
الدراما المصرية بين الأمس واليوم
تُعدُّ الدراما المصرية من أقدم وأهم الصناعات الفنية في العالم العربي، فقد كانت تُعتبر في زمن ليس ببعيد مدرسة فنية تُساهم في تشكيل الوعي الثقافي والاجتماعي للمشاهدين، من خلال تقديم موضوعات اجتماعية وسياسية وإنسانية بأسلوب درامي متوازن، وقدمت أعمالًا خالدة لا زالت راسخة في الأذهان إلى اليوم.
كانت العائلة العربية، من المحيط إلى الخليج، تجتمع خلال شهر رمضان لمتابعة مسلسل واحد تنتظره بشغف، وكان من أسباب نجاحه الحبكة الدرامية التي تناقش قضايا المجتمع برقي وعمق إلى جانب مشاركة ألمع النجوم المصرية، فقد كنا نغوص في صراعات الزمن الجميل بين "سليم البدري" و"العمدة سليمان غانم" في "ليالي الحلمية"، أو نعيش صراع الطبقات في "المال والبنون"، أو حتى نتأمل أجواء الرقي في "هوانم جاردن سيتي"، لم يكن العدد المهول من الخيارات لكن الجودة كانت عالية والقصة مشوقة تجعل المشاهد يتابع الأحداث بانبهار شديد.
اليوم، اختلفت المقاييس والحسابات، فأصبحت المواضيع تكرارية تتمحور إما حول تجارة المخدرات والأسلحة، وتحولت الحارة المصرية التي كانت رمزًا للجدعنة والتكافل إلى ميدان حرب تحتضن مشاهد العنف والانتقام، وأبطالها يمتهنون "البلطجة" بكل فخر، أو أصبحت المواضيع سطحية تدور حول الخيانات الزوجية وتنتهي في الآخر بقبول الخطأ كوجهة نظر قابلة للنقاش.
أما عن دور المرأة، فقد قُدمت في زمن "هوانم جاردن سيتي" أو "ضمير أبله حكمت" كنموذج للأناقة والثقافة والحكمة، حيث كانت تواجه المشاكل بحنكة وكرامة وتدير بيتها بذكاء يفوق ذكاء الرجل، أما اليوم، فقد تغيرت الرؤية، فأصبحت المرأة في الدراما المصرية إما راقصة تتحول إلى نجمة مجتمع بعد سلسلة من المشاهد المبتذلة، أو زوجة مقهورة تتعرض لخيانة زوجها رجل الأعمال الذي يمارس عليها كل أنواع العنف والاضطهاد، أو "مِعَلمة" تجلس بين "البلطجية" في قهوة الحارة وهي تدخن "الشيشة" وتصرخ أو تتبادل الشتائم، بل وقد تصل إلى الضرب بالشباشب، مشاهد سوداوية حولت المجتمع إلى أفراد تعاني من قلة التربية وانعدام المبادئ.
الدراما ليست ترفيهًا بل هي ثقافة، وإذا كنا نريد جيلاً واعيًا ومثقفًا، فلا بد من تقديم أعمال راقية تحترم العقل والمبادئ، كما أننا بحاجة إلى صناع يعيدون لنا دراما الزمن الجميل لكي لا نظل عالقين في دوامة الضرب والرقص والسباب.
