسير – في مقطع قصير للكاتب الإسرائيلي الشجاع جدعون ليفي، قال فيه إن هناك ثلاثة مبادئ أساسية تمكّن الإسرائيلي من العيش بسلام مع هذا الواقع الوحشي، من دون شعور بالذنب أو التفكك النفسي:
منذ الصغر، يُلقّن الطفل الإسرائيلي أنه مختلف، أنه أعلى منزلة، أنه من نسل مقدّس.
باسم هذه الفكرة، يُعاد إنتاج استعمار قديم بثوب حديث: أرض الميعاد، الخلاص، التطهير.
ليس غريباً إذاً أن نسمع حاخامات يقولون إن قتل الفلسطينيين "مبارك"، وأنه "عمل يتقرب به الإنسان من الله".
القتل هنا ليس جريمة، بل هو تكليف سماوي.
لذا، حين تُسحق عائلة بأكملها تحت الأنقاض، لا تهتز القلوب، بل تطمئن: المهمة تمت.
الذاكرة الإسرائيلية معلّقة عند الهولوكوست، ومُجمّدة هناك.
لا شيء قبلها، ولا شيء بعدها.
كل فعل تقوم به إسرائيل اليوم هو "ردّ على الماضي"، وكل نقد يُوجَّه لها هو "لا سامية مستترة".
بهذا السرد، يصبح الفلسطيني دائماً المعتدي، حتى لو لم يكن يملك إلا صوته.
ويتحوّل القاتل إلى ضحية لا يمكن مساءلتها.
بهذا المنطق، تُقصف المدارس والمخيمات باسم الدفاع عن النفس. 25 أيار 11:28
24 أيار 09:56
فما يراه العالم ضحية، تراه "إسرائيل" تهديداً، وما تراه أمّ شهيد "صورة عمرها"، يراه الجندي الإسرائيلي "هدفاً مشروعاً".
هذا هو المبدأ الأخطر، كما قال ليفي.
أن ترى الآخر – الفلسطيني – كائناً أقل من إنسان.
كأنه ليس شبيهاً لك، لا في الألم، ولا في الحب، ولا في الأمل.
لهذا، فإن تدمير المستشفيات، وحرق الأطفال، وقتل العائلات، لا يخلق أزمة ضمير، لأن الضحايا ليسوا "بشراً حقيقيين".
في الإعلام الإسرائيلي، لا ترى الأسماء، بل "أرقاماً" و"مسلحين مشتبهين".
وفي ثقافة "الجيش"، لا يُدرّب الجنود على التمييز بين طفل وراشد، بل بين "خطر" و"خطر أكبر".
60,000 شهيد، وأكثر من 70% منهم نساء وأطفال ومدنيون.
120,000 جريح، بينهم آلاف فقدوا أطرافهم إلى الأبد.
1.5 مليون نازح، هائمون بلا مأوى في أرض صغيرة محاصرة.
تدمير منهجي لأكثر من 70% من بنية غزة: منازل، جامعات، مستشفيات، دور عبادة.
حصار إنساني شامل يمنع الماء والدواء والغذاء.
أوامر بإخلاء غزة جنوباً، ثم قصف الجنوب كما قُصف الشمال.
هذه الممارسات ليست ارتجالاً عسكرياً، بل هندسة سياسية تهدف إلى:
تدمير البنية المجتمعية الفلسطينية.
إجبار السكان على الرحيل القسري (الترانسفير الناعم).
إعادة رسم الواقع الديموغرافي لغزة وفق مشروع استيطاني طويل الأمد.
استثمار المجاعة والدمار لفرض ترتيبات إقليمية جديدة تحت عنوان "حل إنساني"، تُدار فيه غزة من الخارج، وتُدفن فيه القضية إلى الأبد.
في كل بيت في غزة مرارة، وفي كل ركن قبر، وفي كل خيمة قصّة انتظار لجثة أو خبر.
ومع كل هذا، يبقى السؤال معلّقاً في الهواء:
هل هؤلاء الذين يفعلون هذا بنا... ما زالوا بشراً؟
أم أن البشريّة فيهم ذُبحت، كما ذُبحت عائلات بأكملها في غزة، تحت الركام؟
لكنّ الأخطر من هذا السؤال، هو صمت العالم الذي يراقب المجزرة، ثم يعود إلى مداولاته المعتادة.
حين يُمنح القتلة حصانة سياسية، يصبح القتل استراتيجية.
وحين يُنظَر إلى غزة كمشكلة أمنية لا ككارثة إنسانية، تتحوّل الإبادة إلى سياسة غربية مشتركة، لا جريمة إسرائيلية فقط.
في غزة، لم نعد نطلب شيئاً من العالم.
فقد فهمنا أن العدالة لا تأتي من فوق، بل تُنتزع من تحت الأنقاض.
لكننا نكتب، ونشهد، ونُسجل...
لأنه إن متنا اليوم، يجب على التاريخ أن يعرف من قتلنا، ولماذا لم يرتجف.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تحذيرات أميركية من نفاد صواريخ "حيتس".. ونتنياهو يعلّق: كنت أريد أن يكونوا أكثر
تحذيرات أميركية من نفاد صواريخ "حيتس".. ونتنياهو يعلّق: كنت أريد أن يكونوا أكثر

