
ستيف جوبز وإدارة الابتكار: لماذا لم تعد أمريكا بيئة مثالية لصناعة ال «آيفون»؟
في ظل النقاشات الدائرة حول الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي تسببت بتقلبات حادة في الأسواق وزادت المخاوف من ركود اقتصادي، يرى بعض المسؤولين، مثل بيتر نافارو، مهندس سياسات ترامب التجارية، أن هذه التضحيات ضرورية لتحقيق مكاسب اقتصادية مستقبلية. وهدفهم النهائي يتمثل في إعادة تشغيل المصانع شبه الخالية في مدن مثل ديترويت ومناطق الغرب الأوسط، واستعادة وظائف الطبقة المتوسطة في قطاع التصنيع.
رغم أن هذا الطموح يستند إلى رؤية ذات جاذبية عاطفية مرتبطة بالماضي الصناعي الأمريكي، إلا أن هناك من شكك في واقعية هذه الرؤية، وعلى رأسهم، وبشكل مفاجئ، مؤسس شركة أبل الراحل، ستيف جوبز.
جوبز وصناعة الآيفون
قد يتساءل البعض: كيف لستيف جوبز، الذي توفي عام 2011، أن يعبّر عن رأيه بشأن سياسات تجارية تم تنفيذها بعد وفاته بسنوات؟ الحقيقة أن جوبز لم يتحدث تحديداً عن سياسات ترامب، لكن نفس الفكرة كانت مطروحة حتى في عهد الرئيس باراك أوباما.
وفي عام 2011، وخلال عشاء جمع أوباما بكبار قادة وادي السيليكون، وجه الرئيس سؤالاً بسيطاً لجوبز: «ما الذي يلزم لصناعة الآيفون داخل الولايات المتحدة؟» فكانت إجابة جوبز قاطعة: «هذه الوظائف لن تعود».جوبز لم يُرجع السبب فقط إلى انخفاض التكاليف في الصين. بل أوضح أن قدرات المصانع الأجنبية، من حيث السرعة والمرونة والانضباط والمهارات الصناعية، قد تجاوزت نظيراتها الأمريكية بمراحل، ما جعل من عبارة «صُنع في أمريكا» أمراً غير واقعي عندما يتعلق الأمر بمنتجات عالية التعقيد مثل الآيفون.
مثال عملي: ماذا حدث عندما تغيّر تصميم شاشة الآيفون؟
نشرت صحيفة نيويورك تايمز مثالاً قوياً يُجسّد الفارق بين المصانع الأمريكية ونظيرتها في الخارج. فحين قررت «أبل» تغيير تصميم شاشة الآيفون في اللحظة الأخيرة، استجابت شركة صينية مشغّلة للمصنع خلال ساعات.
ففي منتصف الليل، تم إيقاظ 8000 عامل من داخل مهاجعهم، وحصل كل منهم على بسكويت وكوب شاي، ثم توجهوا فوراً إلى خطوط الإنتاج، وبدأوا نوبة عمل من 12 ساعة. خلال أربعة أيام فقط، كان المصنع يُنتج أكثر من 10,000 جهاز يومياً. مسؤول تنفيذي في أبل وصف هذا الأداء بأنه «مذهل ولا يمكن لأي مصنع أمريكي مجاراته».
هل الأمريكيون يريدون أصلاً وظائف التصنيع؟
رغم أن كثيراً من الأمريكيين يشعرون بالحنين لعصر التصنيع، إلا أن البيانات تشير إلى تناقض واضح. في استطلاع حديث أجراه معهد «كاتو» بالتعاون مع «يوغوف» في عام 2024، قال 80% من المشاركين إنهم يعتقدون أن البلاد ستكون أفضل حالاً إذا زاد عدد العاملين في مجال التصنيع. لكن فقط 25% منهم أبدوا رغبة حقيقية في تولي مثل هذه الوظائف بأنفسهم.