*كاتبة وإعلامية مغربية

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البوابة
١٠-٠٣-٢٠٢٥
- البوابة
الدراما المصرية بين الأمس واليوم
تُعدُّ الدراما المصرية من أقدم وأهم الصناعات الفنية في العالم العربي، فقد كانت تُعتبر في زمن ليس ببعيد مدرسة فنية تُساهم في تشكيل الوعي الثقافي والاجتماعي للمشاهدين، من خلال تقديم موضوعات اجتماعية وسياسية وإنسانية بأسلوب درامي متوازن، وقدمت أعمالًا خالدة لا زالت راسخة في الأذهان إلى اليوم. كانت العائلة العربية، من المحيط إلى الخليج، تجتمع خلال شهر رمضان لمتابعة مسلسل واحد تنتظره بشغف، وكان من أسباب نجاحه الحبكة الدرامية التي تناقش قضايا المجتمع برقي وعمق إلى جانب مشاركة ألمع النجوم المصرية، فقد كنا نغوص في صراعات الزمن الجميل بين "سليم البدري" و"العمدة سليمان غانم" في "ليالي الحلمية"، أو نعيش صراع الطبقات في "المال والبنون"، أو حتى نتأمل أجواء الرقي في "هوانم جاردن سيتي"، لم يكن العدد المهول من الخيارات لكن الجودة كانت عالية والقصة مشوقة تجعل المشاهد يتابع الأحداث بانبهار شديد. اليوم، اختلفت المقاييس والحسابات، فأصبحت المواضيع تكرارية تتمحور إما حول تجارة المخدرات والأسلحة، وتحولت الحارة المصرية التي كانت رمزًا للجدعنة والتكافل إلى ميدان حرب تحتضن مشاهد العنف والانتقام، وأبطالها يمتهنون "البلطجة" بكل فخر، أو أصبحت المواضيع سطحية تدور حول الخيانات الزوجية وتنتهي في الآخر بقبول الخطأ كوجهة نظر قابلة للنقاش. أما عن دور المرأة، فقد قُدمت في زمن "هوانم جاردن سيتي" أو "ضمير أبله حكمت" كنموذج للأناقة والثقافة والحكمة، حيث كانت تواجه المشاكل بحنكة وكرامة وتدير بيتها بذكاء يفوق ذكاء الرجل، أما اليوم، فقد تغيرت الرؤية، فأصبحت المرأة في الدراما المصرية إما راقصة تتحول إلى نجمة مجتمع بعد سلسلة من المشاهد المبتذلة، أو زوجة مقهورة تتعرض لخيانة زوجها رجل الأعمال الذي يمارس عليها كل أنواع العنف والاضطهاد، أو "مِعَلمة" تجلس بين "البلطجية" في قهوة الحارة وهي تدخن "الشيشة" وتصرخ أو تتبادل الشتائم، بل وقد تصل إلى الضرب بالشباشب، مشاهد سوداوية حولت المجتمع إلى أفراد تعاني من قلة التربية وانعدام المبادئ. الدراما ليست ترفيهًا بل هي ثقافة، وإذا كنا نريد جيلاً واعيًا ومثقفًا، فلا بد من تقديم أعمال راقية تحترم العقل والمبادئ، كما أننا بحاجة إلى صناع يعيدون لنا دراما الزمن الجميل لكي لا نظل عالقين في دوامة الضرب والرقص والسباب. *كاتبة وإعلامية مغربية


البوابة
٠٢-٠٣-٢٠٢٥
- البوابة
"ليالي الحلمية".. حين تحوّلت الدراما إلى تأريخ لمصر
قبل أن تتحول الشاشة إلى ساحة سباق محموم، كان رمضان زمان يأتي ومعه سحر خاص، حيث كانت المسلسلات جزءًا أصيلًا من طقوس الشهر الكريم، لا مجرد عروض تملأ الفراغ. كنا ننتظر دقات الساعة بعد الإفطار لنلتف حول التلفزيون، نتابع الحلقات بشغف، ونحفظ تترات المسلسلات عن ظهر قلب، كأنها نشيد مقدس يعلن بداية الحكاية. من "ليالي الحلمية" إلى "بوابة الحلواني"، ومن "هند والدكتور نعمان" إلى "رحلة السيد أبو العلا البشري"، كانت الدراما تلمس قلوب المشاهدين، تحكي عنهم، تناقش همومهم، وتضيء واقعهم بصدق وبساطة. لم تكن مجرد مشاهد عابرة، بل كانت انعكاسًا لأحلام واحتياجات جمهور كان يبحث عن الدفء، عن الفن الذي يشبهه، عن قضايا تُروى بعمق دون صخب. رمضان زمان لم يكن مجرد موسم درامي، بل