الميادين

timeمنذ 43 دقائق

  • الميادين

تحذيرات أميركية من نفاد صواريخ "حيتس".. ونتنياهو يعلّق: كنت أريد أن يكونوا أكثر

حذّر مسؤولون أميركيون من أنّ مخزون "إسرائيل" من صواريخ "حيتس-3" الاعتراضية قد ينفد خلال أسابيع، في وقتٍ تستمر الهجمات الإيرانية بالصواريخ والطائرات المسيّرة نحو كيان الاحتلال الإسرائيلي. وقال مصدر أميركي لموقع "واينت" الإسرائيلي، إنّ "هناك خطراً يتمثّل بانتهاء المخزون إذا لم تنته المعركة مع إيران في الأسابيع القريبة". وتُستخدم صواريخ "حيتس-3" (Arrow-3) المتقدمة في التصدي للصواريخ الباليستية خارج الغلاف الجوي، وتشكّل جزءاً محورياً في منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية المدعومة أميركياً. في المقابل، لم يعلّق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشكل مباشر على المسألة، واكتفى بالقول: "كنت أريد أن يكونوا أكثر". اليوم 08:43 اليوم 08:09 ورغم تأكيد مصادر إسرائيلية أنّ "الولايات المتحدة تساعد إسرائيل بنسبة 100% في الدفاع"، لكن "ليس أكيداً أنّ ذلك كافياً"، وفق قولهم. وقد أبدى مسؤولون أميركيون قلقهم المتزايد من حجم الإمدادات التي تُوجّه إلى "إسرائيل"، خاصةً أنّ بعضها يأتي على حساب الجاهزية الأميركية في حال وقوع نزاع استراتيجي أكبر، ربما مع الصين. في هذا السياق، قال ضابط أميركي خدم سابقاً في "الشرق الأوسط": "نحن قلقون بشأن عدد الصواريخ المتبقية لمعركة قادمة"، في إشارة إلى أنّ الإمدادات من طائرات "SM-3" وصواريخ الاعتراض المحمولة جواً تتراجع بمعدلات سريعة. في "تل أبيب"، يؤكد "الجيش" الإسرائيلي أنه "مستعد لكل سيناريو"، رغم استمرار القصف الإيراني من صواريخ وطائرات مسيرة. لكن الحديث عن قرب نفاد الذخائر الدفاعية يطرح تساؤلات حول قدرة "إسرائيل" على الصمود في مواجهة طويلة الأمد، في ظل تصاعد حدة المواجهة. وأفادت تقييمات استخبارية بأنّ "إسرائيل" قادرة على الحفاظ على دفاعها الصاروخي لمدة 10 أو 12 يوماً إضافياً فقط، بدون إمدادات من الولايات المتحدة، وفق صحيفة "واشنطن بوست". وبحسب يهوشوع كاليشكي، الباحث في معهد دراسات الأمن القومي في "تل أبيب"، فإنّ عملية اعتراض واحدة باستخدام "آرو 3" تُكلّف نحو 4 ملايين دولار.