وهذه الهوة في الرغبة تبرز كذلك في مشروع شركة 'TSMC' التايوانية، التي أنشأت مصنعاً ضخماً للرقائق في ولاية أريزونا. فقد أشار تقرير من موقع «ذا فيرج» إلى وجود فجوة ثقافية كبيرة بين المهندسين الأمريكيين وزملائهم التايوانيين. الأمريكيون انتقدوا الهياكل الإدارية الصارمة في الشركة، بينما رأى المسؤولون التايوانيون أن الموظفين الأمريكيين يفتقرون إلى الانضباط والالتزام المطلوبين.
أسباب عدم التصنيعنشر رائد الأعمال مولسون هارت، مؤسس شركة ألعاب تعليمية، مقالاً مطوّلاً تناول فيه 14 سبباً تقنياً ولوجستياً يمنع إعادة تصنيع الأجهزة المعقدة مثل الآيفون داخل الولايات المتحدة.
1. غياب سلسلة التوريد: معظم المصانع التي تُنتج المكونات الأساسية للآيفون تقع في آسيا. ومن غير الممكن إنتاج منتج نهائي بدون توفر كل القطع اللازمة محلياً، بغض النظر عن الرسوم الجمركية.
2. نقص المهارات الصناعية: حتى في صناعات أبسط مثل صناعة الألعاب البلاستيكية، تفتقر أمريكا إلى الحرفيين القادرين على صيانة قوالب الإنتاج أو تصنيعها. كثير من هؤلاء العمال إما تقاعدوا أو توفوا، ولم تُعوض السوق بعمال جدد.
ويقول هارت إنه في حال تعطل أحد قوالب التصنيع لديهم، لا خيار سوى إرساله إلى الصين للإصلاح، مما يؤدي إلى توقف الإنتاج لأشهر.
إحياء التصنيعليست الرسوم الجمركية وحدها ما سيعيد الوظائف، كما أن الرغبة السياسية وحدها لا تكفي. إن إحياء التصنيع الأمريكي يتطلب رؤية طويلة المدى تشمل:
* إصلاح النظام الصحي الذي يجعل توظيف العمال باهظ الثمن.
* تحسين مستوى تعليم الرياضيات والعلوم لدى الطلاب.
* دعم التدريب الفني والمهني.
* الاستثمار في تطوير سلاسل التوريد المحلية.
وكل هذه عوامل ضرورية إذا كانت أمريكا تريد فعلاً استعادة قدرتها على إنتاج منتجات عالية التقنية على أراضيها.
كلمات ستيف جوبز لا تزال صحيحة
إن ما قاله ستيف جوبز لأوباما منذ أكثر من عقد لا يزال يحمل وزناً كبيراً اليوم. فالرغبة في استعادة أمجاد الماضي لا تكفي ما لم تترافق مع فهم واقعي ودقيق للتحديات الفعلية. إن تجاهل هذه الحقائق قد يؤدي إلى قرارات مكلفة وغير مجدية.
إذا كان الهدف فعلاً هو تعزيز القدرة الصناعية الأمريكية، فإن أول خطوة هي الاعتراف بصعوبة المهمة وطول الطريق أمام تحقيقها. وفقط حينها يمكن البدء في معالجة المشكلات واحدة تلو الأخرى، وربما بعد سنوات، يصبح الحلم ممكناً.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البيان
منذ 3 ساعات
- البيان
العلاقات الأمريكية الصينية.. بين الصدام والاحتواء