كان موعدًا مع الإبداع الأصيل، حيث اجتمع الكبار والصغار أمام الشاشة، ليشاهدوا فنًّا يحترم عقولهم، ويسافر بهم إلى عالم من المشاعر الحقيقية. واليوم، وسط زحام الإنتاجات الحديثة، يبقى الحنين لتلك الأيام حاضرًا، حيث كانت المسلسلات ليست مجرد أعمال درامية، بل ذكريات محفورة في الوجدان. في زمن كانت فيه الدراما المصرية تعكس وجدان المجتمع، جاء "ليالي الحلمية" ليكون أكثر من مجرد مسلسل، بل سجلًا يحكي عن مصر وشعبها عبر العقود، من الملكية وحتى ما بعد ثورة يوليو. لم يكن العمل مجرد دراما اجتماعية، بل كان مرآة تعكس التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مر بها المصريون. قصة المسلسل كانت تدور حول الصراع الطبقي والسياسي والاجتماعي في مصر، من خلال شخصيات صنعت لنفسها مكانًا خالدًا في قلوب المشاهدين. تبدأ الأحداث مع سليم البدري (يحيى الفخراني)، ابن الباشا الذي يتصارع مع ابن الفلاح البسيط سليمان غانم (صلاح السعدني)، في صراع يعكس الفجوة بين الطبقات بعد الثورة. تتشابك قصص الحب والخيانة والطموح عبر الأجيال، في حبكة درامية جعلت المسلسل واحدًا من أعظم الأعمال التلفزيونية. النجاح والاستقبال الجماهيري منذ عرض الجزء الأول في رمضان 1987، تحوّل المسلسل إلى حالة خاصة، حيث أصبح الجمهور ينتظر حلقاته كما لو كان يتابع توثيقًا لحياته الشخصية. استمر نجاح المسلسل على مدار خمسة أجزاء، حتى أن البعض وصفه بـ"ملحمة درامية لا تتكرر". كانت الشخصيات قريبة من الناس ، فلم تكن مجرد أبطال على الشاشة، بل أفرادًا من العائلة، نعيش معهم أفراحهم وأحزانهم، ونرى فيهم أنفسنا. تحول "سليم البدري" و"سليمان غانم" إلى رموز للصراع الاجتماعي، بينما أصبحت نازك السلحدار واحدة من أشهر الشخصيات النسائية في تاريخ الدراما. في تلك الأيام، كان رمضان يعني لمّة العيلة، ومتابعة مسلسل واحد يشغل الجميع. لم يكن هناك انشغال بالهواتف أو منصات المشاهدة، بل كان المسلسل يُشاهد جماعيًا، ويصبح حديث البيوت في اليوم التالي. "ليالي الحلمية" لم يكن مجرد مسلسل يُعرض في رمضان، بل كان بمثابة دفتر ذكريات لكل بيت مصري، ارتبط به الكبار والصغار، وبقي في القلوب رغم مرور الزمن. واليوم، بعد عقود من عرضه، لا يزال الحنين يأخذنا إلى تلك الليالي، حينما كانت الدراما تُصنع بحب، وحينما كان رمضان مليئًا بالدفء والوجوه التي أحببناها. المسلسل كان تأليف أسامة أنور عكاشة، الذي رسم شخصياته ببراعة جعلتها حية في أذهان المشاهدين. المسلسل من إخراج إسماعيل عبدالحافظ، الذي استطاع أن ينقل روعة الحارة المصرية بكل تفاصيلها، وبطولة الفنانين: يحيى الفخراني، صلاح السعدني، صفية العمري، هشام سليم، حنان شوقي، عبدالله غيث، زوزو نبيل، وآخرون.


العين الإخبارية
٠٣-١٢-٢٠٢٤
- العين الإخبارية
ذكرى ميلاد مديحة يسري الـ 106.. مسيرة فنية خالدة من الزمن الجميل
لقبت بـ "سمراء الشاشة العربية"، بحضورها اللافت الجذاب، وجمالها الطبيعي النقي، الأمر الذي جعل مديحة يسري ملكة قلوب المصريين برحلة فنية خالدة ومخلصة. من البداية، كانت تعلم مديحة يسري أن الفن هو طريقها الذي لم يكن عليها أن تختاره، كأنه قدرها، فعلى مدى مسيرتها الفنية السينمائية والتلفزيونية كانت تعمل بإخلاص وتجتهد لتقدم ما يرضي جمهورها ويعبر عن احترامها لفنها، فظلت محتفظة بمكانتها واكتسبت بثقة محبة الجمهور ووفائه. وفي ذكرى ميلاد مديحة يسري نستعيد مسيرتها الفنية