تونس: حكم جديد بالسجن 22 عاماً على المرزوقي بتهمة "الاعتداء على أمن الدولة"
تونس: حكم جديد بالسجن 22 عاماً على المرزوقي بتهمة "الاعتداء على أمن الدولة"

الميادين

timeمنذ 43 دقائق

  • الميادين

تونس: حكم جديد بالسجن 22 عاماً على المرزوقي بتهمة "الاعتداء على أمن الدولة"

صدر اليوم الجمعة، حكم غيابي يقضي بسجن الرئيس التونسي الأسبق، المنصف المرزوقي، لمدة 22 عاماً، في قضايا تتعلق بالاعتداء على أمن الدولة، ما أثار موجة جديدة من المخاوف لدى المعارضة بشأن ما وصفته بـ"حملة ممنهجة" ضد الأصوات المنتقدة للرئيس قيس سعيد. المرزوقي، الذي قاد البلاد بين عامي 2011 و2014، يعد من أبرز المعارضين لسياسات سعيد، ويتهمه بتفكيك مؤسسات الدولة الديمقراطية منذ استحواذه على السلطة عبر حل البرلمان عام 2021، والبدء في الحكم عبر المراسيم. وذلك في خطوة قال سعيد إنها ضرورية لـ"استعادة الاستقرار والنظام" في ظل أزمات سياسية واقتصادية متراكمة. وفي أول رد فعل له، كتب المرزوقي عبر صفحته الرسمية على منصات التواصل الاجتماعي: "...أقول لهؤلاء القضاة: أحكامكم باطلة وأنتم باطلون... وستُحاكمون، الديمقراطية ستعود." اليوم 09:38 11 حزيران #منصف_المرزوقيأصدر قضاة الزبالة حكما ضدي بـ 22 سنة سجن تضاف لحكمين سابقين بـ 8 سنوات وآخر بـ 4 سنواتالحاصل 34 سنة.من فضل كرمهم حكموا بنفس الحكم على عماد الدايمي والعميد الكيلاني وذلك في إطار سلسلة الأحكام السريالية التي طالت خيرة رجالات #تونس ولا تزال تثير سخرية العالم.… يُشار إلى أنّ الحكم هو الثالث من نوعه ضد المرزوقي، حيث سبق وأن صدرت في حقه أحكام غيابية أخرى بالسجن لأربع سنوات وثماني سنوات في قضايا منفصلة. وفي وقت سابق من اليوم الجمعة، أصدرت محكمة أخرى حكما بالسجن 15 عاماً على الصحبي عتيق، القيادي البارز في حزب النهضة المعارض، بتهمة غسيل الأموال، بحسب ما ذكر محاميه لوكالة "رويترز". ويأتي هذا الحكم ضمن سلسلة من القضايا التي استهدفت معارضين، إذ أصدرت محكمة تونسية في نيسان/أبريل الماضي أحكاماً بالسجن وصلت إلى 66 عاماً على عدد من قادة المعارضة ومحامين ورجال أعمال بتهم التآمر على أمن الدولة. ويقبع معظم قادة الأحزاب السياسية حالياً في السجون، من بينهم عبير موسي، رئيسة الحزب الدستوري الحر وراشد الغنوشي الزعيم التاريخي لحركة النهضة وكلاهما من أبرز معارضي سعيد.

بوتين: لا دليل على نية إيرانية لامتلاك أسلحة نووية
بوتين: لا دليل على نية إيرانية لامتلاك أسلحة نووية

LBCI

timeمنذ ساعة واحدة

  • LBCI

بوتين: لا دليل على نية إيرانية لامتلاك أسلحة نووية

نقلت وكالة نوفوستي عن الرئيس الروسي فلادمير بوتين قوله إن روسيا أبلغت إسرائيل مرارا بأنه لا دليل على وجود نية إيرانية لامتلاك أسلحة نووية. والأربعاء الماضي، قال سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي إن بلاده تطالب الولايات المتحدة بعدم توجيه ضربات لإيران، محذرا من أن ذلك سيؤدي إلى زعزعة خطيرة لاستقرار الشرق الأوسط. وأكدت موسكو أن الغارات الإسرائيلية تثير مخاطر حقيقية لوقوع كارثة نووية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store