ففي الوقت الذي تلوح فيه بوادر تهدئة اقتصادية، لا تزال الملفات الخلافية الكبرى مفتوحة على مصراعيها، ما يثير تساؤلات أساسية حول ما إذا كانت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين تقف على أعتاب منعطف حاسم، أم أن ما يجري لا يعدو كونه محطة مؤقتة في مسار تنافسي طويل الأمد؟ وهي معادلة لا تزال قيد التشكّل، لكنها قد تحدد ملامح المشهد الدولي في العقد المقبل، ما لم تنزلق الأمور مجدداً إلى منطق التصعيد المفتوح. فإن فك الارتباط الكامل بين أكبر اقتصادين في العالم ليس مطروحاً حالياً.. فالمعركة الحقيقية تدور حول من سيعيد تشكيل قواعد الاقتصاد العالمي في المرحلة المقبلة». وقد ترجم هذا الخطاب نفسه في سلسلة من الإجراءات المتبادلة، ولا سيما الاقتصادية والتجارية، ما عمّق الهوة بين أكبر اقتصادين في العالم، ورسّخ التحول من الشراكة التبادلية إلى منافسة استراتيجية مفتوحة. لكنّ نقاط الخلاف والمنافسة لا تزال حاضرة بقوة، وخصوصاً في ملفات حساسة مثل تايوان، وحقوق الملكية الفكرية، والنفوذ العسكري في بحر الصين الجنوبي، وهي قضايا تُعدّ جوهرية في الصراع الجيوسياسي بين واشنطن وبكين. ورغم ذلك، يرى مراقبون أن مناخ التهدئة الاقتصادي قد يفتح الباب أمام قنوات دبلوماسية أكثر فاعلية، تتيح مناقشة القضايا الخلافية من موقع أقل توتراً. إذ يميل الطرفان إلى إدارة الصراع لا تفجيره، في ظل التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه كلا النظامين. ومن شأن هذا المسار أن يرسل طاقة إيجابية للأسواق العالمية، ويعزز مناخ الثقة، وخاصة في قطاعات الزراعة، والتكنولوجيا، والسيارات الكهربائية، وأشباه الموصلات وغيرها من المجالات الحيوية. ويُعتقد بأن أي تحول فعلي سيبقى رهناً بإرادة سياسية تتجاوز لغة المصالح الضيّقة وتُدرك حجم التهديدات التي قد تنجم عن استمرار الحرب الباردة الجديدة بصيغتها الاقتصادية والتكنولوجية. ويشير خبير العلاقات الدولية، الدكتور جاد رعد، في هذا السياق إلى أنه في ضوء الإعلان الأخير عن تفاهم بين الصين والولايات المتحدة، لا بد من التذكير بأن هذا النوع من الإعلانات لا يعني بالضرورة تطبيق تفاهم فعلي أو التوصل إلى هدنة حقيقية، ولا سيما عندما يكون الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طرفاً في المعادلة.


الإمارات اليوم
منذ 3 ساعات
- الإمارات اليوم
الصين تطالب أميركا باستقرار النظام المالي الدولي
دعت الصين الولايات المتحدة، أمس، إلى اتخاذ تدابير سياسية مسؤولة من أجل الحفاظ على استقرار النظام المالي والاقتصادي الدولي وحماية مصالح المستثمرين. جاء ذلك على لسان متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، خلال إفادة صحافية يومية، رداً على سؤال بشأن تخفيض وكالة «موديز» التصنيف الائتماني السيادي للولايات المتحدة، بسبب المخاوف المتعلقة بتزايد ديونها. وكانت «موديز» خفضت تصنيف ديون الولايات المتحدة، ما أدى إلى حرمانها من آخر تصنيف ائتماني مثالي لها، وقد تهز هذه الخطوة الأسواق المالية وترفع أسعار الفائدة.