وحياتها الشخصية التي جاءت محملة بكثير من الأحزان والمفاجأت. أهم المعلومات عن مديحة يسري ولدت باسم "غنيمة خليل حبيب علي" في حي الأزهر بالقاهرة، يوم 3 ديسمبر/ كانون الأول عام 1918، كانت والدتها سيدة مصرية من الشرقية، أما والدها فكان من أصول تركية ويعمل مهندسا بهيئة السكك الحديدية. انتقلت أسرة مديحة يسري مع أسرتها إلى حي شبرا في وسط القاهرة، حيث التحقت بمدرسة شبرا الابتدائية، ثم مدرسة الفنون الطرزية، وظهر اهتمامها خلال سنوات الدراسة بالتمثيل، فكانت ترأس فريق التمثيل وتهوى مشاهدة الأفلام السينمائية وترى في نفسها "جريتا جاربو" المصرية. وعبر صدفة في حديقة مقهى جروبي الذي كان حينها ملتقى للمثقفين، التقت مديحة يسري بالمخرج مكتشف الوجوه الجديدة "محمد كريم"، الذي عرض عليها فرصة الظهور السينمائي في فيلم "ممنوع الحب" عام 1942، فور أن رأى وجهها الناضج بالحياة وملامحها المصرية وضحكتها الساحرة. أفلام مديحة يسري عرضت مديحة يسري على والدها ما قاله المخرج محمد كريم، لم يقف أمام رغبتها في التمثيل، ولكنه أخذ منها عهدًا بالالتزام والحكمة والإخلاص لأصولها، وهو ما أوفت به مديحة يسري، فلم تحد عن هدفها يومًا. كان حضورها لافتا في أول أعمالها الفنية، ووقتها اقترح عليها الموسيقار محمد عبد الوهاب تغيير اسمها عند الولادة من "غنيمة" إلى "مديحة يسري" من اليُسر، وبعدها اشتركت في تقديم فيلم قصير بالتعاون مع وزارة الصحة باسم "العامل"، وكان فيلما توعويًا خلال الحرب العالمية الثانية مدته 5 دقائق. استمرت مشاركات مديحة يسري الفنية، وكان فيلم "أحلام الشباب" هو أول بطولة لها مع فريد الأطرش، وتوالت أعمالها الفنية المميزة، ومنها: "تحيا الستات"- 1944 "أحلام الحب"- 1945 "النائب العام"- 1946 "المستقبل المجهول"- 1948 "كيد النساء"- 1950 "الأفوكاتو مديحة"- 1950 "من أين لك هذا"- 1952 "حياة أو موت"- 1954 "الخطايا"- 1962 "خلي بالك من جيرانك"- 1979 "الإرهابي"- 1994 كانت مديحة يسري تخلق لنفسها مكانة مميزة وأدوار تناسبها في كل فترة من حياتها، وفي عقد التسعينات وأوائل الألفينات اتجهت إلى الدراما التلفزيونية، واشتركت في مسلسلات ناجحة، من بينها: "هوانم جاردن سيتي"، و"قلوب حائرة"، ويحيا العدل"، وآخرها مسلسل "قلبي يناديك" عام 2004، الذي اعتزلت الفن من بعده حتى وفاتها. أزواج مديحة يسري تزوجت مديحة يسري في البداية من المطرب والمنتج محمد أمين، ولكنهما انفصلا بعد ثلاث سنوات، تزوجت بعدها من الطيار أحمد سالم وانفصلت عنه بعد فترة وجيزة، ثم تزوجت من الفنان محمد فوزي وكانا يشكلان معا ثنائي جذاب ومحب، فلقد قدما معًا عددا من الأفلام الناجحة، وأسسا شركة الإنتاج "مصر فون". بعد عشر سنوات من الزواج، انفصلت مديحة يسري عن محمد فوزي مع وجود كثير من التخمينات أن الخيانة هي السبب، وكان حصيلة هذا الزواج ابنهما الوحيد "عمرو"، الذي رحل في حادث سيارة مأساوي، بينما كانت آخر زيجاتها من الشيخ إبراهيم سلامة الراضي، ولكنها انفصلت عنه بعد فترة. سبب وفاة مديحة يسري بعد آخر أعمالها عام 2004، كانت مديحة يسري تظهر في المهرجانات العالمية والعربية، وكضيفة في البرامج التلفزيونية، حتى قررت الاعتزال عام 2012، واختفت من الظهور العام حتى رحلت بعد اشتداد أمراض الشيخوخة عليها أثناء تواجدها في مستشفى المعادي العسكري، صبيحة يوم 30 مايو/ آيار 2018. aXA6IDY0LjEzNy4xMjEuMzMg جزيرة ام اند امز CL