Khaleej Times
منذ 5 ساعات
- Khaleej Times
"اصنعها في الإمارات": توطين 4800 منتج وتوفير 40 مليار درهم و12 ألف وظيفة للمواطنين
أكد الدكتور سلطان بن أحمد الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة أن دولة الإمارات العربية المتحدة رفعت قيمة مشترياتها من المصنعين المحليين من 143 مليار درهم إلى 168 مليار درهم خلال السنوات العشر المقبلة، بزيادة قدرها 25 مليار درهم عن أرقام العام الماضي. وفي كلمته الترحيبية التي ألقاها يوم الاثنين في فعالية " اصنعها في الإمارات"، قال معاليه إن هذه المبادرة تهدف إلى توطين تصنيع أكثر من 4800 منتج، ودعم القطاع الصناعي في الدولة بشكل أكبر. وستعزز هذه المبادرة بشكل كبير التصنيع المحلي في مختلف القطاعات، وستوفر فرص عمل. وأضاف أن الإمارات ستوفر 40 مليار درهم تمويلاً تنافسياً وتخلق 1200 فرصة عمل للمواطنين في قطاع الصناعة خلال السنوات الخمس المقبلة. وأوضح أنه بالإضافة إلى بنك الإمارات للتنمية، فإن البنوك التجارية الأخرى العاملة في كافة أنحاء الدولة ستكون جزءاً من حزمة التمويل هذه. وقال معاليه خلال كلمته في الدورة الرابعة من "اصنعها في الإمارات"، المنعقدة من 19 إلى 22 مايو في مركز أدنيك بأبوظبي: "تشهد الاقتصادات العالمية تحولات اقتصادية متسارعة تُهيئ فرصاً غير مسبوقة في جميع القطاعات. وقد نجحت دولة الإمارات في إرساء أسس متينة لبناء قطاع صناعي قوي يدعم التنوع الاقتصادي". الذكاء الاصطناعي ..قطاع اقتصادي تتمتع الدول ذات الأسس الصناعية المتينة بنمو اقتصادي مستدام وتؤمّن مستقبلاً مشرقاً، ولكل استثمار في القطاع الصناعي آثار متعددة. ومع توجهنا نحو صناعات متقدمة كالذكاء الاصطناعي والروبوتات، يشهد العالم عصراً صناعياً جديداً تقوده الأفكار وتتسارع خطواته بفضل التقنيات. وقد أطلقنا الاستراتيجية الصناعية لدولة الإمارات العربية المتحدة لزيادة مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي، ودعم المنتجات المحلية، وتقوية سلسلة التوريد، وتسريع تبني تقنيات الثورة الصناعية الرابعة. وأضاف: "لا ننظر إلى الذكاء الاصطناعي كمجرد أداة وتقنية جديدة، بل كقطاع اقتصادي متكامل". وأكد الدكتور سلطان أن اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة التي وقعتها دولة الإمارات ساهمت في تعزيز فرص وصول المنتجات الإماراتية إلى الأسواق العالمية ورفع قيمة التجارة الخارجية للدولة إلى أكثر من 5 تريليونات درهم. انطلقت المرحلة الأولى من الحرم الجامعي الأمريكي الإماراتي للذكاء الاصطناعي خلال زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للخليج الأسبوع الماضي. وسيكون أكبر مركز للذكاء الاصطناعي خارج الولايات المتحدة، وسيعزز مكانة الإمارات في الاقتصاد العالمي. هكذا تقود دولة الإمارات صناعات المستقبل، بما يُسهم في تعزيز رحلتنا نحو تبني التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. أطلقت الوزارة برنامجاً لنقل التكنولوجيا، يدعم أكثر من 500 مصنع بتسهيلات مالية بقيمة إجمالية تبلغ 4.6 مليار درهم. ونركز على تكنولوجيا الطاقة المتجددة، والفضاء، وأشباه الموصلات، ومكونات الرقائق الذكية لمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، وبطاريات تخزين الطاقة، والمركبات ذاتية القيادة، وغيرها. وأشار الوزير إلى أن البرنامج الوطني لتعزيز القيمة المحلية المضافة الذي يهدف إلى إعادة توجيه أكبر قدر ممكن من الإنفاق نحو المنتجات والخدمات الوطنية، بلغ الإنفاق المحلي 347 مليار درهم، وأوجد أكثر من 22 ألف فرصة عمل للمواطنين. ودعا الدكتور سلطان الجابر المستثمرين المحليين والدوليين لاستكشاف الفرص المتاحة من خلال منصة "اصنعها في الإمارات" وبناء شراكة صناعية عالية الجودة وطويلة الأمد. نشجع الشباب الإماراتي، من خلال منصة "اصنعها في الإمارات"، على الانضمام إلى القطاع الصناعي سواءً من خلال العمل أو ريادة الأعمال. بادروا، فالإمارات العربية المتحدة تُقدّم كل ما يلزم للنجاح والريادة في المستقبل. ستكون علامة "صنع في الإمارات" رمزاً للجودة والتميز.